"الكل كان يعرف أنه موهوب، لكن كيفية استخدام تلك الموهبة؟ منحه الفرصة؟ تطلب ذلك وقتا في كل شيء". أوفه زيلر أسطورة الكرة الألمانية عن كارل هاينزه رومينيجه.
تأثر كارل هاينزه كثيرا بقدرات والده في لعب كرة القدم، ليس وحده بل شقيقيه فولفجانج ومايكل، كارل كان موهوبا للغاية مهاري لأبعد حد، لكن أكثر من ذلك لا.
"لم يرغب أحد في منحي الكرة أمام المرمى، كانت الفكرة هي أن أصل بالفريق إلى المرمى أن أساعد المهاجم أكثر من أن أسجل أنا".
كارل الصغير انضم إلى فريقه والده بوروسيا ليبشتادت وتدرج في فئات الشباب، وفي إحدى المباريات ظهرت موهبته الحقيقية أمام المرمى وسجل 16 هدفا في فوز فريقه بنتيجة 32-0 ضد أحد الخصوم.
لكن مهما حدث كان الجميع يراه كموهبة رائعة للغاية في المراوغات وليس مهاجم، ولم يتم اختياره لأي من فئات الشباب في المنتخب الوطني.
24 أغسطس 1974
الحديث انتشر عن لاعب موهوب في ليبشتادت لكن مهاريا فقط وليس على الصعيد التهديفي، قرر بايرن ميونيخ أن يقتنص تلك الموهبة لصالحه، وضم اللاعب صاحب الـ19 عاما.
لم يكن ليحصل على الفرصة أبدا، الأمر كان أشبه بصدمة حضارية، أن ينضم لاعبا من ليبشتادت إلى بايرن العملاق في ذلك الوقت. خاصة وأنه لم يمتلك ما يكفي من سمعة لجعل تلك الصفقة تتم.
في ذلك الوقت كان رومينيجه لاعبا شابا خجولا للغاية حتى أن اللاعبين أطلقوا عليه لقب "ذو الخد الأحمر" ووثقه مدربه أودو لاتيك. وعلاوة على ذلك، خط هجوم بايرن كان به جيرد مولر وكوني تورستينسون وكلاوس فوندر.
مواجهة كيكر أوفينباخ في 24 أغسطس عام 1974 لم يكن بها أي ذكرى جيدة لبايرن ميونيخ سوى مشاركة رومينيجه الأولى، بعيدا عن ذلك؟ خسر الفريق بنتيجة 6-0 بل وأنهى الموسم في المركز الـ10.
الفتى الصغير كان متحمسا للغاية للمشاركة بجانب جيرد مولر وتثبيت أقدامه في التشكيل، وشارك على فترات خلال دوري أبطال أوروبا، لكنه لم يلعب في النهائي ضد ليدز يونايتد.
النهائي أقيم في حديقة الأمراء، ورومينيجه كان مجرد موهبة لم تحصل على فرصتها، كان بديلا لم يشارك، ولم يكن له بصمة واضحة في ذلك اللقب الذي شهد اعتراضات كثيرة منا لفريق الإنجليزي ووصفها بالسرقة.
العام التالي لرومينيجه لم يكن جيدا أيضا، الموسم المحلي لم يكن جيدا لبايرن ميونيخ لكن أوروبيا؟ حصد لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة على التوالي، لكن هذه المرة شارك رومينيجه من البداية وفاز الفريق بنتيجة 1-0 ضد سانت إيتيان وسجل الهدف فرانز روث لاعب الوسط.
"شيئا فشيء، لم يعد بإمكان بايرن ميونيخ اللعب بدونه، كان فريدا في مراوغاته ودائما لديه حل، لكنه كان يساند جيرد مولر، كان يشعر أن بإمكانه تقديم شيء أفضل إن لعب بشكل مباشر أيضا بدوره". أولي هونيس.
فترة السبعينيات شهدت نهاية عصر سيب ماير وفرانز بيكنباور وجيرد مولر لم يعودوا لاعبين لبايرن ميونيخ، والنادي تأثر برحيل أساطيره وأنهى الموسم في المركز السابع عام 1977 وفي المركز الثامن عام 1978.
يوليو 1978
قرر بايرن ميونيخ أن يستعد خدمات لاعبه السابق بول برايتنر من إينتراخت براونشفايج بمبلغ كبير بلغ 925 مليون يورو. وعين بال تشيرناي مدربا له ومن هنا كانت بداية تألق رومينيجه الحقيقية.
"تشعر وكأن برايتنر هو القطعة التي كانت تنقص مسيرة رومينيجه للتلألأ، تلك الصداقة في الملعب وطريقتهما في تبادل الكرة وفهمهما لبعضهما البعض، كأنهما لعبا سويا لفترة طويلة، كان أمرا غريبا". زيلر.
أخيرا نجح رومينيجه في الفوز بلقب الدوري الألماني في موسم 1979-1980، ذلك الوقت كان أشبه بانطلاقة رومينيجه الحقيقية، وتحول لهداف وليس مجرد لاعب مهاري يجيد مراوغة الخصوم، كان هداف الدوري برصيد 26 هدفا، وشراكته مع برايتنر هي أفضل ما حدث له، وحصلا على اسم يخصهما، كان لقبا مرعبا لخصوم بايرن :"بريتينجه".
نجحا سويا في الفوز بلقب الدوري الألماني وكأس ألمانيا مرتين، وأصبح رومينيجه هدافا للدوري عام 1981 أيضا، وخلال تلك الحقبة تم اختياره عام 1980 كأفضل لاعب في ألمانيا، واختير كأفضل لاعب في أوروبا لعامين على التوالي.
لسوء حظه لم يتمكن من الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا مرة أخرى بعدما خسر فريقه من أستون فيلا بنتيجة 1-0.
1980
منتخب ألمانيا الغربية في أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينات لم يكن قادرا على الدفاع عن ألقابه التي فاز بها في حقبة بيكنباور، خسر نهائي يورو 1976 من تشيكوسلوفاكيا بركلات الترجيح.
وفي كأس العالم 1978 ودع منتخب ألمانيا البطولة من دور المجموعات الثاني بعد الخسارة من النمسا وتقاعد هيلموت شون بعد ذلك وتولى يوب درفال المهمة خلفا له.
"عام 1980 كان الأفضل بالنسبة لرومينيجه، كانت بداية جيل جديد وحقبة جديدة بعد عدد من النكسات، هانزي مولر وهانز بيتر بريجل، كنا منتخب لا يمكن لأحد التغلب عليه وأثبتنا ذلك في اليورو". بيرند شوستر.
نجح رومينيجه في الحصول على انتقام سريع لألمانيا الغربية من تشيكوسلوفاكيا في الجولة الأولى من دور المجموعات بعدما سجل هدف المباراة الوحيد، ثم سجل كلاوس ألوفس هاتريك ضد هولندا في فوز الألمان بنتيجة 3-2، وأخيرا تعادل مع اليونان.
تغلب منتخب ألمانيا الغربية على بلجيكا في النهائي بنتيجة 2-1، ليتوج بطلا لليورو.
تم اختيار رومينيجه كأفضل لاعب في البطولة، وفي عام 1981 تم اختياره كقائد للمنتخب.
كأس العالم 1982
أول بطولة لرومينيجه كقائد لمنتخب ألمانيا، وفيها لعب جيدا لكن منتخب بلاده لم يكن كذلك، سجل هاتريك ضد تشيلي في دور المجموعات و5 أهداف في البطولة ككل، إلى أن أتت فضيحة خيخون. بسبب الاتهامات لمنتخب ألمانيا والنمسا باللعب السلبي لإبعاد الجزائر من البطولة، وبالفعل تأهل الألمان مع النمسا إلى الدور التالي.
وصل منتخب ألمانيا الغربية إلى نصف النهائي ليواجه فرنسا، الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتراند كان يشاهد المباراة، وحينما نجح رومينيجه في تسجيل هدف التعادل ليجعل النتيجة 2-2، صرخ بصوت عال :"يا إلهي. رومينيجه!". انتهى اللقاء بركلات الترجيح 5-4 للألمان بعد التعادل بنتيجة 3-3. وفي النهائي خسر الألمان بنتيجة 3-1 من إيطاليا.
1984
لم يكن ذلك العام هو الأفضل على الصعيد الدولي بالنسبة لرومينيجه، كان برايتنر قد اعتزل كرة القدم قبل ذلك بعام، ومن المفترض أنه بطل فريقه وقائد منتخب بلاده، لم يسجل هدفا واحدا في يورو 1984، ليودع الألمان البطولة من دور المجموعات.
حقق رومينيجه لقب كأس ألمانيا مع بايرن ميونيخ في نفس العام ثم انضم إلى إنتر ميلان بمبلغ 5.7 مليون يورو ليكون الأغلى في العالم، بعد 416 مباراة بقميص بايرن ميونيخ و217 هدفا سجلها، ليكون ثاني الهدافين في تاريخ النادي بعد جيرد مولر الذي سجل 525 هدفا.
"خطوة إنتر كانت ناجحة للغاية له، في موسمه الأول كان قادرا على منافسة هيلاس فيرونا على لقب الدوري الإيطالي، لكن ليس بتلك القوة لأن الفريق أنهى الموسم في المركز الثالث، كان حالة خاصة". أليساندرو ألتوبيللي.
الكثير من الإصابات عطلت مسيرته في إيطاليا، ومع الوقت بدأ في فقدان بريقه، ومع انتهاء عقده في 1987 انضم إلى فريق سيرفيت السويسري. وعلى الرغم من معاناته مع الإصابات سجل 24 هدفا في 64 مباراة.
1989
أعلن رومينيجه اعتزاله كرة القدم عام 1989 وتفرغ للعمل كمعلق مساعد في التلفاز في الفترة من 90 إلى 1994، وخلال تلك الحقبة عام 1991، وجه بايرن الدعوة للثنائي رومينيجه وبيكنباور ليشغلا منصب نائب الرئيس.
وخلال تلك الفترة شهدت بايرن يفوز بلقب دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي و6 ألقاب دوري ألماني منها 3 على التوالي من 1999 حتى 2002.
خلاف إداري في بايرن ميونيخ وانفصال الشركاء أدى إلى تسمية النادي إف سي بايرن ميونيخ، وتم تعيين رومينيجه كرئيس للمجلس التنفيذي للكيان الجديد وفي ذلك الوقت لعب دورا حيويا بمساندة هونيس وبيكنباور، وإن كان الأول تأثيره أكبر، وذكره ذلك بشراكته مع بول برايتنر أثناء فترته كلاعب كرة قدم، الدفعة التي احتاجها.
حقق النادي خلال فترته كمدير تنفيذي أرباحا في 9 من أصل 10 أعوام له في النادي، ونجح في إنهاء مشروع أليانز أرينا قبل 15 عاما من الموعد الرئيسي، وفي عام 2013 تخطى مانشستر يونايتد فيما يخص قيمة العلامة التجارية.
"لعبت كرة القدم من منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينات، اللعبة كانت مختلفة كليا، في كل الأركان حتى الفنية والقصة وكل شيء، قديما كانت هناك ميزانية من 12 مليون يورو، حاليا الميزانية تصل إلى 400 مليون يورو، يمكنك أن تتخيل كيف أصبحت الحالة الاقتصادية للسوق".
قال زيلر: "انظر للطريقة التي يتعامل بها هونيس مع رومينيجه وكيف يساندان بعضهما البعض ويتحركان معا لبناء المستقبل، الأمر يذكرني بشراكته في الملعب مع برايتنر".
"الكل كان يعرف أنه موهوب، لكن كيفية استخدام تلك الموهبة؟ منحه الفرصة؟ تطلب ذلك وقتا في كل شيء".