تحقيق في الجول - أسماء سيد.. طائرة بلا جناح أمام شبكة المعاناة

"قف وصفق للبطل الذي رفع علم مصر عاليا وسط المحافل الدولية".. ربما يمر على أذهان البعض ذلك العنوان وسط ابتسامة وفخر، البعض الآخر يمر عليه الخبر مرور الكرام أثناء تصفحه للصحف والمواقع الإلكترونية، لكن ماذا عما وراء الخبر، البعض...

كتب : أحمد عبد اللطيف يوسف

الإثنين، 08 أكتوبر 2018 - 10:40

"قف وصفق للبطل الذي رفع علم مصر عاليا وسط المحافل الدولية".. ربما يمر على أذهان البعض ذلك العنوان وسط ابتسامة وفخر، البعض الآخر يمر عليه الخبر مرور الكرام أثناء تصفحه للصحف والمواقع الإلكترونية، لكن ماذا عما وراء الخبر، البعض يعرف معلومات بسيطة عن معاناة البطل للوصول لتلك المكانة الحقيقة.

ربما لن تتجاوز إجابتك سطرا واحدا فقط يشمل أسماء برزت على الساحة في الواقع أن ما وراء البطل معاناة لا تعرف عنها شيئا، المعاناة التي مررنا بها في التحقيق ترسم قطعا صغيرة من صورة أكبر.

كابوس المعاناة يدق أبواب اللاعبين الأوليمبيين والبارالمبيين بين اعتزال العديد من المواهب في التغلب على معوقات الحياة الرياضية في مصر التي بجانب اعتزال آخرين قبل أن يشاركوا بسبب المشاكل الاقتصادية.. الإعاقة قدر لكن التغلب عليها قرار.

هناك أسماء كثيرة تحمل كل منها معاناة تسطر في تحقيقات عدة، لكننا وجدنا أسماء سيد أحمد لاعبة منتخب مصر لكرة الطائرة سيدات (جلوس) والمشاركة ضمن البعثة ببطولة كأس العالم الماضية بهولندا.

بنت محافظة الأقصر جنوب مصر، خريجة كلية دار العلوم بالمنيا، من مواليد 4 مارس 1991 تحكي لنا الكثير عن معاناة البطل البارالمبي.

انتشر في الفترة الأخيرة خبر إقالة اللاعبة من شركة السكة الحديد للخدمات المتكاملة إثر مشاركتها الرياضية للتحضير ضمن البعثة المصرية المتجهة لكأس العالم.

FilGoal.com خاض غمار الوصول لحقيقة الخبر..

تقول أسماء سيد لـFilGoal.com: "كنت اتعامل طيلة حياتي مع أسوياء وذهبت للمرة الأولى إلى نادي يدعم ذوي الاحتياجات الخاصة في عام 2014 أثناء فترة دراستي بمحافظة المنيا تيقنت أنني لست سوية كما كنت أعتقد من حياتي التي قضيتها من قبل قررت تغيير مسار حياتي. الحرب مع النفس تجربة صعبة لتقبل أمر ما لأول مرة" بابتسامة عريضة ونبرة صوت قوية وصفت البطلة بداية الأمر.

بعد تلك اللحظة لن يعود العالم كما عرفته من قبل، ماض ينتهي وعالم كامل ذهب أدراج الرياح.

تواصل بإصرار "الإعاقة لا تمنع بطلا ولكنها تصنع بطلا، لم يكن يمارسوا اي نشاط فقط يتبادلون الحديث قررت أنني لن أدع اليأس يدخل حياتي وفكرت مليا كيف يكون لي شأن دون أن تمر حياتي هباء".

بداية التحليق

بالنسبة لأسماء، كان الوصول لمنتخب مصر غاية لا تدرك لكنها أدركت أن تلك اللحظة كانت إشعال النار الهادئة، تمهيدا لما حدث من تقلبات وعواقب. حاربت كثيرا قبل دخولها للرياضة.

"أنا من عائلة رياضية والدي لعب كرة القدم بنادي الزهراء الرياضي، أخي الأكبر محمد والشهير بـ (نوبة) يلعب ضمن نادي الأقصر الرياضي كلاعب خط وسط هو أيضا يملك إعاقة بسيطة في يده ويندرج ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يوجد لديه عمل سوى مشروع خاص بالبلدة نجح في اختبارات الزمالك من قبل لكن سنه وقف حائلا أمامه آنذاك".

" قررت لعب الرياضة، بدأت بلعبة تنس الطاولة لكنها لم تثرني كثيرا وأيضا لم أجد من يشجعني على إكمال المسيرة بالنادي. محمد حامد نائب مدير مركز شباب الأقصر نصحني بسبب طولي أن ألعب كرة طائرة وحسنا ما فعل، هناك فقط ألقى اهتماما واسعا كأفضل لاعبة بالعالم".

"ألعب في مركز 2 و3 أمام الشبكة. عام 2014 عرض علي الانضمام للمنتخب. أصدقائي في النادي أحبطونني من ذلك الأمر وكنت جديدة عليهم ولا أعلم شيئا فلم أذهب للمنتخب. شاركت في أنشطة النادي وحصلت على لقب الدوري الممتاز وكذلك درع من وزارة الشباب والمحافظ لمشاركتي في دور البطلة في عرض مسرحي على هامش البطولة".

"بعد عام شاركت في بطولة لمراكز الشباب في مدينة 6 أكتوبر وحصلنا على المركز الرابع, منتخب مصر تحدث معي مجددا وهنا اتخذت القرار وساندني والدي كثيرا، وانضممت للمنتخب".

"أخيرا تحقق ما أردته، لعبت الـ4 مباريات بكأس العالم فقط. حققنا انتصارا على أوكرانيا كذلك شاركت مع المصري القاهري وحصدنا بطولة الدوري الممتاز"

"أريد مواصلة اللعب من أجل حبي للعبة ليس أكثر. لا أدع شيئا يشتت تركيزي في تحقيق حلمي حتى حياتي الشخصية، لا أفكر سوى في أمور التدريب والمشاركة في بطولة إفريقيا القادمة"

" أتدرب مع الذكور من أجل تطوير قدراتي في صد الكرة والضرب يكون أقوى من التدرب مع أقراني من البنات، يعاملونني كرجل ولا أحد يلتفت بكوني البنت الوحيدة التي تتدرب معهم، لن يتطور مستواي لو تدربت مع العنصر النسائي" .

"كنت أتدرب مع قريناتي من البنات دون جدوى، الحديث يأخذنا من المران أوقات طويلة كان لدي هدف ولا أريد الحيد عنه فقررت المشاركة مع الجنس الآخر ولم ألتفت سوى لتحقيق ذاتي لو تطرقت لحديث الناس عني لما وصلت لمنتخب مصر".

" أكترث كثيرا بالمستوى البدني، أتدرب في صالة الألعاب الرياضية باستمرار للحفاظ على عدم زيادة وزني وكذلك داخل جدران المنزل في أوقات الفراغ، أريد أن يبقى لي شأنا ضمن عناصر المنتخب".

عادات وتقاليد

"لا يركز البعض في توجيه الأسئلة ومراعاة ما إذا كان مناسبا أم لا، بل ويتعجبون إذا ما التزمت الصمت".

"كيف أرتدى الزي الرياضي وأشارك به أمام الجميع؟ كيف أذهب لمعسكرات بمفردي في العاصمة؟ مرارا وتكرارا تطرح أمامي تلك الأسئلة مع أقراني من البنات داخل مسقط رأسي تعرضت لمضايقات كثيرة لكني مقتنعة أن الإنسانية قرار قبل أن تكون مكتسبة للخلق".

"في الواقع لا أهتم كثيرا، ما يهمني هو مواصلة مسيرتي التي بدأتها ولن أحيد عنها، أعرف كثيرا الحفاظ على النفس وحدود تعاملات الأخرين معي".

"كيف تأتي من الصعيد وحدك؟ كيف تستحملي مشقة السفر؟ أهلك يوافقون على سفرك كثيرا وحدك؟ كل تلك الأسئلة لا تحتمل جوابا فقط أتيت هنا من أجل إثبات الذات".

"رحلة سفر تمتد قرب نصف يوم، ثم أتحرك من المحطة إلى التمرين دون راحة. أنا أحدث عضو في المنتخب ولدي شغف كبير لأكتسب الثقة، لم يكن لدي الرهبة عندما بدأت في التمرين مع عناصر تملك خبرة أكثر مني بعشر سنوات في اللعبة".

بنظرة يشوبها الأمل تكمل "لم يكن لدي وقت، دخلت ضمن عناصر المنتخب بشكل سريع حتى لا يتم استبعادي، لم يكن لي رصيد في المنتخب حتى أتغيب عن مران وحيد حتى إن كان المقابل المادي ليس كافيا لظروف السفر".

"جميع عناصر المنتخب لهم دخلهم الخاص من العمل ومنهم من تعرض لإيقاف المرتب بسبب المشاركة بالبعثة وعادوا لعملهم مرة أخرى والبعض الآخر يتلقى راتبا شهريا من قبل شركات كبرى تطرح ضمن أعمالها دعم على الأبطال البارالمبين دون الحاجة لشغلهم وظائف على أرض الواقع. لا يوجد بالصعيد مثل ذلك حتى العمل ضمن وزارة الشباب والرياضة بالأقصر غير متاح منذ سنوات، عندما كنت بالمنيا كان يحدث ذلك ".

"أناشد الرئيس عبد الفتاح السيسي راعي ذوي الاحتياجات الخاصة بالبلاد ووزير الشباب والرياضة بالنظر بعين لطف وتعيييني بنزل الشباب بمركز الطود مسقط رأسي".

ماذا حدث مع شركة السكة الحديد للخدمات المتكاملة؟

"أنا من عائلة ذات مستوى معيشي مرتفع إلى حد ما، لكن لن أطلب أموالا من والدي كي أسافر. أنا فقط احتاج للصرف على نفسي، أصرف الكثير من الأموال للتنقل بين القاهرة والأقصر والعكس من أجل التدريب ولم أتقاض أموالا سواء من النادي أو المعسكرات تكفي لكل ذلك فمن هنا بحثت كثيرا مع القوى العاملة دون جدوى إلى أن تعينت منذ 3 أشهر قبل كأس العالم".

"لكن المقابل المادي كان شحيحا للغاية لا يكفي حتى التنقلات من المنزل إلى مقر العمل بمحطة سكك حديد الأقصر التي تصل إلى 3 وسائل مواصلات بعيدا عن الأكل والشرب أثناء فترة العمل. ساعدت في توظيف أعداد كبيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة لكن لم أجد من يساعدني وسط تجاوزات كبيرة تحدث للعاملين الآخرين".

"إيهاب حسانين نائب رئيس اللجنة الباراليمبية تحدث للشركة قبل الذهاب لهولندا وعرض على الشركة أن أقدم استقالتي وعند العودة سيقومون بتعييني مجددا"

السفر هو الحل

"مقربون عرضوا تغيير إقامتي للقاهرة لكن على أرض الواقع هذا يحتاج للكثير من الأموال ولا أريد ترك عائلتي بمفردها. ألعب بنادي المصري القاهري قبل المعسكرات ولكن جل ما يصعب علي هو عدم وجود وسائل مواصلات عند العودة من محطة الأقصر لمسقط رأسي".

"أحد اقاربي - يعيش بالخارج عرض علي الذهاب إلى أحد الدوريات الأجنبية لأن الدوري هناك طوال العام، أفكر جديا في الخروج بعقد احترافي الدوري مستمر طوال العام وليس موسمي مثلما يحدث داخل مصر".

توجهنا لسؤال حياة خطاب رئيسة اللجنة البارالمبية وقالت "اللجنة فعلت ما بوسعها وأرسلت الخطابات للشركة وأبوابنا مفتوحة للاعبة أسماء في أي وقت، المسئولية ثقيلة ولدينا لاعبون ولاعبات بأعداد مهولة وعلينا متابعتهم".

" ماذا يمكننا فعله لمساعدتها؟ قدمنا الخطابات ولا يوجد شيء بوسعنا. معسكر بطولة إفريقيا لم يتحدد موعده بعد. عليها مواصلة العمل حتى نخاطبها عند اختيار الجهاز الفني لها".

أسماء تحدثت بشكل جيد عن مساعدة مدرب المنتخب محمد عطوة للفريق، والمجهود الكبير يبذله من أجلهم، لكنها تتمنى وجود مدرب مساعد ضمن جهاز المنتخب من ذوي الاحتياجات الخاصة ليساعدهم في الجلوس.

عطوة قال لـFilGoal.com: "على أسماء مواصلة ما بدأته. أسماء لاعبة تتطور بشكل كبير وتبذل مجهودا في التدريب وتتحمل مشقة السفر وسيكون لها شأن آخر إذا ما استمرت بهذه العزيمة ونتمنى ألا تؤثر الأحداث عليها".

"الفريق هو وصيف إفريقيا العام الماضي، الحدث القادم هو بطولة أفريقيا المؤهلة لكأس العالم بطوكيو 2020، منذ عودتنا من كأس العالم بهولندا اتخذت اللجنة الأوليمبية قرارا بإنهاء التدريبات والمعسكرات للمنتخب. كل العناصر في منازلها بمختلف المحافظات. أتابع الجميع ولا نستطيع التواصل حول مستواهم سوى عبر الهاتف".

"اللجنة البارالمبية اتخذت قرارا بتعيين مدربين بالجهاز الفني منذ شهر وأرسلت العديد من السير الشخصية لكن دون أن يبت في الأمر، الأمور متوقفة تماما".

بالعودة إلى اللاعبة تكشف معاناة أخرى، وهو غياب الدعم عن نادي التحدي والإرادة فى الأقصر.

النادي بحسب أسماء على الورق فقط، وليس هناك مبنى إداري أو ملاعب فقط هناك غرفة وملعب رملي محاط بسلك فقط، لا يرتقي سوى لخروج الأوراق الحكومية من إقامة جمعية عمومية واعتماد أوراق سفر أو ما شابه ذلك.

"الأعضاء يمارسون لعبة الكرة الطائرة فى ملعب للكرة الخماسية مكشوف وسط منطقة الكرنك، ميزانية النادى السنوية لا تستطيع تحمل الإعاشة والمواصلات، بعض من الجنيهات أتحصل عليها من التردد على النادي البعيد عن منزلي وأحتاج 6 وسائل مواصلات ذهابا وإيابا لخوض المران وإدراج اسمي ضمن كشف الحضور" .

تحدث FilGoal.com مع مديرية الشباب والرياضة بالأقصر عبر مسئول رفيع المستوى رفض ذكر اسمه حيث قال "لا يوجد خطابات تقدمت لنا بخصوص عودتها للعمل وننتظر أي خطوة منها تجاهنا وسنتولى الأمر وإفادة وزارة الشباب والرياضة واجبة النفاذ لجهة العمل، بالرغم أن قانون الرياضة يجنبنا من الدخول مع جهات العمل لكن سنبذل قصارى جهدنا إذا ما قدمت لنا مستندات كافية لمساعدتها".

"سعدنا برؤية أسماء في المركز الرياضي الأوليمبي بالمعادي لكن لم نكن نعلم أنها موظفة في أي جهة عمل، بالطبع حزين لما تم ولكن ليس من أنها لم تشاركنا تلك المعلومات بل لأنها تعلم أننا لن نتأخر عليها لحل تلك المشاكل التي نخشى من المساس بمستوى اللاعبة ولم تخطرنا بشيء".

" قانون الرياضة يحتوي على المادة 35 تلزم جهة العمل بقبول إجازات التفرغ ما دام اللاعب في مهمة رسمية دون المساس في جميع مستحقات اللاعب المشارك كأنه على رأس العمل دون بدل سفر".

" ندعم نادي التحدي والإرادة بمدينة طيبة الجديدة شمالي الأقصر بمبلغ مادي كاف إلى حد ما لاحتياجاته، لابد عليها من التدرب في هذا النادي وليس في النادي الخماسي المكشوف بمنطقة الكرنك لأنه ليس الجهة المخصصة لتدريب وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة ".

تحدث FilGoal.com أيضا مع رفعت حتاتة رئيس شركة السكك الحديدية للخدمات المتكاملة وأعمال التأمين والنظافة الذي قال: "لا يوجد لدينا ضمن قانون العمل ما يسمى بالنشاط الرياضي، نتبع القانون ويوجد المستشار القانوني والوزارة لو لديها شكوى فلتتقدم بها، مجلس الإدارة اتخذ قرار الفصل. نعين الموظفين من أجل العمل ولا يوجد شئ يجبرنا على تحمل شخص يمثل عبء على الشركة بعدم الحضور ولا نعتد بخطابات سوى من وزارة النقل".

" لدينا 10000 عامل وعاملة وليس من ضمنهم من يشارك في بطولات رياضية، الخطابات وصلت لنا بالفعل لكن هذا قرار مجلس الإدارة، لا نصرف مرتبات بدون عمل فعلى ".

نعود لأسماء التي تقول "إن عدت للشركة مجددا سوف أفصل في المستقبل القريب بمجرد العودة للمعسكرات، بطولة إفريقيا مسألة حياة أو موت بالنسبة لي ولا أريد العودة للمربع صفر مجددا".

"حياتي كلها طائرة مثل أحلامي بلا حدود. لكوني واقعية أحلم بأنني أفضل لاعبة في البطولة الإفريقية المقبلة".