"لقد وصلنا كأس العالم بالصدفة"..
في خضم الاحتفالات الأسطورية بوصولنا إلى كأس العالم في أكتوبر من العام الماضي، لم يرد أحد سماع الحقيقة. وصولنا إلى روسيا لم يكن نتاج خطة مدروسة أو عمل قصير المدى حتى.
وصلنا كأس العالم بسبب لاعب رائع في جيل متوسط الموهبة لكنه يساعده بكل ما أوتي من قوة، ومدرب استطاع بناء قوام ثابت للمنتخب.
كلماتي هنا ليست دفاعا عن هيكتور كوبر وجهازه، بل أرى أن الأفضل للكرة المصرية هو رحيلهم بعد كأس العالم، ولكن هل يعني ذلك أن نبخس حقوقهم.
لن أحدثك عن الوصول لنهائي كأس أمم إفريقيا بعد 7 سنوات من عدم الوصول إليها أصلا، أو الوصول إلى كأس العالم بعد 28 عاما تحولت فيها تصفيات المونديال إلى مناسبة دورية للبكاء وخيبة الأمل.
هل كنت تستطيع توقع تشكيل ثابت للمنتخب في فترة ما قبل كوبر؟ إن كان لهذا الرجل وجهازه إنجازا، فهو أنه خلق فريقا بمعنى الكلمة لمنتخب مصر. فريق له شكل عام وشخصية فنية، تقتنع بها أو لا هذا ليس نقاشنا هنا.
فريق استطاع الوصول إلى كأس العالم بعد سنوات قليلة من اعتبار الفوز على بوتسوانا ذهابا إيابا إنجازا قوميا، ومشاهدة كل مباريات الجولة الأخيرة من تصفيات كأس الأمم أملا في تأهل عسير لم يأت.
ولكن مرحلة كوبر وجهازه مرحلة وانتهت، الآن علينا البناء على فريق وصل إلى كأس العالم وذاق حلاوة غناء النشيد الوطني أمام العالم لجعل وجودنا في المونديال أمرا معتادا.
ولكن هل يمكنك تسمية 3 أشياء في المجتمع الكروي، تؤهلنا إلى المنافسة على كأس الأمم الإفريقية المقبلة، دع التأهل إلى كأس العالم وحده الآن؟
"لم يتدخل أحد سوى صلاح في صعوده"..
أحيانا تنمو النباتات وحدها دون تدخل من أي بشر. فقط تنمو، وسط بيئة ليست ملائمة، وظروف لا تليق بها.
عندما تنظر إلى منتخب فرنسا مثلا تجد جيلا شابا رائعا، تعرف إن عددا من لاعبي جيل 1998، وعدد من لاعبي الجيل الحالي من خريجي أكاديمية كلايرفونتاين في فرنسا. بالتالي يصبح الأمر منطقيا، إخراج لاعب مثل ثييري هنري أو كيليان مبابي كل 3 سنوات يصبح أمرا مفهوما. 1+1=2.
تجربة كلايرفونتاين الرائدة، أو استنساخها في إنجلترا تحت مسمى سان جورج بارك والذي منح الأسود الثلاثة السيطرة على بطولات الشباب في السنوات الماضية، أو تجربة أكاديميات ألمانيا التي انطلقت في 2000 وانتهت بفوزهم بالمونديال بعد 14 عاما، كلها تجارب تثبت أن محمد صلاح ازدهر وانفجر دون تدخل من أحد.
هل يستطيع المقاولون العرب إنتاج محمد صلاح جديد كل 5 سنوات؟ الزمالك رفض صلاح، الأهلي لم يقتنع بمحمد النني، وهكذا تسير الأمور. هل تتخيل كم طفل صغير فلت من شباك فرق الناشئين المصرية؟ أكاد أجزم أن لو هناك 100 موهوب حقيقي في اختبارات الأندية، فلا يتم قبول سوى 5 منهم.
محمد صلاح صدفة جميلة لم تكن نتاج تخطيط، مثله مثل وصولنا إلى كأس العالم.
لكي أكون واقعيا، لا أتخيل تجارب مثل كلايرفونتاين في مصر. من الذي سيشرف عليها وعلى تطبيق المناهج العلمية والكروية بشكل سليم، لا أجد أحدا في المنظومة الكروية المصرية أستأمنه على تلك المهمة؟
لا أقول هنا إن عدم وجود تجربة مثل تلك هي السبب في خروجنا من كأس العالم مبكرا، ولكن هنا أتحدث عن غياب طريقة التفكير السليمة في إدارة كل ما يحيط بالكرة المصرية عموما.
هل تريدون من منتخب يقام دوري بلاده دون جمهور التأهل إلى دور الـ16 في كأس العالم؟
هذا النقاش يجب أن يكون أكثر سطحية، الأمور الأساسية التي ينتج عنها منتخب ناجح ليست موجودة من الأساس.
"أكره الأشخاص الذين يشعرون بأن من حقهم أمور لا يستحقوها"..
في أكثر من تصريح طلب أعضاء اتحاد الكرة من هيكتور كوبر تغيير طريقته الدفاعية. هل تفاجأ الجميع من عقلية كوبر الدفاعية بعد 15 عاما من التدريب، الأمر لم يكن يستحق سوى بحث بسيط على جوجل لتعرف من هو كوبر قبل تعيينه.
يجلس إعلامي في استوديو ومعه 3 نجوم سابقين يلومون كوبر لعدم ضمه "لاعبي الخبرات" إلى قائمة كأس العالم؟ من يقصدون؟ لاعب معتزل ومهاجم لم يسجل 10 أهداف في آخر موسمين، حسب لون وانتماء النجم، سيقول إن المنتخب افتقد أحدهما.
كلمة "نجوم المجتمع" تمثل لي حساسية، من الذين منح هؤلاء الحق الحصري في حضور وداع المنتخب في استاد القاهرة، ومن الذين منحهم الشعور أنهم يستحقوا منح مباراكتهم للاعبي المنتخب قبل أهم مباراة في تاريخ مصر الكروي؟ لا يمكنك تكرار نفس الأمر 3 مرات متتالية، في أم درمان وجنوب إفريقيا 2009، وسان بطرسبرج 2018، دون انتظار نتيجة مختلفة.
ما الذي يجعل عضو اتحاد كرة هدد زملائه بـ"فضح كل ما يحدث في الجبلاية" بسبب حادثة لها علاقة بقمصان المنتخب، يصلي في وسط ملعب تمرين المنتخب دون أي مشكلة؟
بطولات محلية يتم تغيير لوائحها في نصف الموسم حتى لا يغضب هذا أو ذاك، انعدام مستواها الذي جعل نجومها يبحثون عن كرة أفضل قليلا وأموال أكثر كثيرا في الخليج العربي.
قضايا كثيرة يتم فتحها، ثم تغلق بجلسة ودية واتصال تليفوني واتفاقات تهدئ الأمور وتظل المشكلة كما هي.
أمور كثيرة يمكن الحديث عنها، وأمور أكثر لا يمكن الحديث عنها، في النهاية، ذهب 23 لاعبا وجهاز فني إلى روسيا، دون أي غطاء يحميهم.
تريدون الحقيقة؟ الكرة في مصر بكل تفاصيلها وعناصرها والأمور المحيطة بها، لا تستحق الوجود في كأس العالم من الأساس.
هل هذه هي النهاية؟
أبدا، ولن تكن.
كل الفاعلين في الكرة المصرية، وكل العناصر المحيطة بها، حققوا مكاسب مالية طائلة من الوصول والمشاركة في كأس العالم. هذا ليس عيبا، كرة القدم صناعة وفي النهاية الكل يعمل من أجل المال. طالما كانت الأمور كلها شرعية فلا مشكلة.
الخطوة المقبلة هي تكرار تلك العوائد المالية، كيف؟ البناء على صدفة النجاح في الذهاب إلى روسيا، والفشل المنطقي في البطولة.
هيا نضع خططا طويلة المدى ونضع استراتيجية لتنمية الناشئين والشباب ليصبح لدينا منتخب ينافس في دور الثمانية بعد 20 عاما، وخطط قصيرة المدى ليصبح وجودنا في كأس العالم بالفريق الحالي أمرا معتادا.
هيا نصلح منظومة الكرة المصرية، هيا لدوري المحترفين والشركات المحترفة لإدارة الأندية، هيا لفتح أبواب الاحتراف للاعبينا الشباب في أوروبا وليس الخليج.
هيا لاختيار خليفة لكوبر يناسب طموحاتنا وأحلامنا والكرة التي نريد أن نلعبها، بلا مقامرة أو مغامرة محلية قد تصيب وقد تخطئ.
هذه هي الفرصة الذهبية لإصلاح منظومة الكرة المصرية بعدما ظهر للجميع، مهتمون بالكرة كانوا أو لا، العوار الكبير فيها.
أنهيتم قراءة المقال؟ الآن يمكنكم انتقاد كل ما فعله كوبر واللاعبين في مباراة روسيا دون إغفال كل الحقائق.