عندما تتساءل لماذا يعد الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو ثنائيا عظيما لن يتكرر في تاريخ كرة القدم، ستكون الإجابة ببساطة هي الاستمرارية.
تنافسية عظيمة بين الثنائي تدوم منذ 2007 حين ترشحا لجائزة اللاعب الأفضل في العالم في ذلك الوقت، وفاز بها البرازيلي ريكاردو كاكا في ذلك العام قبل أن ينفردا في المنافسة ويتبادلا الجائزة حتى عام 2017.
10 سنوات من الاستمرارية والمنافسة على القمة هو رقم هائل في عالم الرياضة.
ولكن ماذا عن أن تستمر في وجودك على القمة لمدة تقارب الـ14 عاما، وفي رياضة شاقة مثل كرة القدم، وبالأخص أن يتحقق ذلك عن طريق عنصر نسائي؟
لا شك أن البرازيلية مارتا هي الأيقونة الأعظم في عالم كرة القدم النسائية على مدار العقود الماضية.
إنها الوجه المماثل لدييجو أرماندو مارادونا وبيليه في عالم الرجال، والأسطورة المتفردة بذاتها.
لا يختلف بيليه حول ذلك، بل اتفق على التشبيه الجماهيري الذي أطلق عليها بأنها "بيليه ترتدي تنورة".
تألق مستمر في محطاتها المختلفة ما بين الأندية التي لعبت لها، والتألق الأعظم يظل دائما رفقة منتخب راقصي الـ "سامبا" النسوي، والتي تحمل شارة قيادته لأعوام مستمرة.
لم تكتف بكونها اللاعبة الأفضل، بل قررت أن تكتب مزيدا من التاريخ عندما أصبحت اللاعبة الأكثر تهديفا في تاريخ نهائيات كأس العالم للسيدات، وذلك عندما سجلت في شباك كوريا الجنوبية في نهائيات 2015 بكندا.
كان ذلك تتمة لمسيرة عظيمة –لا زالت مستمرة- دوليا من خلال 4 مشاركات مونديالية و3 مشاركات أوليمبية، شاركت خلالهم في 133 مباراة وسجلت 110 هدفا، بينما يظل الإنجاز الغائب هو التتويج بالمونديال رفقة بلادها.
ولكن من أين بدأت القصة؟
في الـ19 من فبراير لعام 1986، نشأت مارتا فييرا دا سيلفا في مقاطعة "دويس رياتشوس" بمدينة "ألاجواس" البرازيلية.
جذبت مارتا الأنظار في طفولتها من خلال تفوقها في لعب كرة القدم على أقرانها من الذكور في مباريات اعتادت على خوضها بالشارع.
تعترف مارتا بصعوبة البدايات في مجتمع لم يعترف كثيرا بممارسة الفتيات للرياضة.
وتقول عن بداياتها: "عندما بدأت لعب كرة القدم، لم يكن هناك فرق أو هيكل تنظيمي لكرة القدم للسيدات، لذا اعتدت اللعب والتدرب مع زملائي من الأولاد".
وتعود لتعلق: "بعض الأولاد تقبلوني والبعض الآخر لا. تحملت عائلتي الكثير من التعليقات حول الأمر. لا يزال المجتمع البرازيلي مقتنعا بدرجة كبيرة أن ممارسة الرياضة أمر أكثر مشروعية للذكور"
وتتابع: "دائما ما سمعت التساؤل كلما تواجدت.. ماذا تفعل تلك الفتاة مع الأولاد هنا في ملعب كرة القدم؟"
تحت ملاحظة من المدربة البرازيلية الخبيرة "هيلينا باتشيكو"، بدأت مارتا خطواتها الأولى في عالم كرة القدم لتنتقل إلى العاصمة ريو دي جانيرو.
مسيرة احترافية بدأت في عام 2000 بنادي فاسكو دي جاما قبل أن تنتقل بعد عامين لنادي سانتا كروز، ثم تحولت بعد ذلك مسيرتها إلى أوروبا.
مسيرة مميزة بدأت بنادي أوميا السويدي حيث عاشت أزهى فترات تألقها، وشاركت في تتويج الفريق بلقب الدوري المحلي لـ4 سنوات متتالية ولقب الكأس في مرة وحيدة بجانب التتويج بالكأس الأوروبية للأندية للسيدات في موسم 2003/2004، وحل الفريق بفضل تألقها وصيفا في مناسبتين لاحقتين.
انتقالها إلى أوروبا جاء بفضل تألقها مع منتخب البرازيل للشابات في أعوام سابقة، حيث ساهمت في تتويج منتخب بلادها بكأس منتخبات أمريكا الجنوبية 2003، كما كانت أفضل لاعبة في كأس العالم للشابات لعام 2004.
منذ عام 2009، تحولت مسيرة مارتا نحو الولايات المتحدة وتنقلت بين أندية أمريكية وبرازيلية.
المحطة الأهم كانت مع نادي سانتوس، حيث ساهمت في تتويج الفريق ببطولة كأس ليبرتادوريس للسيدات في 2009.
كان ذلك قبل أن تعود إلى السويد من بوابة نادي "تيريسو" وساهمت في تأهله إلى نهائي الكأس الأوروبية لعام 2014، قبل أن يفلس النادي فيما بعد ويسرح لاعبيه.
في 2014، وبعد العديد من التكهنات وإشاعات الانتقال المحتمل إلى فريق السيدات بنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، انتقلت مارتا إلى نادي روزينجارد السويدي لمدة 3 مواسم متتالية وفازت خلال بلقب الدوري لمرة وحيدة.
منذ عام 2004، لم تغب مارتا عن ترشيحات جائزة اللاعبة الأفضل في العالم من "فيفا" سوى في عامي 2015 و2017.
تعترف مارتا بزيادة صعوبة المنافسة على الألقاب الفردية في السنوات الأخيرة ولكنها لا تجد غضاضة في ذلك.
تقول الأسطورة البرازيلية في تصريح سابق: "في كل عام يزداد المستوى بشكل أكبر، ولكن أعتقد أننا كسيدات تمارسن كرة القدم نتمكن من إبهار الجميع في كل مرة يتم التركيز فيها على نهائيات كأس العالم والنهائيات الأوليمبية الخاصة بالسيدات"
في ترشحها الأخير في عام 2016، جاءت الأيقونة البرازيلية وصيفة للجائزة، بينما فازت بها لآخر مرة في عام 2010.
كان ذلك ختاما لسلسلة من 5 تتويجات فردية لـ 5 أعوام متتالية بالجائزة، حيث انفردت بها منذ عام 2006 دون منافس.
بمسيرة تضم 197 مباراة احترافية مع الأندية و139 هدفا رسميا مسجلا، تستمر أسطورة مارتا التي تقضي ثاني أعوامها مع نادي أورلاندو برايد الأمريكي.
النادي حديث التأسيس في الولايات المتحدة تأهل لنصف نهائي البطولة الوطنية للمرة الأولى في تاريخه بوجود مارتا.
اللاعبة البرازيلية أنهت في المركز الثاني في المسابقة من حيث التهديف وصناعة الأهداف، كما تم اختيارها كأفضل لاعبة في الفريق عن الموسم السابق عن طريق زميلاتها.
بجانب المساهمة في تتويج منتخب بلادها بلقب كأس أمريكا الجنوبية للمنتخبات هذا العام للمرة الثالثة خلال مسيرتها الدولية، كان كل ذلك كافيا لعودتها إلى القائمة النهائية للمرشحات لجائزة اللاعبة الأفضل في العالم لهذا العام.
قد تجد صعوبة في أن تربح الجائزة في ظل تنافسها مع لاعبات تألقن مع نادي ليون الفرنسي في المنافسات الأوروبية وظهرن بشكل أكبر، ولكنها تحقق رقما مميزا بترشحها في القائمة النهائية للمرة الـ13 في مسيرتها.
ماذا عن كرة القدم النسائية في البرازيل وعن رأيها في مدى متابعة المنافسات النسائية عالميا؟
تمتلك مارتا بعض التعليقات والمواقف.
"أعتقد أن أزمة كرة القدم النسائية هي أنها لا تلقى القدر الكافي من المتابعة والتغطية الإعلامية"
المنافسة المحلية للسيدات في البرازيل لا تتمتع بنفس الاهتمام الذي تلقاه منافسات الرجال، مما قد يؤثر على منتخب سيدات البرازيل.
تعلق مارتا على ذلك: "أزمة الثقافة في البرازيل هي التركيز بشكل منفرد على منافسات الرجال الكروية. أتمنى أن تحظى المنافسات النسائية في البلاد ذات يوم باهتمام أكبر وبمنافسة أكبر، بدلا من أن تخرج أفضل لاعباتنا للعب خارج البلاد".
اللعب احترافيا بشكل مختلط مع الذكور؟
مارتا لا توافق على ذلك.
"أتدرب على لعب كرة القدم باستمرار رفقة زملائي من الذكور الذي يمارسون اللعبة بشكل محترف. لكن أن نلعب في فريق واحد خلال منافسة رسمية؟ لا أستطيع تخيل الأمر"
وتتابع: "نمتلك القدرة والإمكانيات والوعي التكتيكي الكافي، ولكن هناك بعض الحواجز الجسدية. لا يمكن إنكار ذلك".
مارتا لعبت مسبقا في عدة مباريات استعراضية وخيرية طوال مسيرتها، ضمت العديد من أساطير اللعبة من الرجال وتمكنت من لفت الانتباه –كالعادة- بمهاراتها.