ساوثجيت.. الابتعاد عن ظل الجميع بفكرة "إنجليزية" مختلفة

لنحصي سويا عددا من الأسباب التي تسببت في تراجع مستوى إنجلترا على الصعيد الدولي بعيدا عن الدوري، تشكيل غير متوازن، ولاعبين بعيدين عن المستوى ينضمون.

كتب : إسلام مجدي

الإثنين، 09 يوليه 2018 - 16:48
ساوثجيت

لنحصي سويا عددا من الأسباب التي تسببت في تراجع مستوى إنجلترا على الصعيد الدولي بعيدا عن الدوري، تشكيل غير متوازن، ولاعبين بعيدين عن المستوى ينضمون، لا توجد بنية تكتيكية في ضم اللاعبين، بجانب بالطبع بعض من سوء الحظ وسوء العقلية والحالة النفسية.

كل ما سبق هي مجرد عوامل لازمت إنجلترا طيلة فترة طويلة، يمكن أن نقول 28 عاما؟ ناهيك عن عدم الفوز بشيء منذ عام 1966.

حينما تولى جاريث ساوثجيت مهمة تدريب المنتخب عام 2016 قال إنه تأثر بكلمات قالها كريس كولمان مدرب ويلز.

"عليك أن تطارد الأشياء في الحياة ولا تخف أبدا من السقوط".

تلك كانت الكلمات التي ألهمت ساوثجيت الذي أتى في وقت صعب ليحل محل سام ألاردايس والتوقعات كلها كانت تشير إلى أن ألاردايس سيذهب في رحلة سريعة إلى روسيا ويعود قبل إقالته.

فور تعيينه كمدرب عام 2016، تقبلته الصحافة بخيبة أمل، إنه ليس الاسم أو الهيئة التي تفضلها الصحافة الإنجليزية، الاتحاد الإنجليزي فقط هو من وثق فعليا في قدرات ساوثجيت.

وقتها وجد الاتحاد الإنجليزي فيه الخيار المثالي لقيادة منتخب إنجلترا، وبالطبع كانت لديه خطة "غريبة" حسب وصف صحيفة "إندبندنت".

لطالما قال ساوثجيت إنه لن يضم للمنتخب سوى اللاعبين الذين يستحقون الفرصة، كما أنه عين مستشارا من منتخب الرجبي الخاص بنيوزيلاندا هو أوين إيستوود وبنى طاقما محكما لكي يجدد الرغبة في اللاعبين لتمثيل إنجلترا، وقال إنه يفضل اللاعبين الذين كافحوا في طريقهم وصولا إلى ما وصلوا إليه مع أنديتهم.

قبل وصول ساوثجيت كانت الجماهير الإنجليزية تتهم اللاعبين أنهم لا يكترثون لقميص المنتخب، بل إن عددا منهم لا يهتم إن انسحب من القائمة بسبب إصابة صغيرة قبل فترة توقف دولي، ومعظمهم حريص أكثر على فريقه عن منتخبه.

قام ساوثجيت قبل التجمع الأول مع لاعبيه بدراسة التكتيك الذي سيلعب به، لكنه فضل أولا أن يركز على الجانب النفسي ووحدة التشكيل واستعان بذلك المستشار من نيوزيلاندا.

وأول شيء فعله حينما التقى باللاعبين قام بعرض فيديو لمدة 7 دقائق ما يعنيه أن يمثل منتخب إنجلترا وتضمن لقطته الشهير لإهدار ركلة جزاء في بطولة يورو 1996 ضد ألمانيا، وتحدث معهم عن خيبة الأمل وما حدث له بعد ذلك. وجلب لاعبين سابقين لمحاضرة اللاعبين الشباب عن شرف تمثيل المنتخب. وضم لاعبين جدد تماما على المنتخب الإنجليزي مثل ناثانيال تشالوباه وهاري ماجواير.

ساوثجيت حدد النظام التدريبي الملائم له منذ يومه الأول واختار لاعبين ينفذون فكره لا هؤلاء النجوم الذين سيضرونه أكثر مما ينفعونه، وطبق عددا من التغييرات التي لم يجرؤ مدرب قبله على فعلها قط.

ويظل السؤال الأصعب كاملا، مع وجود ماوريسيو بوكيتينو وجوسيب جوارديولا وجوزيه مورينيو وأرسين فينجر ويورجن كلوب وأنطونيو كونتي وغيرهم من المدربين في الدوري الإنجليزي، من أثر أكثر على فكر ساوثجيت في اختيار خطته؟

في مرتين خلال العام الماضي توجه جاريث ساوثجيت بالشكر والثناء لما يقدمه جوسيب جوارديولا ودوره في تطوير عقلية الأطفال الصغار في الأكاديميات الإنجليزية.

ثم تحدث فيما بعد عن سلاحه السري مع إنجلترا بمساعدة من مدرب توتنام.

"قدرة هاري كين على إنهاء الفرص تعيد إلى ذاكرتي ألان شيرار وروبي فاولر وحتى بول سكولز، التغيير الكبير له كان بدينا، منذ تسلم ماوريسيو بوكيتينو مهمة تدريب الفريق وطور توتنام بالكامل وهاري انتفع من ذلك كثيرا".

"يبدو أقوى ولاعب يمكن الاعتماد عليه بل وأسرع وأخطر".

ساوثجيت في عام 2013 أبدى إعجابه بنظام اللعب الذي يتبعه ماوريسيو بوكيتينو مع ساوثامبتون في اللعب باثنين صناع لعب مباشرين وليس جناحين خلف المهاجم. وفي عام 2017 كرر ثنائه بشكل واضح.

بوكيتينو طور عددا من اللاعبين الإنجليز في مسيرته مثل إريك داير وديلي ألي وكايل واكر وداني روز بجانب هاري وينكس وهاري كين وكيران تريبير وغيرهم.

وقال ساوثجيت :"لقد كان الأمر كذلك في ساوثامبتون، طور عددا من اللاعبين الإنجليز أتذكر ثنائية لالانا وجاي رودريجيز، أعلم خيسيوس مساعد ماوريسيو جيدا، الرجل المسؤول عن التدريبات ولاحظت الفارق وطريقته في السماح للاعبين بالضغط على الخصم في مناطق معينة لفرض أسلوبهم الخاص، كان ذلك تأثيرا كبيرا على تدريبات توتنام، لقد شاهدت الكثير منها معه".

بجانب ذلك هناك عقلية أخرى أضيفت لكتيبة المنتخب الإنجليزي أتت عن طريق مانشستر سيتي متمثلة في رحيم سترلينج وكايل واكر مجددا وجون ستونز.

قال واكر عن جوارديولا :"حينما تهاجم وحينما لا تفعل، حينما ترغب في الاحتفاظ بالكرة، سيتي يؤدي بطريقة جيدة جدا ونسجل أهدافا كثيرا، ومع الوقت أثق أن عقليتنا ستتغير".

بوكيتينو قدم شيئا للكرة الإنجليزية لم يعرفه بعض اللاعبين من قبل وهي الثقة في قدرة اللاعب الإنجليزي، لطالما طلب من الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الإيمان بهم.

قال المدرب الأرجنتيني :"علينا أن نحمي مواردنا، بالنسبة لي أهم شيء في إنجلترا هو اللاعب الإنجليزي نفسه، الموهبة الإنجليزية، هاري كين سينافس في مباريات دولية أو في كأس العالم أو اليورو يوما ما، والجميع يريد أن يدعم المنتخب، وإن سجل فهو يمثلكم يمثل منتخب إنجلترا وليس توتنام أو مانشستر يونايتد أو تشيلسي، أهم شيء هو أن تدعموا لاعبيكم".

لهذا السبب تلألأ معه هاري كين وديلي ألي وتريبير وروز وواكر وداير وغيرهم.

وصرح ساوثجيت في وقت سابق :"حينما توليت المهمة كنت واثقا في اللاعبين الشباب وقدرتهم على اللعب بأسلوب معين، وقلت ما الذي سيمنعهم من اللعب بطريقة جيدة مثل بقية اللاعبين حول العالم؟".

"ما نراه الآن منهم أن بعض شبابنا الصغار أصبحوا يسافرون للعب في الخارج، ومانشستر سيتي لديه عدد متميز ومهم من اللاعبين الإنجليز يلعبون كل أسبوع، ومانشستر يونايتد كذلك وليفربول وتوتنام".

"كان هناك اعتقادا أن تولي مدربين من صفوة أوروبا للمهمة التدريبية هنا في إنجلترا أن ذلك سيعني ضمهم للاعبين أجانب، ماوريسيو بوكيتينو نواة فريقه من اللاعبين الإنجليز، وتلك رسالة رائعة للاعبين أن بإمكانهم العمل كل يوم للوصول للمستوى المنشود والتطور".

لا يوجد مدرب واحد أثر في فكر ساوثجيت، لكن التأثير الحقيقي لكل مدربين الدوري الإنجليزي خاصة هؤلاء الذين قدموا الـ23 لاعبا للمنتخب كان عن طريق ثقتهم كصفوة تدريبية في هؤلاء اللاعبين خاصة صغار السن منهم وبث حس المسؤولية فيهم وهو ما نتج عنه أداء واقعي سهل المهمة على ساوثجيت.

ربما لا يلعب منتخب إنجلترا مرتدات يورجن كلوب السريعة للغاية، ولا يضغط بشكل متقدم مثل توتنام، ولا يدافع مثل يونايتد ولا يلعب تيكي تاكا مثل سيتي، لأن ساوثجيت لديه فكره الفني الخاص به والذي يؤدي به حاليا في مونديال 2018، لكن إنجلترا حصلت ولأول مرة على مدرب ذكي بإمكانه جني ثمار تواجد صفوة مدربين أوروبا في الدوري الأشهر بالعالم.

ماذا عن تكتيك ساوثجيت نفسه؟ لنتذكر سويا أول مباراة له كانت بعد مباراتين لمنتخب إنجلترا خاضهما مدربين مختلفين بفكرين مختلفين، روي هودجسون ضد أيسلندا في يورو 2016 ثم من بعدها مباراة سلوفاكيا في التصفيات تحت إمرة سام ألاردايس.

قال ستيف هولاند مساعد ساوثجيت عن المدرب الشاب :"إنه شخص ذكي للغاية، وكان يعلم جيدا أنه لا وقت للثورات".

ساوثجيت اتخذ قرارات واقعية لكي يحصل على نتائج في وقت قصير، خاصة وأن الصحافة لن تحرمه في ظل عدم اقتناعها به، وأي فضيحة هي عدم تأهل إنجلترا إلى كأس العالم؟

روي هودجسون كان يلعب بطريقة 4-3-3، وسام كان يلعب بها وأيضا لعب بطريقة 4-2-3-1 بتواجد لاعب رقم 10 خلف المهاجم.

قال هولاند :"تلك الخطة من ألاردايس كانت تعتمد طيلة الوقت على دعم المهاجمين والأمل في أن كل شيء سيسير على ما يرام".

المنتخب الإنجليزي مع ساوثجيت لعب بواقعية، ولم يغير الكثير فنيا، وتأهل دون خسارة أي مباراة إلى كأس العالم.

ساوثجيت أثناء فترته كلاعب لعب في نظام 3 مدافعين تحت إمرة تيري فينابلس وجلين هوديل، وستيف هولاند درب في تشيلسي مع أنطونيو كونتي خلال موسم فوزه بالدوري.

قال هولاند "نظرنا إلى منتخب تيري فينابلس في بطولة يورو 1996، بتواجد ستيف ماكمانمان ودارين أنديرتون كجناحين وجاري نيفيل في مركز قلب الدفاع وخط وسط متوازن".

"ونظرنا إلى ما قدمه بوبي روبسون وبدأ بطريقته في إيطاليا 1990 باللعب بـ3 مدافعين، وما الخطة؟ كانت ألا نستقبل أهدافا كثيرة، ومنح أنفسنا أفضل فرصة للتحكم في المباراة مع الكرة".

"شاهدنا مباريات كأس القارات لألمانيا والبرتغال وتشيلي، بعض المنتخبات الجيدة، وحاولنا تقييم طريقة العمل قد هذا النوع من الاستحواذ، واتخذنا قرارا باللعب بـ3 مدافعين، وشعرنا أننا سنكون أفضل هكذا سواء مع الكرة وبدونها".

"قضيت عاما مع أنطونيو كونتي وفاز بالدوري بطريقة 3-4-3، وسيزار أزبليكويتا كان في قلب الدفاع ضمن نظام ثلاثي".

أول مرة تمت تجربة طريقة اللعب بـ3-4-3 بالنسبة لإنجلترا كانت ضد ألمانيا في مارس 2017، وخسروا المباراة، لكن الأداء لم يكن بهذا السوء، وفي المرحلة التالية كان يجب عليهم تجربة توازن خط الوسط، فقرر المنتخب اللعب بطريقة 3-3-2-2.

"كان بإمكاننا الحصول على لاعبين في الملعب بدلا من 1 أقصد في المواقف الهجومية، ثم تساءلنا هل لدينا أجنحة؟ لكن تلك كانت أقل مشاكلنا، يجب أن يكون لدينا كل أنواع الأجنحة للاختيار من بينها وكذلك لاعب الارتكاز الذي يلائم خطتنا".

اقتضت الخطة باستعمال كيران تريبير وآشلي يونج كأجنحة في طريقة 3 مدافعين عوضا عن اللعب كظهيرين، فيما لعب جوردان هيندرسون في المركز بين خط الدفاع والوسط، ووظيفته الأساسية كانت توزيع الكرة لخط الوسط أو الجانبين حسب رؤيته وقيادته، بجانب كونه درعا لخط الدفاع لإيقاف هجمات خط الوسط من الخصم.

القرار الثاني كان اللعب بثنائي صناع لعب من أجل إمداد هاري كين ورحيم سترلينج بالفرص، الدور الذي لعبه الثنائي جيسي لينجارد وديلي ألي ضد تونس.

قال هولاند "مباراتنا ضد هولندا في مارس كانت أول مرة نلعب بها بثنائي لاعب رقم 8 هجومي بدلا من جاك ليفرمور في الوسط على سبيل المثال، والذي يلعب بدور دفاعي أكثر، مباراة نيجيريا كانت أول مباراة نجرب فيها ديلي ألي بهذا الدور، التوازن بركضه للأمام ثم تمركز لينجارد مع خروج رحيم سترلينج خارج منطقة الجزاء قليلا، خلق ذلك مشاكل عديدة لخصمنا ولكن هل كان ذلك حكما نهائيا؟ بالطبع لا".

"رأينا علامات على ما هو قادم ومدى تطور فكرنا، كان أمرا مشوقنا لنا التطور الذي لمسناه في آخر 4 مباريات، الخصم غير الكثير في الشوط الثاني للتعامل معنا 3 مرات وهو أمر أسعدنا كثيرا".

"هولندا غيرت طريقتها بين الشوطين ونيجيريا كذلك، وتونس فعلت ذلك وعادة تلك علامة جيدة إن كان الخصم لديه مشاكل في التعامل مع طريقتنا".

الصحافة انتقدت إشراك كايل واكر في قلب الدفاع، لكن ستيف هولاند وساوثجيت كانت لهما وجهة نظر في الأمر.

قال هولاند "سأنظر للأمر بطريقة مختلفة، شاهدنا معظم مباريات سيتي هذا العام، كايل لم يلعب بنفس الطريقة التي كان يلعب بها في توتنام خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لم يقضي معظم وقته في 30 و40 متر على الخط، كان يتحكم في الهجمات المرتدة على الصعيد الدفاعي، لم نطلب منه اللعب خلف هجوم الخصم، إنه يلعب بطريقة تجعله يتمركز أبعد قليلا عما لعب به مع فريقه طيلة الموسم فقط".

الأمر الآخر الذي أضافه ساوثجيت وهولاند هو عدم الاعتماد على هاري كين فقط للتسجيل، لأن عماد طريقة لعبه هو الأداء وليس نجم واحد بل المجموعة، هناك فرص خطيرة دائما، نعم هناك اعتماد على كين لكنه كما قال هولاند "مجرد لاعب وحيد ولا يمكنك أن تضع كل حساباتك عليه".

إنجلترا تمتلك خيارات عديدة للتسجيل، ساوثجيت استغل واحدة من أهم نقاط القوة متمثلة في الكرات الثابتة والقوة البدنية وسجل 7 أهداف من 11 هدفا من الكرات الثابتة، منها 4 من ركنيات، أمر لم يحدث منذ فترة طويلة.

"نسير في البطولة مع لاعبين نثق في قدرتهم ومستقبلهم، إنهم شباب صغار ولم يلعبوا كثيرا على الصعيد الدولي، الأمر قد يحتاج إلى وقت فقط".

أما ساوثجيت فقال :"لسنا فريقا لديه حس استحقاق، لكننا فريق لديه لاعبين من بارنسلي وليدز وبولتون وبلاكبيرن".

"من المهم لنا أن نتذكر ستيف هولاند والطاقم، قاتلنا في طريقنا بالكامل للوصول إلى هنا".

"معظم أبناؤنا في المنتخب لعبوا في دوري الدرجة الثانية أو أقل منها، سواء بدأوا هناك أو لعبوا على سبيل الإعارة، إن تلك رسالة مهمة لنا".

"نحن ننجح لأننا نساند بعضنا البعض، نلعب كرة قدم جيدة لكننا نعمل جيدا أيضا من دون الكرة".

بهذه الأفكار بنى ساوثجيت طريقته، قد يكون هناك تأثير لكل مدربي الدوري، لكن على تطور أداء لاعبيهم وهذا منطقي نظرا لأنهم يتواجدون معهم طيلة الموسم عكس مدرب المنتخب، يستحق جاريث ساوثجيت الثناء لكسره على الأقل لعنة استمرت لـ28 عاما ومن يدري ماذا سيحقق.