كتب : إسلام مجدي
"هذه اللحظة ظلت جزء من مخيلتي لمدة تزيد على 25 عاما، حينما كان أبي يلعب لمانشستر يونايتد كنت أقف خلف المرمى وأرى كانتونا وبيكام ومارك هيوز وجيجز، اعتدت رؤية التصديات وتخيلت نفسي أفوز باللقب ليونايتد".
ليت كل الأحلام ندركها كاملة، لكن ذلك لم يكن الموقف مع كاسبر شمايكل، إنه اكتسب حلمه بطريقته الخاصة وبأصعب شكل ممكن.
خلال عام 2000 كان كاسبر الصغير قد حدد رغبته، أرغب في أن أصبح حارس مرمى أسطوري مثل والدي.
في تلك الحقبة كان بيتر شمايكل الأسطوري قد رحل إلى نادي سبورتنج لشبونة، ليقرر الحارس الأسطوري رحيل ابنه إلى نادي إستوريل ليقضي هناك عاما وحيدا.
عاد بيتر إلى إنجلترا بعد ذلك عام 2001، ليلعب موسما وحيدا إلى أستون فيلا، وقتها كاسبر لم ينضم لأي أكاديمية.
في عام 2002 انضم بيتر إلى مانشستر سيتي، لكن ذلك لم يكن له علاقة بانضمام كاسبر إلى النادي.
"بدأت مسيرتي حينما ذهبت لتجارب الأداء في نادي مانشستر سيتي حينما كنت في الـ15 من عمري، في أول يوم كنت أفكر في كل شيء، كيف سأتصدى وكيف سأقنعهم، كيفن كيجان المدرب في ذلك الوقت كانت لديه خططا مختلفة لي، الفريق الأول كان يلعب ولاح لي بيده وقال لي: كاسبر تعالى إلى هنا ستلعب!".
فجأة ارتبك الفتى المراهق ولم يعلم ما يفعله، وشارك في تدريبات الفريق الأول، ليصخر إيال بيركوفيتش لاعب سيتي السابق في كيجان ويقول له في تصريحات على لسان كاسبر نفسه :"ماذا يفعل هنا هذا الطفل بحق الجحيم؟ إنه طفل سيتأذى".
لكن رد كاسبر كان الأكثر سخرية :"فقط دع الأمر وهيا نلعب لنرى ما سيحدث".
تألق كاسبر فعليا في التدريبات، وفي نهاية الحصة بالكامل، طلب منه المدرب أن ينضم لتدريبات تسديد.
"لقد دمرني تماما، كان يقول لي إنه يجب أن يتأكد أنني سأكون جيدا كفاية لأجل مانشستر سيتي، وانتهى بي المطاف بالحصول على عقد ناشئين رائع في نهاية يوم طويل ذهبت للنوم مباشرة بعده".
ستيوارت بيرس كان قد تولى تدريب مانشستر سيتي، وبعد اعتزال بيتر عام 2003، حاول إيجاد البديل، بالطبع لم يكن الشاب الدنماركي، كان يضعه ضمن الحسبان لكن للمستقبل، في حين أنه امتلك ديفيد جيمس ونيكي ويفر وجريت دي فيلجر ووجد أن كاسبر لا مكان له.
استمر شمايكل خارج حسابات بيرس لفترة طويلة وكلما سئل عنه قال :"سيخرج في إعارة إنه بحاجة إلى ذلك وبحاجة للتطور".
وفي عام 2006 انضم الواعد جو هارت الذي حاز على إعجاب الصحافة الإنجليزية نظرا لأنه بريطاني الجنسية وبالتالي أصبح هو مستقبل سيتي وليس شمايكل الشاب.
"أظهر شمايكل قوة وتوازنا في التدريبات لكنني أرغب في صقل موهبته".
الصحف الإنجليزية تكهنت أن بيرس يتخلص من خدماته خاصة وأن هارت سيصبح حارس الأساسي لاقتناعه به.
خرج في إعارة إلى دارلينتون ولكنه لمي يشارك كثيرا ثم بيري وشارك كثيرا، وأخيرا التجربة التي غيرت حياته للأبد في فالكيرك.
انضم في يناير 2007 إلى نادي فالكيرك وكان في الـ20 من عمره، في كل وقت كان يقال عنه أنه ابن بيتر شمايكل، خاصة لتشابه القوة البدنية والطريقة التي يحرس بها المرمى، ربما يحب أبيه كثيرا لكنه كان يرفض ذلك جملة وتفصيلا.
"بالطبع أريد أن أكون أسطورة، لكن ليس في ظلال والدي، أريد تكوين أسطورتي الخاصة". كاسبر
ستيوارت بيرس خرج ليدافع عن قراره بإعارة الشاب مرة أخرى، ووجد أنه يمتلك شخصية فريدة لكن بحاجة لصقل موهبته في الظلال بعيدا في اسكتلندا.
لكن بيرس كان يشكك كثيرا في قدرات كاسبر، كان يرى أن تطور مسيرته لن يحدث، خاصة وأنه لم يتألق مع الأندية التي لعب لها.
وظل السؤال مطروحا، هل يصبح كاسبر أسطورة مثل والده؟ مثلما حدث مع باولو مالديني وتشيزاري؟ لكن تلك لم تكن الحالة. في الدوري الاسكتلندي كان الاختبار قويا للغاية عليه وانضم إلى فريق يعاني من معركة الهبوط.
مع الوقت شخصية شمايكل الصغير بدت واضحة للجميع، يمتلك قوة لا جدال عليها وفي هذه السن فاز بجائزة رجل المباراة أمام 50 ألف متفرج، عيبه الوحيد فقط كان حضوره، لم يمتلك نفس الكاريزما التي يتمتع بها والده، ودائما ما كان خجولا.
"لم يكن يتمتع بما يكفي من شخصية وقوة، فقد تركيزه في أهم لحظات بعض المباريات، احتاج للكثير من الوقت والعمل خاصة مع الضغوط الملقاة على عاتقه، سيتي لم يكن ذلك النادي الضخم في ذلك الوقت وهو لم يكن كاسبر الذي ترونه الآن". بيتر شمايكل.
كاسبر كان يتطور ببطء في اسكتلندا، وتطوره جعله يصبح حارسا "جيدا" حسب وصف الصحف، لكن ليس أسطوريا ولن يقترب من قدرات والده، حينما يخطئ الدفاع تجده موجودا ورغم ذلك نقصته بعض التفاصيل.
15 مباراة خرج خلالها 5 مرات بشباك نظيفة. ستيوارت بيرس لم يقتنع، ووجد أنه ليس جيدا كفاية لحراسة عرين مانشستر سيتي.
رغم ذلك لم يحصل كاسبر على فرصة حقيقية مع سيتي ومع سلسلة من الإعارات و8 مباريات فقط بقميص سيتي قرر خوض مغامرته الخاصة.
كل مراحل التكوين تلك لم تفده كثيرا، بل أضرت بمستواه وشخصيته نظرا لأنه أعير ما يقرب من 5 أندية ولم يلعب مع فريقه الأساسي وتعاقب عليه عدد كبير من المدربين الأمر الذي لم يجعل مستواه مستقرا.
انضم إلى فريقه نوتس كاونتي، لم يفكر في أي شيء وقال جملة واحدة "فقط أريد اللعب".
"كحارس مرمى هناك شيء مهم لي، لن أتعلم أي شيء من الجلوس على مقاعد الاحتياط والحصول على راتبي، لن أتعلم شيء من الطعام الصحي، ما أقصده أنني سأتعلم بالخبرة واحتجت خبرة أفضل مما كنت عليه في سيتي".
موسم وحيد مع نوتس كاونتي تحت إمرة مدرب سيتي السابق سفين جوران إريكسون كان كفيلا بلفت نظر ليدز يونايتد له، خاصة وأن نسبة استقبال النادي للأهداف وصلت إلى 0.67 هدف في المباراة وحصد النادي لقب دوري الدرجة الرابعة وتأهل للثالثة.
رغم ارتباطه بالانضمام إلى أندية في الدوري الإنجليزي الممتاز والدوري الألماني، انضم إلى ليدز يونايتد، وسط استغراب كبير من الصحف البريطانية.
"كل محطة مررت بها تعلمت منها الكثير، لم أتعلم أي شيء في سيتي، عليك أن تعمل لتستحق مكانتك".
حقبة ليدز يونايتد عانى خلالها شمايكل الصغير من الإصابات، إلا أنه شارك في التعادل ضد أرسنال بنتيجة 1-1 في الجولة الثالثة من كأس الاتحاد في مباراة لا تنسى.
وقال عنه سيسك فابريجاس عقب المباراة :"يجب أن يفوز كاسبر شمايكل بجائزة رجل المباراة عن أدائه المتميز، إنه أكثر من رائع".
في مباراة الإعادة ضد أرسنال وخسارة ليدز بنتيجة 3-1، تألق شمايكل مرة أخرى ومنع فريقه من خسارة تاريخية، واختير كأفضل لاعب في الجولة الثالثة من كاس الاتحاد، لكنه لم يستمر طويلا لأن ليدز قرر بيعه إلى ليستر سيتي.
الحقيقة أن ليدز يونايتد لم يرغب قط في استمرار كاسبر، ووجدوا أن ضرره أكبر من نفعه.
قال كاسبر عن ذلك :"المجنون بخصوص قصة انضمامي إلى ليستر سيتي أنها جاءت بمحض الصدفة، ليدز لم يرغب في استمراري، رئيس النادي قال لي بالحرف أنهم لا يريدونني بأي شكل".
كان في عطلته بالدنمارك بنهاية موسمه الأول مع ليدز واتصل به صديقه قائلا له:"مبروك ألا تعلم؟ لقد انضممت إلى ليستر سيتي، الناديان أعلنا ذلك".
لم يصدق كاسبر الأمر وشعر أن هناك خطب ما، اتصل بكل من يعرفه وجن جنونه. ليتصل به رئيس ليدز ويقول له :"حسنا استمر معنا كما تحب لكنك لن تلعب مباراة وحيدة معنا لقد بعناك".
على الجانب الآخر ليستر رحب به كثيرا، كانت لحظة غيرت مسيرته بالكامل، لم يعلم أنه وبعد 5 أعوام سيحقق معجزة لا تنسى في تاريخ البطولة واللعبة.
طيلة تلك الأعوام لم يتواجد كاسبر في أي مباراة دولية للمنتخب، لم يكن له مكان ولم يقتنع أحد بأنه يمكنه حراسة عرين الفايكينج.
مورتن أولسن مدرب الدنمارك قال عنه :"لماذا أستدعي حارسا تألق لفترة وجيزة ولم يلعب لنفس النادي لفترة طويلة؟ ناهيك عن أنه لا يلعب في الدوري الممتاز بإنجلترا؟".
وفيما بعد ظهر تصريحا يوضح الفكرة "لن ينضم شمايكل للمنتخب لمجرد أنه ابن بيتر، عليه أن يكتسب مكانته".
قصة ليستر نعرفها جميعا، لكن شمايكل مع المنتخب؟ في موسم 2012-2013 احتفظ بشباكه نظيفة في 12 مباراة من 28، واحتل فريقه المركز الثاني وبتألقه ارتبط بالانضمام إلى ريال مدريد، في ذلك الموسم كان جوزيه مورينيو مدرب النادي الملكي يحاول تدعيم المركز أثناء خلافه مع إيكر كاسياس.
حصل كاسبر على فرصته أخيرا وشارك ضد مقدونيا في خسارة الدنمارك بنتيجة 3-0، ليقرر أولسن إبعاده من التشكيل غاضبا. وجلس على مقاعد البدلاء في 8 مباريات قبل أن يشارك في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2014 ضد مالطا والتي فاز بها الفايكينج بنتيجة 6-0.
عاد مجددا إلى مقاعد البدلاء قبل أن يفرض نفسه كأساسي بعد تألقه سواء في تصفيات يورو 2016 أو المباريات الودية.
وقبل اليورو كان قد حقق معجزته وتوج بطلا للدوري الإنجليزي ومع فريق كان يصارع على الهبوط قبل المعجزة بموسم وحيد.
"قلبي كان ينبض بشدة أثناء مشاهدة مباراة تشيلسي وتوتنام، لم اصدق ما حدث، كانت لحظة انتظرتها 25 عاما، كطفل شاهدت والدي وحلمت بتكرار الأمر مع مانشستر يونايتد، لكن أن أفعل ذلك وأنا مع ليستر؟ إنه أمر لا يصدق، لا أعتقد أن سحر ذلك الفوز تركنا".
كاسبر عانى من سوء الحظ والإدارة طيلة مسيرته، ربما كانت موهبته واضحة وقابلة للتطور، لكنه لم يحصل قط على الرعاية اللازمة، لم يعش في ظلال والده أو يلعب من أجله، بل اكتسب مكانته مع الكفاح الذي خاضه طيلة مسيرته وانعكس ذلك على جنيه للثمار بتقديمه كأس عالم رائعة في الـ31 من عمره وتصديه لركلة جزاء ضد كرواتيا ومن المؤسف أن أدائه لم يكلل بالفوز، لكن حتما سينصفه التاريخ كحارس خاض رحلة كفاح من الدرجة الرابعة إلى قمة العالم.