كتب : لؤي هشام
لأن الرحلة لا تتكرر كثيرا ولأن مصر خاضت تلك الرحلة مرتين فقط وفي طريقها إلى الثالث كانت هذه الرحلة عامرة بالكثير والكثير. في الطريق نحو المونديال تطلع المصريون دائما بشغف ولهفة للبطولة الأهم في العالم.. مصر في كأس العالم.
أعوام كثيرة مضت شهدت الكثير من اللحظات الهامة والذكريات الرائعة رغم قلتها إلا أنها ظلت دائما محط أنظار. مناسبتان فقط حضرهما الفراعنة بالمونديال والثالثة توجت سنين من الصبر والاشتياق.
المشاركة في مونديال 90 هي الأهم للمصريين وذاكرتهم المعاصرة ولكنها لم تكن الرحلة الأولى نحو الكأس الذهبية. مونديال 1934 كان هو الأول ولكن لم تكن البطولة بتلك الأهمية آنذاك.
المشاركة الأولى للمنتخب صاحب العلم الذي يحمل هلالا و3 نجوم لم تكن متواجدة دائما في الأذهان ربما بسبب غياب الكثير من وسائل المعرفة وربما لافتقاد الكرة زخمها في ذلك التوقيت. ولكن ذلك لا يعني تجاهلها.
FilGoal.com حاول البحث عن معلومات بشأن تلك المشاركة وبعد فترة من البحث وجد بعضا من ضالته بالحصول على نسخ من أرشيف صحيفة الأهرام وقتها بجانب الحصول على صور من أرشيف مكتبة الإسكندرية عبر موقع "ذاكرة مصر المعاصرة".
- (إعادة نشر) بداية الرحلة نحو تلك البطولة التي أقيمت في إيطاليا كانت أمام المنتخب الفلسطيني بعدما أسفرت القرعة عن مواجهة بين البلدين. كانت تلك البطولة هي الثانية بعد النسخة الأولى في 1930 ولكنها كانت المرة الأولى التي تعتمد فيها على نظام التصفيات التأهيلية.
كان النظام ينص على تقسيم المنتخبات الـ32 إلى 12 مجموعة بحسب التوزيع الجغرافي. وشارك في البطولة العالمية 16 فريقا بعد ذلك.
مصر حينها وقعت مع فلسطين وتركيا في التصفيات الممثلة لآسيا وإفريقيا ولكن تركيا انسحبت بعد ذلك ليتبقى المنتخبان المصري والفلسطيني فقط.
حسنا، إنها الخطوة الأولى في طريق المونديال، ومباراة الذهاب ستلعب في القاهرة أما الإياب بالقدس. مدرب مصر وقتها كان يُدعى جيمس مكاراي وكان اسكتلنديا.
واستعدادا للمباراة قرر المدرب لعب المنتخب المصري لمباراة ودية مع يوغسلافيا في الإسكندرية، وتحديدا يوم 2 مارس أي قبل المباراة بـ14 يوما.
انتهت تلك الودية بالتعادل بثلاثة أهداف لكلا منهما وكانت خير استعدادا للمباراة الهامة.
اختيارات المدرب مكاراي في مباراة الذهاب ضمت لاعبين ارتدوا قميص المنتخب الوطني للمرة الأولى في مسيرتهم. والحارس مصطفى منصور كان من بينهم.
"مصطفى كامل منصور - علي كاف – عبد الحميد تشارلى - حسن الفار – حسن رجب - أمين صبرى – محمد لطيف - مختار التتش - مصطفى كمال طه – عبد الرحمن فوزى - جميل الزوبير". هكذا كان تشكيل مصر في المباراة.
ويحكي الحارس مصطفى منصور أجواء تلك المباراة لصحيفة "الحياة" اللندنية عام 1998 بعدما لم يتبق أحدا من زملائه على قيد الحياة حتى ذلك التاريخ.
والآتي على لسانه.
"انضممت للمنتخب المصري في بداية 1934 وكنت أصغر لاعبي الفريق ولم أكن اكملت 20 عاما ومشغولا بدراستي في كلية الزراعة وكان عزيز فهمي زميلي الاكبر في الاهلي هو الحارس الاساسي للمنتخب".
"عزيز فهمي كان حريصا على مشاركتي في المباريات المحلية مع الأهلي والدولية مع المنتخب بالتبادل المنتظم".
"في يوم 16 مارس 1934 كان موعد المباراة الأولي بين مصر وفلسطين في ملعب الأهلي واختارني المدرب الاسكتلندي جيمس ماكراي ضمن تشكيل ضم على كاف وحميدو شادلي وحسن الفار وحسن رجب وحسن السويفي وحافظ كاسب ومحمد لطيف ومختار التتش كابتن الفريق ومصطفى كامل طه وسيد مرعي".
"كانت المشاركة الأولى في حياتي مع منتخب مصر، ولم أعلم في تلك الفترة أهمية هذا الحدث التاريخي. كانت المباراة الأولى لمصر والفرق العربية في تاريخ المونديال".
"للأسف ضم تشكيل الفريق الفلسطيني تسعة لاعبين من اليهود واثنين فقط من العرب ومعهم المدرب اليهودي شيمون لوميك وأدار المباراة حكم إنجليزي يدعي ستانلي ويلز".
صحيفة الأهرام تحدثت قبل مباراة الذهاب عن العناصر الأهم للمشاركة في اللقاء. قوام المنتخب يتكون من 16 لاعبا والحيرة هي المسيطرة على الاختيارات.
أيهما يشارك في حراسة المرمى عزيز فهمي أم مصطفى منصور؟ حسنا الكاتب أظهر حيرته وقتها بين ثنائي النادي الأهلي وفي النهاية فضل عزيز فهمي "إذا أنصف نفسه وأنصف الموقف" بحسب تعبيره.
وقالت الصحيفة إن الاتحاد اختار 3 أظهرة هم علي كاف وحميدو تشارلي وإبراهيم حليم للمشاركة، ولكن أيهم يلعب؟ الكاتب فضل الثنائي علي كاف وإبراهيم حليم بعدما شاركا معا من قبل وقدما أداءً جيدا.
ويقول تقرير الصحيفة: "الثنائي كاف وتشارلي قدم أداء موفقا أمام يوغسلافيا ولكن ذلك لأن حليما فقد صوابه بالمباراة بعدما تلقى ضربة رجت مخه".
الصحيفة أكدت آنذاك أهمية الدفاع في اللقاء والخروج على الأقل بدون هزيمة.
وأوضحت "لأجل أن نضمن أقل المنتظر يجب أن لا نهزم، ومعنى هذا يجب أن يكون عندنا دفاع قوي قدر الإمكان مع مراعاة تآلف الخط الواحد".
ويبدو أن مصر اعتمدت في هذه المباراة على خطة 2-3-5، مدافعان و5 مهاجمين.
"كاسب ولطيف ومختار ومصطفى كامل ومرعي وفوزي وحوده" هكذا كانت أسماء خط الهجوم بحسب الكاتب وإن كانت تلك الأسماء مختلفة عن الأسماء المتواجدة في قائمة المباراة الرسمية!
محمد لطيف المعلق الرياضي الشهير وأسطورة الزمالك كان حاضرا بالقائمة، مختار التتش أحد رموز الأهلي بعد ذلك، ومصطفى كامل طه الذي لعب للفريقين، وفوزي عبد الرحمن الذي صنع التاريخ بعد ذلك وأحد رموز الزمالك وفريق المصري.
"هذا آخر ما يمكن وضعه من الخطوط على أساس ما تقدم، فهل من شك في أن الكاتب يلده الانتظار إلى غد حتى نرى من يشاركنا الرأي في الأفضلية".
"إلى غد نتقابل عند قرار الاتحاد في خط الهجوم ولكن معنى هذه الكثرة من الأوضاع أن أن الاتحاد أحسن اختيار السبعة".
بهذه الطريقة اختتم الكاتب تقريره عن المنتخب قبل مباراة الذهاب ولكنه لم ينس الإشارة إلى أسماء المنتخب الفلسطيني.
تكونت أغلبية الأسماء المشاركة من "مهاجري ألمانيا اليهود" حسبما أشار الكاتب.
*لمشاهدة صورة صحيفة الأهرام كاملة وبجودة عالية اضغط هنــــــا
وقال: "استطاع حضرة مراسلنا الرياضي الاسكندري أن يحصل على أسماء فريق فلسطين فقال في مقدة وجيزة تتلخص في أن أكثر هؤلاء اللاعبين من مهاجري ألمانيا اليهود وعلى كل ننشر هذه الأسماء".
"حارسا المرما: بورجر وأوبنهايم" - "الظهراء: فيدلر وروزنبك وينبرج" – "الدفاع: فوكس وأوكنيك وكواندل وجريدمان" – "الهجوم: نودلمان وريش وزيينسكي وكروس وهارلف وريجي".
حسنا، يظهر من الأسماء أنه لم يكن لاعبا عربيا وحيدا حتى، على عكس ما قاله مصطفى منصور بإنه كان هناك لاعبين عربيين فقط. وتقول تقارير أجنبية إنهم رفضوا المشاركة بهذا المنتخب بعدما اعتبروه لا يمثلهم.
يوم المباراة سيطرت الحماسة على الأجواء في ملعب الجزيرة (ملعب الجيش البريطاني وقتها)، وكان المنتخب قد أقام معسكرا فيه لعدة أيام تمهيد للقاء المرتقب.
كاتب صحيفة الأهرام كانت كلماته محفزة وحماسية فالمعركة ليست معركة كروية وإنما "معركة عسكرية بين جيشين" بحسب تعبيره و"منتخب مصر هو أمل النيل وخلاصة ما أخرجت مصر من نصف قرن في لعب كرة القدم".
ويضيف الكاتب "كرة القدم ليست كما يقدر البعض لعب ولهو فحسب وإنما لعبة العسكريين قديما والمدنيين والعسكريين حديثا، لهذا فهي معارك صغيرة تشغل العقل وتستخدم مواهب الأجسام، رغم ذلك هي (حرب مدنية) تستمد قوتها من القيادة الحكيمة. أما الكرة التي عرفها الناس من ضرب وعراك فقد انتهى زمنها وانمحت آثارها من العالمين".
أقيمت المباراة في الثالثة والربع عصرا بتوقيت القاهرة، وقبلها عقد المدرب اجتماعا مع اللاعبين في الحادية عشر صباحا لإعطاء التعليمات.
في النهاية كان تركيز المنتخب المصري حاضرا في المباراة، وكلمات كاتب صحيفة الأهرام يبدو أنها أشعلت حماسة اللاعبين. والنتيجة.. سبعة أهداف لهدف، انتصار كاسح!
*لمشاهدة صورة صحيفة الأهرام كاملة وبجودة عالية اضغط هنـــــــــا
شهدت المباراة تألق مختار التتش الذي يسجل 3 أهداف "هاتريك" فيما نافسه مصطفى كامل طه بثنائية ومحمد لطيف ثنائية أخرى.
سجل التتش الأول في الدقيقة 11 ثم تبعه طه بالثاني في الدقيقة 21 وعاد التتش للتسجيل مجددا بالدقيقة 35 واختتمت أهداف الشوط الأول بهدف رابع للطيف في الدقيقة 43.
مع بداية الشوط الثاني بدى وأن المنتخب المصري لم يكتفي برباعيته إذ أضاف التتش الخامس في الدقيقة 51 قبل أن يسجل أفراهام نوديلمان هدف منتخبه الوحيد.
ظلت النتيجة 5-1 حتى قبل نهاية المباراة بعشرة دقائق، مصطفى كامل طه يسجل هدفا ويتبعه لطيف بالختام في الدقيقة 87 وسط حضور 13 ألف مشجع انطلقوا فرحا في الشوارع عقب المباراة.
وتقول مؤسسة "إحصاءات وثيقة لرياضة كرة القدم" من خلال وثائقها إن مدرب فلسطين شيمون راتنر - وهو بولندي يهودي هاجر إلى فلسكين عام 1920- لم يحضر المباراة دون معرفة السبب وراء ذلك.
انتهت مباراة الذهاب وكان يتعين على الفراعنة خوض مهمة أخرى.. يُتبع
*شكر: ساهم الدكتور عادل سعد المؤرخ الرياضي في تصحيح بعض المعلومات والوقائع التاريخية الواردة في التقرير