كتب : محمود مصطفى
في سان فينديميانو يقف حارس ناشئ قصير القامة غير مهتم باللعب بين القائمين، أمه أرادت ذلك لكي لا يبذل الكثير من الجهد خوفا على صغيرها من الإرهاق، شقيقه الأكبر رأى فيه موهبة المهاجم وعليه خلع ذو الـ11 عاما قفازيه.
لم يبق الفتى في مدينة الشمال الإيطالي طويلا، فبعد عامين من إحراز الأهداف مع فرق الناشئين تعرف كشافو بادوفا على الطفل.. واسمه أليساندرو ديل بييرو.
77 كيلومترا بين سان فينديميانو وبادوفا. طريق طويل وشاق لطفل في الـ13 من عمره.
يقول أليساندرو الصغير لنفسه: "هذه الكيلومترات هي بالضبط المسافة بين الطفل الذي كنته والرجل الذي أريد أن أكونه".
في بادوفا تمر الأعوام سريعة.. مايو 1992: يشارك ديل بييرو رسميا للمرة الأولى وكذلك يسجل هدفه الرسمي الأول أمام ميسينا والكل ينتبه للموهبة الكبيرة في قدمي ابن الـ17 عاما.
ميلان يريد ضمه وفيورينتينا أيضا، يدخل جيامبييرو بونبيرتي أسطورة يوفنتوس ورئيسه وقتها الصورة وأليساندرو يقرر "وقعت على مستقبلي، أبيض وأسود للأبد".
إل بينتوريكيو
ينتقل ديل بييرو إلى تورينو في صيف 1993 وتبدأ الحكاية التي ستشهد مئات الأهداف وعشرات الألقاب الفردية والجماعية مع السيدة العجوز ومنتخب إيطاليا، لكن حكاية "إل بينتوريكيو" ليست حكاية أهداف وألقاب وحسب.
إذا كنت شغوفا بالكرة الإيطالية ربما أنت ككثيرين تابعت كل لمسة عبقرية قدمها فرانشيسكو توتي أسطورة روما الذي تخطى الأربعين عاما قبل اعتزاله ولكن أيا من لاعبي إيطاليا الأصغر سنا لا يملك بين أقدامه سحرا كتوتي أو رفيقه/خصمه ديل بييرو.
في الوقت الذي أصبح فيه أليساندرو لاعبا في يوفنتوس كانت إيطاليا تملك في جعبتها لاعبين من فئة السحرة: جيانفرانكو زولا وبالطبع روبرتو باجيو وكلاهما في النصف الثاني من العشرينات.
باجيو كان في يوفنتوس. وقتها يدخل ديل بييرو إلى المشهد.
"لاعبان فقط جعلاني أبكي (من المتعة) الأول هو روبرتو باجيو والثاني ريان جيجز".
في وجود عمالقة كباجيو وجيانلوكا فيالي وفابريسيو رافانيللي، كيف يمكن أن تظهر على الساحة؟ الإجابة قد تكون هدف للشهرة كهذا.
ربما في السنوات التي تلت ظهور ديل بييرو وتوتي قدم لاعبون كفابريتسيو ميكولي أو سيباستيان جيوفينكو لمحات واعدة في وقت ما لكن النتيجة حتى الآن لا شيء. إيطاليا لا تزال تبحث عن الفانتازيستا الجديد.
سيرة الرقم 10
يقول أليساندرو: "أؤمن بشدة بإمكانيات اللاعب ولكن أيضا بالقليل من الحظ، اللمسة التي تجعل كل شيء يمضي في الطريق السليم".
بنهاية الموسم الثاني لأليساندرو لمسة القدر تتدخل.. باجيو ومارشيلو ليبي تتصاعد خلافاتهما والمدرب القدير يتخذ قرارا سيثير الجدل برحيل المهاجم ليصبح يوفنتوس "أكثر استقلالية من باجيو".
"مهمة ليبي أن يصنع فريقا له مستقبلا لا أن يتمسك بالماضي" – روبرتو بيتيجا، المدير التنفيذي ليوفنتوس وقتها.
والمستقبل سيكون بالفعل مشرقا.
في ثاني مواسمه مع يوفنتوس يفوز ديل بييرو بأول لقب دوري، الحياة ألوانها تبدو أجمل.
بعد عام يشارك الرقم 10 في الفوز بدوري أبطال أوروبا، سعادة لا توصف.
"ليلة تبدو وكأنها فريدة ولا يمكن أن تتكرر حياة المرء، لأنه من المستحيل أن أكون أكثر سعادة".
احذر يا أليساندرو، هذه نبوءة لن تنساها.
في العامين التاليين تصل السيدة العجوز لنهائي المسابقة الأوروبية الأعرق وتتكرر الهزيمة مرتين من بروسيا دورتموند وريال مدريد. ضربة لأحلام الفتى الذهبي الإيطالي.
مفاجآت صيف 1998 السيئة لا تنتهي لديل بييرو. إل بينتوريكيو شارك في مباراة واحدة في يورو 96 والآن فرصته ليصنع التاريخ مع الآتزوري في كأس العالم، أليساندرو يرتدي الرقم 10 المفضل وينافس باجيو نفسه على موقع في التشكيل الأساسي.
دائما ما ينافس ديل بييرو أسطورة ما للمشاركة مع المنتخب، سنرى هذا يتكرر كثيرا.
غاب أليساندرو عن المباراة الأولى أمام تشيلي لإكمال تعافيه من الإصابة. تعادل. يشارك أليساندرو بديلا فتنتصر إيطاليا بثلاثية وتتواصل الانتصارات حتى يصطدم الآتزوري بالمضيف فرنسا في ربع النهائي. تعادل، ثم مرة أخرى تنهي ضربات الجزاء مشوار إيطاليا بالخسارة.
ألم الخسارة تضاف إليه آلام الركبة. إصابة تبعد ديل بييرو عن معظم موسم 1998/1999 ويوفنتوس ينهي الدوري سادسا ويخرج من نصف نهائي دوري الأبطال، ألوان الحياة تبدو الآن أغمق.
يورو 2000، فرصة الفتى الذهبي المثالية لتحقيق إنجاز مع المنتخب، في الـ25 من العمر ربما تتوقع أن لاعبا بموهبة أليساندرو يضمن موقعه في التشكيل الأساسي في المنتخب لكن لنتذكر مرة أخرى ما قلناه عن المنافسة.. هذه المرة مع توتي، وستستمر هذه المنافسة طويلا..
دينو زوف مدرب المنتخب وقتها ثبت في تشكيلته فيليبو إنزاجي وستيفانو فيوري لقيادة الهجوم والمفاضلة بين ديل بييرو وتوتي لإكمال الثلاثي.
أليساندرو لا يبدأ سوى مبارتين: أخر مباريات دور المجموعات ونصف النهائي، ولكن كل هذا لا يهم. إيطاليا في النهائي.
الكل يعرف ما حدث، ماركو ديلفيكيو يتقدم لإيطاليا في الدقيقة 55 ثم يتسابق لاعبو إيطاليا لإضاعة الفرص خاصة أليساندرو الذي يهدر فرصتين سهلتين أمام المرمى قبل أن يتعادل سيلفان ويلتورد لفرنسا في الدقيقة الأخيرة من الوقت الضائع ليتولى ديفيد تريزيجيه مهمة تحطيم آمال الطليان بالهدف الذهبي.
"لقد تحطمت" يقولها أليساندرو وهو يغادر ملعب المباراة.
"تحطمت لأننا خسرنا ولأني حظيت بفرصة إحراز الهدف ولم أتمكن من ذلك. كل الأشياء الإيجابية التي يمكن قولها مثل أن أحدا لم يتوقع أن تصل إيطاليا إلى النهائي وأننا لعبنا بشكل جيد وأننا سيطرنا على الملعب بشكل رائع.. كل ذلك تمحوه الهزيمة".
عودة إلى يوفنتوس: اتهامات بتعاطي المنشطات في 2001 وعملاق تورينو يبتعد عن لقبه المفضل الدوري الإيطالي للعام الثالث على التوالي، ضربات في الرأس.
إدارة يوفنتوس تتدخل لوقف النزيف، مارشيلو ليبي يعود لتدريب الفريق.
العجوز الإيطالي له وجهة نظر خاصة بديل بييرو "عندما أختار أليساندرو للمشاركة لا يخذلني أبدا".
يوفنتوس يعود للقبه الأثير في 2002 ولكن يخرج سريعا من السباق الأوروبي، العملاق يحاول النهوض.
عام جديد. السيدة العجوز تعود للسيطرة، الدوري في حوزة رجال ليبي والمسيرة نحو كأس أوروبية جديدة لا تقف أمام العقبات.. برشلونة لم يستطع إيقاف السيدة العجوز في ربع النهائي وأليساندرو رفقة نيدفيد وتريزيجيه تكفلوا بريال مدريد.
النهائي كان أمام غريم إيطالي لدود، ميلان كان متوهجا وديل بييرو كان طموحا يقول لنفسه: "سأقبل بـ50-50، أربعة نهائيات يجب أن تساوي بطولتين".
لكن القدر وركلات الترجيح ليسا بابا نويل.
ثلاثة أعوام تمر، يتخللها يورو للنسيان خرج فيه الآتزوري من دور المجموعات، يوفنتوس يحصد الدوري مرتين على التوالي ولكن مرة أخرى لا تكتمل السعادة: الكالتشيو بولي، يوفنتوس إلى الدرجة الثانية.
لا وقت للتفكير فيم يحدث، التوقيت الآن كأس العالم في ألمانيا، ديل بييرو ليس أساسيا والرقم 10 هذه المرة من نصيب توتي.. لكن أوان الإنجاز حان، هدف حطم قلوب الألمان في نصف النهائي وركلة الترجيح قبل الأخيرة في النهائي.. كامبيوني ديل موندو!
في انتظار جودو الذي يعود
سبتمبر 2006، أنت بطل العالم الذي يلعب في الدرجة الثانية بعد فضيحة تلاعب بالنتائج ونصف القوام الأساسي للفريق رحل، كيف تنهض من هذه الضربة؟
ذات مرة في كان مالك النادي جياني أنيللي متواجدا في مران يوفنتوس ووجه حديثا إلى أليساندرو واصفا الرجل الذي أطلق عليه من قبل "إل بينتوريكيو" بـ"جودو"، بطل مسرحية صامويل بيكيت الشهيرة "لأننا دائما في انتظار عودته (من الإصابة)".
يقول ديل بييرو "لم أرحل لأني القائد، لم أرحل لأن ذلك ما أملاه علي قلبي، لم يكن هناك خيارا آخر".
ديل بييرو لم يرحل ولم تنتظر جماهير يوفنتوس عودته ويوفنتوس عاد إلى وضعه الطبيعي ولم يترك الفتى الذهبي الأبيض والأسود حتى حمل كأس الدوري مرة أخيرة في 2012.
لا يوجد أفضل من مشهد وداع ديل بييرو لرسم لوحة لمكانته في قلوب جماهيره.
اختر تشكيل يوفنتوس المثالي هذا الموسم: