كتب : إسلام مجدي
حينما تراه يركض بلا هوادة في الملعب تتساءل، كيف لموهبة مثله ألا تظهر في دوري الدرجة الأولى عموما سوى في عام 2014؟ وبعد ذلك بـ3 أعوام تجده فاز بلقبي دوري متتالين.
حينما تنظر إليه تعرف أنك ترى لاعبا من ضمن أفضل لاعبي الوسط في أوروبا، متواضع وخجول ومبتسم وهادئ، لكن في الملعب؟ أنت في مواجهة وحش يتواجد في كل إنش من الملعب يدعم فريقه ويقطع الكرات ويمرر ويفعل كل شيء ليتوقف خصمه تماما أمامه.
كانتي لا يكترث للأرقام، فمع منتخب فرنسا أي قميص يرتدي، في بداياته عام 2016 رقم 5 ثم 22 ثم 13 ثم 5 قبل أن يستقر مع الرقم 13.
صاحب الرقم 13 في فرنسا كان واحدا من أفضل لاعبي الوسط في كأس العالم 2018 ولا شك أنه نجم كبير لكن السؤال دائما هل يرى كانتي نفسه كذلك؟ هل يترشح يوما للكرة الذهبية؟
حينما كان طفلا صغيرا لم يتوقف عن الركض قط، إنها قصة أخرى من القصص التي قد نربطها بالمسلسل المحبب إلينا جميعا "كابتن ماجد" حينما يركض بلا توقف بالكرة ويجوب كافة أنحاء الملعب، كانتي كان يفعل ذلك بأفضل طريقة ممكنة.
نجولو كان واحدا من 9 أطفال، خسر والده وهو في الـ11 من عمره ونشأء في باريس، سلوكه ظل كما هو حتى يومنا هذا، فتى يعتني بعائلته ويعمل طيلة الوقت من أجلهم.
انضم إلى أكاديمية سورينسي في عمر 7 أعوام وظل هناك حتى بلغ الـ19 لينضم إلى أولى محطاته الكروية الحقيقية التي تعلم فيها الكثير فريق بولون.
في عمر الـ10 كانتي كانت لديه نقطة ضعف واضحة، قدمه اليسرى لم يكن يستعملها مطلقا، كانت في غاية الضعف، ومدربه وبخه لهذا الأمر، لكنه وفي فترة شهرين سدد الكرة 100 مرة بقدمه اليسرى الضعيفة بنفس قوة اليمنى ما أبهر مدربيه.
نقطة ضعف أخرى هي أن كانتي كان قصيرا، وتعرض للمضايقات من زملائه حتى قبل خصومه لذلك الأمر، ولم يكن قوي بدنيا ونادرا ما كان يفوز بأي التحام.
قال عنه سيدريك فابيان زميله السابق في الفريق :"إنه ذكي للغاية مثل إنييستا، صغير في السن وهادئ إنه مهم لكل الفرق التي لعب لها لأنه جيد للغاية في الضغط والتمريرات السهلة التي تفيد الفريق، إنه يضيف ذكاء أكثر للفريق".
مع الوقت تطور كانتي ولفت إليه الأنظار لكنه وبطريقة ما لم يمتلك حظا ومتابعة من الأندية الكبرى، خاصة مع شخصيته الانطوائية.
يقول إريك فاندينابيلي زميله السابق في الفريق لمجلة "فور فور تو" عنه :"كنا نشاهد مباراة في الدوري الأوروبي معا، وقلت له يوما ما ستكون أنت ذلك اللاعب الذي يلعب في هذه البطولة التي تبث عبر التلفاز، والعالم كله يعي قدراتك".
لم يكن من كانتي إلا أن ضحك بشدة وقال له "مستحيل".
شخصية كانتي غريبة للغاية، بإمكانه فعل كل شيء تقريبا، ورغم ذلك مهما فعل لا يرى نفسه الأفضل ولا يثق في نفسه كثيرا، لا يشعر أنه من الممكن أن يصبح محور الاهتمام في أحد الأيام، لا يطلب ذلك الاهتمام وكل ما يشغل باله هو العمل. وذلك رغم أن هناك عددا قليلا للغاية من اللاعبين الذين بإمكانهم محاكاة كانتي.
"نجولو لو يرغب يوما في أن يصبح نجما كبيرا، حتى يومنا هذا أقسم لكم أنه لا يشغل باله بهذه الشهرة ويفكر ماذا سيعمل في اليوم التالي".
"كانتي يريد فقط أن يكون الأفضل فيما يفعله".
حينما كان كانتي في الـ16 من عمره طلب من مدربه الدفع به إلى الفريق الأول خاصة وأن سياسة النادي كانت عدم عقد صفقات والاعتماد على الشباب حينما يبلغون الـ18 من عمره، في البداية خشوا عليه ألا يتم تدميره بدنيا، وبدأ كاحتياطي، وفقط بعد مباريات قليلة حجز مكانا أساسيا، وكان حسب تصريحات زملائه "يطور ذكاء وشعور زملائه بإيقاع اللاعب وكان يفهم أي شيء في أسرع مدة أسبوعين.
قال عنه مدربه توماس بيزميك مدربه السابق :"كان يتعلم الأشياء بسرعة رهيبة لم يتعلمها لاعبون طيلة حياتهم".
لا عجب أن كانتي فعلا كذلك، ذلك اللاعب الهادئ الذي نادرا ما تراه عصبيا يقطع الكرة طيلة الوقت ودائما ما ينقذ فريقه، حتى وكل من حوله سيئين ستجده الأفضل.
بالحديث عن العمل، كانتي لم يضيع وقته قط، في فترته مع بولون وحينما كان يمتلك بعض الوقت درس دبلومة في المحاسبة أثناء اللعب كهاو.
"لم يكن اجتماعيا، كان يحب أن يتواجد وحيدا ولم يرغب في أن يمتلك أصدقاء من حوله، بعد التدريبات كان يعود إلى المنزل ويستريح كان أكثرنا عملا، لم يخرج للسهر أو البحث عن الموضة أو أي شيء". توماس بزيميك مدربه السابق في سورسنيس.
انضم كانتي إلى كاين عام 2013 ليقضي هناك موسمين، قبل أن تحدث الصفقة التاريخية بانضمامه إلى ليستر سيتي.
كانتي كان يذهب إلى التدريبات على دراجة بخارية "سكوتر"، في حين أن معظم زملائه كانوا يقودون سيارات الفيراري.
قال بيتور فويتينا مدربه السابق حينما كان شابا :"اضطر كانتي لشراء سيارة مستعملة فقط حينما وبخته والدته".
سلوك كانتي كان إيجابيا للغاية، لا يوجد مدرب لم يحب درجة العمل التي يقدمها، والطريقة التي يحب بها كرة القدم، كانت موهبته طبيعية للغاية ويجيد افتكاك الكرة بطريقة رائعة وسلسلة للغاية. قال زميله السابق فابيان :"استمر في أن يصبح أقوى مع الوقت، لم نرى في أي من زملائنا هذا التطور الكبير".
لعل أكثر ما ميز كانتي هي قدرته على نقل الكرة للأمام، الفكرة المكونة عن محاور الارتكاز الدفاعية هي تدمير هجمات الخصم، لكن كانتي يفعل أكثر من ذلك بكثير.
قال عنه كلود ماكيليلي نجم ريال مدريد السابق :"إنه بحاجة أن يمنح فريقه الطاقة وأن يتطلع إليه فريقه ويقولون سنفوز بسببه، أو حينما يتحدث إليهم يقولون له أنت محق، حينما يمتلك تلك النقاط سيصبح لاعبا استثنائيا، هذا سيحدث أيضا حينما يلعب بانتظام لفرنسا". كان ذلك في شهر فبراير 2017.
ما دفع فابيان للدفاع عن زميله السابق ضد ماكيليلي قائلا :"بالنسبة لي كانتي نوع جديد من اللاعبين، ربما يشعر ماكيليلي بالغيرة، إنهما ليسا متطابقين ومختلفين للغاية، كلود كان دفاعيا جدا لكن نجولو يجيد الهجوم ببراعة".
"فرنسا لديها عدد كبير من اللاعبين الجيدين، كانتي قد يكون شابا للغاية بالنسبة للمنتخب لكن بوجوده قد تمتلك فرنسا فرصة للفوز بالبطولة، اللعب في نظام ديشامب صعب لكنني أثق أن كانتي يمكنه التكيف على نظام أي مدرب في العالم، إنه فريد من نوعه".
بانضمامه إلى ليستر بمبلغ 8 ملايين يورو كانت بداية أسطورته الخاصة مع الأضواء والشهرة، حتى ولو لم يرغب بها، منذ عرفنا أن هناك دينامو في خط الوسط يجيد الدفاع والهجوم ويتواجد في كل مكان، تطوره دائما كما هو لم يمر بأي عثرة في مسيرته أو أمر أوقفها. منذ أن كان في الدرجة الثالثة في موسم 2012-2013 حتى يومنا هذا.
ربما يكون الرقم 13 مرتبطا بالحظ السيء، لكن بالنسبة لنا مع كانتي إنه فأل حسن لعشاق منتخب فرنسا، فهم يشعرون بالاطمئنان لرؤيته، صمام أمان وفي نفس الوقت يضيف للقوة الهجومية للفريق.