لُغز البيتلز.. عزوف فطري عن كرة القدم أم انتماء سري لأغراض تسويقية

جون لينون، بول مكارتني، جورج هاريسون، رينجو ستار

كتب : زكي السعيد

الجمعة، 19 أكتوبر 2018 - 12:40
البيتلز

جون لينون، بول مكارتني، جورج هاريسون، رينجو ستار

(البيتلز 1960-1970)

إن بدت تلك الأسماء مألوفة، فهنيئا لك على حسن الاستماع. وإن جهلتها، فحريٌ أن تطرب أذنيك بالتعرف على موسيقى أثارت جنون العالم قبل عدة عقود.

في مدينة ليفربول الإنجليزية، ولمدة 10 سنوات، حقق البيتلز النجاح الأعظم في التاريخ لأي فرقة موسيقية، أطاحوا بعقول العاشقات، وسطّروا كلمات صادقة وألحان خالدة تمتلأ بالتنوع وتعج بالمشاعر على تناقضاتها.

والبيتلز حالة يمكنها أن تتلبسك إلى أقصى الحدود، 4 أشخاص عاشوا حياة متخبطة بين نجاحات وكبوات، منهم من قضى نحبه مبكرا جدا، ومنهم من أسعفته حياته حتى يتقلّد وسام الفروسية.

27 هو مجموع ألقاب الدوري التي حصدتها أندية مدينة ليفربول، أو لنقل ناديي ليفربول بصيغة المثنى، أكثر من أي مدينة إنجليزية أخرى.

مدينة كروية بامتياز، مع فرقة غنائية هي الأشهر في التاريخ، فهل من متقاطعات بين هذين الخطين الرياضي والغنائي؟

لغز حيّر الملايين: ما هي الانتماءات الكروية لرباعي فرقة البيتلز؟ وهل اهتموا بكرة القدم بالأساس قدر اهتمامهم –أو أقل قليلا- بآلاتهم الموسيقية التي ما فارقتهم في أي يوم.

دعونا بهذا التقرير ننبش في علاقة محيّرة بين البيتلز وكرة القدم، ما بين عزوف عنها، أو اهتمام خفي لا يمكن إثباته بصورة مطلقة.

ليفربول أم إيفرتون؟

هذا هو السؤال الأهم، فاحتمالات أن يمتلك أفراد البيتلز انتماءات خارج المدينة الكروية العريقة، قليلة للغاية.

بل أن الطرفين من مشجعي الناديين، حاولوا دائما ادعاء أن البيتلز ينتمون بأهوائهم إلى فريقهم، بناء على أدلة ضئيلة.

أحد تلك الأدلة الضئيلة كان ألبوم Sgt. Pepper’s Lonely Hearts Club Band الصادر عام 1967.

هذا الألبوم يحمل صورة غلاف أيقونية، تصوّر أفراد البيتلز الأربعة، مصحوبين بعشرات من الشخصيات الشهيرة من مختلف المجالات، مثل الممثلة مارلين مونرو، والمغني بوب ديلان، والاشتراكي كارل ماركس، والممثل مارلون براندو، والكاتب أوسكار وايلد، والفيزيائي ألبيرت آينشتاين، والمناضل مهاتما غاندي.

ومن بين كل تلك الشخصيات، لا يظهر سوى لاعب كرة قدم واحد فقط، هو ألبيرت ستوبينز مهاجم ليفربول في الفترة ما بين 1946 و1953، إذ يجاور مباشرة الممثلة الألمانية الشهيرة مارلين ديتريتش.

قد تعتقد أن هذا سببا كافيا للاعتقاد أن أفراد البيتلز يساندون ليفربول، ولكن لا تتعجل في إطلاق الأحكام؛ لأن رواية انتشرت مفادها أن جون لينون اختار ستوبينز لينضم إلى تلك الشخصيات، بسبب اسمه الذي أعجبه!

هنالك نظرية أخرى في هذا الصدد، وهي الأقرب للمنطق، تعتمد على حقيقة أن والد جون لينون كان مشجعا متعصبا لـ ليفربول، وبالتالي من المحتمل أن المهاجم ستوبينز كان أحد أبطال الوالد، فأراد لينون تكريمه.

مزيد من التشويش سيظهر عندما نكتشف أن من راسل ستوبينز بشأن الظهور في الغلاف، لم يكن لينون، بل بول مكارتني.

على ذِكر مكارتني، أو لنقل السير بول مكارتني، فالكاتب كارل كوباك روى ذات مرة عن موقف رآه بعينه أثناء تواجده على زورق مع مكارتني عام 1977.

يقول كوباك أن مكارتني انشغل بمحاولة الحصول على إشارة لمذياعه، حتى يستمع إلى وصف مباراة نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين ليفربول ومانشستر يونايتد، وأين؟ في بحر الكاريبي.

مكارتني هو أكثر أفراد البيتلز ارتباطا بكرة القدم بناءً على الكثير من الروايات. روايات لن تعطي الكثير من المدلولات، لكن يمكن جمعها لنصل إلى صورة أكثر وضوحا.

واحدة من تلك الروايات، هي ظهوره في جلسة تصوير عام 1968، مع وردة حمراء وبيضاء على ملابسه، يُعتقَد أنها ترجع لمشجع لليفربول أهداه له خلال إحدى الجولات.

ولكن على النقيض، يمكن التأكيد أن عائلة مكارتني كانت مشجعة لـ إيفرتون، بل يشاع أنهم اصطحبوه إلى ملعب جوديسون بارك في صغره لمشاهدة مباريات التوفيز، وهذا بالطبع لا يجزم إطالقا بانتمائه، فـ ستيفن جيرارد يظهر في صورة بصغره مرتديا القميص الأزرق لـ إيفرتون.. مُكرَهًا.

من المشاع أيضا هو حضور مكارتني لنهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 1965 في ويمبلي بين ليفربول وليدز يونايتد، قبل أن تضح عدم دقة تلك المعلومة في وقت لاحق.

بيل شانكلي، المدرب الأسطوري لليفربول، قامت عائلته ذات يوم بعد وفاته بفحص مقتنياته، وإذا ببرقية ثمينة أُرسلَت إليه قبل نهائي 65 ذلك، ومصدرها رباعي البيتلز.

المباراة المهمة للغاية لليفربول الذي لم يكن قد توج بكأس الاتحاد مطلقا، شهدت دعما استباقيا من البيتلز. تقول البرقية: "حظا موفقا أيها الرفاق، سنشاهد المباراة على التلفاز".

بإمضاء: جون، بول، جورج، رينجو.

على كل حال، من الواضح أن تلك المباراة اكتسبت أهمية خاصة للبيتلز، بغض النظر عن موضع مشاهدتهم لها.

مزيد من الإشارات في أعمالهم الفنية

أغنية Dig It من ألبوم Let It Be، شهدت ذكر اسم أحد العلامات الكروية الشهيرة في بريطانيا: مات باسبي.

باسبي وقبل أن يكون مدربا تاريخيا لـ مانشستر يونايتد، فإنه لاعب سابق في صفوف ليفربول ما بين 1936 و1941.. توصية أخرى من والد جون لينون؟

لينون نفسه أصدر في 1974 بعد 4 سنوات من تفكك البيتلز، ألبوم غنائي بعنوان Walls and Bridges، مع صورة غلاف مثيرة للاهتمام.

الغلاف الفني الذي صممه لينون، جزء منه يُظهِر رسمة من عمله شخصيا وقتما بلغ 11 عاما، تصوّر مباراة بين نيوكاسل يونايتد وليفربول، ويعتقَد أنها إشارة إلى مباراة الفريقين في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 1952، والتي فاز بها نيوكاسل بهدف دون رد.

ما يرجح أكثر هذا الاعتقاد، أن الرسمة تُظهر لاعبا يرتدي الرقم 9 في صفوف نيوكاسل، وبالعودة للنهائي السابق ذكره، نجد أن اللاعب رقم 9 هو مُسجل هدف المباراة الوحيد: جاكي ميلبرن.

إقدام لينون على تصوير مباراة خسرها ليفربول، قد يؤشر إلى أنه لم يكن مشجعا لليفربول بقدر كبير، بل على الأرجح أنه تأثر فقط باهتمام والده بالمباراة وشغفه بها، ليقوم بتصوير مشهدها الأبرز.

ولكن الرأي القائل أن لينون وجورج هاريسون لم يحضرا أي مباراة كرة قدم في تاريخيهما، فيمكن دحضه بسهولة، لأن هاريسون ظهر في إحدى الصور النادرة وعمره 14 عاما، أثناء حضوره مباراة أستون فيلا ومانشستر يونايتد في نهائي كأس الاتحاد 1957.

بينما يُعتقَد أن لينون تواجد رفقة بول مكارتني في مباراة جمعت إيفرتون بـ شيفيلد وينزداي عام 1966.

لينون وهاريسون يمتلكان علاقة ضبابية مع كرة القدم رغم ذلك، فالأول تجنّب الحديث عنها، والثاني أجاب بشكل مبهم عندما سألوه عن فريقه المفضّل.

هاريسون أجاب: "هناك 3 فرق في ليفربول، وأنا أفضّل الثاني".

لا نفهم هل كان يسخر من السؤال، أم أن علاقته بكرة القدم ضحلة إلى درجة عدم تمييزه عدد الأندية في مدينته.

في فيلم البيتلز الشهير Yellow Submarine من إنتاج 1968، تحديدا في مشهد Eleanor Rigby، يظهر فريقان لكرة القدم، أحدهما بالأحمر، والآخر بالأزرق. من الجلي أنها إشارة إلى ليفربول وإيفرتون دون تفلسف زائد.

أرسنال؟

حديثنا انحصر عن ليفربول وأرسنال مع حقيقة أن الرباعي ينتمي إلى المدينة، ولكن الفرد الرابع الذي لم نتطرق له حتى اللحظة، رينجو ستار، أو لنقل السير رينجو ستار، يبدو أنه يشجع أرسنال!

ستار عكف على حضور مباريات في ملعب أنفيلد وملعب جوديسون بارك مما ترك حيرة بين هوية النادي الذي يدعمه، قبل أن يُكشَف عن الرابط: أرسنال!

لقد استغل دائما حضور أرسنال إلى المدينة مرتين في العام، وحاول أن يشاهده مع أقاويل أنه نادي طفولته، والسبب على الأرجح هو هاري جريفز زوج والدته الذي كان من لندن في الأساس، لعله نقَل له حب المدفعجية.

كأس العالم

غير معروف أين كان أفراد البيتلز تحديدا يوم 30 يوليو 1966، وهو اليوم الأهم في تاريخ كرة القدم الإنجليزية، لأن إنجلترا هزمَت ألمانيا 4-2 في ويمبلي، ورفعت كأس العالم للمرة الوحيدة في تاريخها.

فقط يُخبرنا الأرشيف أن اليوم السابق -29 يوليو 1966- شهد إعادة مجلة ديتبوك الأمريكية لنشر التصريح الجدلي لـ جون لينون: "نحن أكثر شعبية من المسيح".. التصريح الذي فتح عليه جحيما من الانتقادات، وتسبب لاحقا بشكل أو بآخر في مقتله عام 1980.

تكتُم مقصود؟

مع حقيقة أنهم ولدوا في بلاد كرة القدم، فما نسبة أن نتحصل على 4 شبان يجتمعون كلهم على عدم الاهتمام بتلك اللعبة؟ من المستبعد أن يكون هذا التجاهل لكرة القدم من باب المصادفة.

بعض الأقاويل تدعم هذا الاتجاه، وتقول أن بريان إبستيان مدير الفرقة، طلب منهم إبقاء انتماءاتهم الكروية سرية، حتى لا يخسروا قطاعا من جماهيرهم، ربما نصحهم بهذا التوجه في بداية مسيرتهم عندما كانت مدينة ليفربول هي سوقهم الأساسي قبل أن ينتشروا عالميا، مع اعتيادهم على هذا التكتُم فيما تبقى من مسيرتهم.

ولو صدق هذا الأمر، فيمكن القول أن البيتلز نجحوا في المهمة المستحيلة.. ليس من السهل إخفاء هويتك الكروية على الإطلاق أيها المشجع.

جنون الملاعب

Oo, she loves you, yeah, yeah, yeah

She loves you, yeah, yeah, yeah

With a love like that

You know you should be glad

في 1963، صدرت أغنية She Loves You.

أغنية أثارت جنون كرة القدم، بداية في أنفيلد حيث رُصدَت الجماهير في إنشادها لها داخل المدرج، قبل أن تنتقل بشكل أكثر تأثيرا إلى ملعب سانتياجو برنابيو!

مانولو سانشيس، رامون جروسو، بيري، مانويل فيلاسكيز، أنطونيو بيتانكورت، بيدرو دي فيليبي.. لاعبو ريال مدريد ظهروا بشعر مستعار في فاصل من المرح، كمحاكاة للفرقة الغنائية الأشهر تزامنا: البيتلز.

"حُمى البيتلز" انتقلت إلى الملعب مع النسق السريع والأسلوب الجذاب الذي جلبه جيل الستينيات في ريال مدريد، ليهتز الملعب بصياح Yeah Yeah Yeah على نفس نسق الأغنية، وهي الكلمة التي تُكتَب في الإسبانية Ye-ye.

إلا أن التوأمة غير الرسمية بين البيتلز وريال مدريد في الستينيات كانت أكثر من مجرد هتاف على نسق أغنية أو صورة شهيرة للاعبي الفريق بشعر مستعار.

بل تزامن التأثير الثوري للبيتلز في الأفكار والاتجاهات الاجتماعية بين الشبان، مع ثورية جيل ريال مدريد في الستينيات والذي التصق به لقب Ye-ye بالمناسبة، لقد صعد هؤلاء الفتية على أنقاض جيل ألفريدو دي ستيفانو وفيرنتش بوشكاش، ليثبتوا أنهم قادرين على تقديم إضافة عن التي جلبها الجيل الذهبي، وبرهنوا على ذلك بالفوز بلقب الدوري الإسباني 5 مرات متتالية.

مفاجأة متأخرة

بعد سنوات طويلة، انحل ربع اللُغز الكروي للبيتلز.. أخيرا بول مكارتني تحدث بصراحة عن انتمائه.

يقول مكارتني في تصريحات إذاعية: "إليكم الوضع، أبي وعائلتي يشجعون إيفرتون بشكل رسمي، ولذا إن لعب ليفربول وإيفرتون مباراة دربي في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، فسأشجع إيفرتون".

"ولكن، بعد إحدى الحفلات في ملعب ويمبلي، تعرّفت على كيني دالجليش وجمعتني به صداقة. وحينها لم أجد مشكلة في دعم الفريقين، لأنهما يمثلان مدينة ليفربول، وأنا ليس لي شأن مع معضلة الكاثوليك والبروتستانت تلك".

من المعروف أن جماهير إيفرتون أغلبهم من الكاثوليك، وأن جماهير ليفربول أغلبهم من البروتستانت.

يواصل مكارتني حديثه مازحا: "توجب علي أن أحصل على استثناء من البابا حتى أقوم بذلك، لأنني أشجع الفريقين، كلاهما عظيمان".

ويختتم: "ولكن لو توجب علي اختيار اتجاه كنائسي، فسأختار عقيدة إيفرتون".

اقرأ أيضا:

ميدو عن مكافآت التأهل لأمم إفريقيا: على البعض النظر لتاريخ منتخب مصر وأطالب بإلغائها

هازارد بين محطتي مورينيو وساري.. مقارنة رقمية

موهبة دجلة: الانتقال للأهلي حلم أي لاعب.. ومن الوارد الانضمام إليه

صاحب رباعية مصر في الأرجنتين لـ في الجول: لعبت خماسي بالصدفة.. وصعوبة واجهتنا

ماتياس دي ليخت .. جوهرة أمستردام الدفاعية المتفجرة

من روما إلى ليفركوزن.. كيف تجعل العالم يتابعك بسبب التواصل الاجتماعي فقط