كتب : أحمد العريان
في كرة القدم لا مكان للسياسة كما يقول شعار الفيفا لكن السياسة تتداخل في كل تفاصيل الحياة، وأحيانا يكون فصلها مستحيلا، حتى عن مباريات كرة القدم.
الصور كثيرا ما تظهر لك أن كل شيء على ما يرام، لكن خلف الستار يعاني البعض من أجل أن تصل إليك المشاهد على هذه الحالة.
بمجرد معرفة القرعة ووقوعهما سويا، عرفت اللجنة المنظمة حجم الصعوبات التي ستواجهها في مباراة إيران وأمريكا.
إيران وأمريكا وقعا سويا في المجموعة السادسة، ومن هنا علم الجميع أن مونديال فرنسا 1998 أصبح مهددا بسبب المباراة المرتقبة بينهما.
ألان روتينبيرج رئيس الاتحاد الأمريكي لكرة القدم في تلك الفترة وصف المباراة بـ"أم المباريات" أما النظام الإيراني فأعد العدة وأخبر اللاعبين أن خسارة تلك المباراة ليس مقبولا دونا عن باقي المباريات.
قبل 19 عاما كانت الأمور قد اتخذت مسارا لا رجعة فيه بشأن علاقة البلدين، واستحال التصالح بينهما بعد أزمة الرهائن عام 1979.
في الرابع من نوفمبر عام 1979 اقتحمت مجموعة من الطلاب الإسلاميين سفارة أمريكا في طهران واحتجزوا 52 أمريكيا من قاطني السفارة كرهائن دعما للثورة الإيرانية ضد النظام الأمريكي الذي وافق على احتضان شاه إيران التي قامت الثورة ضد سياسته.
واستمر الرهائن محجوزين داخل أروقة السفارة لـ444 يوما قبل أن توقع أمريكا وإيران على اتفاقية الجزائر في 19 يناير من عام 1981 ويفرج عنهم.
لم تنته تلك الأزمة إلا وكانت أمريكا قد خسرت بالفعل ثمانية جنود وتحطيم طائرتين عسكريتين أثناء محاولة لتحرير الرهائن، وحتما كانت خطوة قطع العلاقات بين البلدين في أعقاب الحادث بديهية.
_ _ _
كل ذلك يصور لك حجم ما كان الناس ينتظره في أول لقاء بين الطرفين في حدث رسمي.
مهدراد مسعودي هو رجل إيراني المولد كان مكلفا بتنظيم المباراة إعلاميا، لكن وبسبب ما يحيط باللقاء من ظروف دبلوماسية وأمنية كان دوره أكبر من ذلك.
"أول مشكلة واجهتنا في المباراة كانت بأن إيران هي الطرف B في المباراة وأمريكا هي الطرف A وحسب البروتوكول على الإيرانيين أن يذهبوا هم لمصافحة منتخب أمريكا". مهدراد يروي تفاصيل "أم المباريات" لموقع FourFourTwo
"علي خامئني المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أعطى أوامره بأن لا يتحرك الإيرانيون نحو لاعبي أمريكا أبدا وهذا ما حدث، لكنني أقنعت منتخب أمريكا بأن يبدأ هو بالتحرك نحو المنتخب الإيراني وإلقاء التحية عليهم".
كانت تلك هي المشكلة الأولى التي واجهت الفيفا في تنظيم مباراة إيران وأمريكا، لكنها لم تكن المشكلة الأكبر.
خارج الملعب قامت منظمات تابعة للدولة العراقية بقيادة صدام حسين بشراء 7 آلاف تذكرة للقاء بهدف تنظيم تظاهرات داخل المدرجات ضد النظام الإيراني.
هؤلاء لم يكن مرحبا بهم في مدينة ليون حيث أقيم اللقاء بكل تأكيد، لكن من بإمكانه السيطرة على مجموعة كتلك موزعة على جميع أنحاء المدرجات وسط 42 ألف متفرج؟.
"لم نجد حلا إلا التواصل مع مخرجي اللقاء التليفزيونيين. توصلنا لصور المدبرين الرئيسيين للتظاهرات وطلبنا منهم تفادي ظهور أماكن جلوسهم في شريط اللقاء، طلبنا أيضا منهم تفادي إظهار اللافتات التابعة لهم. المباراة كانت منقولة حول العالم وآخر ما كنا نتمناه أن تتسبب هذه المجموعة في إفساد البطولة كلها وأن يستخدم اللقاء في مصالح سياسية".
العديد من المتظاهرين نجحوا في تسريب اللافتات إلى داخل الملعب بالفعل، لكن الكاميرات تفادت إظهارهم. ومشاكل المباراة لم تنته هنا.
الخطة التالة لإفساد اللقاء كانت هي اقتحام المشجعين لأرض الملعب وكانت المصادر الاستخباراتية قد كشفت عن تلك الخطة بالفعل قبل اللقاء وشرطة مكافحة الشغب الفرنسية قد أخذت احتياطاتها، لكن تدخلها لن يحدث إلا في حالة الضرورة القصوى، وبالفعل دخلت قوات إضافية إلى الملعب لتأمين اللقاء.
كانت تلك تحضيرات الفيفا للقاء، ولم نصل إلى لحظة دخول الفريقين أرض الملعب حتى وكانت الفيفا قد تواصلت بالفعل مع الاتحاد الإيراني لكرة القدم، والذي أبدى مرونة في التواصل وأكد أن هدف النظام الإيراني هو إبراز صورة جيدة عن الدولة من خلال اللقاء.
عامل غرفة الملابس الإيرانية اشترى باقات ورود لإهداءها إلى اللاعبين الأمريكيين قبل المباراة حين يأتون للسلام على المنتخب الإيراني.
مرت مراسم اللقاء قبل بدايته على سلام، وفي خطوة أخرى من الفيفا لإثبات أن كرة القدم لا دخل لها بالسياسة، التقط الفريقين صورة يتشابك فيها لاعبو الفريقين قبل المباراة.
بدأ اللقاء وكانت التدخلات القوية هي السمة الغالبة على الفريقين، لكنها لم تخرج عن إطار كرة القدم.
تقدم الإيرانيون بهدف قبل نهاية الشوط الأول بخمس دقائق عن طريق حميد إستيلي، وأضاف مهدي مهدي فيكيا الهدف الثاني قبل نهاية اللقاء بست دقائق.
ورغم تسجيل ماكبرايد هدفا لأمريكا في الوقت الضائع، لكن الهدف لم يمنع انتصار الإيرانيين.
فوز كان يعني توديع بطولة أمريكا للبطولة، لكنه لم يكتب لإيران التأهل بعد أن خسرت المباراة الثالثة أمام يوغوسلافيا، لكنه كان بمثابة التتويج بكأس العالم بالنسبة لإيران وهو الفوز الأول لهم تاريخيا في كأس العالم.
"حين تأهلت إيران لكأس العالم 1998 بعد الفوز على أستراليا في ميلبورن بالملحق، نزل الشعب إلى الشوارع وملئوها ابتهاجا بهذا النصر. الرجال يرقصون ويشربون الخمر والنساء بلا حجاب أمام أعين الحرس الثوري، لكنهم لم يفعلوا أي شيء. فهم أيضا كانوا يحتفلون". مهدراد يروي ما رآه في إيران بعد التأهل.
"نفس الأمر تكرر بعد فوز إيران على أمريكا رغم الإقصاء من البطولة، فالفوز كان له دلالات أخرى".
على الجانب الآخر ورغم خسارة أمريكا والإقصاء من كأس العالم، لكن لاعبو المنتخب الأمريكي نظروا للقاء من منظور آخر.
"لقد حققنا في 90 دقيقة أكثر مما قدمه رجال السياسية في 20 عاما". جيف أجوس مدافع منتخب أمريكا يتحدث عن اللقاء.
18 شهرا مروا على اللقاء وكان للفريقين أن يلتقيان مرة أخرى. هذه المرة في مباراة ودية باتفاق الطرفين وفي كاليفورنيا بأمريكا.
"الجميع احترموا الفريقين على تلك المباراة التي اعتبروها تاريخية باعتبارها ودية وتحتاج تعاون الاتحادين هذه المرة. لكن كل ذلك ما كان ليحدث لولا نجاح المباراة في فرنسا عام 1998 وخروجها بسلام". مهدراد مسعودي.
اقرأ أيضا:
لوفرين: لدي بعض الأخبار الإيجابية من صلاح لكنني سأحتفظ بها لنفسي
منتخب مصر لـ في الجول: عبد الله السعيد يعاني من إجهاد في الخلفية
خبر في الجول – تريزيجيه يوافق مبدئيا على الانضمام لـ جالاتاسراي.. و3 خطوات متبقية
خوليت: لا أنسى هاني رمزي وربيع ياسين في مونديال 90
لاعب إنجلترا في مونديال 90: أتذكر عنف التوأم حسن.. البعض توقع فوزنا على مصر بسداسية!
عمرو مرعي لـ في الجول: نعم الزمالك والمصري يفاوضاني.. ومازلت في حيرة