فصل في رواية تحرر الجزائر.. أنا مخلوفي وهذه قصتي

أه، عفوا. نسيت أن أعرفكم بنفسي.. أنا رشيد مخلوفي. يمكنكم أن تعتبرونني لاعبا فذا قلما جادت به الملاعب ويمكنكم اعتباري بطلا ثوريا.

كتب : لؤي هشام

الخميس، 01 نوفمبر 2018 - 13:48
رشيد مخلوفي

جلس في غرفته المظلمة ليلا عاقدا ذراعيه خلف رأسه ومصوبا أنظاره نحو سقف الغرفة. لم يتردد للحظة ولكن القلق كان قد استبد به.

نسمات هواء أبريل العليلة كانت تداعب وجهه بينما يسترجع في ذهنه ما حدث قبل ساعات حينما حضر عبد الحميد كربالي ومختار عريبي خصيصا للحديث معه.

أخبراه بما ينويان فعله ولم يحتاجا بالطبع لأن يبررا ذلك، فقط تركا له حرية الاختيار، ولكنه لم يتردد قط. أخبرهما بأنه معهما وسيكون برفقتهما في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

صحيح أنه لم يتردد، ولكن الأمر كذلك ليس سهلا. سيتعين عليه أن يترك كل تلك اللحظات الرائعة التي هتفوا فيها بإسمه، ستتحول تلك الهتافات إلى سباب، وكما عشقوه بقدر كبير سيكنون له الكره بنفس القدر.

لن يتمكن من العودة مرة أخرى، وحتى فرصة اللعب المضمونة في المونديال سيتنازل عنها الآن.

أخبر العريبي حينذاك: سيعتبرونني فارا لأن لدي خدمة عسكرية، ورد الأخير بكل بساطة: وماذا في ذلك؟

سرعان ما انهارات كل هذه التداعيات حينما تذكر تلك الليالي المشؤومة من مايو 1945. كان في سطيف حينها وشاهد كل تلك المذابح التي ارتكبها الفرنسيون في حق أبناء جلدته.

لا تغادر ذكريات تلك الليالي الكريهة ذهنه حتى الآن. يأتيه في منامه مشهد القوات الفرنسية وهي تفتح النار بكل جنون صوب المتظاهرين ليثير الذعر في نفسه ويجبره على الاستيقاظ، قتلوا الآلاف حينها.

حُسم الأمر، سأكون في انتظارهم بعد مباراة الغد دون أن يرف لي جفن.

مر عليه كربالي وعريبي لأخذه من المشفى في اليوم التالي، كان قد تعرض لإصابة في مباراة بيزييه. غادر معهم ووجد برفقتهم كذلك سيمكا عريبي وعبد الحميد بوشوك وسعيد براهيمي.

بدأت الرحلة - التي ستستمر ليومين - بمغادرة فرنسا صوب إيطاليا مرورا بسويسرا، سيارته توقفت عند الحدود السويسرية، مسؤولو الجمارك تعرفوا عليه ولكنهم لم يكونوا يستمعوا إلى المذياع الذي يعلن هروب عدد من الجزائريين.

كان الخوف يتملكهم خشية القبض عليهم وترحيلهم إلى الشرطة الفرنسية ولكن تلاشى كل ذلك سريعا عند الوصول سويسرا ومن ثم السفر إلى تونس.

في قرطاج وجدوا في استقبالهم رئيس جبهة التحرير، لم يكن على دراية كبيرة بكرة القدم ولكنه كان يدري أهمية اللعبة في تحريك الراكد وتدويل القضية.

كل ذلك تزامن مع زخم كبير للحراك الوطني ودعوة للكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي، وجبهة التحرير كانت الممثل الشرعي عن الجزائريين حتى وإن لم يعترف المجتمع الدولي.

سرعان ما بدأ العديد من اللاعبين الناشطين في الدوريات الفرنسية في التوافد على تونس، حتى بلغوا 32 لاعبا من مختلف الدوريات.

الأمر أثار الضجة في فرنسا، ناد تلو الآخر كان يكتشف هروب لاعبيه بعد فترة من غيابهم. الشرطة الفرنسية أجرت التحقيقات وتأكدت من أن جميعهم اتجه صوب تونس.

أه، عفوا. نسيت أن أعرفكم بنفسي.. أنا رشيد مخلوفي.

يمكنكم أن تعتبرونني لاعبا فذا قلما جادت به الملاعب العربية ويمكنكم اعتباري بطلا ثوريا أدار ظهره لمجد أوروبا من أجل أن تنتزع بلادي حريتها.

لم أكن وحيدا ولم أضحي بمفردي. نجوميتي كانت كبيرة وقتها بحكم تألقي مع سانت إيتيان والمنتخب الفرنسي، ولكن هناك أخرون أيضا كانوا على قمة سلم المجد.

المدافع مصطفى زيتوني كان عنصرا أساسيا في موناكو والمنتخب الفرنسي وقادهم إلى التأهل لمونديال 58.

كان سينضم إلى ريال مدريد بعد أن جاءته دعوة من رئيس الملكي سانتياجو برنابيو، إلا أنه فضل الانتقال إلى تونس لتشكيل فريق جبهة التحرير.

في أحد المرات قال له الأسطورة ألفريدو دي ستيفانو "ستلعب في أحد أكبر الأندية بالعالم يوما ما" أجاب زيتوني "أنا بالفعل ألعب في أفضل منتخب في العالم".. تلك القصة يقسم لنا عمار رويعي أنها حدثت أمام عينيه.

هناك أيضا قدور بخلوفي وعبد العزيز بن تيفور وعمار رويعي ودحمان دفنون ومحمد سوخان وأحمد وجداني وعبد الرحمن إيبرير وعبد الكريم كروم وعبد القادر معزوز وحسين بوشاش.. القائمة تطول ولا أريد أن أنسى أحدا.

بن تيفور لقبناه بالناشط لأنه الوحيد بيننا تقريبا الذي كان عضوا سياسيا ناشطا في الجبهة، أسمينا الروعي بالمجادل لأنه كان دائما ما يتحدث ويتناقش، وأما براهيمي فكان الهداف.

نشأت الفكرة بالأساس في ذهن محمد بومزراق الذي سيصبح مدربا لمنتخبنا، تولدت الفكرة في رأسه خلال المهرجان العالمي للشباب والطلاب في موسكو عام 1957، وبمعاونة مختار عريبي وآخرين نجح في تشكيل المنتخب الجزائري ما قبل الاستقلال.

كانت المشكلة بعد ذلك أن الاتحاد الفرنسي تقدم بشكوى إلى الاتحاد الدولي "فيفا" لعدم الاعتراف بنا كمنتخب ممثل للجزائر ومنعنا من اللعب في أي مناسبة دولية، وهو ما وافق عليه فيفا.

لكن ورغم تهديدات الفيفا بمعاقبة أي دولة تستقبل فريقنا، إلا أننا تمكنا من كسر هذا الحظر ولعبنا أكثر من 80 مباراة في مختلف الدول.

لعبنا في العديد من دول أوروبا الشرقية مثل الاتحاد السوفيتي وبلغاريا ورومانيا المجر وتشيكوسلوفاكيا، لعبنا كذلك بآسيا: في الصين وفيتنام، وبالطبع في بعض الدول العربية.

تونس، ليبيا، الأردن، المغرب وغيرهم. جولاتنا كانت تمتد لعدة أسابيع.

ولكن ستظل اللحظة الأهم بالنسبة لي في العراق. رُفع حينها العلم الجزائري لأول مرة وعُزف النشيد الوطني "قسما".

قسما بالنازلات الماحقات

والدماء الزاكيات الطاهرات

والبنود اللامعات الخافقات

في الجبال الشامخات الشاهقات

نحن ثرنا فحياة أو ممات

وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...

طالع أيضا

كيف سيطبق كاف تقنية حكم الفيديو في نهائي إفريقيا

وكيل رمضان صبحي لـ في الجول: هدرسفيلد وافق على انضمام اللاعب إلى المنتخب الأولمبي

لوفرين: أثق في صلاح الذي أصبح صديقي منذ يومه الأول في ليفربول

دجلة وفريق آخر في الدوري لم يتفوقا أبدا على الزمالك

بوكا جونيورز يلحق بمواطنه ريفر بليت في نهائي سوبر كلاسيكو مرتقب بكوبا ليبرتادوريس

تعرف على موعد لقاء دجلة والزمالك والقناة الناقلة له