قصص المونديال المنسية - ريكارد وفولر.. عداوة تاريخية بين بلدين تنعكس على أرض الملعب
الثلاثاء، 05 يونيو 2018 - 13:09
كتب : محمد سمير
ترقب كبير بين الجماهير والمتابعين لمونديال 1990 في إيطاليا وذلك بسبب اشتعال المنافسة في دور الـ16 من المسابقة لكن لقطة جمعت بين فرانك ريكارد مدافع هولندا ورودي فولر مهاجم ألمانيا أصبحت حديث الساعة وقتها وتسببت في طردهما معا بعد أقل من 22 دقيقة.
قمة مشتعلة بين الجارتين ألمانيا الغربية "كما كان يطلق عليها وقتها" وهولندا بسبب العلاقات التاريخية المتوترة بين البلدين ومباراة أخرى بين الجارتين البرازيل والأرجنتين لينتظر العالم وداع ثنائي مبكر في البطولة.
لم يكن التنافس مشتعلا بين هولندا وألمانيا الغربية داخل الملعب فقط بل خارجه أيضا فكان وقتها ولا يزال حتى الآن شرسا بسبب عداوة تاريخية بين البلدين تعود إلى الحرب العالمية الثانية بسبب الغزو الألماني على هولندا لينعكس ذلك مع مرور الزمن على التنافس الرياضي أيضا.
تعتبر مباراة كرة القدم بين ألمانيا وهولندا ليست فقط مباراة لتحديد الفائز بل يعتبرها الشعب الهولندي فرصة للثأر لدماء من مات في الغزو الألماني ورد الكرامة "وفقا لعناوين الصحف الهولندية قبل أي مباراة تجمع المنتخبين".
شاهد قصص أخرى منسية من المونديال هنــا
ورغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم دائما ما يعمل على رفض الخلط بين السياسة والرياضة إلا أن تلك المباراة تحديدا ما يكون أثر العلاقة السياسية واضحا لكل المتابعين على ما يحدث داخل الملعب بل وينعكس أيضا على عناوين الصحف بالبلدين وتصريحات اللاعبين قبل وبعد المباريات.
"أنا أكرههم كلما ألعب ضد ألمانيا ينتابني الغضب، لقد قتلوا عائلتي والدي وأختي واثنين من أخوتي" ربما يوضح لك تصريح ويم فان هانيجيم عقب نهائي كأس العالم 1974 كم العداوة التي يكنها الهولنديون للألمان.
فبعد تفوق منتخب ألمانيا في المباراة النهائية المثيرة بين الطرفين رفض لاعبو هولندا حضور حفل أقيم بعد اللقاء بين طرفي المباراة النهائية ووصفت الصحافة الهولندية وقتها الخسارة بـ "أم الهزائم" في صدمة كبيرة لهم.
واقعة ريكارد وفولر
يوم 24 يونيو من عام 1990 على ملعب سان سيرو بميلان مباراة دور الـ16 بين منتخبي ألمانيا الغربية العريق وهولندا حامل لقب أمم أوروبا.
لم تتوقف الإثارة عند حد العلاقات التاريخية بين البلدين، فهولندا تعود إلى كأس العالم من جديد بعد غياب بنسختي 82 و86 بعد الحصول على الوصافة مرتين متتاليتين في 74 و78، وتعود هولندا هذه المرة كحامل لقب أوروبا 1988 وهو اللقب الوحيد في تاريخ المنتخب والمفارقة أن ذلك اللقب كان في ألمانيا.
انطلقت المباراة المرتقبة وكما كان متوقعا شهدت خشونة أقرب إلى أن تكون متعمدة من جانب المنتخب الهولندي ضد لاعبي المنتخب الألماني وسط محاولات من خوان كارلوس الحكم الأرجنتيني في كل مرة تهدئة الأمور.
مرت 20 دقيقة مثيرة من المباراة حتى وصلت الكرة إلى فولر الذي مر بمهارة فائقة من بيري فان أيرل مدافع هولندا ليجد أمامه فرانك ريكارد الذي لم يجد طريقة لإيقافه سوى بتدخل عنيف على قدمه.
لم يتردد الحكم الأرجنتيني وأطلق صافرته باحتساب الخطأ وأسرع إلى ريكارد لإشهار البطاقة الصفراء ليجن جنون اللاعب الذي تأكد غيابه عن ربع النهائي حال تأهل منتخب بلاده بسبب الحصول على بطاقتين.
مثل أي خطأ يحتسب في المباريات وقف فولر مرة أخرى واتجه نحو المرمى الهولندي في محاولة لاستغلال الخطأ لكن ريكارد اتجه نحوه ثم قام بالبصق على شعر اللاعب الألماني دون أن يراه الحكم الأرجنتيني في أحد أبرز صور المونديال بالتاريخ وقد أسردت صحيفة جارديان البريطانية تحقيقا شاملا حول الواقعة.
وقتها توقف فولر للحظة لا يصدق ما يحدث ثم نظر إلى حكم اللقاء ليجده يدون البطاقة الصفراء لريكارد، ورغم أن البطاقة الصفراء "إنذار" للاعب قبل الطرد إلى أن ريكارد لم يتأثر بذلك وقام بفعلته التي لن تنسى في تاريخ كرة القدم.
مشادة عنيفة حدثت بين الثنائي فولر وريكارد بعد واقعة البصق ووجه المهاجم الألماني كلماته إلى المدافع الهولندي الذي اتهم فولر وقتها أنه وصفه بـ "حيوان اللاما" قبل أن يعود ريكارد من موقعه ليتبادل الحرب الكلامية مع فولر، وصرح الأخير عقب المباراة أن ريكارد قال له: "سأنقلك إلى القبر".
وبعد فاصل من تبادل الكلمات بين الطرفين حاول لاعبي المنتخبين تهدئة الوضع ليلتفت حكم المباراة ويجد فولر متجه نحو ريكارد ينهره - لكن حكم اللقاء لم يشاهد الواقعة - فقام بتوجيه بطاقة صفراء جديدة لكن هذه المرة من نصيب فولر.
ووفقا لصحيفة جارديان تعجب بريان مور معلق المباراة على قناة آي تي في من تصرف ريكارد قائلا "أشعر بخيبة أمل مما فعله ريكارد الذي اعتبره ضمن اللاعبين الموهوبين لكنه اليوم يؤدي دورا سلبيا".
حاول فولر أن يشرح لحكم اللقاء ما حدث بالإشارة إلى شعره وبصق ريكارد عليه لكنه أمر باستئناف اللعب.
وبعد دقيقة واحدة من الواقعة نفذ المنتخب الألماني الركلة الحرة وعادت من مدافع هولندي إلى حارس المرمى وسط محاولة من فولر للحصول على الكرة ليسقط هانز فان بروكلين حارس مرمى المنتخب الهولندي وينهض سريعا لمعاتبة فولر لكن ريكارد كان قد سبقه بالاتجاه إليه.
وعنف ريكارد فولر من جديد مع الحذر من الحكم الأرجنتيني وقام بجذب اللاعب الألماني من أذنه وسط محاولات من بروكلين حارس هولندا ويورجن كلينسمان المهاجم الألماني لتهدئة الوضع لكن فولر سقط أرضا وسط محاولة من ريكارد لتبرئة نفسه أمام الحكم.
حالة من الضيق انتابت الحكم الأرجنتيني فبعد دقيقتين فقط من إنذار الثنائي عادا ليتشاجرا من جديد ليجد خوان كارلوس أن الطرد هو الحل الأمثل للسيطرة على المبارة.
وبالفعل قام الحكم الأرجنتيني بطرد الثنائي من أرض الملعب مبكرا في الدقيقة 22 وسط ابتسامة دهشة من رودي فولر.
لم تنته الواقعة عند الطرد فأثناء تحرك الثنائي إلى غرف خلع الملابس قام ريكارد مرة أخرى بالبصق تجاه شعر رودي فولر الذي أبدى اندهاشه من التصرف وقبل أن يفكر في التحرك تجاه ريكارد قام عدد من الجهاز الفني بهولندا في التحرك نحو لاعبهم للخروج معه نحو غرفة خلع الملابس.
وعقب المباراة صرح فولر "لقد بصق ريكارد عليّ وتم معاقبتي وطردي معه لا أفهم قرار الحكم".
لتنتهي الواقعة بطرد الثنائي دون أن يفعل فولر ما يستحق أن يعاقب بسببه لكن رفض الرد بأي شكل من الأشكار سواء كان عدوانيا أو غيره وتحمل العقوبة وهتافات الجماهير الهولندية ضده.
في النهاية انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي بدون أهداف قبل أن يتأهل المنتخب الألماني بالفوز بهدفين مقابل هدف واحد.
وبعد سنوات قال فولر في حديث لموقع فور فور تو: "حتى الآن لا أفهم لماذا تم طردي وأظن أن الحكم سيأخذ ذلك السر معه في قبره".
وأضاف "من وجهة نظري قد يكون حاول أن يسيطر على المباراة وتهدئة الوضع بطردنا سويا ليكون تهديد للبقية لكن كما تعلمون دائما هناك مشكلة بين ألمانيا وهولندا".
لقطة محفورة في الأذهان للأبد
انتهت المباراة بتأهل ألمانيا وحصدت المانشافت اللقب في النهاية لكن استمرت لقطة بصق ريكارد وفولر محفورة في الأذهان.
أصبحت تلك اللقطة الشهيرة مادة للسخرية والضحك فالتليفزيون الأيرلندي قام بإعادة الواقعة مرارا وتكرار من أجل إضحاك المشاهدين.
وتم نسخ اللقطة بصور مختلفة في إعلانات دعائية أو تحليل المباريات فقامت قناة RTE الايرلندية بالسخرية من المشهد بإعادته والوقوف عند لقطة بصق ريكارد ليقول وقتها محلل القناة الأيرلندية "انظروا ماذا يفعل ريكارد أنه خبر سيء جدا لفولر وأسوأ لمصفف شعره بعد ما حدث".
على العكس تماما فتعاملت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي مع المشهد بحذر شديد إذ يتم عرض المشهد مع عبارة "إلى الآباء، من فضلكم اغلقوا مقاطع الفيديو الآن لأن ذلك ما هو إلى فضيحة".
ريكارد
لم تكن المواجهة بين ريكارد وفولر غريبة أو مستحدثة فالثنائي أثناء التواجد بكأس العالم في إيطاليا 90 كانا متواجدان بالدوري الإيطالي أيضا إذ يلعب ريكارد لنادي ميلان وفولر مع نادي روما.
وتعجب البعض من تصرف ريكارد تجاه فولر خاصة وأنهما تواجها من قبل دون مشاكل أو مقدمات لما حدث.
وقام ريكارد بالاعتذار إلى فولر عقب المباراة وفي المباراة التي جمعت بينهما في الدوري الإيطالي بعد الواقعة بخمسة أشهر عندما واجه ميلان فريق روما.
وقال ريكارد عقب المباراة "لقد كنت مخطئا بما حدث في كأس العالم لقد فقدت رأسي وكنت أخوض المباراة تحت ضغط عاطفي بعد الانفصال عن زوجتي قبل وقت قصير جدا من المونديال".
وتابع ريكارد "أكن كلا الاحترام لرودي فولر لكن جن جنوني بعد رؤية البطاقة الحمراء وتحدثت معه عقب تلك المباراة واعتذرت له وسعيد بتقبله لاعتذاري".
وأتم ريكارد تصريحاته "لا أحمل أي شعور سيء الآن ولم تصدر منه أي إهانة لي أو إساءة عنصرية وانتهى الأمر حتى أننا طرحنا إعلانا مضحكا سويا منذ سنوات".
فولر:
أما بالنسبة للمهاجم الألماني فكما خرج مسالما رغم عدم ارتكابه خطأ يذكر تعامل مع الموقف بنفس المنطق وقبل اعتذار ريكارد.
وقال فولر ضمن حديثه مع مجلة فور فور تو: "بالتأكيد ما فعله ريكارد لم يكن لطيفا ولكن بالنسبة لي كان يجب أن تستمر المباراة".
وتابع "بالفعل اعتذر لي ريكارد عما بدر منه وقمنا بالمشاركة سويا في إعلان دعائي وانتهى الأمر".
مثل الزبدة
أصبحت علاقة ريكارد وفولر "مثل الزبدة" كالإعلان الدعائي لأحد شركات الزبدة الهولندية الذي نجح في الجمع بين ريكارد وفولر بعد ست سنوات من واقعة البصق الشهيرة وبالتحديد عام 1996.
فنجحت تلك الشركة الهولندية في الوصول إلى فكرة المصالحة العامة بين الهولندي والألماني رغم توتر العلاقات التاريخية.
وكان الإعلان الهولندي الدعائي تحت شعار يقول "كل شيء في الزبدة مرة أخرى" وهو مثل ألماني يعني أن كل شيء أصبح على مايرام من جديد.
وبسؤال فولر عن قبوله الظهور مع ريكارد رغم ما بدر منه وهل كان ذلك بسبب الحصول على الكثير من الأموال رد فولر "تم التبرع بمستحقاتنا في الإعلان لصالح العمل الخيري وإلا لما كنت سأقبل به".
الواقعة الأبرز لكنها ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة:
تبقى واقعة بصق ريكارد على فولر هي الأبرز في تاريخ مواجهات ألمانيا وهولندا وكان لها صدى واسعا ربما مستمر حتى الآن.
لكن لا تعتبر تلك الواقعة هي الوحيدة وربما لن تكون الأخيرة مع استمرار حالة الاحتقان بين البلدين الجارتين بسبب ثوابت تاريخية وقبل 1990 حدثت العديد من الاشتباكات بينهما.
تواجه المنتخبان 40 مرة لكن أول مباراة في بطولة كبرى جمعت بينهما عام 1974 في نهائي كأس العالم وسقط المنتخب الهولندي في مباراة تم تسميتها من جانب صحافة بلادهم بأم الهزائم.
وعلق أسطورة ألمانيا فرانز بيكنباور على تلك المباراة مع هيئة الإذاعة البريطانية منذ ست سنوات قائلا "أجهدتني مبارياتنا ضد هولندا كثيرا وكلفتني سنوات من عمري تلك المباريات دائما ما جمعت بين المشاعر والتوتر أكثر من أي مواجهة أخرى".
وفي عامي 1978 و1980 تواجه المنتخبان بدور المجموعات بكأس العالم وأمم أوروبا على الترتيب وشهدت المباراتين اشتباكات قوية بين اللاعبين.
فاشتبك توني شوماخر مع لاعبي المنتخب الهولندي وتم وصف المباراة بـ "ساحة الملاكمة" بسبب تعدي اللاعبين على بعضهما البعض بالأيدي.
أما في عام 1988 بألمانيا فتواجه المنتخبان بنصف نهائي أمم أوروبا وربما تكون هي المواجهة الأكثر شراسة.
بدأت المباراة بمقولة خالدة لرينوس ميتشلس المدير الفني لمنتخب هولندا قال فيها "كرة القدم حرب" في إشارة لثوابت تاريخية بين البلدين.
انتهت المباراة بفوز منتخب هولندا وأثار رونالد كويمان الجدل بمسح ظهره بقميص المنتخب الألماني ورغم تتويج هولندا باللقب على حساب الاتحاد السوفييتي إلا أن احتفالات لاعبي هولندا كانت مستمرة بمباراة نصف النهائي وظهر ذلك في تصريح المدير الفني "الفوز الحقيقي كان في قبل النهائي".
وعقب التتويج كتبت هولندا عبر الحدود بينها وبين ألمانيا على لافتة باللغة الألمانية "هنا أبطال أوروبا" وخرجت الجماهير الهولندية في الشوارع تهتف "بعد 44 عاما جئنا إليهم لنفوز" في إشارة للتتويج ببطولة أوروبا بعد 44 عاما من الغزو الألماني.
ورغم عدم تأهل المنتخب الهولندي لكأس العالم واستحالة جمع مواجهة بينهما بالمونديال إلا أن قمة مشتعلة جديدة ستظهر في 13 أكتوبر و19 نوفمبر المقبلين عندما يتواجه الفريقان بتصفيات الدوري الأوروبي المستحدث.