كتب : زكي السعيد
على ملعب بابا يارا في مدينة كوماسي الغانية، قبل 5 سنوات بالتمام والكمال، تحطّم حلم المونديال المصري، وتأجَل للمرة الأخيرة قبل أن يتحقق في الغزوة التالية.
فبعد أن تفنن المنتخب المصري في تنويع أساليب هزائمه بمشوار التصفيات، ما بين سقطات محرجة أمام منتخبات غير مصنفة، أو إهدار فاضح لفرص على خط المرمى، أو إعادة هزلية لإحدى المباريات في قارة أخرى، أو ملحمة شعبية خاسرة لجيل ذهبي حصد كل شيء؛ حان الوقت لإكمال الأحجية بمربّع أخير يمثّل: هزيمة عريضة مهينة وقاتلة.
6-1 كانت النتيجة النهائية لمباراة غانا ومصر في ذهاب الدور الأخير من تصفيات كأس العالم 2014.
الآن بعد أن مرت الأسابيع والشهور، بعد أن التأم الجرح –ولو جزئيا- بفك العقدة والوصول لكأس العالم، وبعد أن أخذت مباراة كوماسي موضعها في كتب التاريخ وصارت ماضيا.. فلنتوقف عند بعض النقاط التي شكّلت هذا السقوط الفادح.
6 انتصارات ولكن..
حضر الأمريكي بوب برادلي باستحداث جديد في ولايته عن حقبة حسن شحاتة: مصر لا تعاني كثيرا في المباريات الخارجية.
فطوال حقبة حسن شحاتة شكّلت مباريات التصفيات الخارجية عقدة كبيرة للمنتخب المصري الذي لم ينجح –مثلا- في تحقيق الفوز خارج ملعبه على موريتانيا، بوروندي، بوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الإفريقية 2008.
وحتى عندما حقق الفراعنة فوزين قيصريين على رواندا وزامبيا في تصفيات كأس العالم 2010 بأصغر نتيجة ممكنة (1-0)، اعتبرها الكثيرون إعجازا وإنجازا نابعا من الدوافع الكبيرة المتولدة من المأزق الذي دخله المنتخب المصري.
ولذا، عندما فاز منتخب برادلي على غينيا، موزمبيق، زيمبابوي، وبنتائج مريحة مسجلا 8 أهداف في رحلاته الخارجية؛ كان الأمر ثوريا، وأعطى الكثير من التوقعات العالية تزامنا مع حصد العلامة الكاملة (18 نقطة)، مسيرة مثالية في تصفيات مونديالية؟ إنه حدث غير مألوف بحق.
هذه النتائج أعطت صورة زائفة عن قوة المنتخب الذي لم يواجه منافسا قويا إلى أن وصل للمرحلة الأخيرة من التصفيات، ولذا كانت مواجهة غانا بمثابة لفحة هواء ساخن بعد الخروج من محيط ثلجي.
رهانات برادلي الخاسرة
توقف بطولة الدوري في ذلك الوقت، دفع برادلي –مرغوما- للاعتماد على منتخب قوامه لاعبي الأهلي الذي يشارك في المنافسة الإفريقية، بالإضافة إلى المحترفين الناشطين في الخارج.
فمن الأهلي نجد 9 لاعبين في تشكيلة المباراة، بالإضافة إلى محمد النني ومحمد صلاح.
هذا الأمر حَد من خيارات المدرب الأمريكي، الذي تقيّد بمساحة اختيار ضيقة جدا، ونجده على سبيل المثال يعوّل على أحمد شديد قناوي في مركز الظهير الأيسر، بالرغم من أن سيد معوض كان اللاعب الأساسي في هذا المركز بالأهلي وقتها وليس قناوي، إلا أن مساحة الاختيار العامة توقفّت بـ برادلي عند محيط الأهلي، وفرضت عليه أن يجد ضالته في واحد من اسمين متاحين.
برادلي اتخذ خيارا خاطئا آخر في خط المباراة، بعدم الدفع بمهاجم صريح، والاكتفاء بالثلاثي: محمد أبو تريكة، محمد صلاح، وليد سليمان في الأمام، وهو الحال الذي لم يغيّره حتى نهاية المباراة، لتفقد مصر أي عمق هجوم يُذكَر.
ناهيك عن اللعب بخط دفاع متقدم في الدقائق الأولى مع حقيقة أن محمد نجيب (30 سنة) ووائل جمعة (38 سنة) لا يتمتعان بسرعة كبيرة أمام انطلاقات غانا الهجومية بقيادة أسامواه جيان.
صدمة غانية
المتابعون لمباريات غانا طوال الفترة قبل مواجهة مصر، سيدركون حتما حجم المفاجأة الذي حملته تشكيلة المدرب جيمس كويسي أبياه للمباراة المصيرية.
أبياه "الماكر" أجرى تعديلات جذرية على تشكيلته، أربكت حسابات المدرب الأمريكي.
يقول أبياه في تصريحات خاصة سابقة لـ في الجول: "قبل تلك المباراة، شاهدت جميع المباريات التي لعبها منتخب مصر، وبالتالي تمكننا من الفوز بتلك النتيجة".
مضيفا: "أفكر جيدا وأرى الحقائق وأدرسها قبل أي مباراة، وبالتالي قمت ببعض التغييرات الكبيرة التي جعلتني أقدّم مباراة مماثلة".
وواصل: "ضممت جاري أكامينكو وإيمانويل فريمبونج مجددا اللتشكيل، وعاد سولي مونتاي في ذلك الوقت بعد أن غاب أمام زامبيا. توقع الجميع ألا يلعب ضد مصر، لكنه كان أحد العناصر الرئيسة لخطتي".
مونتاري صاحب الهدف الغاني الخامس في تلك المواجهة، كان بعيدا لفترة عن المنتخب، وشكّل إشراكه مفاجأة كبيرة، خصوصا أنه اجتمع مع مايكل إيسيان على دائرة المنتصف، وظهر جليا حصولهما على تعليمات بالزيادة الهجومية المستمرة.
مباغتة أخرى ماكرة أقدَم عليها أبياه، عندما دفع بثنائي في خط الهجوم بعد أن عكف أغلب التصفيات على اللعب بـ أسامواه جيان وحيدا، إلا أنه قرر مساندته بـ مجيد واريس، ليتفاجأ الجهاز الفني المصرية بزيادة عددية دائمة على مدافعيه.
أما الإجراء الدفاعي البارز الذي اتخذه أبياه، فكان الدفع بـ صامويل أوباري بمركز الظهير الأيسر.
أوباري في الأساس ظهير أيمن لم يتمتع بمشاركة مستمرة مع غانا، لكنه لعب تلك المباراة خصيصا حتى يفرض رقابة دائمة على صلاح الذي يحب التحرك في المساحة خلف الظهير الأيسر للخصم.
ليلتزم أوباري دفاعيا أغلب فترات المباراة، ويترك الجانب الهجومي للجناح كوادو أسامواه الذي حصل على حريته الكاملة، أما صلاح فتاه بين رقابة الغانيين، وسوء توظيفه من المدرب برادلي الذي وضع ضغطا كبيرا عليه بعدم إشراك مهاجم صريح.
عدم التشبث بطوق النجاة
المنتخب الغاني بدأ المباراة بهجوم جارف منذ اللحظات الأولى، بدا أن الدفاع المصري منتهك إلى أقصى درجة، حتى أن تسجيل غانا لهدفين فقط في النصف ساعة الأولى كان من دواعي حظ المنتخب المصري.
برادلي أجرى استبداله الأول في الدقيقة 40، وسحب حسام عاشور من وسط الملعب، دافعا بـ أحمد المحمدي، ومزحزحا أحمد فتحي ليشغل مركز عاشور. استبدال وإن كان اضطراري، فقد كان متوقعا أن يُكسِب خط الوسط مزيدا من الصلابة، ويخلق حلولا هجومية إضافية على الجبهة اليمنى.
وبالفعل تحصّل المنتخب المصري على مكافأته سريعا، عندما سجل أبو تريكة هدف تقليص الفارق من علامة الجزاء في الدقيقة 41، نتيجة كان المفترض أن تنتهي عليها الحصة الأولى، حتى يجتمع برادلي بلاعبيه في غرفة خلع الملابس، ويناقشوا وسيلة الخروج بأقل الأضرار في الشوط الثاني.. ولكن.
قبل أن ينتهي الشوط مباشرة، قبل أن ينجو المنتخب المصري بنتيجة 1-2 الثمينة وفقا لمجريات اللقاء، سجّل واريس هدف غانا الثالث، ومهّد بشكل صريح لاستكمال الاكتساح في الـ45 دقيقة التالية.
خطيئة التصنيف المنسية
كوت ديفوار، غانا، الجزائر، نيجيريا، تونس.. خيارات أحلاها مُر، فُرِض على المنتخب المصري أن يواجه أحدها، والسبب يرجع إلى احتلاله التصنيف السادس بين المنتخبات العشرة التي وصلت للمرحلة النهائية.
مصر شهدت تراجعا كبيرا في التصنيف بذلك العام، بسبب الغياب عن كأس الأمم الإفريقية لنسختين متتاليتين.
بل فوّت الاتحاد المصري فرصة لزيادة نقاطه ومحاولة تحسين تصنيفه في شهر أغسطس، عندما تم إلغاء مباراة ودية أمام مالي، مع تأكيدات أن مصر ستخترق تصنيف أول 5 منتخبات بحلول موعد القرعة، الأمر الذي لم يتم في نهاية المطاف.