إريكسن.. هل يحقق الساحر الدنماركي نبوءة كرويف؟

من كان يتصور أنه مكروه؟ أنه يتعرض دوما للانتقادات؟ لاعب وصف يوم بـ :"إننا في عالم قاس للغاية، علينا أن نلومه لأنه لا يتحكم في مجريات اللقاء".

كتب : إسلام مجدي

الأحد، 01 يوليه 2018 - 13:52
تصميم شروق عز الدين

من كان يتصور أنه مكروه؟ أنه يتعرض دوما للانتقادات؟ لاعب وصف يوم بـ :"إننا في عالم قاس للغاية، علينا أن نلومه لأنه لا يتحكم في مجريات اللقاء".

ما التحول الغريب الذي حدث للاعب في قدرات كريستيان إريكسن؟ وأي مسيرة غريبة حظى بها، ليتحول من أكثر لاعب يتم انتقاده لسوء مستواه إلى نجم كبير يلمع في سماء أوروبا، يصفق له الجميع ويستمتعون كلما مرر الكرة فقط.

كان فتى صغيرا يبدو مثل هؤلاء الذين يظهرون في الإعلانات الخاصة بالأطفال عبر شاشات التلفاز، بطله كان والده توماس وقرر اللعب للأكاديمية التي خرج منها في مدينته. ميديلفارت في الدنمارك، إريكسن انضم إليها في عمر 4 سنوات فقط، كان يعشق كل ما يخص كرة القدم وحسب والده "كانت لديه لمسة عشقها المدربون رغم صغر سنه".

لم يكن والده يقدم له دعاية، والد إريكسن كان مدربه ولاحظ تطوره كثيرا، وفي عام 2004 ساعد وولده الفريق لكي يتوج بطلا لدوري لا هزيمة للمرة الثالثة في فترة 4 أعوام. في العام التالي انضم إلى فريق أودينيسي بولدكلوب وفي عام واحد حقق لقب الدوري.

استمر مع ذلك النادي لمدة 3 أعوام، وفي تلك الفترة أثبت الفتى الأشقر بما لا يدع مجالا للشك أنه لديه موهبة رهيبة على التحكم في إيقاع اللعب، مدربوه علموا في تلك الفترة أنه يمكنه المراوغة وتسجيل الضربات الثابتة وأيضا إيصالها للمتلقي بدقة متناهية وكأنه يرسمها.

"إريكسن كان فتى مختلفا، علمنا ذلك منذ يومه الأول، في إحدى المرات سدد نفس الضربة الحرة 3 مرات في 3 زوايا مختلفة، لم يكن الأمر محض صدفة، وفي الركنيات كان يوصلها بدقة متناهية حتى شعرنا أنه ساحر". توني هارمانسن مدربه في تلك الفترة.

أسلوبه وطريقته لفتت نظر عدد كبير من الأندية الأوروبية، مثل تشيلسي وبرشلونة. "الاهتمام بموهبة كريستيان إريكسن كبير ويتزايد مع الوقت، شهر مع شهر يصبح الأمر كبيرا، إنها ليست دعاية، سيسافر إلى برشلونة للحديث مع المسؤولين هناك". هكذا أعلن الموقع الرسمي لفريقه.

خاض إريكسن عددا من الفترات التجريبية في أندية ريال مدريد ومانشستر يونايتد وميلان، لكنه وبطريقة ما فضل الانضمام إلى نادي أياكس.

"خطوتي الأولى يجب ألا تكون كبيرة للغاية، أعلم أن اللعب في هولندا سيكون مهما وجيدا جدا لتطويري، وأصبح خيار أياكس رائعا بالنسبة لي".

لم يفشل إريكسن في أي من فترات المعايشة على الرغم من أن قراره سبب دهشة كبيرة إلا أنه انضم في نهاية المطاف إلى أياكس عام 2008.

شيئا ما أصاب الساحر الدنماركي، وكأن عصاه باتت لا تعمل ولا تقدم نفس الإضافة، في 2010 لم يكن الموهبة التي انتظرها الجميع لكن بعد عام من تكيفه على الأجواء؟

في ذلك العام نجح أياكس في الفوز بالدوري، وتم اختيار إريكسن كموهبة العام، وتلك الجائزة فاز بها سابقا آريين روبن وكلارنس سيدورف ودينيس بيركامب.

"إريكسن إنتاج مثالي للمدرسة الهولندية، يمكنك أن تقارنه مع بريان ومايكل لاودروب، فقط الوقت سيقول إذا ما كان بإمكانه محاكاة هؤلاء، أنا أثق به". نبوءة يوهان كرويف للنجم الدنماركي.

إريكسن تواجد مع المنتخب في عام 2010، لكن تألقه لم يأت سوى بعد 10 مباريات دولية لعب منها 8 واستمر في مباراتين على الدكة، وفي المباراة الـ11 ضد قبرص بدأ نجمه في البزوغ، ثمل بعد ذلك وبالتحدي في خسارة الفايكينج من إنجلترا بنتيجة 2-1 في عام 2011 قدم إريكسن مستوى بهر الصحافة البريطانية التي سارعت في الحديث عما "حدث في كوبنهاجن للأسود الثلاثة". حتى أن البعض قلل من جاك ويلشير لصالحه. الساحر الدنماركي أحرج خط وسط الإنجليز وحده.

لكن هناك أزمة طالت إريكسن لم يعلم لها أحد أي سبب، في الفترة من 2011 إلى 2013 لم يقدم سحره بانتظام، وتلاشى نجمه قليلا، وفي عام 2012 أعلن أنه لن يجدد عقده مع أياكس وطلب الرحيل.

وبعد موسم مضطرب رحل إلى توتنام الذي كان قد تولى تدريبه أندري فيلاش بواش الذي كان يحاول تعويض رحيل جاريث بيل بضم عدد كبير من اللاعبين من ضمنهم إريكسن.

إريكسن كان موهوبا لكنه لم يكن قوي على الصعيد البدني، كان لاعبا قادرا على تحويل مجرى المباراة في دقائق قليلة، لكنه لا يمتلك القدرة والقوة على مجاراة اللعب في الدوري الإنجليزي.

ما أضاف لمشاكله أكثر فأكثر هو أن توتنام نفسه لم يكن مستقرا في تلك الفترة، قضى عامه الأولى مع تغيير المدربين وتولي تيم شيروود المهمة، ثم تعرض لإصابة، عانى كثيرا لكي يقدم تأثيرا مع الفريق خاصة في المباريات التي تطلبت سرعة في بناء اللاعب.

هبت رياح التغيير مع تولي ماوريسيو بوكيتينيو مهمة تدريب الفريق اللندني، لكن ذلك الموسم لم يكن الأفضل لإريكسن كذلك، كان هناك برنامجا تدريبيا جديدا ونال التعب والإرهاق من اللاعبين.

إريكسن اضطر للتكيف على الأوضاع الجديدة وإلا كان سيباع خلال أقرب فرصة، إلا أنه لم يرغب قط في الفشل والإخفاق، تألق بجانب موسى ديمبيلي وربما ذلك التألق جاء في وقت قليل لكنه احتاج الوقت فقط.

هل امتلك الساحر الأشقر الوقت؟ بالطبع لا، كان عليه أن يتكيف على اللعب كرقم 10 صريح، يقوم بالتحكم التام في إيقاع اللعب وضرب الخصوم في ثوان معدودات.

لم يتمكن في البداية من ذلك، وباتت خدع الساحر والساحر نفسه مكروهين للغاية. ذلك حينما خسرت الدنمارك بنتيجة 1-0 من البرتغال في التصفيات المؤهلة لبطولة يورو 2016، وقام المدرب بتحميل العبء كله لإريكسن.

"إريكسن لم يكن قادرا على التحكم في المباراة وبالتالي نلومه على تلك الخسارة، إنه عالم قاس ذلك الذي نحيا فيه، إما أن تلعب في مستوى مختلف أو لا، إنه لم يعد يلعب في أياكس، ولم يعد ذلك الناشئ، لم يتطور قط، إن كان لاعبا في مستوى أقل كنت سأتجاهل الأمر، لكنه كريستيان إريكسن، علينا أن نكون قساة ونخبره بالحقيقية، عليه أن يواجه الانتقادات".

كلمة السر السحرية "التحكم" لم يكن كذلك على المستوى الجديد الذي وصل إليه، وباتت موهبته مهددة بالضياع، تحت قيادة بوكيتينو تغير الأمر تماما أصبح يلعب في العمق ويتحكم في الاستحواذ وطريقة الضغط العالي، دور إريكسن كان الإبداع في خطة المدرب الأرجنتيني، وبالطبع أضاف ذلك لواجباته ولم يقلل منها، استمر في القيام بخدعه القديمة لكن مع الإضافة لها.

فيما بعد أوضح أولسن أن ما حدث لإريكسن كان جزء كبير منه نفسي والأمر ذاته اتفق عليه ماوريسيو بوكيتينو.

"إريكسن حكم عليه أن يتعايش مع تطلعات كبيرة للغاية وأن يتعايش مع مستوى صناع اللعب سواء في حالة النجاح أو الفشل".

مؤخرا في موسم 2015-2016 وجد إريكسن خدعه التي كان يبحث عنه، لم يعد مزاجيا ولم يعد يهدأ تماما حتى يجد الحل.

"إريكسن شخصية مرنة للغاية، نظرته في الملعب تحدد لك من أين ستضرب، عليك أن تكون جاهزا لاستقبال تمريرته". ماوريسيو بوكتينو.

كل تلك الانتقادات ساهمت في استقرار مستواه، جعلته أفضل في استلامه وتسليمه للكرة ونجاحه في المراوغات.

تغيرت حياته للأفضل أكثر حينما تخلت الدنمارك عن لعب الكرة الشاملة واتجهت للعب بواقعية أكثر، حينما قامت بتعيين أجي هاريدي بدلا من أولسن.

"علينا أن ندعمه ونلعب من أجله وليس العكس، بتمريرة وحيدة قد يضعنا أمام المرمى وأيضا بإمكانه التسجيل". هاريدي.

المدرب النرويجي تولى تدريب الدنمارك في 2016، وسرعان ما ظهرت بصمته مع إريكسن، النجم بزغ مجددا وصنع 9 أهداف في 25 مباراة كما سجل 16 هدفا، ليصبح العنصر الحيوي الوحيد في خطة هاريدي، وخطة الدنمارك أصبحت كما تقول الدعابة "مرر الكرة إلى إريكسن وهو سيعلم كيف يتصرف".

إريكسن أجبر على أن يكون بطل الدنمارك في وقت ندرت فيه النجوم في الدولة، خاصة وأن معظم المواهب التي ظهرت لم تدم طويلا على الساحة، لحسن حظ إريكسن أنه نجح في الهرب من تلك الدائرة ورد فعله كان رائعا وأفاد الجميع، خاصة وأن ذلك المردود نادرا ما يكون موجودا في المواهب الدنماركية الجديدة.

بعيدا عن القلق الدائم من أن يكون ذلك التألق مؤقت، إلا أنه قرر أن ينقل مسيرته تماما، ويستمر على نفس المنوال لإثبات أنه في مصاف الكبار ويعوض الوقت الذي فاته محاولا العثور على ما ضاع من موهبته.

لا يوجد لاعب يميز حقبة توتنام الجديدة بشكل واضح أفضل من إريكسن، إنه يوضح كيف يمكن للاعب أن يتطور وينقذ مسيرته في آن واحد، لاعب كان من المفترض أن يصبح نجما وتعطل قليلا ثم عاد للقمة من جديد، ولا شك أنه عنصرا حيويا في مرحلة تطور الفريق، وانعكس ذلك على دوره مع المنتخب الدنماركي إذ أنه العنصر الحيوي والفعال في خط مدربه هاريدي، فهل يكون طوق النجاة ضد كرواتيا؟