اتكأ شهريار على فُرش مطرزةِ بخيوط من ذهب، جميلةُ الملمسِ تُزين أطرافها نقوش بديعة. يجلس حوله زُمرةٌ من المعارف وغلمان وجواري على وجوههم سمات وديعة.
محمد أبو تريكة
النادي : معتزل
كان الملك قد ضاق ذرعا.. وفي داخله اهتاج وماج وبكل الشرور كان خياله آت، غلمانه أدركوا خطر الانتظار فالدقائق التي تمر قد تعني مهاول وأخطار.
ولكنها ظهرت عند مدخل القصر. تهادت كما تتهادى الأمواج في ليلة صيفية بلا هواء وعبرت البهو بتروي دون أن تنسى إظهار الحياء.
العيون جميعها معلقة ومتلهفة لما هو قادم، وبعدما اعتدل الملك في مجلسه احتبست أنفاسهم وظنوه عن الغيظ ليس بكاظم.
ما إن اقتربت أكثر حتى صاح الملك بصوت جهور يثير الفزع والنفور: أين كنتي يا شهرزاد؟ ألا تعلمي أنه لا يتأخر أحد عن السلطان في الميعاد؟!
صبري أوشك على النفاد وقرار قتلك يتوقف على إعطاء الأوامر للجلاد.
ولكن شهرزاد دلفت إلى كنفه دون جزع، وتمايلت بكل دلع، وقالت وهي يعلو وجهها الابتسام: يا مليكي الهمام ويا سيد الرجال المقدام أما غيابي فلحُجته من مقامك استئذان وأما مولاي فنحن عن مقاصده أبدا لم نتوان.
تغافل شهريار عن عمد وبدا وكأنه هدأ ولكن الحقيقة أنه اختار أن يكون عن الشر عزوف لأنه لسماع القصة ملهوف.
فواصل بصوته الجهور: ادلِ بدلوك وإلا انتهى أمرك.
تلكأت شهرزاد في مجلسها رغبة منها في استثارة تلهف الملك وباقي المعارف ثم أشارت إلى الغلمان بأن يبدأوا الموسيقى والمعازف.
يُحكى أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد والعقل السديد عن أرض قتلوا فيها الأحلام ووطأتها كل الأقدام.
ومن بين الركام سيخرج طفلٌ وينشد حلما.
سيشعل نار الإلهام بين محبيه ويعيد عزف الأنغام لمريديه. سيرفع قدر الأحلام منتزعا آهات الشجن والهيام.. على عشقه سيتفق أغلب الأنام.
سترسم ابتسامتهُ لوحةً لم تخلُ من المعاناة، وتروي أهازيجه قصصا عما رأيناه.
عن رجل كان مُحياه يحكي ما لن ننساه.
مشهد 1: ليل/ داخلي
بيت صغير عند مدخل القرية المترامية بأطراف المدينة
كانت الحركة المتزايدة تعم أرجاء المنزل، جلس الأب هادئ الطباع بادية عليه علامات السكينة. كان في انتظار النبأ السعيد فأبعد عن ذهنه كل الأفكار الحزينة.
البُشرى لم تتأخر. أتى المولود الخامس دون صخب وبكاء يصُم الآذان وكأنه دلف من بطن أمه دون استئذان.
سيأتي بعده طفلان آخران ولكنه من بين السبعة سيبلغ صيته كل الأركان.
اعتبره الأب وردةً ضمن باقة ورود في البُستان، فقد كان رب الأسرة عاملا في الجِنان. اهتم بتشذيبه وتهذيبه ولم يحرمه من العطف أو الحنان.
نشأ الطفلُ على فطرة سوية؛ فالفقر لا يُغني عن الإكرام والحق لا يحتاج لجام. حب الخلائق لا يُقدر بأثمان حتى وإن كان الثمن فُراق وآلام.
سيتذكر الوالد كل ذلك جيدا بعدها بأعوام عديدة حين يستلقى على فراش المرض. سيبتسم متذكرا بكل جلد وإشفاق راضيا بقضائه وراضيا عمن بَعدَ وكُتب عليه الفراق.
ترعرع الطفلُ في كنف إخوته وإليهم انتقلت محبته. لم يكونوا كإخوة يوسُف ووقفوا دوما إلى جواره إذا ما اشتدت محنته.
من بينهم كان الأكبر الأقرب إلى قلبه وبسببه تعلق بقطعة الجلد المدور التي اتخذها شقيقه هواية، نظر إليها بكل شغف.. لتبدأ حينها أجمل فصول الرواية.
رغم العمل ومشقته في سن الصغر إلا أن الحلم في ذهنه اختمر وكبر.. سيرافق كرته كالمجذوب وسيخطو خلفها بجهد دؤوب.
سيرحل شقيقه إلى عالم آخر دون وداع وسيحزن الطفل كثيرا متذكرا رؤيته يلعب بإبداع.
ولكن صورة الأخ الاكبر لن تغادر مخيلته وستبقى دوما – إلى جوار والده - حافزا في رحلته.
”تضيق بنا الدنيا إذا غبتم عنا وتذهب بالأشواق أرواحنا منا
فبعدكم موت وقربكم حياة فإن غبتم عنا ولو نفسا متنا..
ونحيا بذكراكم إذا لم نراكم ألا إن تذكار الأحبة ينعشنا”
سيُعلن الطفل منذ تلك اللحظة موهبته ويستعرض مهاراته جاذبا الأنظار إلى قدراته.
سيصعد سُلمةً أخرى في طريق المجد وعلي رأي المثل "من جد وجد".
مشهد 2: ليل/ خارجي
داخل سيارة سوداء بإحدى ليالي كانون الأول الباردة
جلس غير مصدق أنه إلى جوار المحبوب الذي أخبره أنه مطلوب، ولكن طفلنا الذي بات شابا كان عاجزا عن الحديث وكأنه ينظر إلى قديس.
تم الأمر في هدوء وافتتان وأصبح بطلنا فردا جديدا من الكيان.
لم يمر كثيرٌ من الوقت حتى تبدأ صولات وجولات الحالم. أهدافه ومراوغاته كانت توحي بما هو قادم.
انضم إليه أخرون، واكتملت باقي عناصر المنظومة. منافسوهم شعروا بالرهبة فلعبوا بروح مهزومة.
ها هُنا زئبقي وآخر ساحر، ها هنا صخرة وآخر شاطر، ها هنا رجلٌ كان في الدفاع عماد وآخر مثله في الهجوم يمتلك كل العتاد.
سرعان ما كانوا بلا منافس ولم يعرفوا طعم الخسارة. أكلوا الأخضر واليابس وكان هو عازف القيثارة.. على صوت ألحانه تراجعت جحافل الخصوم منهارة.
أما في الأوقات الصعبة فكان رجلا يُعتمد عليه. في خلق الحافز وشحذ الهمم كانت تكفي نظرة من عينيه.
كان حاضرا في اللحظات الأخيرة ليقتل مدينة بأكملها دون هوادة. سماه المريدون "القاتل المبتسم" ومنذ ذاك لم يتوقف أبدا عن منحهم ابتسامته المعتادة.
مرت شهور وأعوام ونحن على نفس الحال. يقف واثقا متواضعا دون أن يبدو شيئا أمامه بعيد المَنال.
ولكن لأننا في دارِ فناء وبلاء لا تعرف معنى البقاء فقد كان ما كان وحدث ما اهتزت له كل الأركان.
مشهد3: ليل أسود/داخلي
في غرفة ضيقة تفوح منها رائحة الموت
جلس القرفصاء ذاهلا تسري في جسده رعشةُ تسببت في اصطكاك أسنانه. مشهد يوحي بأنه في جلسة مناجاة أوعبادة، أما الحقيقة فكانت أنه يُلقن ذاك الفتى اليافع المُمدد أمامه كلِمات الشهادة.
منذ تلك اللحظة تغيرت الكثير من الأشياء في الصورة، فقد أدرك بطلنا أن كل ما حققه أمام تلك الفاجعة تحول هباءً منثورا.
سينطق بما يراه من الصواب وسيرفض أن يلجأ للرياء. حينها ستُغلق أمامه الكثير من الأبواب. لن يكترث صاحبنا ولن يضع في حسبانه ضغوطا أو بغضاء.
سيبتعد أو يُبعد، سيستند دون أن يُسند، سيرتحل ومن قلوبهم لن يرحل. لكن ها هو كُتب الفراق من جديد بإمعان، أملا فقط في أن يصيبه النسيان.
كيف؟!، كيف ينسى من كانوا يوما باسمه يهتفون وينشدون أحلى الأغان؟!
سيمر الوقت دون أن تمر الذكرى والحكاية، ثم يعود من جديد إلى حيث كانت ضربة البداية.
ولأنه صادق لم يفقد شيئا من الإباء، ولأنه ليس بمنافق لا يعرف الاختباء أتى مشهد الوداع بطريقة درامية.. وأُسدل الستار على القصة وكأنها مشهدا في مسرحية.
ركض نحوهم كالمشتاق لأخر مرة ثم حياهم بإنحناءة لا تُنسى، وعندها أدركوا أنه غادر بلا رجعة.
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
**هذه القصة من وحي خيال شهرزاد، وأي تشابه بينها وبين الواقع فهو ليس محض صدفة.
**رسومات: شروق عز الدين.
اقرأ أيضا:
مجدي عبد الغني: لن يتذكر أحد حسام عاشور بعد اعتزاله
معلول: انتظروني في أوروبا.. وأتمنى ضم عاشور "مثلي الأعلى" للصفاقسي
باسم مرسي: سأشجع الأهلي في نهائي إفريقيا.. وهذه حقيقة مفاوضاتي مع بيراميدز
فينجر يعلق على شائعات اقترابه من ميلان: أخبار زائفة
بالفيديو - فرص ضائعة في ملخص صلاح أمام رد ستار
نهائي إفريقيا - طارق سليمان يوجه عبر في الجول 4 نصائح لـ الشناوي قبل موقعة الترجي