كتب : لؤي هشام
على ضفاف نهر هرون حيث تحيط الجبال الشاهقة بمدينة بانسكا بيستريتشا، وفي قلب سلوفاكيا الباردة، ولد الطفل الصغير في بلد تعشق كرة القدم ولكن لا تبرع بها.
ربما إن سألك أحدهم عن الكرة السلوفاكية فلن تتذكر سوى ركلة جزاء أنتونين بانينكا الشهيرة – تشيكوسلوفاكيا قبل الانفصال – أمام ألمانيا الغربية في كأس الأمم الأوروبية 1976 أو اسم مارتن سكرتل، مدافع ليفربول السابق.
ولكنك أيضا لن تنسى اسم ماريك هامشيك.
لاعب نابولي صاحب الـ31 عاما بات على بُعد خطوة واحدة فقط من أن يصبح أكثر اللاعبين مشاركة في تاريخ فريق الجنوب الإيطالي.
هامشيك عادل رقم جوسيبي بروسكولوتي بـ511 مشاركة، وأمام باريس سان جيرمان اليوم الثلاثاء في دوري أبطال أوروبا، سيصبح الأكثر مشاركة بلا شك.
الأكثر مشاركة، والهداف التاريخي إذ وصل إلى 120 هدفا رفقة الفريق متخطيا الأسطورة الأرجنتينية دييجو ماردونا.
FilGoal.com يستعرض لكم رحلة هامشيك من التألق في سلوفاكيا وحتى انتظار إنجاز تاريخي مع البارتينوبي.
ركلة البداية
بدأ هامشيك مسيرته الكروية مع فريق صغير للشباب يُدعى يوبي بودلافيتسي، ولكن سُرعان ما ساهمت موهبة ماريك المتفجرة في تخطيه المرحلة تلو الأخرى بسرعة كبيرة.
مهاراته لفتت أنظار سلوفان بارتيسلافا، الفريق الأكبر في سلوفاكيا والوحيد الذي حقق بطولة أوروبية، بعد عام واحد فقط مع بودلافيتسي.
عُرف بارتيسلافا دائما بسمعته الجيدة في تطوير اللاعبين الصغار لهذا اختار هامشيك أن تكون تلك محطته الانتقالية.
وقد كانت كذلك بعدما لفت أنظار بريشيا الإيطالي عقب موسمين مع الفريق السلوفاكي الأكثر تحقيقا لبطولتي الكأس والدوري في بلاده.
ومن بريشيا إلى نابولي بعد موسمين أيضا، ليبدأ الطرفان معا رحلة العودة إلى السيري آ في 2007، بعدما استمر فريق الجنوب في الدرجات الأدنى ثلاث مواسم عقب إفلاسه في 2004 ثم انتشاله من قبل المنتج السينمائي أوريليو دي لورينتس.
انطلاقة وفاء مع الجنوب بانتظار فرحة المقابر
11 عاما قضاها اللاعب السلوفاكي بين جدران ملعب سان باولو، حيث الجماهير المُتيمة التي ترفع الوفاء إلى درجة القدسية وتلعن كل من ركض يوما وراء المال، وقد كان في قصصهم عبرة.
خلال ما يزيد عقد من الزمان قضاها اللاعب، الذي أوصل منتخب بلاده إلى كأس العالم 2010 لأول مرة في التاريخ، ظل دائما هو القوة المحركة للفريق والعنصر الأهم تكتيكيا ومعنويا على أرض الملعب.
وقد بقي رفضه الرحيل عن نابولي دائما هو السبب الأهم جماهيريا لكونه رمزا للفريق.
قبل 6 أعوام كان مينو رايولا هو وكيل أعمال هامشيك، وقد صرح أن لاعبه يحتاج لحافز جديد محاولا فتح باب التفاوض على رحيله.
وقال: "اللاعبون العظماء بحاجة دائما لتحدي جديد، أيا ما كنت أنت: ميسي أوإبراهيموفيتش أو هامشيك".
كان رايولا يحاول استغلال تألق ماريك وقيادته نابولي لتحقيق كأس إيطاليا بعد 21 عاما من آخر لقب، ليستفيد من زخم المناسبة من أجل التفاوض على عرض جيد للاعبه.
ولكن ما الذي تغير بعد تلك الأعوام الست؟
حسنا، هامشيك مستمر مع البارتينوبي ورايولا لم يعد وكيل أعماله. هكذا ببساطة.
وإذا ما حاولت فهم أسباب قرار مثل ذاك، فلن تجد أفضل من خطابه العاطفي لجماهير فريقه في مايو من العام الماضي، لكي تفهم سيكولوجية اللاعب.
"في نابولي نحن لا نمتلك مدرب واحد وإنما 3 ملايين مدرب. كل رجل وكل إمرأة وطفل يعرف ما هو أفضل لنابولي، هنا كرة القدم مثل الدين وملعب سان باولو مثل الكنيسة. كرة القدم هنا هي كل ما نتكلم عنه ونفكر به".
ويضيف الحاصل على جائزة أفضل لاعب سلوفاكي ست مرات "في نابولي أنا جزء من تلك العائلة التي لها مكانة كبيرة في قلبي، وأنا أريد ما هو أكثر من الأموال والبطولات، احتاج لأن أشعر بشيء في روحي وقد أعطتني نابولي إياه".
بافل نيدفيد قال سابقا: "هامشيك هو خليفتي في الملاعب سواء فيما يتعلق بجانب الشخصية أو أسلوب اللعب".
ويحكي الأسطورة التشيكية أنه حاول ضم لاعب بريشيا السابق إلى صفوف يوفنتوس قبل عامين، إلا أن عرضه قوبل بالرفض.
ويرد هامشيك: "نيدفيد كان دائما هو بطلي في الصغر، ولكني لم أكن مقتنع بتلك الخطوة، يوفنتوس هو غريمنا الأزلي. أنا سعيد بالبقاء هنا".
الوفاء أصبح عملة نادرة هذه الأيام في كرة القدم خاصة إذا ما قارنا بين موقفه وموقف جونزالو إيجواين، حين انتقل للغريم يوفنتوس، - قبل الانتقال لاحقا لميلان - رغم رفض الدولي السلوفاكي للمقارنة.
ويقول صاحب الـ31 عام عن تلك المقارنة: "لا أظن أن اللاعبين يجب انتقادهم على اختيارهم للأندية التي يلعبوا بها، يوفنتوس يحقق الكثير من البطولات، ولكن الأمر بالنسبة لي كان خطوة مجنونة".
بالطبع يحلم ماريك برفع لقب الإسكوديتو يوما ما في ملعب سان باولو، ليعيد إلى الأذهان قصة مارادونا.
وإن فعلها قد نرى مشجعي نابولي يوما يهتفون باسم سلوفاكيا كما فعلوها مع دييجو بالمونديال.
قيل إن سكان نابولي ذهبوا تجاه المقابر بعدما حقق فريقهم لقب الدوري عام 1990 تحت قيادة مارادونا، وعلقوا لافتات كُتب عليها "لو تعلمون ما فاتكم، دييجو جلب الدوري"، ربما هذا الشعور هو ما يحنو إليه هامشيك ويتلهف إلى تحقيقه.
بات واضحا أن العاطفة أهم بالنسبة لماريك من المادة، وبالتأكيد لن يجد أفضل من عاطفة سكان الجنوب الفقراء.
وقد أقر بذلك قائلا: "حسنا، بطولة واحدة مع نابولي بـ10 بطولات إسكوديتو مع يوفنتوس، لقد جربت شعور الاحتفال بالكأس مع الجماهير بعد 25 عاما من آخر لقب، وقد كان شعورا لا يُوصف".
اختلاف فني وذكاء تكتيكي
قد تكون محبوبا من الجماهير لأسباب عدة ولكن أدائك السيء لن يشفع لك يوما، ولن تمر 11 عاما وأنت في موقعك أساسيا مع العديد من المدربين إلا إن كنت تملك حقا شيئا مختلفا.
شيئا لن يقدر على تقديمه إلا ماريك. هكذا كانت معادلة هامشيك.. ثبات مستوى وحلول مختلفة وذكاء فطري.
مجلة These Football Times تناولت تحليلا عن أداء هامشيك تحت قيادة المدرب ماوريسيو ساري، قبل 3 أعوام، وكيف تغير دوره من لاعب الوسط الهجومي إلى لاعب الدائرة المتوازن القادر على استغلال المساحات مع احتفاظه بقدراته التهديفية أمام المرمى.
وتقول المجلة: "ربما دور هامشيك مع ساري هو الأهم في الفريق، لقد تطور أسلوبه كثيرا، حتى وصل إلى النقطة التي أصبح فيها القوة الدافعة للفريق، حينما يتسلم ماريك الكرة في عمق الملعب فإنه يتجه مباشرة إلى قلب الخصم، ويساعد كذلك على صنع المساحات لزملائه".
وتسترسل: "هو يخلق المساحة الكافية لزملائه، يحاول جذب الخصم تجاهه ومن ثم تمريرة لزميله المتحرك في المساحة الشاغرة، كما أنه قادر على التواجد في الأماكن المناسبة بذكاء كبير، هو يخلق لنفسه أيضا المساحة".
كان ذلك التطور مع ساري ولكن مهمة القيام بنفس الأدوار مازالت مستمرة مع المدرب كارلو أنشيلوتي خلال الموسم الجاري وبنفس النسق.
وعن كيفية تطوره فنيا خلال الفترات الماضية، يشرح هامشيك، الذي صنع 110 هدفا، العوامل التي ساعدته على ذلك في حوار مع مجلة "فور فور تو" ويؤكد أن التصرف ببساطة وسرعة اتخاذ القرار هما العاملان الأهم.
ويقول: "في الدوري الإيطالي حيث الدفاعات تتمركز بتنظيم كبير، وتزدحم منطقة الوسط يجب أن تكون قادرا على اللعب بكلتا قدميك من أجل اتخاذ أفضل القرارات، وكذلك تأكد دائما من خطوتك المقبلة سواء بالكرة أو دونها".
ويتابع "خلال المباراة أحاول دائما أن أتمركز في المكان المناسب كي أخلق الفرص لزملائي، أظن أن التمركز الجيد هو نقطة قوتي".
"تأكدك من وجودك في المكان المناسب واللحظة المناسبة قد يجعل حياتك أنت وزميلك أفضل، ولكن لا تفكر كثيرا، ألمس الكرة، مررها، وتحرك لزميلك، هكذا يجب أن تكون".
تحت قيادة ساري تطور نابولي كثيرا وبات الفريق الأكثر متعة في إيطاليا، ومع أنشيلوتي تواصل المسير على نفس النهج والتكتيك.
صحيح أن البارتينوبي بات ينافس على البطولات ولكنه لم يعتد على منصات التتويج بعد.
وربما تتحين الجماهير فرصة ذاك التطور أو تراجع -لا يبدو قريبا - ليوفنتوس من أجل العودة إلى المقابر يوما، ولكن هذه المرة إن حدثت فسترفع "فاتكم الكثير، هامشيك ورفاقه جلبوا الدوري".
اقرأ أيضا
محمد إيهاب لـ في الجول: الذهب الأولمبي حلمي الأكبر.. واعتزالي في طوكيو
مدرب المنتخب لكهربا: راجع نفسك.. احتفالك العصبي بهدفك في الحدود لم يعجبني
يوسف لـ في الجول: نستغرب إيقاف أزارو.. لكن نثق تماما في مهاجمي الأهلي
لوائح الكاف توضح – لماذا لا يمكن لـ الأهلي الاستئناف على إيقاف أزارو
ماذا يفعل الأهلي في غياب أزارو.. نتائج متباينة
اختر تشكيل الأهلي في مواجهة الترجي عقب إيقاف أزارو