روبيرتو مارتينيز.. التغيير الحتمي والابتعاد عن قناعاتك
الثلاثاء، 10 يوليه 2018 - 17:00
كتب : إسلام مجدي
يشار إليه على أنه الكتالوني الآخر، المدرب "غير الواقعي" الذي يتم انتقاده دوما سواء من الجماهير أو من فريقه، دائما كانت قصته غير مكتملة ونجاحاته لا تدوم طويلا.
روبيرتو مارتينيز مدرب بلجيكا الحالي حينما سئل عن مواطنه قبل توليه مهمة تدريب مانشستر سيتي قال :"أعتقد أنه سيكون أمرا رائعا للدوري، إنه سيجلب معه أسلوب ناجح للغاية، من دون شك سيؤثر في المدربين الشباب في الدولة ويغير التوجه الفني في اللعبة ببريطانيا".
"إنه كتالوني مثلي، لذا بالطبع أعرف قدراته كشخص وكفائز، إنه يهتم بكل التفاصيل، من الصعب أن تجد ذلك في مدرب غيره".
مسيرته لم تكن قوية مثل جوارديولا بالهالة الإعلامية والإنجازات التدريبية التي حصل عليها، خلال عام 2006 رحل عن صفوف سوانزي كلاعب وانضم إلى تشستر سيتي مجانا بعقد يمتد لعامين، وفي فبراير عام 2007 عاد إلى سوانزي كمدرب بعقد يمتد لعامين، بدلا من كيني جاكت الذي كان مدربه وطلب رحيله.
الجماهير استقبلت الخبر بسعادة كبيرة على الرغم من أنه لم يكن لديه أي خبرة تدريبية، وأراد تسجيل نفسه كلاعب ليلعب ويدرب الفريق لكنه لم يتمكن.
"أردت كثيرا أن ألعب وأردب، خاصة وأنني كنت في الـ33 من عرمي، لكنني لن أتمكن من تأدية الدورين معا، كان علي التضحية، فقررت الاعتزال".
مع توليه لمهمة تدريب سوانزي لم يخسر سوى مرة وحيدة في 11 مباراة، ولكنه خسر من بلاكبول في المباراة الإقصائية المؤهلة لدوري الدرجة الثانية.
استمرت مسيرة مارتينيز المتميزة مع سوانزي مكللة بالنجاحات وصولا إلى ويجان ثم إيفرتون.
خطوة إيفرتون كانت من المفترض أن تجعله يصل إلى فريق أكبر، بدا وكأنه سيجل كرة ممتعة إلى الجانب الأزرق في ميرسيسايد. لكن تلك لم تكن الحالة.
في كل مرة كانت الانتقادات من الصحف والمحللين والجماهير كانت تقول :"مارتينيز يفتقر للواقعية، إنه معجب كثيرا بجوارديولا دون أن يدرك حقيقة الإمكانيات المتاحة إليه". إحدى العناوين ضده من جاريدان.
فلسفة مارتينيز التدريبية متمركزة حول تحويل الفريق إلى آلة لتمرير الكرة حتى يعجز الخصم تماما عن مواجهته، ربما يتفق معه في هذا المعتقد جوسيب جوارديولا. حتى وإن كانت النتائج مختلفة.
في بداية فترة مارتينيز مع إيفرتون حصد المركز الخامس مع توقعات بدخول الفريق أكثر للمنافسة مع تقديم كرة جميلة، لكن المستوى لم يصل أبعد من ذلك بل انهار كل شيء.
"الافتقار للواقعية" هكذا وصفت صحيفة "تيليجراف" سلوك مارتينيز التدريبي والأكثر أنها كانت ترى أن مدربين مثل توني بوليس وسام ألاردايس كانا أفضل حالا منه لأنهما لا يبتعدان عن نطاق الواقع كثيرا ولا يكرران نفس الأخطاء مثله.
بوليس وألاردايس هما النقيض تماما لفلسفة مارتينيز، قد يستحوذ فريقهما على الرة بنسبة 15% ويفوز أو يتعادل ويخرجان راضيان، لكن مارتينيز حسب وصفه يريد أكبر نسبة استحواذ وقوة هجومية وسرعة وأهداف.
قال أدريان كلارك لاعب أرسنال السابق ومحلل رابطة الدوري الإنجليزي في وقت سابق :"فعل نفس الشيء وانتظار نتيجة مختلفة؟ إن ذلك جنون، الأمر الذي تكرر مع مارتينيز لم يغير قط أي شيء".
لم يمتلك مارتينيز صاحب الـ44 عاما المقومات الكافية فنيا لتطبيق فلسفته في الدوري مع إيفرتون، لم يكن واقعيا كفاية ليغير نظامه حينما لم تسر الأمور على ما يرام.
الأمر الذي يحدث مع جوارديولا مواطنه، إذ أنه وفي أكثر من مناسبة شدد على التزامه التام بفلسفته وعدم تغييرها مطلقا.
مارتينيز تأثر كثيرا بجوارديولا في بداية حقبته مع برشلونة. خاصة وأنه يفضل الانتماء دائما إلى أصوله الكتالونية.
"برشلونة هو أقرب نادي إلى بلدتي، أتابعه دائما". كان ذلك في حوار له مع جارديان عام 2009.
"قابلت جوارديولا عدة مرات، إنه شخص متميز للغاية ويعرف جيدا ما يريده ويعمل بقوة من أجله، إنه مثال رائع ليس لي فقط لكن لعدد كبير من المدربين الذين يرغبون في اتخاذ قرارات صعبة".
"أي شخص سيعين اسم كبير كمدرب عمل لسنوات، لكن تعيين مدرب شاب يمنحك شعورا مختلفا، الشجاعة والرغب والعمل الجاد، جوارديولا كان مثالا رائعا لكل المدربين الشباب في أوروبا، إن عملت بكد كفاية فستتم ملاحظة عملك وهذا العمل سيغطي على قلة خبرتك".
من البديهي أن أي شخص كتالوني بالتبعية سيتابع ويعجب ببرشلونة خاصة نسخة جوارديولا التي هيمنت على أوروبا، كما أنه كون مفهومه وفلسفته بناء على هذا الأساس.
موقع ليفربول إيكو، نشر في وقت سابق إحصائيات المدرب في مقارنة له مع توني بوليس وقالت :"مارتينيز لعب 254 مباراة فاز في 70 وتعادل في 74 وخسر 101 بنسبة فوز 31% وتعادل 29% وخسارة 40% ويحصل على 1.22 كمتوسط نقاط في المباراة، أما توني بوليس فنسبة فوزه 32% وتعادله 29% وخسارته 39% ومعدل حصوله على النقاط 1.25 نقطة في المباراة.
الجماهير كانت غاضبة والإدارة والمحللين، الكل اتهمه بأنه خيالي، تلك المقارنة الرقمية كانت دليلا بارزا على إخفاق المدرب الكتالوني.
وتحدث بعد ذلك نيفيل سوثهال أسطورة إيفرتون عنه قائلا :"مشكلتنا هي التوازن الهجومي مع الدفاعي، ليس لدي مشكلة مع طريقة هجومنا، المدرسة الكلاسيكية تقول إنك يجب أن تسجل أكثر من خصمك عوضا عن شله، لكن لكي أكون صادقا، من يفعل ذلك يمتلك لاعبين دوليين وخط هجوم متميز للغاية وخط دفاعي جيدا جدا يمكن الاعتماد عليه، لا يمكنك أن تدافع وتلعب بهذه الطريقة وأنت حتى لا تمتلك 5 لاعبين دوليين جيدين، لا يمكنك أن تلعب بهذه الطريقة في الدوري الإنجليزي".
العديد من الأخطاء الفردية، ولقطات سوء التمركز التي كان يتحدث عنها المحللون طيلة فترة مارتينيز، نفس الأخطاء، خاصة مع بناء الهجمات من الخلف ضد الأندية التي تلعب بضغط عال ما يعرضك للخطر أكثر وأكثر.
ويعيدنا ذلك إلى طريقة تفكير مارتينيز حينما تحدث عام 2015 في مقابلة مع رابطة الدوري قائلا :"أعتقد أننا يجب أن نلعب دائما بسلوك محدد ودائم، أحب رؤية اللاعبين يخاطرون ويحصلون على الكرة عوضا عن الاعتماد على الموهبة للاعبين الذين يسجلون أهدافا، الاستمرار في الدفاع والاحتفاظ بالشباك نظيفة".
"لسوء الحظ هناك مدربين كثرا نجحوا بأسلوب مختلف عن الذي ألعب به، يمكنك أن تحلل تاريخ الأندية، هناك أندية طفيلية لديها أسلوب يضمن لك الحصول على 40 نقطة وهذا نجاح، لسوء الحظ هناك مدربين شباب يحاولون اللعب بطريقة صحيحة ويهبطون، كرة القدم ليست بخير حاليا".
خيار المرونة الفنية لم يكن متاحا بأي شكل، هدفه كان تخطي المنافس وتسجيل أكثر قدر من الأهداف ولا يهتم للحرص الدفاعي كثيرا، كذلك تخطيهم كرويا من خلال السيطرة على معظم فترات اللقاء، ونادرا ما كان يركز على الكرات الثابتة والركنيات في التدريبات بحسب ما نشر في صحيفة "تيليجراف".
بالنسبة له لعب كرة القدم منوط بالتحكم والسرعة في المباراة. قال ساوثهال عنه :"شيء لاحظته بين الجماهير أنهم قد سئموا من مارتينيز يخرج ويثني على اللاعبين والأداء بعد الخسارة بنتيجة 3-1".
ويعد ذلك الأسلوب المتبع من جوارديولا كذلك، مهما كان الخطأ مكلفا، نادرا ما ينتقد لاعبا علنا أمام الصحافة، وفي إحدى المباريات أخطأ جاريث باري ليخرج مارتينيز ويصفه بـ"أعظم لاعب على الإطلاق".
رحل مارتينيز عن إيفرتون ليخوض تجربة مع بلجيكا وبعد رحلة لا بأس بها تغير الكثير. لم يعد بهذا التهور.
في نوفمبر الماضي، استضافت بلجيكا نظيرتها المكسيك في مباراة ودية بمدينة بروكسل، لم يكن هناك أي دليل على أن الشياطين الحمر يلعبون بطريقة تعتمد على الاستحواذ، المباراة انتهت بنتيجة 3-3.
وانتقد كيفين دي بروين طريقة اللعب، خاصة وأنه لعب في وسط الملعب ما جعله مجبرا على مطاردة الكرة في غياب الضغط الفعال، ما جعل المنتخب يفشل في الحصول على أفضل أداء من اللاعب.
"المكسيك كانت أفضل فنيا، نظامهم جعل مدافعينا الخمسة يتراجعون للخلف، كنا نعوم في وسط الملعب، لدينا الكثير من الموهبة ونلعب وفق نظام دفاعي جدا، لكن مشكلته أن كل من ينفذونه لاعبون هجوميون يرغبون في الحصول على الكرة، وطالما أننا لا نمتلك نظاما تكتيكيا جيدا، فسنعاني من صعوبات خاصة ضد دول مثل المكسيك في كأس العالم".
أخيرا اكتشفت بلجيكا ما كان ينقصها، الخوف الشديد في البدايات والمبادرة والهجمات المرتدة، كل ذلك جاء في مباراة البرازيل، ليصل المنتخب إلى نصف النهائي لأول مرة منذ 32 عاما.
لأول مرة تكتيك مارتينيز يكون به حسبما ذكر جوناثان ليو :"الأطراف مرتبطة للعمق والدفاع مرتبط بخط الوسط، وكأنها آلة تعمل بكفاءة رائعة وقال توماس مونييه :"كنا منظمين جدا على الصعيد الجماعي".
كان هناك نظاما لم يتعامل به مارتينيز قط، أخيرا عرف طريقا للواقعية، ويظل السؤال هل يفيده ذلك في مواجهة ديشامب الواقعي بدوره؟
لا شك أن النظامين متشابهين نوعا ما خاصة مع هذا الكم من المواهب، لكن لا شك أن مارتينيز تعلم الكثير في الفترة الأخيرة مع بلجيكا. والآن حان وقت التطبيق بعد معاناة لاستخراج النموذج النهائي فنيا.