كتب : أحمد العريان
يشرب الخمر، ويقضي ليلته مع النساء. ينتهي الليل وفي النهار ينسى كل ما فعله، هكذا يقضي مارادونا حياته بعد اعتزاله كرة القدم.
دييجو أرماندو مارادونا وحده خالف الأعراف وكسر القاعدة، يفعل ما يشاء من موبقات، ولا يجد من الناس إلا كل حب وتقدير.
أعظم من لمست قدمه الكرة في التاريخ، يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ58، ومازال اسمه إلى الآن يطغى على كل يجاوره مهما كانت قيمته.
21 عاما على الاعتزال، لكن مارادونا مازال حاضرا في أذهان عشاق كرة القدم، يحبونه ويبجلونه رغم ما له من تصرفات، لكن هناك أيضا من نصبوه "إلها" ويعبدوه.
_ _ _
طالع أيضا - (أن تلعب مثل مارادونا.. "أسوأ أبولو وأفضل ديونيسوس")
طالع أيضا - (ملحمة دييجو 1986)
طالع أيضا - (أنا دييجو - عن "يد الرب" والمخدرات.. كراهية إسرائيل وبرشلونة)
طالع أيضا - (مايكروفون – "أريد البكاء.. أشكرك أيها الإله على مارادونا")
طالع أيضا - (من دييجو لفيدل: "الجناح الأيسر يليق بك")
_ _ _
"الديانة المارادونية"
"دييجو الذي في الملاعب، لتتقدس يدك اليسرى، لتجلب لنا سحرك. لتكن أهدافك مخلدة في السماء كما هي كذلك على الأرض، أعطنا بعض السحر كل يوم، أغفر للصحفيين كما غفرنا لمافيا نابولي، لا تسقط في التسلل ولتحررنا من هافيلانج. دييجو"
هذه ليست تخاريفي، بل هي صلاة مارادونية! نعم في الأرجنتين يوجد كنيسة مارادونية حقيقية، يوجد أكثر من 200 ألف شخص يتبع تلك الكنيسة حول العالم.
قبل 20 عاما، وتحديدا في الثالث من شهر أكتوبر لعام 1998 كان دييجو أرماندو مارادونا يقترب من احتفاله بعيد ميلاده الـ38، لكن احتفاله في تلك السنة لم يكن عاديا أبدا.
قرر مجموعة من مشجعين مارادونا تأسيس كنيسة "مارادونا" في مدينة روزاريو الأرجنتينية. في معتقد هؤلاء كرة القدم هي الديانة، ومارادونا هو الإله.
في الديانة المسيحية يوجد وصايا، أوصى المسيح باتباعها، لكن معتنقي الديانة المارادونية وضعوا وصاياهم العشر الخاصة.
1) كرة القدم لا تدنس أبدا
2) حب كرة القدم أهم من أي شيء.
3) أعلن حبك اللامشروط لمارادونا ولجمال كرة القدم.
4) دافع عن قميص منتخب الأرجنتين.
5) انشر معجزات دييجو أرماندو مارادونا في جميع أنحاء الأرض.
6) احترم الأماكن التي لعب بها –يقصدون مارادونا- وقمصانه المقدسة.
7) لا تشهر اسم دييجو كعضو في أي فريق.
8) انتهج تعاليم الكنيسة المارادونية.
9) اجعل "دييجو" هو اسمك الأوسط وسمي ابنك الأول به.
10) لا تكن شخص متهور ولا تسمح للسلحفاة بالهرب (يقصدون لا تعيش حياة غير واقعية وتكون عديم الفائدة)
_ _ _
بحسب الكنيسة المارادونية، يبدأ التقويم في عام 1960 – سنة ميلاد مارادونا - ويحتفلون به مرتين في السنة.
30 أكتوبر عيد ميلاد مارادونا ويسمونه "عيد الميلاد المجيد" و22 يونيو في ذكرى هدفي دييجو للأرجنتين في إنجلترا بربع نهائي كأس العالم 1986.
معتقدات معتنقي الديانة المارادونية ستقودنا لحديث آخر. يوم أذل مارادونا الإنجليز منتقما لبلاده من الحرب، لكن على طريقته الخاصة.
ملحمة المكسيك
كان مارادونا لاعبا في نابولي وقتها. سنتحدث عن تلك الفترة لاحقا، لكننا الآن سنروي قصة "ملحمة 1986".
لم تكن قوانين الفيفا في هذا الحين واضحة كما هي الآن، ما كان للأندية الإيطالية - أقوى فرق العالم بهذا الزمان - إلا أن تمنع لاعبيها من أمريكا الجنوبية للسفر إلى بلادهم وخوض تصفيات كأس العالم.
مارادونا لم يتأثر يوما بذلك، ببساطة لأنه مارادونا. كان يلعب مع نابولي يوم السبت أو الأحد، ويسافر إلى بلاده ليخوض المباريات.
مارادونا: "في إيطاليا كانوا يهددون بإيقاف اللاعبين الذين ينضمون لمنتخباتهم دون موافقة الأندية والاتحاد، لم أخش شيئا لا يمكنهم منعي".
في النهاية تأهلت الأرجنتين إلى مونديال المكسيك 1986.
يقول مارادونا "بيرديتو (باسكولي) كان شريكي في الغرفة، وكنا نضع كل يوم لوحة أو عبارات تحفيزية على الجدران حتى نشعر أننا نعيش في منزلنا طوال فترة البطولة لأننا لم نكن نريد الرحيل عن المكسيك قبل شهر. وقد كان، كنا أول من وصل إلى المكسيك وآخر من غادرها".
"حين وصلنا المكسيك لإجراء معسكر شعرت بأن الجميع لا يحترمنا، ولا يرشحنا للقب. وخسرنا من فريق محلي في لقاء ودي، وتعادلنا مع فريق آخر للشباب".
"كان لابد من الاجتماع، اعترفنا بأن الجميع ضدنا، نحن ضد العالم كله، لا يؤمن بنا أحد".
"أنا مقتنع بأن نصف الأرجنتينيين الذين شاهدوا مباراتنا الأولى أمام كوريا الجنوبية (فزنا 3-1) لم يكونوا يعرفون أسماء معظم لاعبي منتخبنا، افتقدنا الدعم لأن نتائجنا كانت سيئة في المباريات الودية، لكن كنا نثق في أنفسنا".
"الفيفا كانت ضدنا، الحكام لا يدافعون عنا ويسمحون بتعرضنا للضرب لعبنا مبارياتنا في الـ12 ظهرا".
"حرارة الطقس الشديد في المكسيك مع الارتفاع عن سطح البحر عذاب لا يحتمل. لم أكن أستطيع النوم بأريحية".
"يسألونني كثيرا لماذا أنت ثائر دوما ضد كبار رجال الفيفا؟ لست ثوريا أو سياسيا، ولا أحب ذلك".
"جواو هافيلانج رئيس الفيفا آنذاك، والذي كان لاعبا لكرة الماء، صرح بأن مارادونا يجب أن يحترم الكبار، ظن أنني أريد أن أتقاسم مع الفيفا أرباح البث التلفزيوني".
"أعتقد أن هافيلانج كان أصما. فقط طالبت باستشارة اللاعبين بشأن مواعيد المباريات".
"رجال الفيفا بدوننا لا شيء، نحن متعة كرة القدم. مارادونا ورومينيجه وأي لاعب بديل في المغرب".
"اللعب في الساعة الـ12 ظهرا في تلك الأجواء يمكنه أن يقتل أي شخص".
_ _ _
"يد الله"
كانت تلك هي خلفيات البطولة، لكننا وصلنا الآن إلى 22 يوليو 1986، حيث يلتقي المنتخب الأرجنتيني مع إنجلترا في ربع نهائي كأس العالم على ملعب "أزتيكا"، ولتلك المباراة خلفيات أخرى.
لم تكن المواجهة بين الأرجنتين وإنجلترا مجرد مباراة عابرة، بل مواجهة بين طرفي النزاع على جزر فوكلاند.
كانت إنجلترا تحقق الانتصارات في الحرب ضد الأرجنتين على جزر فوكلاند لتفوقها عسكريا بسبب المال الذي لا تمتلكه الأرجنتين، لكن في كرة القدم تختلف الأمور.
"كان لابد للأرجنتين أن تفوز باللقاء. ليس انتقاما للشباب الذين أطلقوا عليهم النيران كالطيور، لكن لإثبات أن الأرجنتين قوية حين تدور الأمور بعيدا عن المال والسلاح".
هكذا تحدث مارادونا عن اللقاء، وهذا يفسر صفاء ضميره إلى يومنا هذا تجاه الهدف غير الشرعي بيده، ويفسر تصريحه حول الهدف "إنها يد الله".
في تلك المباراة سجل مارادونا أجمل هدف في تاريخ كأس العالم - لا يعرف أحد كيف سجله - وسجل آخر هو أوضح هدف غير شرعي - لا يعرف أحد كيف احتسبه الحكم -.
هدف مارادونا الذي راوغ فيه دفاع إنجلترا بالكامل لم يكن وليد الصدفة، هل تعلمون أن اللعبة ذاتها فعلها مارادونا وأمام إنجلترا نفسها على ملعب "ويمبلي" عام 1980؟
يومها وصل مارادونا إلى الحارس وفضل التصويب بيمناه بدلا من مراوغته.
عاد مارادونا للمنزل، فقابله شقيقه صاحب الـ7 سنوات "أنت غبي يا دييجو، كان عليك مراوغة الحارس والتسجيل بيسراك لأنك امتلكت الوقت الكافي لفعل ذلك".
مارادونا رفض حديث شقيقه ورد "أنت غبي. تقول ذلك لأنك تشاهد اللقطة في التلفاز" لكنه لم ينس كلمات شقيقه، فحين تكرر الموقف مرة أخرى بعد ست سنوات، لم يتوان عن مراوغة حارس إنجلترا والتسجيل في كأس العالم.
يقول مارادونا بعد ذلك "كنت أرواغ معتمدا على وجود فالدانو أمامي، الإنجليز كانوا ينتظرون أن أمرر له، لكنني استخدمته لكي أرواغ وعندما وصلت لمرمى شيلتون فعلت كما قال أخي الصغير اللعين لي".
سجل مارادونا واحتفل وكأنه لم يسجل أهداف قبل ذلك قط. ليس لأن الهدف في كأس العالم، وليس لأنه الأجمل في تاريخ كأس العالم، لكنه يشرح ذلك "كنت أركض فرحا بالهدف وكأنني سرقت حافظة نقود جندي إنجليزي".
كان الأطفال في الأرجنتين يسرقون حافظات نقود الجنود الإنجليز كنوع من المقاومة للعدو ويركضون بأقصى سرعة حتى لا يمسكون بهم.
_ _ _
معجزة مارادونا في الهدفين بمرمى إنجلترا لم يكنا الوحيدين في تلك الليلة، هل تعلمون أن دييجو هو من اختار طاقم الأرجنتين في تلك المباراة؟
لعبت الأرجنتين في ثمن النهائي أمام أوروجواي بقمصان من القطن، لكنها كانت ثقيلة جدا، ومع ارتفاع درجة الحرارة في المكسيك، فضل كارلوس بيلاردو مدرب الفريق تغييرها وارتداء قمصان أخف وزنا.
أحد المساعدين أحضر طاقمين مختلفين، وظل المدرب في حيرة حتى أتى مارادونا وقال: "هذا القميص يبدو أفضل. سنهزم الإنجليز بهذا الطاقم".
على الفور بدأ اللاعبون يحيكون شعار الأرجنتين من القميص القديم إلى الجديد، وفي المباراة حدث ما تعرفونه جميعا.
_ _ _
تأهلت الأرجنتين وعبرت بلجيكا أيضا ووصلت إلى النهائي لملاقاة ألمانيا. تقدمت الأرجنتين بهدفين، لكن المستحيل ليس ألمانيا، فعادوا بتعادل قبل 10 دقائق من النهاية.
يقول مارادونا "نظرت إلى ساقي اللاعب الألماني هانز بريجل، وجدتهما ترتجفان، عرفت أننا سننتصر".
"كنت أصيح في الملعب بعد التعادل، قلت لبوروتشاجا "هيا، إنهم ميتون الآن، لا يمكنهم الجري".
"ركض بوروتشاجا من خلف بريجل المنهك، مررت له الكرة، انطلق بها وسجل هدف التتويج".
"صرخت كما لم أصرخ في حياتي، قفزنا على أجساد بعضنا وصنعنا جبلا كبيرا، تيقنا أننا أبطال العالم رغم تبقي 6 دقائق".
_ _ _
كان ذلك في الأرجنتين، لكن لمارادونا في نابولي حكايات أخرى.
في نابولي لم يفزوا بالدوري الإيطالي إلا مرتين، كانا في عصر دييجو.
يقول دييجو عن نابولي في كتابه "كانوا يهتمون بي منذ كنت ألعب لأرجنتينوس جونيورز. أرسلوا لي قميصا في 1979 برفق برسالة (نحن في انتظارك) ووجهوا لي دعوة لقضاء 10 أيام مع الفريق".
"في تلك الفترة كنت أملك عروضا أخرى. من شيفيلد يونايتد في إنجلترا وبرشلونة. لم أعرف أي شيء عن نابولي، كنت أظنهم شيئا إيطاليا عاديا مثل البيتزا مثلا، لا شيء مميز".
"حتى عندما جاءوا إلي في برشلونة وفاوضوني لم أكن أعلم عنهم شيئا. لماذا انتقلت لهم تحديدا ولم أنتقل إلى فريق آخر كبير في إيطاليا؟ لأنهم يعرضوا علي من الأساس، بونيبيرتي رئيس يوفنتوس قال عني (مارادونا لديه جسد هزيل، لا يصلح أن يكون لاعبا ليوفنتوس)".
"عموما شكرا لعظمة كرة القدم. حتى الأقزام أمثالي بإمكانهم صناعة المجد".
"إذا الفكرة من الانتقال لنابولي كانت رغبتي في تغيير الأجواء، لم أقل أنني كنت أريد التألق أو تحقيق بطولات، كنت أريد اللعب وفقط".
"توجد أسباب أخرى بالطبع، برشلونة باعني لنابولي لأنه لم يجد هذا الفريق الإيطالي منافسا مباشرا له في أوروبا".
"كنت بحاجة أيضا إلى المال، كنت مفلسا تماما عندما وصلت لنابولي كان جيبي خاويا. تراكمت عليّ الديون وأنا في الـ25 من عمري، اضطررت لبيع منزلي الفخم في برشلونة لسداد بعض الديون".
"يوم تقديمي امتلأ ملعب سان باولو بـ80 ألف شخص من أجل مشاهدتي".
"أثناء المفاوضات قرر مشجعو نابولي الإضراب عن الطعام حتى أوقع على العقود، وقام أحدهم بربط نفسه بسلسلة على بوابة ملعب سان باولو في انتظار الإعلان عن إتمام الصفقة".
"وجدت حفاوة لا تصدق، قاموا بتأليف أناشيد خاصة بي وكانوا يعزفون موسيقى التانجو".
"شعرت أن حياتي تبدأ من جديد، بكيت فرحا وحماسا وانتابتني القشعريرة في ساقيّ. ذكّرني بيومي الأول في بوكا جونيورز".
"أول مباراة كانت امام فيرونا خارج ملعبنا، كان لديهم لاعب ألماني يدعى بريجل، عرقلني بقوة وخرجت من الملعب للعلاج، قلت لنفسي: (مرحبا بك في إيطاليا).
"فهمت أن المعركة في إيطاليا لن تكون رياضية فقط، هنا الصراع بين الشمال والجنوب العنصريون ضد الفقراء".
"في الدور الأول كله حققنا 9 نقاط فقط، عدت الى الأرجنتين في عطلة وكنت أشعر بالخجل، كنا في منطقة الخطر بالدوري".
"في الدور الثاني حققنا انتفاضة رائعة، فزنا بنقاط أكثر من فيرونا الذي أصبح فيما بعد بطلا للدوري".
"في موسم 86-87 حققنا ما كنا نطمح إليه ونستعد له منذ سنوات، كنت عائدا للتو من التتويج بكأس العالم".
"للأسف خسرنا في بطولة أوروبا أمام تولوز الفرنسي بركلات الترجيح، أضعت أنا ركلة".
"حين حققنا المركز الثالث في الدوري الإيطالي كان هذا بمثابة معجزة، فما بالك بالتتويج باللقب هذا الموسم".
"قال لي الرئيس ماذا ينقصنا للفوز بالدوري؟ قلت له: (قليل من الحظ)".
"كنا نعاني من العنصرية ونتعرض للسباب في كل الملاعب، كبار إيطاليا شعروا بالرعب منا وكانت فرقهم مليئة بالنجوم مثل بلاتيني وغيره. استكبروا على فقراء الجنوب أن ينالوا قطعة من الكعكة لكننا حصلنا على الكعكة كلها، هزمنا ميلان والإنتر ويوفنتوس".
"بالنسبة لي الفوز بأول إسكوديتو لنابولي خلال 60 عاما كان انتصارا لا يقارن بأي انتصار آخر، حتى بكأس العالم 86 نفسه".
"نحن من صنعنا نابولي، بدأنا من تحت الأرض، لم يكن نصرا لفريق بل لمدينة بأكملها، كان احتفالا جنونيا".
"تعلم الناس منا أن النجاح ليس متعلق بمن يملك مالا أكثر، بل بمن يقاتل أكثر"
"كنت أنا بالنسبة لشعب نابولي ربان السفينة، العَلَم والرمز".
حين فاز نابولي بالإسكوديتو عام 1987، ذهبت الجماهير إلى المقابر، ورفعوا اللافتات "أه لو تعرفون ما فاتكم!".
اعتزل مارادونا ولم يهجر كرة القدم. ظل دائما مثيرا للجدل، بتصريحاته، بتصرفاته ومظهره، لكنه في نظر جمهوره لم يتغير "إنه إله كرة القدم".
اقرأ أيضا:
حسام حسن يكشف سبب استقالته من المصري: لا يدافعون عن النادي.. ما واجهناه لا يحدث في العالم
صورة – ميزانية اتحاد الكرة للعام المالي الجديد توضح راتب أجيري ومعاونيه
9 معلومات ترغب في معرفتها عن مدرب ريال مدريد الجديد
بيراميدز يعلن المناصب الجديدة للبدري وأحمد حسن وخشبة بعد انضمام التوأم
شحاتة: لن أرد على تصريحات سعدان.. الكل أدى هذا الدور بدلا مني
ناجي: الرحيل عن الأهلي أسوأ قرار للحضري.. لم أتحدث معه لمدة 3 سنوات بسببه