"خورخي سامباولي ليس هو المرض، بل إنه مجرد عرض للعلة"
كانت جملة الصحفي سيباستيان فيست تلك في صحيفة لا ناسيون الأرجنتينية يوم استبعاد منتخب الأرجنتين من بطولة كأس العالم 2018 في عطلة الأسبوع الفائتة مؤثرة للغاية، لأنَّها قصدت صُلب الموضوع مباشرةً، متخطيةً كل عذر قُدِّم لإقصاء المنتخب، وأشارت بوضوح إلى العَفَن المؤسسي الذي يقع عليه اللوم بالأساس في عِلَّات المنتخب الأرجنتيني.
آل طريق الأرجنتين الوعر إلى نهايته في مدينة قازان الروسية، في الصيف الساخن لعام 2018، لكنَّ أوَّله بدأ حقاً من زمنٍ بعيد في منتصف الشتاء بمدينة بوينيس آيرس في الأرجنتين عام 1978، يوم فاز منتخب الأبيض والأزرق السماوي الأرجنتيني بأوَّل كأس عالم في تاريخه.
وقف خوليو جروندونا بأرض ملعب المونيومينتال فيما رفع كأس العالم دانييل باساريلا، بصفته قائد فريق الدولة المستضيفة للمباريات. كان جروندونا وقتها نجماً صاعداً باتحاد كرة القدم الأرجنتيني. وفي خلال عامٍ واحد انتُخِب رئيساً للاتِّحاد، لكنَّ بلاده لم تعلم آنذاك أنَّها من تِلك اللحظة فصاعداً ستقع فريسةً لأربعين عاماً من الفساد، أو ماهية الأثر المُدمِّر الذي سيلحقه ذاك باللعبة الوطنية الأثيرة، إذ كانت الأرجنتين ما تزال مبتهجةً لفوزٍ ببطولة كأس العالم يذكره التاريخ بحنينٍ فاتر.
حتى نفهم نجاح وفشل الفرالمنتخب الأرجنتيني، علينا النظر لها في سياق الكيان الحاكم للمنتخب، وهي منظَّمةٌ كانت لوقتٍ طويل واحدةٍ من الكيانات الأكثر فساداً في اللعبة، وكذلك كانت في الآونة الأخيرة إحدى أقلّ المنظمات كفاءة، لتعثُّرها منذ موت جروندونا. من العار بالطبع في بلدٍ عظيم كالأرجنتين أنَّ يتولى شخصٌ مثل جروندونا السلطة لوقتٍ طويل كهذا، متمتعاً بحصانةٍ شبه كلية، لكنَّ ما هو أسوأ من ذلك هوَ أنَّ التوجُّه الفاسد كلياً الذي اتبعه في إدارة اتحاد كرة القدم الأرجنتيني هو ما يُسيِّر الأمور حتى الآن، كما نرى في الفوضى التي حلَّت به منذ أن رحل.
انظر مثلاً لفشل الأرجنتين في كأس العالم المُقام حالياً، إنَّه مزيجٌ من الاستعدادات الكارثية، والموارد الهزيلة -في كلا الجانبين المالي والبشري في بعض المواقع- وسوء الإدارة.
هذا ما جنته يد اتحاد كرة القدم الأرجنتيني، ولا علامةٌ تشير إلى أنَّ ذلك سيتحسَّن من الآن فصاعداً، حتى وإن أذهل ليونيل ميسي العالم بقراره ألَّا يعتزل اللعب الدولي للمرة الثانية.
وبامتلاكها إحدى أقدم الفرق في تاريخ البطولة، كشفت الأرجنتين ما قد يعنيه دمار صفوف الشباب في المنتخب لمستقبلها.
فازت الأرجنتين بكأس العالم للشباب تحت سن العشرين عاماً في أعوام 2001، و2005، و2007. وتكوَّن الطاقم الأرجنتيني في كأس العالم 2018 من 20 لاعباً كان من بينهم سبعة فائزين بكأس العالم تحت صن العشرين منذ 11 أو 13 عاماً. في حين لم يشارك سوى لاعبان فقط مع المنتخب الأرجنتيني في روسيا من فرق تحت سن العشرين لكأس العالم في الأعوام الثلاثة الأخيرة (2011، و2015، و2017)، وهذا يدل على أنَّ مسار تطور شباب اللاعبين بدأ يخلو من المواهب وانهار في النهاية، دون وجود نظامٍ لدعم أو تطوير اللاعبين الشباب، ولا توجِّه واضح لدى وصولهم للقمة، إن وصلوا إليها من الأساس.
إذن علينا أن نُعرِّف “الجيل الذهبي” للأرجنتين بأنَّه ذلك الذي ظهر بين عاميّ 2010 و2016، عندما نضج فائزو كأس العالم للشباب لأعوام 2005 و2007 حتى وصلوا لقمَّة مهارتهم. ومع ذلك انظر للفرق التي فازت ببطولاتٍ كبرى هذه الفترة، كانوا بالأساس منتخباتٍ ذات خطة واضحة طويلة الأمد، مثل ألمانيا في عامي 2010 و2012، وأوروجواي عام 2011، وألمانيا عام 2014، وتشيلي في عامي 2015 و2016، ما يسلِّط الضوء على غياب الخطة لدى اتحاد كرة القدم الأرجنتينية. كذلك يُسلِّط الأمر الضوء على فشلهم في تحقيق أقصى استفادة ممكنة من المواهب الموجودة بين أيديهم (وهي النتيجة) بالإضافة إلى فشلهم في عدم تطوير الموهبة من الأساس (وهو ما أدى لتلك النتيجة).
كانت استعدادات الأرجنتين لكأس العالم المُقام هذا الصيف مخزية، والأسوأ بين كل الفرق حتى جاءت إسبانيا، وأقالت مدرِّبها جولين لوبيتيجي قبل يومٍ واحد من افتتاح كأس العالم 2018 في روسيا، واضطرت الأرجنتين أن تُفسح لها مكاناً في المركز الأول لقائمة أسوأ المنتخبات استعداداً لكأس العالم.
البداية في معاناة فريق الأبيض والأزرق السماوي للتأهُّل لكأس العالم، حتى توسلوا للاعب ليونيل ميسي أن يرجع عن قراره باعتزال اللعب الدولي، وجرَّهم لاعب فريق برشلونة رغم مقاومةٍ واضحة منهم إلى روسيا.
كان يجب عليهم الفوز أمام الإكوادور، ذلك الذي ضمن لهم التأهل، أن يكون نقطة تحوُّل في مسار خورخي سامباولي، الذي كان حتى تلك اللحظة مجبراً على تقلُّد دورٍ نفعي في أسلوب اللعب، على عكس الطريقة التي تمكِّن بها من تحقيق نجاحات في مسيرته المهنية. كان من المقرر أن تخوض الأرجنتين ست مبارياتٍ ودية على مدار ثلاثة فتراتٍ من توقُّف اللعب الدولي، وكان باستطاعة سامباولي أن يجد فيها الطريقة الأفضل لتطبيق نظامه المفضَّل، وأن يصل ببلاده للفوز.
لكنَّه استخدم 48 لاعباً في أوَّل عشر مباريات، لذا ظل الارتباك حاضراً بشأن خيارات اللاعبين، وكانت المباريات الودية التي لعبتها الأرجنتين كارثية، من ضمنها هزائمُ ثقيلة ألحقتها بها نيجيريا وإسبانيا، بالإضافة لمباريتين ملغيَّتين عشية بدء البطولة أمام نيكاراجوا وإسرائيل.
المباراة الوديَّة الوحيدة التي لعبتها الأرجنتين في النهاية قبيل كأس العالم كانت ضد هاييتي وتصنيفها العالمي في المركز 104- بعد فشل مفاوضاتٍ للَّعب في مواجهة نادٍ إسباني بعد إلغاء مباراتهم الودية مع إسرائيل. تِلك الرحلة المتجهة إلى القدس أُلغِيَت لأنَّ اللاعبين لم يريدوا السفر إثر مخاوفٍ أمنية وإنسانية، وكانت في ذلك رمزاً لمشاكل المنتخب الأرجنتيني، حدثٌ نظَّمه اتحاد كرة القدم الأرجنتيني بهدف جمع المال أتى بنتائجَ عكسية كلياً.
على مدار الأعوام القليلة الماضية، تجوَّل لاعبي الأرجنتين حول العالم كما لو كانوا أفراداً في سيركٍ متنقِّل ليلعبوا مباراةٍ ودية تلو الأخرى، وكان اتحاد كرة القدم الأرجنتيني مستعداً لقبول عروضٍ من أعلى المزايدين لخوض مبارياتٍ طالما أمكنهم ضمان وجود ميسي في الفريق. وأتى ذلك بلحظاتٍ مؤسفة مثل “مباراة جينيس” برعاية شركة Guinness، وهي مباراة ودية أجريت في نيجيريا وأمكن لأي مشاهد أن يعرف فورا أن نتيجتها كانت مدبرة، واعتبرها الفيفا لاحقاً مدبرة بالفعل، بالإضافة لعقد مبارياتٍ في أقاصي بقاع العالم مثل بنغلاديش، والهند، وأستراليا.
حقيقة أنَّ الكرة الأرجنتينية كانت بحاجة للمال من وراء تلك المباريات يعيدنا مجدداً إلى جروندونا، وهو رجل سرق عشرات الملايين من الدولارات التي كانت مقصودة بالأساس لتطوير كرة القدم في الأرجنتين، وربما مئات الملايين حتى. واعترف مصرفيّ سويسري سابق يُدعَى خورخي لويس أرسواغا ضمن قضيةٍ رفعتها وزارة العدل الأميركية بتقديم رشوةٍ بمبلغ 25 مليون دولار إلى جروندونا في مقابل مساعدة عميلٍ له، وهي قناة TyC الأرجنتينية الرياضية، في عقد صفقةٍ للحصول على حقوق إذاعة المباريات عبر التلفاز بدء من عام 2010. لا يعلم أحد كَم كان رصيد جروندونا في البنك تحديداً، لكنَّه بالتأكيد كان يشبه رقماً هاتفياً، وهو ما يمثل إهانةً في وجه الأرجنتين لأنَّ السبب الرئيسي الذي منع اتحاد كرة القدم الأرجنتيني من إقالة خورخي سامباولي بعد الهزيمة الأخيرة التي تعرَّض لها المنتخب هو أنَّه لا يستطع تحمُّل كلفة فسخ عقده، وأنَّه بحاجة لأن يستقيل هو بنفسه.
فجاجة وحَجم الفساد الذي ألحقه جروندونا بكرة القدم الأرجنتينية كبيران لدرجة أنَّه من الصعب معرفة مدى ذلك الفساد، والمؤلم حقاً هو أنَّه لطالما تصرَّف بفخرٍ مؤذٍ كما لو كان الملاك الحارس للُّعبة الأرجنتينية، والمدافع الأوَّل عن مصالحها. كان جروندونا رجلاً ساخراً، وكاره للأجانب، ومعادٍ للسامية، وهو المسؤول الذي قال إنَّه سيصوِّت لإنكلترا لاستضافة كأس العالم فقط في حال أُعيدت جزر فوكلاند إلى الأرجنتين، وفي النهاية صوَّت بالطبع لصالح روسيا وقطر، وهو أيضاً مسؤول الفيفا التنفيذي الكبير الذي قال إنَّ اليهود لا يمكنهم التحكيم بكرة القدم لأنَّهم لا يحبُّون العمل الشاق.
دمَّر جروندونا كذلك لعبة كرة القدم في الأرجنتين على النطاق المحلي، مستخدماً أساليب محسوبية شبيهة بعصابات المافيا ليضمن بقاءه في السلطة. وعبث جروندونا باستمرار بهيكلة الدوري الأرجنتيني، ما انتهى بنا الآن للدوري الهزليّ الحالي المسمَّى بـ”الدوري الممتاز” المكوَّن من 30 فريقاً في الدرجة الأولى وحدها، وزعم رؤساء النوادي أنَّه كان يستخدم الحكَّام وأحياناً تهديداتٍ بسيطة للتلاعب بنتائج المباريات، ليضمن أن تحصل فرقٌ بعينها على النتائج التي أرادتها لأنَّه مدينٌ لها بخدمات. وخلال فترة حكمه كرة القدم الأرجنتينية، تراجع مستوى الدوري المحلي، وأصبح ملعباً للجريمة المنظَّمة، لدرجة أنَّ السلطات الأرجنتينية الآن لا تستطيع التصدِّي لجماعات “بارا برافا” التي تخرِّب كرة القدم المحلية.
وتحكُم البارا برافا في مبيعات التذاكر والمخدِّرات، بجانب العُنف الذي لا يقتصر فقط على مشجعي الفرق المتنافسة، بل يحدث بين فصائلَ متنافسة تشجِّع الفريق ذاته، عنت أنَّ مشجِّعي الفريق الزائر لا يمكنهم الآن السفر لحضور المباريات المقامة في الأرجنتين، ما حرم المشجعين من حريَّة مساندة فرقهم.
والآن، وقد شُلَّ مادياً في عهد ما بعد رحيل جروندونا، يستغل اتحاد كرة القدم الأرجنتيني الوقت المتبقِّي له مع المنتخب ليحاول در المال منه من جهة وتوفير النفقات من جهةٍ أخرى. يتضمَّن الجزء الأول من هذه الخطة إثارة سخط لاعبي الفريق بجرِّهم حول العالم ليلعبوا مبارياتٍ ودية، بينما يتضمَّن جزئها الثاني إثارة سخطهم مجدداً بإمدادهم بتجهيزاتٍ تليق بالهواة فقط، ولا تلائم لاعبين بمكانتهم.
في ليلة تقاعد ميسي عن اللعب الدولي عام 2016، أشار لاعب نادي برشلونة لانعدام الأهلية والاحترافية في أساليب اتحاد كرة القدم الأرجنتيني باعتبارها عاملاً أساسياً في قراره ذاك، وأنَّ ذلك شعورٌ سائد بين زملائه في الفريق. لم يستعد اتحاد كرة القدم الأرجنتينية ثقة لاعبيه به من جديد بعد هذا، وهوَ ما اتضح مجدداً خلال البطولة الحالية عندما سُرِّبت تسجيلاتٌ صوتية تنتقد اللاعبين إثر هزيمتهم في مواجهة كرواتيا، وشكّ أفراد الفريق فوراً أنَّ التسجيلات تلك تعود لمسؤولين بين صفوف اتحادهم صرَّحوا بتلك الانتقادات ليضمنوا ألَّا يوجَّه أي ضغطٍ أو نقدٍ للاتحاد.
ليس اللاعبون وحدهم هم مَن جاهدوا للتعامل مع اتحاد كرة القدم الأرجنتيني. إذ استقال جيراردو مارتينو، مدرِب نادي برشلونة الأسبق، عندما لم يتمكَن الاتحاد من تشكيل فريق ليتوجَّه به إلى أولمبياد ريو دي جانيرو. كانت تِلك سلسلةً كوميدية من الأحداث كلَّفتهم مدرِّباً ربما كان ليقودهم إلى روسيا هذا الصيف، لكنَّه استقال تاركاً خليفته المُعيَّن إدجاردو باوزا يُبدِع، حتى كاد أن يُفوِّت على الأرجنتين مشاركتها بكأس العالم، إلى أن هبَّ سامباولي وميسي لنجدتها.
ميسي، الرجل الذي يراه اتحاد كرة القدم الأرجنتيني بصفته بقرةً يُحلَب منها المال وحسب، ويراه المشجعون منقذاً لمنتخبهم، وكاد أن يكون كذلك فعلاً.
وبرغم كُل الروايات التي تُحاك عن فشله في ساحة اللعب الدولي، انظر كيف كان “الجيل الذهبي” بقيادته.
منذ عام 2011 حتى 2016، وصل المنتخب الأرجنتيني لنهائيات ثلاث بطولاتٍ كبرى، ولم يخسر مباراةٍ واحدة ضمن وقت المباراة الأصلي خلال أربع بطولات.
خسرت الأرجنتين ضد ألمانيا في الوقت الإضافي بنهائي كأس العالم عام 2014 عندما أخطأ جونزالو هيجواين المرمى في انفرادٍ بالكرة أمام مرمى ألمانيا، وكذلك خسرت مباراتي نهائي كأس كوبا أميركا بضربات الترجيح. هُل يمكن لوم ميسي على لحظاتٍ كتلك كادت فيها الهزيمة تتحول إلى نصر، وكان على أحد زملاء ميسي فقط أنَّ يمنحه تمريرةً جيدة، أو أن تتحرَّك الكرة بشكلٍ مختلف قليلاً، أو أن يتخذ الحكم في وقتٍ سابق من المباراة قراراً صائباً؟
وبأكثر من طريقة، كان المنتخب الأرجنتيني في الفترة بين 2014-2016 الأفضل على الكوكب. إذ قدم مستوًى بديع من البراعة والإنجاز، لكنَّه كان دائماً يفشل في اللحظة الأخيرة، ليس لأنَّ لاعبيه كانوا سيئين أو شنيعي الأداء، ولا لأنَّ ميسي ارتكب أخطاءً جسيمة في لحظاتٍ حرجة، أو أنَّه لا يحب بلاده كفاية، كما اعتاد أن يقول منتقدوه، لكنَّ ذلك حدث نتيجة حظٍ سيء أو قراراتٍ سيئة. تِلك هي كرة القدم.
وعندما تُلقِي نظرة على اللاعبين في تلك الفرق لَك أن تتساءل كيف وصلوا إلى هذه المرحلة من الأساس. إنَّه الاختلال نفسه بين وجود لاعبين مهاريين مع آخرين لا وصف لهم، وهو ما شهدناه في تشكيلة الأرجنتين في كأس العالم بروسيا عام 2018. أو كما قيل على لسان أوائل اللاعبين العظماء بنادي ريال مدريد: “أمثال زيدان بجانب أمثال بافون (أي ضم لاعبين مخضرمين مثل زين الدين زيدان جنباً إلى جنب مع نشءٍ موهوب مثل باكو بافون)”.
رفع الإنجاز المبالغ فيه بالوصول لنهائيات كأس العالم سقف توقعات الجمهور لحدٍ يستحيل إرضاؤه، إما الفوز بكأس العالم وإما الفشل. لا شيء في كرة القدم يمكن أن يُحكَم عليه بهذه الطريقة، لكن بالنظر للأمور من جانب قصور اتحاد كرة القدم الأرجنتيني، وغياب انضمام أية مواهب شابة جديدة إلى الفريق، فإنَّها معجزةٌ كونهم استطاعوا تقديم هذا الأداء خلال فترةٍ استمرت خمسة أعوام. معجزةٌ يرجع الفضل فيها أساساً لموهبة ميسي الخارقة.
هؤلاء مَن يتابعون نادي برشلونة يعرفون كم يُدار بشكلٍ سيء، لكنَّ اتحاد كرة القدم الأرجنتيني أكثر سوءاً. ميسي لاعبٌ نهض بمستوى كل فريقٍ لعب فيه يوماً، وقاد تلك الفرق لخوض أهمّ المباريات في العالم. الفرق بين نجاحه في ناديه وبين نجاحه الدولي هو أنَّه لم يتلقَّ أبداً في صفوف منتخب الأرجنتين دفعةً مساعدة من زميلٍ له في الفريق، بينما في برشلونة إن لم يتمكنَّ ميسي نفسه من القيام بما يلزم، فإنَّ أحداً آخر في الفريق سيتولَّى تلك المهمة.
سيثير الرعب في قلوب أعضاء اتحاد كرة القدم الأرجنتيني أن يتأملوا كيف يكون المستقبل بلا ميسي، ليس لأسبابٍ مالية أو متعلِّقة بمجمل الموهبة في الفريق فقط، بل لأنَّه كان يغطي عيوبهم لفترةٍ طويلة حتى هذه اللحظة.
وبعد موت جروندونا، قرَّر اتحاد كرة القدم الأرجنتيني التمهُّل واتخاذ السبيل القويم، وأجرى انتخاباته الديمقراطية الأولى. كان المرشَّحان هما مارسيلو تينيلي، الذي تعهَّد بطرد مساعدي جروندونا القدامى، ولويس سيجورا، مرشَّح الاستمرارية بنفس السياسة القديمة. مُنِح 75 مسؤولاً حق التصويت، لكنَّ النتيجة كانت معجزةً لا يستطيع ميسي نفسه الإتيان بها، تعادل بين المرشحين. إذ حصل كلا المتنافسين على 38 صوتاً في انتخاباتٍ ضمَّت 75 صوتاً فقط، كان ذلك وقتها أحدث مهزلةٍ تشهدها منظمةٌ فاقدة للمصداقية، انتهت لاحقاً بانتخاب سيجورا رئيساً لها.
وفي تطورٍ مفاجئ، اضطُر سيجورا للاستقالة بعد عامٍ واحد من توليه المنصب على خلفية تُهمٍ بالاحتيال.
الآن يرأس تشيكي تابيا اتحاد كرة القدم الأرجنتيني، لكن لا تهم هوية الموجود على رأس المنظمة ما دامت ثقافتها كما هي، وما دام لم يُقدَّم اعترافٌ بعد أنَّه يجب على التغيير أن يبدأ من هناك قبل أن يُترجَم يوماً إلى أرض الملعب.
أي أملٍ قد تتحلَّى به كرة القدم الأرجنتينية عندما لا يملك اتحادها أي مال، أو خطة، أو بنية، أو دوري محليّ راقٍ، أو نظامٍ لرعاية المواهب الشابة، أو مدرِّب، أو ميسي؟
لن يوجد أملٌ على الإطلاق، تلك هي الإجابة.