قصص المونديال المنسية - دوارتي .. أو كيف توحد أمتين متصارعتين لأجل هدف واحد

في أقصى غرب خريطة العالم، نعرف جيدا أن هناك القارتين الأمريكتين الشمالية والجنوبية، وبينهما ما تسمى بدول أمريكا الوسطى، ومن ضمنهم دولتي كوستاريكا ونيكاراجوا.

كتب : علي أبو طبل

الخميس، 07 يونيو 2018 - 11:44
أوسكار دوارتي

في أقصى غرب خريطة العالم، نعرف جيدا أن هناك القارتين الأمريكتين الشمالية والجنوبية، وبينهما ما تسمى بدول أمريكا الوسطى، ومن ضمنهم دولتي كوستاريكا ونيكاراجوا.

في أقصى شرق الدولتين، يوجد صراع حدودي يمتد لسنوات دون حل جذري، يتعلق أيضا بحق الملاحة لنهر "سان خوان" الذي تشترك الدولتان فيه.

الأزمة بدأت فعليا في عام 1998 حين قامت سلطات دولة نيكاراجوا بإيقاف ضابط شرطة من الدولة الجارة أثناء الإبحار في النهر المشترك بينهما، وهي الأزمة التي أشعلت –بجانب أزمات أخرى متعلقة بحق الصيد في النهر- فتيل الصراع.

الأمر امتد دون إنفراجة حتى حلول عام 2009، حين حكمت محكمة العدل الدولية بمدينة "لاهاي" الهولندية لصالح الدولة الكوستاريكية في تلك الأزمة.

بعد ذلك بعام واحد فقط، تجددت الأزمة بشكل أقوى حين قامت دولة نيكاراجوا بتجريف ما يقرب من 33 كيلومترا من نهر "سان خوان"، وهو ما أغضب الدولة الجارة بشدة واعتبرته تعديا على سلطاتها بجانب تلويث لبيئتها، وتحديدا لمدينة "إيسلا كاليرو" التابعة لكوستاريكا.

5 سنوات من الصراع الدبلوماسي بين الدولتين، قامت محكمة العدل الدولية بحله من جديد بإلزام سلطات نيكاراجوا بدفع تعويض للجارة كوستاريكا.

طالبت كوستاريكا بـ 6.7 مليون دولار أمريكي، ولكنها حصلت على ما يقرب من 380 ألف دولار أمريكي فقط في النهاية، وفي كل الأحوال كان انتصارا دبلوماسيا هاما.

الأزمات الدبلوماسية لا تنتهي هنا، بل وتجددت في الشهر الماضي باشتعال مظاهرات داخلية في نيكاراجوا، علق عليها المسؤولون في الدولة الجارة بأنه يجب احترام حقوق الإنسان وألا يتم التعتيم الإعلامي على أحداث تلك المظاهرات، فكان الرد من مسؤولي نيكاراجوا بأن يلتزم قرنائهم في كوستاريكا بأمورهم الداخلية.

خط زمني طويل من الأحداث الدبلوماسية يمكن أن ينتهي ويصبح بلا قيمة حين يخوض منتخب كوستاريكا مبارياته في كأس العالم، فتشعر وكأن هاتين الأمتين المتصارعتين على قلب رجل واحد.

"من الجيد أن ترى الناس يتلاحمون سويا هكذا، لأنك تعلم جيدا كل المشاكل التي حدثت مسبقا وكيف نشأت العديد من الاختلافات بين الدولتين، ولكنه من دواعي السرور أن يتوحد الناس سويا من خلال كرة القدم".

هكذا يعلق على الأمر بطل تلك القصة برمتها، أوسكار دوارتي، قلب دفاع منتخب كوستاريكا.

دوارتي كان من أبطال كوستاريكا في المونديال السابق في البرازيل، والذين تأهلوا نحو ربع نهائي البطولة في سابقة تاريخية قبل أن يتلقوا الإقصاء على يد هولندا.

بعمر الـ29، يحمل دوارتي شارة قيادة منتخب بلاده نحو حلم جديد في روسيا، وينشط قلب الدفاع حاليا في نادي إسبانيول الإسباني منذ عام 2016، حيث خاض 40 مباراة رفقة النادي الكتالوني سجل خلالها هدفا واحدا.

شاهد قصص أخرى منسية من المونديال هنــا

31 مباراة دولية يمتلك خلالها قائد بلاد الساحل الغني هدفيين، إحداهما كان في شباك أوروجواي في المونديال السابق، ولكن كيف تسبب في توحيد تلك الأمتين المتصارعتين؟

بدأت القصة في الثالث من يونيو لعام 1989، حين جاء دوارتي إلى الحياة في مدينة كاتارينا التي تقع جنوب مدينة ماناجوا، عاصمة نيكاراجوا.

في سن صغيرة، انتقل رفقة والدته نحو الدولة الجارة كوستاريكا، وخلال مراحل تطوره كلاعب كرة قدم، امتلك دوارتي حسا نادرا بالانتماء لكلا الدولتين.

تنتمي كاتارينا لحدود نيكاراجوا، ولكنها تتحول لمقاطعة كوستاريكية ويرتدي كل من فيها قمصان المنتخب الجار، فقط دعما لدوارتي.

فيرمين جيريرو، مشجع لكرة القدم من دولة نيكاراجوا يتحدث لصحيفة "La Nacion" الكوستاريكية: "نحن فخورون لأن شخصا منا مثل أوسكار دوارتي يلعب لكوستاريكا".

ويتابع جيريرو المقيم تحديدا في مدينة كاتارينا: "نشعر بالسعادة البالغة من أجله. إنه يضع إسم دولة نيكاراجوا على الخارطة".

مسيرة دوارتي كلاعب كرة قدم لم تكن ممهدة على الدوام، حيث كانت نشأته في أكاديمية فريق ديبورتيفو سابريسا، أحد أنجح الأندية في كرة القدم الكوستاريكية، ولكنه لم يجد طريقه بسهولة نحو الفريق الأول.

في سبيل ذلك، خرج دوارتي في تجربة إعارة في عام 2010 لفريق بونتاريناس، قبل أن يعود من جديد لسابريسا ويثبت أقدامه كقلب دفاع متميز، بل ويجذب أنظار بعض الأندية الأوروبية.

في 2013، كان الخروج الأول لدوارتي نحو القارة العجوز حيث لا عودة إلى الخلاف، وكان ذلك من بوابة كلوب بروج البلجيكي.

3 سنوات رائعة قضاها هناك قبل أن ينتقل إلى ناديه الحالي في إسبانيا، ويبلي بلاء حسنا.

هل كان من الممكن أن يكون مسار حياة دوارتي مماثلا لو ظل رفقة أسرته في دولة نيكاراجوا؟

سؤال تم توجيهه من إستيبان فالفيردي، صحفي "La Nacion" الكوستاريكية، فكان رد دوارتي: "لا أظن ذلك. لا أحد يبقى على ما هو عليه إذا نشأ في مكان آخر. إذا بقيت في نيكاراجوا لما أتيحت لي الفرصة للسفر خارجا والظهور بشكل أفضل. كنت ألعب لمنتخب كوستاريكا حين جاء الاهتمام من كلوب بروج على سبيل المثال".

ويعبر دوارتي عن سعادته بدعم أهالي مسقط رأسه: "لا أشعر بمفاجأة من دعم مواطني نيكاراجوا لي. لقد نشأت في كاتارينا وأنا أمثل كلا من كوستاريكا ونيكاراجوا. أظنه أمرا طبيعيا".

ويتابع: "لا يوجد سبب لتفويت فرصة تشجيع شخص ما ينتمي لهم في كأس العالم لأنه انتقل إلى دولة أخرى. ذلك الأمر يجعلهم سعداء وهو أمر جيد في النهاية".

قائد كوستاريكا لا يزال مرتبطا بأصوله في نيكاراجوا، حيث يزور مسقط رأسه في بعض الإجازات، وتمت دعوته في يوم ميلاده الـ28 لمشاهدة مباراة لمنتخب البلاد ضد بوليفيا، كما تقابل مع قائد منتخب نيكاراجوا، خوان بيريرا، ويمتلك صداقة مميزة مع عنصر آخر من المنتخب، لويس فيرناندو كوبيتي.

ماذا عن شعور تمثيله الدولتين؟

يجيب دوارتي عن ذلك في تصريح قديم لصحيفة "la Prensa": "إنه ليس مجرد شعور. إنه واقع، حيث أنني نشأت في نيكاراجوا وهو أمر لا يمكن تغييره مهما قيل. يمكنني القول أنني أمثل دولتين".

ولأجل دولتين تدعمانه، ينطلق دوارتي رفقة منتخب كوستاريكا من أجل معادلة المسيرة المميزة التي تحققت في مونديال البرازيل 2014، ولكن دون أن يتلقى بطاقة حمراء كتلك التي تلقاها في مواجهة اليونان في ثمن النهائي وغاب على إثرها خلال مواجهة هولندا في ربع النهائي.

أيا كان ما سيحدث في روسيا، فقد نجح أوسكار دوارتي في تحقيق أمر نجح فيه قليلون للغاية: جعل الناس في كوستاريكا ونيكاراجوا أقرب لبعضهما.

لمتابعة كل تقارير كأس العالم اضغط هنا