كتب : إسلام مجدي
بالنسبة للبعض، هو موهبة إنجليزية تقليدية ضلت الطريق، قد لا يرونه في مركز ثابت أو مراوغ رائع أو ذلك الذي يمرر كرات بينية مثل أندريا بيرلو ولوكا مودريتش وأندريس إنييستا وغيرهم.
جوردان هيندرسون لاعب وسط منتخب إنجلترا مختلف للغاية، سيظل مستواه مثار جدل للجميع طيلة الوقت، لكن هل يقصر؟ مستحيل.
لكي نتفهم جيدا حالة جوردان هيندرسون علينا بالعودة قليلا إلى الماضي لنعلم جيدا ما هو عليه.
ابن سندرلاند كان يلعب في مركز المحور بوسط الملعب في أكاديمية النادي، وكان يمتلك المقومات الفنية التي تسمح له باختراق منطقة جزاء الخصم، ثم تحول إلى لاعب بوكس تو بوكس مثل يايا توريه وآرون رامسي بنفس المقومات تقريبا.
في سندرلاند تم الاعتماد عليه في اللعب خلف المهاجم الوحيد أو كجناح أيمن، وتم استدعائه للمنتخب بواسطة فابيو كابيللو، وظهر كلاعب وسط هجومي متميز، وأثنى عليه الكثير من المتابعين.
في نفس العام تقريبا ظهرت اللاعب الذي لقب يوما ما بـ"جوهرة ألمانيا" ميسوت أوزيل وبالمقارنة بينه وبين هيندرسون خسر الأخير ببراعة نظرا للفارق الفني الكبير واتجاه النقاد للمسات الجمالية أكثر من معدل العمل.
تميز هيندرسون في خط وسط سندرلاند خلال موسم 2010-2011 على الرغم من أن ظهوره مع منتخب إنجلترا لم يسر على ما يرام، إلا أن ليفربول قرر ضمه، بمبلغ 16.2 مليون جنيه إسترليني.
كان هيندرسون قد انضم إلى ليفربول بجانب أندي كارول وستيوارت دونينج وتشارلي آدم، لاعبون لم يتركوا أي بصمة وفي وقت صعب للغاية للحمر.
توقعت جماهير ليفربول أن يقدم هيندرسون الكثير، لكن منذ اللحظات الأولى ظهرت علامات عدم الرضى، بدا الأداء بسيطا وانقلبت الجماهير ضده وضد النادي. موسم أول لم يكن جيدا بكل المقاييس سجل خلاله هدفين وصنع 4 آخرين في 48 مباراة.
في عام 2012 حاول نادي ليفربول بقيادة براندن رودرجرز أن يضم كلينت ديمبسي مهاجم فولهام، صاحب الـ29 عاما كان هدافا ومتميزا للغاية، ورودرجز كان يرغب بشدة في هذه الصفقة لتعزيز هجومه، لكن كانت هناك مشكلة مادية، نظرا لأن شركة فينواي سبورتس التي اشترت ليفربول مؤخرا في تلك الحقبة صرفت كثيرا في 18 شهرا وكان المدرب قد ضم الثنائي فابيو بوريني وجو ألين بمبلغ 25 مليون جنيه إسترليني، واحتاج الفريق إلى 6 ملايين جنيه إسترليني إضافية لضم ديمبسي.
استدعى رودجرز لاعبه صاحب الـ22 عاما وقال له إنه سيصبح جزء من صفقة ضم ديمبسي إن وافق على الأمر، لكن اللاعب الشاب الذي بدا مصدوما للغاية وبكى فور مغادرته للغرفة رفض ذلك الأمر.
خرج هيندرسون من الاجتماع وظل يبكي لفترة حسب وصفه، لم يمر سوى 12 شهرا على انضمامه للحمر وها هو على وشك الرحيل بهذا الشكل. لا لن يفعل سيستمر ويقاتل على مركز كل لحظة حتى لو لم يكن هناك ضمانا لمشاركته، وفي المقابل انضم ديمبسي إلى توتنام.
خطة هيندرسون كانت بسيطة للغاية، أن يرى المشككون أنهم أخطأوا في حقه، لا يهم كيف لكنه سيفعلها، لطالما اعتاد على صافرات الاستهجان من الجماهير حتى حينما كان في الـ20 من عمره مع سندرلاند الأمر ليس جديدا.
بعد اعتزال سير أليكس فيرجسون مدرب مانشستر يونايتد للتدريب، نشر سيرته الذاتية وفيها انتقد طريقة ركض هيندرسون وقال إن ذلك سيسبب له الإصابات مستقبلا، غضب براندن رودجرز لكن فيما بعد قالت التقارير الطبية إن ذلك الأمر صحيح نوعا ما.
شارك هيندرسون في 53 مباراة فقط خلال عامي 2015 و2017، ذلك بالإضافة للضغوط التي يتعرض لها أي لاعب ينضم لفريق بحجم ليفربول.
في فترة ظهوره في وسط الملعب سواء كصانع ألعاب أو جناح أيمن أو بوكس تو بوكس أو محور ارتكاز، كان هناك عددا من الموهوبين الذين يمكنهم القيام بالعديد من الأشياء التي لا يفعلها جوردان، خاصة وأن رودرجرز لم يهتم بتطويره كما يجب حتى وصل إليه يورجن كلوب.
قال عنه جاك روبينسون زميله السابق في ليفربول :"الشباب في النادي يتطلعون إليه، إنه يقدم أداء جيدا، لا يمكن مقارنته بأي لاعب آخر لأنهم نوعية مختلفة وهو مختلف بدوره، إنه قائد كبير ولهذا السبب يتكاتف الجميع من حوله وهو يشعر بالمسؤولية".
قدرات هيندرسون تكمن في التزامه ووعيه الفني وعقليته وشخصيته القيادية، إنها قدرات مختلفة تماما ولا تقلل منه بالطبع، يمتلك سلوك ومعدل عمل وطاقة رائعة للغاية تمكنه من الركض في أنحاء الملعب وأيضا أحيانا التحكم في إيقاع عمق الملعب ما جعل كلوب يعتمد عليه بشكل كبير.
أحيانا لا يحتاج المدربون إلى لاعب يجري 30 تمريرة صحيحة في 5 دقائق بل إلى لاعب يجري تمريرة واحدة إلى الأمام بدقة وسرعة كبيرة تجعلها تبدأ هجمة مرتدة قاتلة أو تضع المهاجم في وجه المرمى مباشرة، وهيندرسون يجيد ذلك الأمر ويجيد توريط قلبي دفاع الخصم في مثل هذه الكرات.
ربما سارت الأمور على ما يرام في ليفربول بعد فترة طويلة من الارتباك، لكن مع منتخب إنجلترا؟ تطلب الأمر وقتا طويلا بدوره، روي هودجسون لم يكلف نفسه أي عناء ومع إصابة اللاعب لم يعد أساسيا في الحسابات، حتى جاء جاريث ساوثجيت، المدرب الذي كما قال :"سأتعامل بواقعية مع الاختيارات وسألعب في حدود الممكن ولن أتخطى ذلك".
حرص ساوثجيت على أن يلائم هيندرسون طريقته تماما، ليجد اللاعب أخيرا التألق الذي لم يحدث له على الصعيد الدولي، وتتحول صافرات الاستهجان إلى هدوء على الأقل ثم كلمات استحسان لما يقدمه في الملعب.
حتى الآن هيندرسون واحد من أفضل لاعبي منتخب إنجلترا في كأس العالم، ويقدم أداء قياديا في خط الوسط ويضيف ما يجيده بأفضل طريقة ممكنة.
موهبته احتاجت تعاملا من نوع خاص وأسلوبا تدريبيا معينا لكي يخرج أفضل ما لديه، ويظل السؤال قائما، هل يستمر جوردان على هذا المنوال؟ وما أقصى ما يمكنه تقديمه؟
تأثير هيندرسون ربما ليس مثل نجولو كانتي أو بول بوجبا أو كيفين دي بروين أو غيرهم، لكن قدرته التي قد تبدو عادية هي في الحقيقة مفيدة للغاية ومؤثرة جدا وتضيف سواء لفريقه أو للمنتخب، يظل رهانه قائما في الابتعاد عن الإصابات وتحويل دموع الحسرة إلى لحظات انتصار، ودائما الأمر منوط به فقط لتحديد مصيره.