كتب : إسلام مجدي
"مشجعو بوكا انطلقوا في كل مكان، كان الأمر مهيبا، لقد كان الأمر أشبه بعصر ذهبي نعيشه". ماريو زانابريا لاعب بوكا جونيورز السابق.
العديد من الأساطير بُنيت حول هيبة هذه المباراة، جنون الجماهير غير المعهود، حتى أن جوناثان ويلسون الكاتب البريطاني الشهير في كتابه عن تاريخ الكرة الأرجنتينية وصف الهوليجانز في الأرجنتين على أنهم الأعنف على الإطلاق بل لم ير مثلهم أبدا في التاريخ. حتى في إنجلترا.
وفي تاريخ الفريقين، لم يلعبا حتى الآن سوى نهائي وحيد فيما بينهما.
المباراة لعبت أمام 69.1 ألف مشجعا على ملعب الرئيس خوان دومينغو بيرون، سعة ذلك الملعب 51.3 ألف مشجعا لكن هل هذه الأرقام تعني شيئا لمشجعي الفريقين؟
موسم 1976 شهد ضغطا كبيرا على بوكا جونيورز بسبب هيمنة فريق ريفر بليت على اللقب المحلي لمدة موسمين متتالييين مع مدربه أنخيل لابرونا، الذي كسر لعنة 18 عاما بلا ألقاب، وضم للفريق لاعبين متميزين للغاية مثل دانييل باساريلا ونوبريرتو ألونسو وليوبولدو لوكي.
كلاهما ولد في نفس الحي، لا بوكا، في بدايات القرن الـ20، كانا جزء من عملية البناء الخاصة بتاريخ الكرة الأرجنتينية، مع العديد من الخلافات والصداقات.
ريفر بليت أنهى عملية إتمام إنشائه عام 1904 على الرغم من الاعتراف به رسميا قبل ذلك التاريخ بـ3 أعوام، وفي أبريل 1905 انضم رسميا للدوري، ثم بوكا في 1908، ومنذ عام 1913، يلعبان سويا في الدوري بعيدا عن سنوات الانفصال.
بدأ نمو الفريقين في منتصف العشرينيات، بوكا كان قد نمى سريعا بفضل الجولة التي أجراها عام 1925 حول الأرجنتين، في حين أن ريفر وبطموح الإدارة ضم عددا من اللاعبين مثل كارلوس بيوسيلي وبيرنابي فيريرا وذلك وسط الأزمة الاقصتادية الكبيرة التي ضربت سوق الأسهم عام 1929.
في بدايات 1931، أصبح أهم كلاسيكو في الدولة وأهم مباراة يتحدث عنها الجميع، بعد عدد من الدورات المحلية والكؤوس والمباريات على الصعيد القاري، لم يكن بين الفريقين سوى نهائي وحيد، بتاريخ 22 ديسمبر 1976، والذي فاز به بوكا جونيورز، بهدف لا ينسى سجله روبن سونييه.
لماذا لم يلعبا سوى مباراة نهائية وحيدة فيما بينهما؟
لم يتواجه الفريقان سويا في أي نهائي قبل تلك المباراة، وأقرب شيء للنهائي، حينما تعادلا في النقاط في الجولة الأولى من بطولة الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم، ومنذ ذلك الحين إما بوكا أو ريفر لكن لم يشهد الجماهير قط أي نهائي بينهما، وفي 7 كؤوس وطنية لعبوا بها لم يلتقيا قط، المواجهات دائما كانت في الجولات الأولى أو دور الـ16.
تم تعديل شكل جديد لكأس الأرجنتين لكي يلتقي الفريقان في النهائي عوضا عن الأدوار الأولى، لكن على الرغم من ذلك لم يلتقيا سوى في نصف النهائي وليس أبعد من ذلك.
في الفترة من 1967 وحتى 1985 قرر المسؤولون أن يضعوا نظاما تواجه فيه جميع الفرق بعضها البعض، في مباراة واحدة ذهاب فقط، والأول هو البطل، بعد ذلك زادت عدد الفرق، ليتحول إلى دوري مجموعتين بوجود نصف نهائي ونهائي.
في عامي 1974 و1975 تم تحويلها إلى دوري الـ4 مجموعات، ومرحلة نهائية الكل يواجه الكل في مباراة واحدة على ملعب محايد، ولكن في عام 1976 تغير شكل الدوري مجددا، بسبب وجود 34 فريقا يتنافسون وتم تقسيمهم إلى مجموعتين من منطقتين ومجموعتين من 9 أندية لكل مجموعة، وأول اثنين من كل مجموعة يلعبون في ربع النهائي.
يتم لعب النهائي من مباراة واحدة، بوكا تصدر مجموعة المنطقة الأولى بالتساوي مع كيلمس واضطر الفريقان للعب مباراة فاصلة فاز بها بوكا بنتيجة 2-1 وتجنب مواجهة ريفر بليت وواجه بانفيلد، في حين أن ريفر واجه كيلمس وفاز.
وقتها ريفر كان يلعب تحت إمرة مدربه أنخيل لابرونا الذي حقق إنجازا تاريخيا وأنهى فترة الغياب التي استمرت 18 عاما عن منصات التتويج وفاز معه بلقبين محليين متتاليين، وفاز بكل أريحية بصدارة مجموعته ولم يكن ليهتم كثيرا بمواجهة بوكا الذي كان لابرونا واثقا للغاية من تخطيهم.
"لا يهم من سيكون خصمنا المقبل في ربع النهائي، اللقب لنا كما فعلنا سابقا، نعلم جيدا خلطة الفوز، ولا نخشى أحدا".
على الجانب الآخر خوان كارلوس لورينزو "توتو" مدرب بوكا جونيورز كان واقعا تحت ضغط كبير، إذ أن ريفر بليت ونجاحه كان يشغل بال إدارة فريقه كثيرا، وتم تعيينه ليفوز لا ليشهد تتويج ريفر مهما وصل إلى مراحل نهائية.
بجانب ذلك الإدارة كانت قد ضمت للفريق ماريو زانابريا لاعب وسط نيويلز أولد بويز المتميز للغاية، وسواء هم أو الجماهير كانوا يهددون الفريق بعدم خسارة اللقب مهما كلف الأمر.
"كنت قد انضممت للفريق لتوي والجميع كان يطالبنا بتحقيق اللقب بأي ثمن، إن كنا خسرنا، هذا يعني النهاية لنا".
الكل أو لا شيء
"بوكا وريفر على وشك لعب نهائي 1976 للبطولة الوطنية، 90 دقيقة من الكل أو لا شيء، مباراة واحدة وعلى ملعب محايد، إن تعادلا فسيلعبان نصف ساعة أخرى لتحديد من يفوز، وإن لم يحدث فسيلعبان ركلات الترجيح، من بين 350 مباراة بينهم كان هذا النهائي الوحيد". دييجو إيستفيز صحفي ومؤرخ أرجنتيني.
في ذلك العام عاشت الأرجنتين أجواء سياسية غير مستقرة بالمرة، وقتها حدث انقلاب عسكري يوم 24 مارس وتحكمت السلطة العسكرية في مقاليد الحكم بدلا من إيزابيل بيرون. تلك الحقبة شهدت العديد من الوفيات وحالات الاختفاء وصلت إلى 30 ألف شخص.
الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم كان حريصا على الخروج بالمباراة بأفضل شكل ممكن، لذا قاموا بتحديد عدد الجماهير، لكن هل هذا هل أجدى ذلك نفعا؟
تم بيع أكثر من 82 ألف تذكرة على الرغم من أن الاتحاد حاول تقليل الحضور إلى 50 ألفا، كلا من إدارة بوكا وريفر أرسل وفدا إلى الاتحاد ليطالب بحضور أكبر عدد ممكن، وقد كان.
قبل بداية المباراة كان الملعب ممتلئا عن آخره، على الأرض خارج الملعب والمدرجات، كان صعبا للغاية أن تحدد مشجعي الفريقين.
العديد من التقارير الصحفية قالت إن حضور الجماهير في ذلك اليوم وصل إلى 100 ألف مشجع، والمباراة تم بثها على القناة السابعة المحلية. لكن هدف سونييه؟ ليس موجودا.
الهدف الشبح
سونييه :"هل يمكنني تسديد الركلة الآن؟ يمكنني اللعب بسرعة؟ نعم!
22 ديسمبر 1976 وأمام 100 ألف مشجع داخل الملعب وخارج أبواب الاستاد يتواجدون في ملعب راسينج من أجل المباراة.
النهائي الوحيد بين بوكا وريفر في التاريخ حتى يومنا هذا.
اللحظة التي حددت ذلك النهائي جاءت في الدقيقة 27 من الشوط الثاني. قام دانييل باساريلا بعرقلة خوان تافيرنا على حافة منطقة الجزاء. على بعد أمتار قليلة من الزاوية اليسرى.
كانت هناك نظرية في ذلك الوقت، إن كانت هناك مسافة كافية بعيدة عن المرمى يمكنك التسديد قبل الصافرة.
في حوار بين لاعبي بوكا خلال ذلك الوقت قالوا:
ألبيرتو تارانتيني:"لم يكن الحكم قد منحنا الإذن بعد لكن المسافة كانت كافية، كنت أقف بجانب روبيرتو موزو وقررنا التمرير والتسديد سويا، كنا نعلم جيدا من مدربنا أن أوبالدو ماتيلدو فيلول يأخذ وقتا لتثبيت جداره البشري".
سونييه :"إنه يقول الحقيقة، مدربنا لورينزو أخبرنا أن فيلول يأخذ وقتا ليبني حاجزه".
سونييه ضاحكا:"حسنا جميعكم تعلون لكن اللاعب الذي سددها كان أنا".
سونييه :"بعيدا عن المعطيات التي أخبرنا بها توتو، قرر تشتيت الحارس بواسطة كارلوس فيجيلو وموزو، وبالفعل حدث ذلك، في تلك اللحظة اكتشفت أن فيلول كان يضع الحاجز، إن لم أتوقف قليلا لكانت جماهير بوكا قتلتني".
لم يكن سونييه هو المسؤول عن تسديد الركلات الحرة المباشرة في بوكا، لكن مفاجآته قوبلت بانتصار رائع بالنسبة له ولفريقه. وبعد ذلك سدد العديد من الركلات الثابتة.
التسديد دون إذن الحكم كانت تلك الحالة الوحيدة التي تمت منه وضد ريفر.
تافيرنا :"ارتكب لاعبو ريفر بعد ذلك العديد من الأخطاء بالقرب من منطقة الجزاء، كانوا يلعبون كما لو كانت النتيجة 2-0 لصالحهم".
إن حاولت البحث عن الهدف لن تجده أبدا، حسب وصف كتاب "لا فاينال" لـ دييجو إيستيفاز، فهذا الهدف ليس موجودا على الإطلاق، وضاع مع الزمن.
وفي دولة عسكرية، ومن المفترض أن يكون التأمين أكثر، ظهر 350 مجندا فقط لتأمين هذه المباراة، بل وحدثت اشتباكات، وأصيب 20 شخاص وحبس 112 آخرين بسبب التدافع الذي كان موجودا في ذلك الوقت.
كتب دييجو :"في البرامج الإخبارية في ذلك الوقت كان الفيلم يذاع ويتم اقتصاص هدف سونييه، بل إن هناك هدفا ملغيا وأثار جدلا لـ تافيرنا لم يكن تسللا ستجدونه بسهولة، لكن هدف سونييه؟ لا أحد يعلم أين ذهب".
قال ماريو زانابريا :"إنها واحدة من أفضل الذكريات لي كلاعب كرة قدم وأول لقب لي مع بوكا، والفوز ضد الخصم المباشر بهذه الطريقة؟ إنه أمر رائع، تخطى عدد الحضور الحد المسموح به لملعب راسينج، تم بيع التذاكر في ساعات قليلة، لم يكن هناك مكان للوقوف حتى".
"مشجعو بوكا انطلقوا في كل مكان، كان الأمر مهيبا، لقد كان الأمر أشبه بعصر ذهبي نعيشه"
انتهت المباراة بفوز بوكا بالنهائي واللقب على حساب غريمه الأبدي، لكن إلى اليوم لم يجد أحد هدف سونييه.