ربما لم يعرفه أحد قبل كأس العالم 2018، وبالنظر لمستوى الحراس الإنجليز مع المنتخب لم ينتظر منه الكثير، بل كانت كل التوقعات تشير إلى مصلحة جاك بوتلاند صاحب أكثر عدد تصديات في الموسم الماضي.
جوردان بيكفورد لم يكن بعيدا عن مواطنه بوتلاند، حارس إيفرتون احتل المركز الرابع.
منذ 6 أعوام تحديدا لم يكن أحد يسمع به، الحارس الشاب شق طريقه في فريق سندرلاند تحت 18 عاما وبعد ما يقرب من 6 أشهر انضم للفريق الأول.
والده كان دوما يدعمه، تعرض بيكفورد للسخرية طيلة الوقت بسبب طوله.
والده كان يعمل في مجال البناء، ودائما ما كان يحضر مبارياته ويشجعه بحرارة، وكان له عظيم الأثر فيما أصبح عليه جوردان.
في حوار قديم له أثناء مراهقته وتواجده في أكاديمية سندرلاند قال بيكفورد "قد أسافر إلى آخر إنجلترا من أجل لعب مباراة، ووالدي سيقودني في تلك المسافة ولن يتوانى لحظة".
"قد آكل وجبة بين شوطي المباراة، والدتي هي من تعدها، أنا محظوظ لهذا الدعم، يوما ما سأفعل شيئا سيكونان فخوران به وسأخبرهما ذلك".
لم ينس بيكفورد يوما مساندة والده ووالدته له، منحاه كل شيء حتى يصل إلى القمة، لطالما آمنا به وأراد رد الدين يوما ما.
"كلاهما حضر لي كل مباراة منذ أن كنت طفلا، لقد كان أمرا رائعا، إنه يبدو شيئا صغيرا لأي شخص، لكن هذا ما قد يجعلني يوما حارسا كبيرا".
والدته كانت تذهب به للتدريبات إن كان والده في العمل، كانا حريصان طيلة الوقت على أن يجعلانه فخورا بما يقوم به والأهم أن يشعر أن سخرية الأطفال منه بسبب طوله سيصبح يوما ميزة له، كان يشعر بالكثير من الحزن فكر في الرحيل بعيدا، لكنه علم أن طوله سيظل مصاحبا له وبالتالي ستستمر السخرية.
"أعلم أن طولي لن يظل مشكلة بالنسبة لي، بل إنني يجب أن أعمل كذلك على ردود أفعالي، مركز حراسة المرمى مهم للغاية مثل المهاجم، أنا خط الدفاع الأخير، أنا حائط فريقي الهام".
البعض كان يبدأ مسيرته كمهاجم أو مدافع ويتحول إلى حارس مرمى، قد يتذمرون من الوقوف طيلة الوقت في المرمى، لكن بالنسبة للفتى بيكفورد كان يرى أنه من أهم المراكز في الملعب، وأنه ذات يوم سيوضح أهمية ذلك المركز لكنه لم يجد الطريقة بعد.
بيكي نشأ على بعد 8 أميال من ستاد النور الخاص بفريق سندرلاند، كان مشجعا كبيرا للنادي وانضم لمدرسة الكرة الخاصة به ثم التحق بالأكاديمية وهو في الـ8 من عمره، ونظرا لعدم وجود مراكز حراسة مرمى متاحة له، اضطر النادي لإعارته ليكتسب الخبرة ثم يعود.
في سندرلاند لم يقتنعوا بموهبته بعد، امتلكوا المتميز وقتها سيمون مينيوليه واكن صغيرا في السن ثم كيرين وستوود.
أعير في وقت صعب للغاية إلى دارلينتون الذي كان مهددا بالتصفية ومدربه يعاني من أزمة مالية ضخمة للغاية.
"كان في الـ17 من عمره، يمكنك أن تقلق على فتى في مثل هذه السن، لكن بيكفورد؟ لقد تكيف على الأوضاع مباشرة، وظهر أمام 7000 مشجعا وأثبت نفسه".
لم يتطلب الأمر وقتا من بيكفورد ليثبت موهبته المتميزة للغاية في حراسة المرمى، لكن رغم ذلك من الصعب أن تكون حارس سندرلاند الأول في مثل هذه السن لذا؟ لا مكان بعد لك يا بيكفورد.
"تعلمت الكثير من خيبة الأمل التي تعرضت لها في بداية مسيرتي".
واين برادلي رئيس نادي ألفيرتون قال عنه :"كان خجولا لكنه كان متميزا للغاية، كنا نشعر بأن هناك حارسا لن يسمح باستقبال هدف إلا في أسوأ الظروف وحينما يصبح الأمر مستحيلا معه، كان في قمة التركيز والالتزام، امتلك سلوكا احترافيا على أعلى مستوى".
بعيدا عن دوريات الهواة، قرر نادي سندرلاند إعارة لاعبهم إلى عدة أندية لاكتساب الخبرة وجدوا أنه بلا خبرة وأنهم بلا حاجة إليه تقريبا.
قال عنه أدريان تاكر مدرب حراس سندرلاند السابق: "جوردان كان مختلفا عن أي حارس إنجليزي مر علينا، إن رأيته تعلم أنه يمتلك الموهبة حتما، ليست فقط موهبة اللعب لكن أيضا السلوك الصحيح، الكثير من الشباب كانوا موهبين لكن عقليتهم وسلوكهم كانوا سيئين، لكن بيكفورد لم يكن كذلك مطلقا".
"لم يكن متعجرفا قط، وتملؤه الثقة".
استمر غياب بيكفورد عن الساحة لمدة 6 أعوام بين الإعارات المتكررة التي لم تسمح له بأن يقدم أي من مستواه بشكل ثابت، ظُلم في تقييمه كذلك.
عدة رحلات بين برادفورد سيتي وبيرستون وبروتون وكارليسيل يونايتد ربما أصقلت موهبته كثيرا، وفي كل مرة كان يعود كان يجد نفس الرد، أنت بحاجة إلى الوقت.
"كان الأمر محبطا للغاية أن تستمر ما يقرب من 4 أعوام تنتظر الفرصة، وفي كل مرة تعتقد أنها حانت خاصة وأنك لم تقصر قط، تجد نفس الرد وكأنك لا تتطور، الأمر قد يسبب لك الكثير من الشك فيما تمتلكه، لكنني محترف وسأواصل العمل، يوما ما سأحصل على الفرصة".
لم يعلم بيكفورد أن الفرصة قريبة، في الوقت الذي كان سندرلاند قد استعاد في شهر يناير عام 2016 حارسه الشاب، اعتقد أنه سيخرج معارا مرة أخرى، لكن مع تألقه مع بريستون، ثم ما قدمه مع القطط السوداء بدا وكأنه أمرا غبيا إن رحل معارا.
حينما عاد تواجد على مقاعد البدلاء، سندرلاند كان في تلك الفترة يصارع على الهبوط، وحانت لحظة مشاركته ضد توتنام في الجولة الـ22 لكن فريقه خسر بنتيجة 4-1، نتيجة قاسية لكنه لا يتحمل أي شيء فيها.
استمر غيابه حتى شارك في الجولة الـ38 من موسم 2015-2016 ضد واتفورد، وقدم أداء رائعا في مباراة انتهت بنتيجة 2-2، ليعلن عن أنه سيصبح الحارس الأساسي نظرا لمستواه الرائع.
في بداية الموسم لم يبدأ نظرا لثقة الفريق أكثر في فيتو مانوني، لكن بعد الخسارة مباراتين ضد مانشستر سيتي وميدلسبره فرض بيكفورد نفسه كأساسي منذ ذلك الحين.
خلال ذلك الموسم لمع اسم بيكفورد، وأصبح ثاني أكثر حارس تصديا للتسديدات في الدوري بعد توم هيتون، بـ135 تصدي بينما احتل الأخير الصدارة بـ143 تصدي.
إيفرتون علم حجم موهبته، فقرر ضمه سريعا بمبلغ 28.5 مليون يورو وربطه بعقد يمتد حتى صيف 2022. وبالطبع كان في الموعد خلال الموسم الماضي.
قال عنه كيفن بول رئيس أكاديمية سندرلاند السابق: "قد يكون واحدا من أفضل الحراس في إنجلترا، لكنه متواضع للغاية، لم أر فيه غرورا قط، ولطالما كان يقول، أعلم جيدا من أين أتيت فلا داعي للتكبر والتظاهر بما ليس في؟".
"كان يرى أنه الأفضل، وعلم أنه من المحتمل أن يصبح نجما كبيرا، لكن عليه العمل بكد وهذا ما فعله".
أما جورج هونيمان زميله السابق فقال عنه :"إنه أكثر شخص تنافسي رأيته في حياتي عنيف للغاية تجاه الخسارة ولا يحبها بل أؤكد لك أن ذلك أحد أسباب نجاحه، إنني أتذرك كيف كان يقاتل على كل كرة من أجلنا".
في 2012 كتب صاحب الـ18 عاما عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر يشكو من أن والديه لم يدفعا له لكي يشتري تلفازا معلقا في غرفته.
لم يمتلكوا المال، كان يتذمر لأنه في إجازة وبحاجة له، اليوم هو نجم إنجلترا في كأس العالم 2018 ويرد الدين لوالديه بل وأصبح لديه الكثير من المال ليشتري ذلك التلفاز.