جيمس ماكلين وزهرة الخشخاش.. لن أتخلى عن نضالي من أجل ضحايا الأحد الدامي

"أتلقى تهديدات مستمرة وإهانات في آخر 7 أعوام لي هنا، إن لم يحدث هذا الأسبوع فخلال الأسبوع الذي يليه". جيمس ماكلين لاعب ستوك سيتي.

كتب : إسلام مجدي

الثلاثاء، 06 نوفمبر 2018 - 15:57
جيمس ماكلين

"أتلقى تهديدات مستمرة وإهانات في آخر 7 أعوام لي هنا، إن لم يحدث هذا الأسبوع فخلال الأسبوع الذي يليه". جيمس ماكلين لاعب ستوك سيتي.

قد لا تعرف جيمس ماكلين إلا إن كنت مشجعا للدوري الإنجليزي الممتاز عن قرب، وتجد ذلك الجناح الذي لا يكل ولا يمل طوال المباراة عن المحاولة، ليس مشهورا بقدر بقية أجنحة الكبار، وليس النجم الأسطوري الذي قد يخلد اسمه في الدوري. لكن تاريخه في الدوري الإنجليزي مختلف تماما.

البعض يخلف الكثير من المشاركات، أو الأهداف أو اللقطات الجميلة، لكن جيمس ماكلين؟ في كل عام في شهر نوفمبر، منذ إقرار الفيلق البريطاني الملكي بارتداء شعار زهرة الخشخاش لتخليد ذكرى ضحايا الحرب العالمية الأولى، يتعرض للكثير من التهديدات بالقتل والإهانات وأحيانا محاولات اعتداء.

عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، أصبحت زهرة الخشخاش رمزا لتذكر الجنود الذين ضحوا بحيواتهم في مناطق الحرب في شمال أوروبا، وضحوا من أجل بلادهم في الفترة من 1914 وحتى 1918.

في عام 2012 أصبحت أندية الدوري الإنجليزي الممتاز تضح رمز زهرة الخشخاش على قمصانها خلال شهر نوفمبر، حتى يوم تذكر ضحايا الحرب والذي يأتي يوم 11 من نفس الشهر.

الزهرة الحمراء تم اختيارها كمرجع لمناطق الحرب خاصة وأنها كانت تنموا في تلك الأراضي بكثرة.

تلك القمصان التي تحتوي على زهرة الخشخاش يتم وضعها في مزاد سنوي يتم تنظيمه بواسطة الفيلق الملكي البريطاني.

ماكلين رفض تلك الظاهرة لخلاف تاريخي بين المملكة البريطانية وأيرلندا، وأحداث تعود لما عرف بـ"الأحد الدموي". منذ وجوده في إنجلترا وانضمامه إلى سندرلاند ورفض ارتداء ذلك الشعار. من هنا بدأ كل شيء.

مرحبا بك في الدوري الإنجليزي الممتاز

منطقة ديري في أيرلندا الشمالية شهدت مولد جيمس ماكلين، يفتخر دوما بذلك، ذلك الشغف وتلك القوة، أشياء دائما ما امتاز بها منذ طفولته.

ديري كان بها عددا من الكاثوليكيين الذين عاشوا بجانب القوميين الأيرلنديين، وفي أيرلندا الشمالية وصفت تلك الحقبة بـ"خمسون عاما من سوء الحكم الوحدوي". الانتخابات دائما ما كانت تسعى لانتصار الوحدويين لكي يكونوا منافسة قوية لبريطانيا العظمى.

مدينة ديري منع عنها الاستثمار العام، وتم إغلاق السكك الحديدة والطرق وعدم مدها، وافتتاح جامعة في منطقة صغيرة ببلدة كوليراين بدلا من ديري.

اضطرت ديري في الستينيات للدفاع طول الوقت عن الحقوق المدنية، وكونت منظمات مثل اتحاد الحقوق المدنية لأيرلندا الشمالية وفي ديري تم الدعوى إلى معركة بوجسايد التي استمرت لمدة يومين في المدينة، وشهدت قتالا عنيفا بين المقيمين في منطقة بوجسايد، وتم تنظيمها قواتها بواسطة مواطني ديري ضد القوميين.

تدخلت القوات البريطانية بصفتها قوات محايدة، لكنها لم تكن كذلك. وفي عام 1971 نفذ الجيش اعتقالات موسعة دون محاكمة وقبض على ما يقرب من 342 شخصا لاشتباههم بالتورط مع الجيش الجمهوري الأيرلندي IRA.

الجيش البريطاني وجه مقاومة عاتية لم يتمكن من الوقوف ضدها، وانتشر الجيش الجمهوري الأيرلندي في أيرلندا الشمالية وتم قتل 30 جنيدا بريطانيا حتى نهاية العام. وتم تشكيل جبهة لتحرير مدينة ديري.

قبل أسبوع من أحداث الأحد الدامي، كانت هناك مسيرة ضد الاعتقالات، لكن الجيش البريطاني وقف ضدها بالرصاص المطاطي وأصيب عدد كبير من المتظاهرين. وكان هناك حظرا للمظاهرات.

نُظمت مسيرة أخرى رغم الحظر وكانت هناك نية لتركها تتحرك، شهدت ديري مذبحة لمسيرة سلمية، بدأت عمليات المداهمة والاعتقالات. ثم فتح الجنود النار على شخص مدني وأصيب 6 آخرين، ثم اشتعلت الأحداث ليقتل 26 شخصا بواسطة الجنود، منهم 13 ماتوا في الحال، وآخرين على مدار 4 أشهر بسبب الإصابات.

في بداية الثمانينات عرفت ديري طريق الديموقراطية، وفي عام 1989، ولد ماكلين.

الفتى الأعسر سرعان ما وجد طريقه لعالم كرة القدم، برع في اللعب في الشوارع حتى أصبح في الـ18 من عمره، كان متميزا للغاية ويثابر في كل كرة، لعب لفريقي تروجانز وإنستيتوت ثم ديري سيتي لفترة.

سرعان ما وجد ماكلين طريقه للفريق الأول، كان هناك احتفاء كبير بموهبته وتفانيه وإخلاصه في الملعب لفريقه.

قال عنه ستيفين كيني مدربه في ذلك الوقت :"سيكون لاعبا له مستقبل، لم أر لاعبا مثله فيما يخص الالتزام والمجهود".

حاول فريق لينكولن سيتي الإنجليزي أن يضمه في عام 2009، لكن اللاعب لم يرغب في الانضمام إلى إنجلترا بعد، وفضل الاستمرار مع فريقه.

في شهر أغسطس عام 2011 قرر سندرلاند ضمه بعقد يمتد لمدة 3 أعوام ومقابل 350 ألف جنيه إسترليني.

قال عنه ستيف بروس مدرب الفريق :"سيكون له مستقبل كبير، لكننا بحاجة لكي نصقل مواهبه، لازال لاعبا شابا وسيظل مع الفريق الرديف حتى فترة الكريسماس".

ووصفه توني موبراي مدرب ميدلسبره :"ماكلين مثال يجب أن يحتذى به كل اللاعبين الشباب".

تبدل الحال في جوديسون بارك

سندرلاند كان عليه أن يواجه إيفرتون في ملعب جوديسون بارك، كان ذلك خلال يوم الأحد وصادف أنه كذلك في شهر نوفمبر ويم تذكر ضحايا الحرب، ما يعني أن اللاعبين يجب أن يكرموهم بارتداء شعار زهرة الخشخاش.

ابن مدينة ديري شعر بغضب شديد، تاريخ مدينته مر أمامه، وتذكر جيدا الأحد الدامي.

حينما وصلت القمصان قبل المباراة بيوم اتجه إلى مارتن أونيل مدربه وصارحه بأنه لا يرغب في دعم إنجلترا.

"أنت أيضا من ديري وتفهمني جيدا، وأحترم موقفك".

تم إصدار بيان كان غرضه توضيح الموقف والتهدئة، لكنه عوضا عن ذلك كان كالشرارة التي أشعلت كل شيء.

ماكلين في تلك الفترة كان يستقبل ثناء كبيرا، وأحد المواهب الأيرلندية الواعدة في سندرلاند.

كانت حالة جنون في جوديسون بارك، جماهير سندرلاند نفسها انقلبت على اللاعب وهتفت ضده، في ذلك الوقت كان قرار زهرة الخشخاش جديدا على الملاعب.

حدثت الواقعة عام 2012 يوم 10 من شهر نوفمبر، ماكلين دخل إلى ملعب المباراة وهو يرتدي قميصا لا يحتوي على الشعار، وقام بالتبرع بقميصه ووقعه، لكن لجمعية مساعدة الأطفال الخيرية في أيرلندا وليس قدامى المحاربين في إنجلترا.

"كانت الجماهير تصرخ وتهين الجيش الجمهوري الأيرلندي وأشياء حول بوبي ساندس الذي توفي على إثر الإضراب عن الطعام الذي نفذه في المعتقل، كان هؤلاء هم جماهير فريقي، ومارتن أونيل قد تمت إقالته، والفريق كان قد عين بديلا هو باولو دي كانيو".

في ذلك العام نجح سندرلاند في تجنب الهبوط، لكن ماكلين علم جيدا أنها النهاية بالنسبة له، "إن كان دي كانيو قد فعل خيرا لي، فهو أنه سمح لي بالرحيل".

لن أخالف مبادئي وتاريخ بلادي

خلال عام 2013 انضم إلى فريق ويجان، ومجددا جاءت الأزمة، لما لا يرتدي ماكلين زهرة الخشخاش؟ وأرسل خطابا إلى دايف ويلان رئيس ويجان.

"أحترم كل من حاربوا وماتوا في الحروب العالمية، الكثيرون يعلمون أنني ولدت في أيرلندا، وأنت كذلك لك أصول أيرلندية، أكرم وفياتهم مثلما يفعل أي شخص مع وطنه، وإن كانت زهرة الخشخاش من أجل جميع ضحايا الحرب العالمية الأولى والثانية لكنت ارتديتها لكنها لم تكن كذلك".

"زهرة الخشخاش تتذكر العديد من الضحايا حتى هؤلاء منذ عام 1945، وهذه مشكلة بالنسبة لي".

"بالنسبة للأشخاص الذين ولدوا في أيرلندا الشمالية مثلي، وخاصة في مدينة ديري، مشاهد الأحد الدموي والمذبحة، زهرة الخشخاش ستعني شيئا مختلفا، أرجو تفهم موقفي".

لم يتفهم بعضا من أصدقائه، العديد منهم كانوا ضده، حتى ظهر ذلك الخطاب الذي تم تسريبه للإعلام، بعضهم كان قد تركه وحيدا بالفعل، لكنه لم يكترث.

قال مارتين أونيل :"خرجت لتهدئة الصحافة، وماكلين اتخذ قراره وأدعمه لأنني أتفهم ما فعله، يجب أن يكون قرارا شخصيا وليس إجباريا".

ماكلين استخدم مواقع التواصل الاجتماعي لتوضيح موقفه، ولم تكن تلك خطوة حكيمة، نظرا لأن بعض الجماهير ظنت أنها تستحق أكثر من ذلك ونبع لديها إحساس بأنه لا يكترث لشيء ويسعى للفت الانتباه فقط. حتى أنه في سندرلاند منع من استعمال موقع "تويتر" وذلك بعدما قام بالتغريد بأغنية شعبية لجمهورية أيرلندا.

وفي عام 2012 بعد أن لعب ما يقرب من 7 مباريات لمنتخب أيرلندا الشمالية، قرر تمثيل جمهورية أيرلندا، وكان ذلك أشبه بتوضيح لشخصيته وبداية عداء بينه وبين الجماهير الإنجليزية.

"أعتقد أن زهرة الخشخاش ستظل مشكلة أبدية، لأن الأغلبية من الجماهير لديها وجهات نظرها وجملها القوية بغض النظر عما إذا كنت سأقول رأيي أم لا، سينظرون للأمر على أنه قلة احترام، إنها وجهة نظرهم وأحترمها، لكن في المقابل، أطلب منهم احترام وجهة نظري".

"أعمل جيدا أننا سأتعرض للمضايقات كوني من ديري، ولعبت لمنتخب أيرلندا خاصة وأنني صاحب القرار، وأظن أن بعض الناس يعتقدون أن ذلك أمر ضدي".

"هل هي جريمة أنني من أيرلندا؟ أنني أستمع لموسيقى أيرلندية؟ الموسيقى التي نشأت عليها؟".

لم يحصل ماكلين على نظام تدريبي كما حصل عليه لاعبين آخرين، كان لاعبا احترف الكرة لكن في الشوارع حتى أصبح شابا ولم يتدرج في فئات الناشئين بل كان يلعب كهواية رغم براعته.

رحل ماكلين مرة أخرى هذه المرة إلى وست بروميتش ألبيون، أكثر فريق استمر معه في إنجلترا إذ أنه لعب له لمدة 3 أعوام.

مجددا وفي عام 2015 وكل عام كانت تبرز الأزمة، أين زهرة الخشخاش؟ ونفس التصريحات، إنها لا تمثل ضحايا الحربين الأولى والثانية.

"بالنسبة لي زهرة الخشخاش هي لفتة عدم احترام لمن فقدوا أرواحهم لدينا في أحداث الأحد الدامي خصيصا، وفي الماضي تم اتهامي بأنني لا أحترم الحربين العالميتين الأولى والثانية".

خلال العام الماضي وفي إحدى المباريات قام ماكلين بمنح قميصه لطفل، لكن والد الطفل أخذ منه القميص وقام بإلقائه مرة أخرى في وجه اللاعب. بجانب البصق الدائم عليه أثناء تواجده في أي إشارة والعديد من الاتهامات والإهانات والتهديدات بالقتل.

انضم ماكلين إلى ستوك عام 2018، وفي شهر نوفمبر، وجد حربا مع جماهير جديدة، هذه المرة جماهير فريقه وكذلك الخصم.

"ليس لديهم شيء في ترسانتهم يمكنه كسر روح أيرلندي واحد، ما تفعلونه يعلمني ويدعمني شكرا لكم".

"أتلقى تهديدات مستمرة وإهانات في آخر 7 أعوام لي هنا، إن لم يحدث هذا الأسبوع فخلال الأسبوع الذي يليه".

ربما لن يتذكر الكثيرون جيمس ماكلين كاسم كبير في الدوري الإنجليزي، لكن موقفه الشجاع والوقوف بجانب أبناء بلده سيستحق الثناء والذكرى.