أدب المونديال - بين الشمس والظل (2).. من سجن غاندي إلى حرب استقلال الجزائر

الأربعاء، 06 يونيو 2018 - 15:51

كتب : لؤي هشام

البرازيل وأوروجواي - مونديال 1950

تعشق كرة القدم وانجرفت نحو مشاهدة المباريات بشراهة مُهملا القراءة ومطالعة الكلمات؛ أو أدمنت القراءة والإطلاع ليل نهار مفوتا على نفسك فرصة الاستمتاع بمشاهدة كرة القدم؟ لا مشكلة.

أدب كرة القدم يفتح جسرا آمنا بين الشاطئين، ويجعل كرة القدم مقروءة، والقراءة ملعوبة بوصفها لواحدة من أكثر الألعاب الجماعية شعبية على مستوى العالم.

FilGoal.com يقدم سلسلة "أدب المونديال"، ويقتبس أبرز الكلمات التي كُتبت عن كرة القدم، وفي هذا الحلقة ضيفنا سيكون كتاب "كرة القدم بين الشمس والظل" من تأليف الكاتب الأوروجوائي إدواردو جاليانو وترجمة صالح علماني.

13066673

مُتشبعا بأفكاره اليسارية ورؤيته الحالمة وشغف اللاتينيين بكرة القدم دوٌن جاليانو عن اللعبة بكلمات مبتكرة وأوصاف مبدعة تشرح الكثير والكثير وتضعك في الصورة كما لم يضعك أحدا من قبل. زاوية أخرى من الصورة ستراها كنت قد غفلت عنها.

"كرة القدم بين الشمس والظل" واحد من أشهر أدبيات كرة القدم وفيه يستعرض جاليانو نظرته إلى اللعبة كما لم ينظر أحد إليها، ويستفيض في وضع تصوراته عن الكرة وعناصرها كاللاعب والمدرب والحكم والجماهير والملاعب وغيرها من عوامل مؤثرة.

وكي لا يطول الحديث فقد اقتبسنا لكم بعضا من روايات الكاتب اليساري عن بطولات المونديال المختلفة، والتي استعرض جاليانو فيها تاريخ الكأس الذهبية منذ 1930 وحتى 1994.

_ _

شاهد الجزء الأول.. (بين الشمس والظل (1).. الكرة كراية أمة وقصص عن القوى الخفية)

تاريخ نسخ المونديال كما لم تعرفهما من قبل. يضعك جاليانو في الأجواء كأنك عايشتها.

يستعرض جاليانو قبل كل نسخة من البطولات المختلفة ما يشبه تأريخا لأبرز أحداث العالم في ذلك التوقيت لتتعايش مع مستجدات الأحداث والوقائع قبل كل بطولة كأنك في زمانها.

مونديال 1930

"زلزال يھز جنوب إيطاليا ويدفن ألف وخمسمئة من أبناء نابولي. مارلين ديتريش تمثل الملاك الأزرق، ستالين يستكمل اغتصابه للثورة الروسية، وينتحر الشاعر فالديمير ماياكوفسكي. الإنجليز يزجون الماھاتما غاندي فـي السجن لأنه كان قد شل الھند بأسرھا فـي مطالبته بالاستقلال والوطن.

وتحت راية الاستقلال نفسھا أيضا كان أغوسطو ثيسر ساندينو يستنھض فلاحي نيكاراجوا فـي بلاد الھند الأخرى، ھندنا، وكان جنود المارينز الأمريكيون يحاولون ھزيمته بالجوع، وذلك بإشعالھم النار فـي المحاصيل.

كان ھناك فـي الولايات المتحدة من يرقصون رقصة بوجي وجي المحدثة، ولكن انشراح سنوات عقد العشرينيات المجنونة انھار تحت ضربات أزمة عام 29 الاقتصادية. فبورصة نيويورك كانت قد سقطت سقوطا رأسيا وقلبت فـي سقوطھا الأسعار العالمية وراحت تجر إلى الھاوية عددا من الحكومات الأمريكية اللاتينية.

ففي ھوة الأزمة العالمية، أدى انھيار أسعار القصدير إلى سقوط الرئيس ھيرناندو سيليس فـي بوليفـيا، ونصب مكانه جنرال، بينما أدى انھيار أسعار اللحم والقمح إلى سقوط الرئيس ھيبوليتو يريجوين فـي الأرجنتين، واستقر فـي مكانه جنرال آخر. وفـي جمھورية الدومينيكان، فتح انھيار أسعار السكر مرحلة طويلة من دكتاتورية الجنرال (أيضا) رافائيل ليونيداس تروخييو الذي دشن سلطته بتعميد عاصمة البلاد ومينائھا باسمه.

وفـي أوروجواي، سيقع الانقلاب العسكري بعد ثلاث سنوات من ذلك. أما فـي عام 1930 فلم يكن للبلاد أسماع وأنظار سوى تلك المسلطة على بطولة العالم الأولى بكرة القدم. فانتصارات أوروجواي فـي الدورتين الأولمبيتين الأخيرتين، فـي أوروبا، جعلت منھا المضيف الذي لا بد منه للبطولة العالمية الأولى.

اثنتا عشرة دولة وصلت إلى ميناء مونتيفـيديو. لقد كانت أوروبا كلھا مدعوة، ولكن أربعة فرق أوروبية فقط اجتازت المحيط باتجاه ھذه الشواطئ الجنوبية. افتتحت اوروجواي بالطبول والصنوج استادا ضخما بني في ثمانية أشھر وأطلق عليه اسم «استاد الذكرى المئوية»، احتفالا بمئوية الدستور الذي رفض قبل قرن من الزمان منح الحقوق المدنية للنساء والأميين والفقراء.

لم تكن المدرجات تتسع لرأس دبوس حين تنافست أوروجواي والأرجنتين فـي المباراة النهائية. لقد كان الاستاد بحرا من قبعات القش. وكان المصورون كذلك يعتمرون القبعات ويستخدمون آلات تصوير ذات ثلاث قوائم. وحراس المرمى كانوا يضعون قبعات وكان الحكم يتباھى بسروال فضفاض أسود يغطي ركبتيه.

لم تستحق المباراة النھائية لمونديال1930 أكثر من عمود من عشرين سطرا في صحيفة جازيتا ديلو سبورت الإيطالية"

_ _

مونديال 1934

"كان جوني ويسمولر يطلق أولى صرخاته الطرزانية، وظھر فـي الأسواق أول مزيل اصطناعي للعرق، وأقدمت شرطة لويزيانا على قتل بوني أند كليد بالرصاص. وكانت بوليفـيا وباراجواي، أفقر بلدين فـي أميركا الجنوبية، تنزفان فـي نزاع على بترول منطقة تشاكو باسم شركتي ستندر أويل وشل.

وساندينو الذي كان قد انتصر على قوات المارينز فـي نيكاراغوا يسقط صريعا فـي كمين، ويبدأ حكم سلالة قاتله سوموزا. وينطلق ماو فـي المسيرة الكبرى للثورة فـي الريف الصيني. وفـي ألمانيا، يجري تنصيب ھتلر فوھررا للرايخ الثالث، ويُصدر قانون الدفاع عن العرق الآري الذي يفرض تعقيم خصوبة المرضى الوراثيين والمجرمين، بينما يفتتح موسوليني فـي إيطاليا بطولة العالم الثانية.

ملصقات البطولة كانت تعرض رسما لھرقل وھو يرفع يده بالتحية الفاشية وعند قدميه كرة. لقد كان مونديال 1934 فـي روما بالنسبة للدوتشي مناسبة كبرى للدعاية. وقد حضر موسوليني كل المباريات من فوق منصة الشرف، وكان يشمخ بذقنه باتجاه المدرجات الممتلئة بذوي القمصان السوداء، بينما لاعبو الفريق الإيطالي الأحد عشر يھدون إليه انتصاراتھم براحاتھم المبسوطة عاليا.

ولكن الطريق إلى اللقب لم يكن سھلا والمباراة بين إيطاليا وإسبانيا كانت الأقسى فـي تاريخ المونديالات: فقد استمرت المعركة 210 دقائق وانتھت فـي اليوم التالي، حين أصبح عددا من اللاعبين خارج المعركة، إما بسبب جراح الحرب أو لأنھم لم يعودوا قادرين على المزيد. وفازت إيطاليا رغم خروج أربعة من لاعبيھا، بينما أنھت إسبانيا اللعب وقد نقص فريقھا سبعة لاعبين.

وكان بين الإسبان الجرحى أفضل لاعبين: المھاجم لانجارا وحارس المرمى ثامورا الذي كان يُنوم خصومه مغنطيسيا فـي الملعب. وفـي استاد النادي الوطني الفاشي، تنافست إيطاليا على البطولة النھائية ضد تشيكوسلوفاكيا. وفازت فـي التمديد 2ـ1.

وقد ساھم لاعبان أرجنتينيان ُمنحا الجنسية اإليطالية حديثا بدورھما فـي الفوز: فقد سجل أورسي الھدف الأول بتضليل حارس المرمى، وأمن الأرجنتيني الثاني، جوايتا، تمريرة الھدف الثاني الذي سجله شيافـي مقدما كأس العالم لأول مرة بذلك لإيطاليا.

شارك فـي مونديال 1934 ستة عشر بلدا، اثنا عشر بلدا أوروبي، وثلاثة بلدان أمريكية، وكانت مصر ھي الممثل الوحيد لبقية العالم. أما فريق أورجواي، بطل العالم، فقد رفض السفر إلى إيطاليا التي لم تكن قد حضرت المونديال الأول فـي مونتيفـيديو".

_ _

مونديال 1938

"ماكس ثيلر يكتشف اللقاح المضاد للحمى الصفراوية. تولد الصورة الملونة، والت ديزني يقدم بياض الثلج (سنو - وايت)، ايزنشتاين يصور فـيلم الكسندر نيفـيسكي والنايلون الذي اخترعه حديثا بروفسور من ھارفرد، يبدأ بالتحول إلى مظلات جوية وجوارب نسائية.

ينتحر الشاعران الأرجنتينيان ألفونسينا ستوريني وليوبولدو لوجونيس. ويؤمم الثارو كارديناس البترول فـي المكسيك ويواجه الحصار الاقتصادي ومظاھر غضب القوى الغربية الأخرى. أورسون ويلز يخترع غزوا يقوم به المرتزقة للولايات المتحدة ويبثه عبر الإذاعة ليخيف عديمي الحذر، بينما تطلب ستندر أويل من الولايات المتحدة غزو المكسيك فعليا لمعاقبة مدنس المقدسات كارديناس وقطع دابر النموذج السيء الذي يمثله.

فـي إيطاليا يجري تحرير بيان حول العرق، وتبدأ الھجمات المعادية للسامية، ألمانيا تحتل النمسا، وينھمك ھتلر فـي اصطياد اليھود والتھام الأراضي. الحكومة الإنجليزية تعلم المواطنين كيفـية الوقاية من الغازات السامة وتأمرھم بتخزين الأغذية. فرانكو يحاصر أخر مواقع الجمھورية الإسبانية والفاتيكان يعترف بحكومته.

الشاعر ثيسر باييخو يموت فـي باريس، وربما تحت رذاذ من المطر، بينما ينشر سارتر الغثيان. وھناك فـي باريس، حيث يعرض بيكاسو لوحته جيرنيكا مشھرا بزمن العار، يجري افتتاح البطولة العالمية الثالثة بكرة القدم فـي ظل الحرب المترصدة الآتية. فـي استاد كولومبس، يشوط رئيس فرنسا ألبير ليبرو ضربة البدء: سدد قدمه نحو الكرة، ولكنه ضرب الأرض.

كانت ھذه البطولة، مثل سابقتھا، بطولة أوربية. فقد شارك فـي مونديال 1938 بلدان اثنان من أميركا فقط، وأحد عشر بلدا أوروبيا أما منتخب إندونيسيا التي كانت ما تزال تسمى الھند الھولندية، فقد وصل إلى باريس كممثل وحيد لبقية الكوكب الأرضي.

ضمت ألمانيا إلى فريقھا خمسة لاعبين من النمسا التي كانت قد ألحقتھا بھا للتو. ونزل الفريق الألماني الذي تعزز بھذه الصورة مزدھيا بأنه فريق لا يُھزم، واضعا على صدره الصليب المعقوف وكل رموز السلطة النازية، ولكنه تعثر وسقط أمام الفريق السويسري المتواضع. وقد وقعت ھذه الھزيمة الألمانية قبل أيام قليلة من تعرض التفوق الآري لضربة قاسية فـي نيويورك، حين ھزم الملاكم الأسمر جو لويس البطل الجيرماني ماكس شملينج.

جاءت المباراة النھائية التي تنافست فـيھا إيطاليا ضد المجر. وكان الفوز بالنسبة إلى موسوليني مسألة من مسائل الدولة. ففـي اليوم السابق للمباراة تلقى اللاعبون الإيطاليون برقية من روما مؤلفة من ثلاث كلمات: الفوز أو الموت. ولم تكن ھناك حاجة للموت، لأن إيطاليا كسبت 4/2.

وفـي اليوم التالي ارتدى الفائزون الزي العسكري فـي المراسم الاحتفالية التي ترأسھا الدوتشي. وقد امتدحت صحيفة جازيتا دلو سبورت الإيطالية يومئذ «تفوق الرياضة الفاشية فـي ھذا الفوز العرقي». وقبل ذلك بقليل كانت الصحافة الرسمية الإيطالية قد احتفلت بھزيمة المنتخب البرازيلي: «نحيي فوز إيطاليا الذكية على قوة الزنوج الھمجية»".

_ _

مونديال 1950

"ميلاد التلفزيون الملون، والحاسبات تحقق ألف عملية جمع فـي الثانية. مارلين مونرو تطل من ھوليود. فـيلم للويس بونويل، المنسيون، يفرض نفسه فـي مھرجان كان. نيرودا ينشر النشيد الشامل، وتظھر الطبعة الأولى من رواية الحياة القصيرة لأونيتي، ومن متاھة العزلة لأوكتافـيو باث.

ألبيزو كامبوس الذي طالما ناضل من أجل استقلال بويرتوريكو، يُحكم عليه فـي الولايات المتحدة بالسجن تسعة وسبعين عاما، واش يسلم سلفاتوري جيوليا رجل العصابات الأسطوري فـي جنوبي إيطاليا، فـيخر صريعا برصاص الشرطة. وفـي الصين تبدأ حكومة ماو خطواتھا الأولى بمنع تعدد الزوجات وبيع الأطفال.

القوات الأمريكية تتدخل بالدم والنار فـي شبه الجزيرة الكورية، متشحة براية الأمم المتحدة، بينما لاعبو كرة القدم يھبطون فـي ريو دي جانيرو للتنافس على كأس العالم بعد توقف طويل خلال سنوات الحرب العالمية.

سبعة بلدان أمريكية وستة بلدان أوروبية خارجة من بين أنقاض الحرب، تشارك فـي البطولة البرازيلية فـي عام 1950. الفـيفا تمنع ألمانيا من اللعب. وبريطانيا تحضر البطولة العالمية لأول مرة. فحتى ذلك الحين لم يكن الإنجليز يصدقون بأن تلك المناوشات تستحق اھتمامھم.

المنتخب الإنكليزي سقط مھزوما أمام الولايات المتحدة، صدق أو لا تصدق، وھدف الفوز الأمريكي لم يكن من صنع الجنرال جورج واشنطن وإنما من صنع ھجوم وسط ھاييتي وزنجي يدعى الري جايتجنز.

البرازيل وأوروجواي تنافستا على النھائي فـي ماراكانا. وكان الفريق المضيف يدشن أضخم ملعب فـي العالم. كانت البرازيل واثقة من الفوز وكانت المباراة النھائية احتفالا واللاعبون البرازيليون الذين حطموا كل الخصوم بأھداف عديدة، تلقوا عشية المباراة ساعات ذھبية كتب على ظھرھا: إلى أبطال العالم. وكانت الصفحات الأولى من الصحف قد طبعت مقدما.

أعدت العربة الكرنفالية الضخمة التي ستتقدم مواكب الاحتفال، وكان قد بيع نصف مليون قميص مزينة بشعارات كبيرة تحيي الفوز البرازيلي الذي لا ريب فـيه. عندما سجل البرازيلي فرياسا أول ھدف، انفجر دوي مئتي ألف صرخة وھزت ألعاب نارية كثيرة جنبات الاستاد الھائل. ولكن شيافـينو سجل بعد ذلك ھدف التعادل، ثم جاءت رمية عابرة من جيجيا لتسلم البطولة إلى الأورجواي التي أنھت المباراة بالفوز 2/1 .

عندما جاء ھدف جيجيا دوى الصمت فـي استاد ماراكانا، الصمت الأشد دويا فـي تاريخ كرة القدم، والموسيقي آري باروسو، مؤلف موسيقى أكواريال دو برازيل، الذي كان ينقل المباراة بالإذاعة إلى كل البلاد، قرر التخلي إلى الأبد عن مھنة المعلق فـي كرة القدم.

بعد صافرة النھاية، حدد المعلقون البرازيليون الھزيمة على أنھا أسوأ مأساة فـي تاريخ البرازيل. وكان جول ريميه يطوف الملعب تائھا ً فـي وھو يحتضن الكأس الذي يحمل اسمه. كان فـي جيب ريميه الخطاب الذي كان قد كتبه لتكريم البطل البرازيلي.

لقد فرضت الأوروجواي نفسھا بصورة نظيفة: فمنتخب السيليستي كان قد اقترف أحد عشر خطأ ومنتخب البرازيل واحدا وعشرين".

_ _

مونديال 1954

"تطلق يد فـيلليني السحرية جيلسومينا وزامبانو فـينطلقان للتھريج فـي فـيلم الطريق دون تسرع، بينما يتكرس فرانجيو بأقصى سرعة بطلا للعالم فـي سباق السيارات للمرة الثانية. ويجرب جوناس سالك اللقاح المضاد لشلل الأطفال. وفـي المحيط الھادي يجري تفجير أول قنبلة ھيدروجينية. وفـي فـيتنام، يوجه الجنرال جياب ضربة قاضية إلى الجيش الفرنسي فـي معركة ديان بيان فو الصاعقة. وفـي الجزائر، وھي مستعمرة فرنسية أخرى آنذاك، تبدأ حرب الاستقلال.

الجنرال ستروسنير يُختار رئيسا لأوروجواي فـي منافسة صاخبة ضد لا أحد. وفـي البرازيل يشتد حصار العسكريين ورجال الأعمال، السلاح والمال، ضد الرئيس جيتوليو فارجاس الذي يعمد بعد ذلك بقليل إلى تمزيق قلبه برصاصة. طائرات أمريكية تقصف جواتيمالا بمباركة من منظمة الدول الأمريكية.

ويتقدم نحو جواتيمالا جيش مصنوع فـي الشمال ليغزو ويقتل وينتصر. وبينما كان يُعزف فـي سويسرا النشيد الوطني لستة عشر بلدا فـي افتتاح البطولة العالمية الخامسة بكرة القدم، كان المنتصرون فـي غواتيمالا ينشدون نشيد الولايات المتحدة محتفلين بسقوط الرئيس أربنز ومؤكدين أنه لم يكن ھناك شك فـي أيديولوجيته الماركسية اللينينية، لأنه كان قد تجرأ على الدخول إلى أراضي شركة يونايتد فروت.

فـي مونديال 1954 شارك أحد عشر فريقا أوروبيا وثلاثة فرق أمريكية، إضافة إلى تركيا وكوريا الجنوبية. وقد دشنت البرازيل القميص الأصفر ذا الياقة الخضراء، نظرا لأن القميص السابق، أبيض اللون، كان شؤما فـي ماراكانا على البرازيل.

ولكن اللون الكناري الجديد لم يعط مفعوله على الفور: فقد خسرت البرازيل أمام المجر فـي مباراة عنيفة، ولم تتمكن من الوصول إلى نصف النھائي. وقد تقدم الوفد البرازيلي بشكوى إلى الفـيفا ضد الحكم الإنجليزي الذي عمل «على خدمة الشيوعية العالمية ضد الحضارة الغربية والمسيحية».

كانت المجر ھي المدلل الأكبر فـي ھذه البطولة. فمنذ أربع سنوات كان فريق بوشكاش، وكوكسيس، وھيديكوتي الساحق ينتقل من انتصار إلى آخر. وقبل البطولة بقليل، كان قد ھزم إنجلترا 7/1 .ولكن ھذه البطولة على كأس العالم كانت مرھقة. فبعد المواجھة القاسية مع البرازيليين، جرب المجريون قواھم ضد فريق الأوروجواي.

وقد لعبت المجر والأوروجواي حتى الموت، دون رحمة، واستنفد الفريقان كلاھما إلى أن حسم نتيجة المباراة ھدفان سجلھما كوكسيس فـي التمديد. وكانت مباراة النھاية ضد ألمانيا. كانت المجر قد ھزمتھا فـي بداية المونديال ھزيمة منكرة 8/3، وأصيب فـي تلك المباراة القائد بوشكاش وخرج من اللعب.

أما فـي المباراة النھائية، فقد عاد بوشكاش للظھور، وكان يلعب بمشقة، وبساق واحدة فقط، وكان يقود فريقا لامعا ولكنه مستنفد. والمجر التي كانت متقدمة 2/صفر انتھت إلى الخسارة 3/2 وحققت ألمانيا لقبھا العالمي الأول. وأحرزت النمسا المكان الثالث. وأوروجواي الرابع".

يُتبع...

التعليقات