إسلام مجدي

رحيل زيدان .. الحظ لا يطرق بابك ثلاث مرات

لا يمكنك أبدا أن تقلل من وجود الحظ، خاصة في عالم كرة القدم، لكل فريق وكل لاعب لحظة شعر فيها أنه محظوظ، حتى أن الكثيرين لا ينكرون ذلك بل يصرحون به.
الخميس، 31 مايو 2018 - 18:38
زيدان

لا يمكنك أبدا أن تقلل من وجود الحظ، خاصة في عالم كرة القدم، لكل فريق وكل لاعب لحظة شعر فيها أنه محظوظ، حتى أن الكثيرين لا ينكرون ذلك بل يصرحون به.

"الحظ جزء من كرة القدم". سير أليكس فيرجسون.

يمكننا العودة إلى ذلك المشهد الشهير، حينما تولى إيمي جاكيه مهمة تدريب فرنسا بعد الخروج من بطولة كأس العالم 1994، عين كمدرب مؤقت، كل التصريحات في ذلك الوقت أنه أتى لفترة مؤقتة حتى يتسنى للاتحاد اختيار مدرب جديد لكن تحسنت النتائج مع الوقت، لا ننكر أن الحظ دعم جاكيه تواجد إريك كانتونا كصانع ألعاب في فترة ذهبية، ثم تخلى الحظ عنه بعد ركلة الكونغ فو الشهيرة في يناير 1995.

وقتها كان كانتونا صانع الألعاب والنجم الشهير لكن جاكيه "المحظوظ" أو"المؤقت" اضطر لاختيار لاعب جديد لكي يتعامل مع غياب كانتونا، بدأ في بناء الفريق وضخ دماء جديدة فيه حول اللاعب الشاب الجديد زين الدين زيدان، واستبعد لاعبين مثل جيان بيير بابين وديفيد جينولا، خطوته تلك كانت تهدف لاكتشاف مواهب قادرة على قيادة فرنسا نحو المجد، ومع كم كبير من الانتقادات تأهل إلى يورو 1996 ونعت وقتها بالمحظوظ، لأنه فعل ذلك من دون اللاعبين الكبار.

وصل منتخب فرنسا إلى نصف النهائي وأثبت أنه يمكنه التنافس بدون لاعبيه المخضرمين، ليقول جاكيه :"ما رأيكم الآن؟ الفريق يؤدي جيدا بدون كانتونا".

الكثير من المشككين حتى أتت لحظة كأس العالم 1998، وقتها فرنسا كان منتخبا رائعا وقلبه وعقله زين الدين زيدان، وغاب مباراتين ضد الدانمارك في دور المجموعات وباراجواي في دور الـ16 الأخيرة شهدت أول هدف ذهبي في المونديال.

وقتها خرج لوران بلان صاحب الهدف ليقول :"الآن عرفت قيمة زيدان، من الجيد أنه لن يغيب عنا مرة أخرى".

بعد الفوز بكأس العالم 1998، ووسط تكهنات بأن إسبانيا قد تبدأ حقبة ذهبية، أعلن جاكيه أنه سيرحل عن منصبه كمدرب للمنتخب.

يمكننا العودة إلى ذلك المشهد الشهير بعد ذلك بفترة قليلة، زين الدين زيدان يعلن عن اعتزاله كرة القدم قبل كأس العالم.

"إنه قراري وهو نهائي، بعد كأس العالم سأتوقف عن لعب كرة القدم، كأس العالم المقبلة ستكون هدفي الأخير والشيء الوحيد الذي يجب أن أركز فيه، أرغب من الجميع أن يعلم ذلك قبل كأس العالم".

زيدان كان قد اعتزل دوليا عام 2004 بعد بطولة اليورو لكن قراره لم يؤخذ على محمل الجد، بعد ذلك برر ذلك بأنه سيتوقف عن فعل شيء وقال تصريحه الشهير :"أنا في عمر سيصبح من الصعب علي أن ألعب فيه، لا أريد أن أقضي آخر عام أو عامين بهذه الطريقة وينخفض مستواي".

تطلب الأمر بعد 2006 10 أعوام كاملة لكي يتولى زيدان مهمته التدريبية الحقيقية الأولى ومع من؟ ريال مدريد. نصف موسم كارثي والكثير من التكهنات، أتى زيدان ليتولى مهمة الإنقاذ وسط توقعات بأنها مؤقتة لأنه أتى في نصف موسم.

سجله التدريبي لم يكن بالكبير، كان يعمل مع كارلو أنشيلوتي كمساعد ولم يترك بصمة واضحة كمدرب في فريق ريال مدريد ب "كاستيا"، بل إن الفريق لم يتأهل للدرجة الثالثة كذلك معه.

بعد ذلك كانت البداية صعبة، الخسارة من أتليتكو مدريد كانت نقطة التحول في مسيرته ككل، تحول ذلك ليحصد لقب دوري أبطال أوروبا بنهاية الموسم لأول مرة في مسيرته التدريبية والمرة الـ11 في تاريخ النادي.

زين الدين زيدان لم يكن من أي نوع عرفناه من المدربين خلال حقبة الألفية الجديدة، لا يمتلك رؤية حالمة للاستحواذ على الكرة مثل بيب جوارديولا، وليس صاحب هدف مباشر مثل جوزيه مورينيو، وليس شخصا ملتزما يطبق فلسفة ثابتة مثل سير أليكس فيرجسون، حتى أن فريقه في فترات لم يلعب بطريقة جيدة مثل هؤلاء.

لكنه في أوروبا مختلف، إنه يفوز خاصة حينما تصل البطولة إلى مراحلها النهائية فبطريقة أو بأخرى يفوز، لنصل إلى النظرية الثابتة المكونة عنه: زيدان محظوظ.

في 2016 وصل إلى النهائي وفاز بركلات الترجيح، في 2017 بطاقة حمراء لأرتورو فيدال لاعب بايرن ميونيخ منحته الأفضلية، وركلة جزاء ضد يوفنتوس وغيرها من اللقطات التي وصفت بالحظ.

على مر التاريخ العديد من المدربين منهم زيدان نفسه قالوا إنك بحاجة إلى الحظ لكي تفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، لكن ذلك لكي تفوز به مرة وليس 3 مرات على التوالي، إن فعلت ذلك فأنت تستحق الثناء لا الهجوم.

كما قال جرهام هانتر خبير الكرة الإسبانية :"ربما يحصل زيدان على ثناء أقل مما يستحق لأنه بطبيعة الحال لديه نقاط قوة مختلفة عن بقية المدربين، هو ليس قويا للغاية على الصعيد التكتيكي، لكن نفسيا واجتماعيا هو الأقوى على الإطلاق".

رافا بينيتث الذي سبق زين الدين زيدان في منصبه عانى من الكثير من المشاكل في غرفة الملابس، كان يمتلك الكثير من الفنيات لكنه لم يكن جيدا في التعامل مع لاعبيه.

زيدان في فترة 18 شهرا مع فريق ريال مدريد الرديف أظهر قدرته في التعامل نفسيا مع اللاعبين وليس فنيا.

"سنقاتل من أجل كل لقب، الدوري لم ينته بعد، سنلعب كرة هجومية وسنستمتع بالأداء". كانت تلك كلماته في بداية حقبته.

في الأشهر القليلة التالية فعليا كان ريال مدريد قد تحول تماما وكانت هناك جملة سائدة :"لو وصل زيدان مبكرا لفاز ريال مدريد بالدوري". حقق النادي الملكي 12 انتصارا متتالية ولقب دوري أبطال أوروبا، وما حافظ عليه زيدان كان الأهم، الهدوء وسعادة اللاعبين.

ولا عجب في تلك القدرة القوية فمنذ كان لاعبا وزيدان يجيد التعامل والتفاهم مع زملائه.

قال باكو بافون لاعب ريال مدريد السابق عنه :"حينما كان زيدان لاعبا كانت لديه طريقة فريدة لم أجد لها مثيلا في تعامله مع زملائه في الفريق والتفاهم معهم، أعتقد أنه كمدرب تطور ذلك الأمر لديه أكثر".

خلال فترة عامين ونصف العام زيدان لم يدخل مشاجرة مع مدرب أو حكم لم يعترض بطريقة فجة على أي شيء.

"إنه النقيض تماما لجوزيه مورينيو مثلا، إنه لا يدخل في شجار مع الحكام أو زملائه، تشعر بعدالة في الفريق، إنه هادئ تماما طيلة الوقت وبطريقة ما يبتعد تماما عن كل المشاكل الخاصة بكرة القدم حاليا".

إن كان زيدان قد تأثر بأحد في مسيرته التدريبي فهو كارلو أنشيلوتي، طريقته في تغيير التشكيل ومحاولة مباغتة الخصم ولعب كرة هجومية.

"أهم شيء للمدرب هي علاقته باللاعبين، يمكنك أن تتحدث حول التكتيك والخطط، لكن إن لم يكن اللاعبون في صفك، فأنت لن تمتلك حافزا جماعيا لوضع نظامك للعب والعمل به". كارلو أنشيلوتي.

في موسم 2016-2017 أيا كانت الطريقة الفنية التي سيحاول زيدان أن يطبقها كانت لتبوء بالفشل الذريع، مدريد افتقر للأهداف والروح القتالية واللاعبون كانوا في حالة ضجر، وبطريقة ما زيدان أعاد إليهم الروح.

"مدريد أصبح لديهم روحا قتالية لا تصدق، لا أعلم كيف لكن لا أحد يلعب كرة القدم بهذه الروح مثلنا". كان ذلك خورخي فالدانو نجم ومدرب ريال مدريد السابق.

زيدان فرض سيطرته على اللاعبين وغرفة الملابس واستعمل تلك السيطرة بل وكان يداور بين اللاعبين ويشرك الكل، ويترك انطباعا جيدا ضد الخصوم الأضعف، وحينما تؤول الأمور إلى الأدوار الإقصائية في دوري أبطال أوروبا فريال مدريد يتحول لفريق مختلف تماما.

في موسمه الثاني بدا ريال مدريد خارقا، لم يكن أحد يستطيع الوقوف في وجهه، حتى أن جيرارد بيكيه بعد خسارة السوبر الإسباني اعترف بذلك وقال :"إن فريق ريال مدريد الحالي لا يمكن الفوز ضده".

بحلول شهر يناير الماضي كان ريال مدريد يعاني، الموسم يسوء، شكل الفريق لم يكن جيدا، واللاعبين الأساسيين لا يؤدون بشكل أفضل، وسط دعاوى برحيل زيدان، هل فقد المدرب الفرنسي حظه هذه المرة؟

في كل مرة كان يسئل عن تشكيلته كان يقول إنه سعيد بالأسماء التي لديه وأيضا ليس قلقا.

الصفقات التي عقدها كانت لاعبين مثل داني سيبايوس وثيو هيرنانديز والكثير من اللوم على ثقته أكثر من اللازم في نجومه دون تدعيم الفريق لكن لم يكن هناك حديث عن الحظ.

بطريقة ما حصد ريال مدريد دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة على التوالي، وخرج ليقول إنه محظوظ لامتلاكه لاعبين مثل هؤلاء.

السيطرة على غرفة الملابس أمر صعب للغاية ونعلم ذلك جيدا من تجربة بينيتث وأيضا جوزيه مورينيو خاصة في فريق بحجم ريال مدريد ونجوم.

قال يوليان ناجلزمان مدرب هوفنهايم :"30% من التدريب هو الفنيات والخطط، و70% هو العمل الاجتماعي والتفاهم مع اللاعبين والسيطرة على غرفة الملابس".

ربما يمتلك زين الدين زيدان قليلا من الحظ، لكنه لم يقد ريال مدريد نحو المجد بذلك فقط. امتلك قدرة رهيبة على بث الهدوء فيمن حوله وخلال موسمين ونصف حقق الكثير، حافظ على تعطش لاعبيه للفوز بالألقاب وأجاد التفكير في كثير من الحيان.

قال بافون :"أهم لمحة في فترة زين الدين زيدان التدريبية هي قدرته الهائلة على إقناع وإدارة اللاعبين، وهو ليس أمرا سهلا اسألوا أساطير التدريب عن ذلك الأمر".

قد يكون زيدان محظوظا لكنه أيضا يمتلك الشجاعة والكاريزما اللازمة وذلك ساعده على استخدام حظه الجيد، أقنع رونالدو بالجلوس على مقاعد البدلاء دون مشاكل، تلقى سهام النقد جميعا عوضا عن لاعبيه، لم يخرج قط لينتقد أي لاعب في تشكيله، دافع عن بيل في أسوأ أوقاته، إنه كان قائدا أكثر من مدربا.

للتواصل مع الكاتب:

Follow @eslammagdy