كتب : زكي السعيد | الأربعاء، 11 يوليه 2018 - 16:33
"السيد العجوز" يطبع قبلة الوداع على شفتي سيبيليس
11 يوليو 2018.. صباح بمذاق مُر لمشجع ريال مدريد الذي ألف الاستيقاظ وقلبه مطمئن لامتلاك كريستيانو رونالدو في فريقه، صباح لم يمر عليه منذ 9 سنوات.
في الصفحة الخاصة برونالدو على ويكيبيديا، خانة النادي تشير إلى يوفنتوس، وأمام الرقم 2009، أُضيف الرقم 2018 ليُتمم وينهي رحلته الأسطورية مع ريال مدريد.
ليس سرا أن رونالدو لم يكن في طريقه أبدا لإنهاء مسيرته داخل ريال مدريد، في ذروة تألقه وغمرة أهدافه، كان شعورا منطقيا وسائدا يُنبئ عن رحلة أخرى إضافية.. ولكن ليس يوفنتوس!
ريال مدريد لم يكن ليتحمّل رونالدو الذي يريد مواصلة اللعب حتى سن الأربعين، لن يتحمل لاعبا سيكون دوما النجم الأول –إعلاميا وماديا وفنيا- حتى وإن ظهر بأسوأ مستوياته، ريال مدريد لا يمتلك تلك الرفاهية، واعتزال أساطير الفريق بعيدا عن العاصمة الإسبانية لم يكن أمرا غريبا أو مستحدثا.
فرناندو إييرو وراؤول جونزاليس وإيكر كاسياس آخر الأسماء التي عرفت طريقها خارجا، واللوم يقع على فلورنتينو بيريز الذي لم يبد أبدا شراسة في التمسك بنجومه –هذا إن لم يدفعهم دفعا إلى الرحيل-، إلا أن بيريز سار على نهج سابقيه، وطبّق سياسة تاريخية في ريال مدريد تقضي بنحر عنق الماشية عندما تبدأ في العرج.
الصورة السابقة لا تنطبق على رونالدو الذي وفي موسمه الأسوأ ظل هدافا منفردا للفريق، ونفّذ ركلته الخلفية المزدوجة التي حاول تنفيذها لسنوات دون فلاح؛ ولكنه كان مصيرا سيلحق برونالدو يوما ما، ومع رغبته في الاستمرار بممارسة الكرة، فخروجه إلى الولايات المتحدة أو حتى الصين لاجتذاب مزيد من الأضواء لصار منطقيا وقتها.
أما الخروج إلى ناد ينافس في المستوى الأول بأوروبا، فهذا ما لم يقع أبدا على ذهن المشجع المدريدي الذي اعتقد دوما أن آخر هدف يُسجله رونالدو في دوري أبطال أوروبا، سيكون بقميص ريال مدريد، ومن الجلي أن هذا لن يحدث.
ولا أخفي أن نوعا من الشماتة تملّكني مع إتمام الصفقة الصادمة، شماتة في مشجعي يوفنتوس الذين يمتلكون تاريخا طويلا من السخرية من رونالدو، حتى أن ملعبهم اهتز أحيانا بهتاف "كريستينا" مع بعض تعليقات "قُم والعب كالرجال"؛ وشماتة في مشجعي ريال مدريد الذين لا "يبلعون" يوفنتوس –دون سبب واضح أو منطقي- حتى ما قبل أزمة ربع نهائي دوري الأبطال الأخيرة.
الصنف الأول سيتوجب عليه الآن الركوع لشخص تفننوا في السخرية منه، والصنف الثاني سيُرغَم على متابعة مباريات فريق لا يطيقه.. فهنيئا لكم الكارما.
ولمن يعتقد أن تحية يوفنتوس أرينا لكريستيانو رونالدو بعد هدفه الخارق كانت سببا حاسما في اختياره للبيانكونيري، فهو لا يعرف رونالدو على الأرجح.
أما ربط رحيل زين الدين زيدان برحيل رونالدو، فأراه محاولة خجولة لتفسير هجر زيدان المفاجئ دون دليل واقعي أو ملموس؛ ولوم جولين لوبيتيجي على رحيل رونالدو أو التساؤل عن "رأيه" في الأمر يعد انفصالا عن الواقع الذي يقول بأن مسألة رحيل أو بقاء رونالدو لا تخضع لاعتبارات فنية ولا تدخل في صلاحيات أي مدرب.
ولهؤلاء الذين وضعوا قرني شيطان على رأس بيريز بسبب إخلافه لوعد قطعه لرونالدو بتحسين عقده مطلع الموسم الماضي؛ فنعم، بيريز مخطئ، ليس لكسر الميثاق، بل للتصريح بما ليس هو قادر على تنفيذه لاحقا، وللحق فزيادة أخرى في راتب رونالدو واستمرار الفريق بوضعه الهجومي الحالي (أو لنقل بوضعه الهجومي يوم أمس) لم يكن مبشرا قياسا على ما تم في 2017\2018.
فغياب رونالدو لأشهر طويلة عن التهديف وانفجاره في أوقات محددة كل موسم لا يشجع كثيرا على مواصلة تنصيبه ملكا موسما تلو الآخر.
وللذين يلومون بيريز على السعر المنخفض لصفقة بيع هدافهم التاريخي، فنعم، الثمن بخس، لأن رونالدو لا يُقدَر بثمن في ريال مدريد، ولو بيع بمليار يورو لكان ثمنا بخسا أيضا؛ فما قدّمه رونالدو لمدريد لا يقدر بمال، ولو بحثنا عن صفقة بيع تفي رونالدو حقه أمام إسهاماته الخارقة، لكانت بإنهاء عقده بالتراضي دون انتظار قرشا واحدا تعبيرا عن الامتنان وإبرازا لحقيقة أنه ليس اللاعب الذي "يُلوى" ذراعه.
رونالدو أكبر من الجلوس على طاولة المفاوضات، والسماح برحيله بمجرد الطلب هو أصح ما يمكن عمله، والعثور على طرف مذنب ليس ضروريا.. لقد حلت نهاية الرحلة فحسب.
إسبانيا باتت ليلتها في ظلام حالك بعد أن فقدت أحد أعمدتها الكروية، وانهارت دعائم منافسة رونالدو وميسي الأسطورية الأعظم –ربما- في تاريخ كرة القدم؛ أما الكرة الإيطالية فتعيش شعورا مشابها لأبطال كهف ثاي التايلاندي، رونالدو ينتقل إلى دوري غطته الأتربة لسنوات بعد أن عاش عصورا ذهبية في الماضي، خطوة قد تعيد تشكيل كرة القدم الإيطالية التي أنهكتها الفضائح والمؤامرات.
أما في ريال مدريد، فكُفوا البحث عن "بديل" رونالدو واقتلوا تلك الكلمة في عقولكم، لأن رونالدو "منظومة" متكاملة وليس بلاعب يركل الكرة يخرج ويحل آخر محله؛ فحسب معلوماتي، لا يوجد سوى لاعب واحد آخر غير رونالدو في هذا الكوكب يستطيع أن يتفوق بأهدافه على عدد مبارياته، وهو غير معروض للبيع مع الأسف.
أما تعديل المنظومة فهذا ممكن، وأن يسجل هدافك 30 هدفا في الموسم بدلا من 50 قد يأتي بالنتائج عينها بالمناسبة، أو ربما بنتائج أفضل إن أحسن توزيع أهدافه.
سيتوجب على ريال مدريد الآن عدم السماح بخروج أي لاعب إضافي من تشكيلته، بما في ذلك المنبوذين والمغضوب عليهم، لأن المجموعة تحتاج إلى التمسك بالأفراد لتجنب أثر زلزال خروج رونالدو.
الأولوية يجب أن تكون باستقدام مهاجم هداف وليس لاعبا مهاريا، لأن رونالدو تخلى عن دور صناعة اللعب منذ سنوات، وما يحتاج ريال مدريد إليه الآن هو إدراك أنه فقد 30% -مبدأيا- من أهدافه المسجلة قياسا على الموسم الماضي في اللحظة التي وقّع بها رونالدو على أوراق الانتقال إلى يوفنتوس.
ريال مدريد كان عظيما قبل رونالدو، وسيظل عظيما بعد رونالدو، لكن "العشرة ماتهونش إلا على ولاد الحرام" :)
مقالات أخرى للكاتب
-
"العروبة دُفنت مع عبد الناصر" الأحد، 04 ديسمبر 2022 - 20:10
-
أحمد الشناوي.. أو كيف تشرح الميسوجينية في 5 خطوات الجمعة، 02 سبتمبر 2022 - 18:58
-
التلفاز والراديو.. غاية أم وسيلة؟ الخميس، 23 سبتمبر 2021 - 20:37
-
في البرازيل.. بين الوحدة والندم على ما لا يمكن تداركه الخميس، 18 يوليه 2019 - 18:40