كتب : محمد البنا
منذ سنوات عدة والمفاجآت لا تحدث بكثافة في المستويات العالية من كرة القدم.. هيمنة كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي على الأفضل مستمرة، الأندية الأغنى في العالم تحصد البطولات الأوروبية رفيعة المستوى.. حتى أن كأس العالم هناك حصدت منه البرازيل وألمانيا وإيطاليا 13 كأسا من إجمالي 20 بطولة. لهذا تكون نسبة المفاجأة النادرة أكثر متعة وتشويق.
نسبة الـ1% في الرياضة تظل قائمة لتجعلنا نقول "في الرياضة لا شيء مستحيل".
هذا ما جعل تتويج ليستر سيتي بالدوري الإنجليزي في 2015-2016 أمرا مثيرا، ويساعدك هذا على تفسير لماذا يحتضن العالم محمد صلاح صاحب الـ25 عاما والذي حمل مصر على عاتقه للوصول للمونديال بعد غياب 28 عاما.
مجلة (سبورتس إليوستراتيد) الأمريكية الشهيرة أفردت غلافا يحمل صورة محمد صلاح بقميص المنتخب المصري وكُتب عليه ضمن سلسلة عن لماذا يمكن أن تحب الـ32 منتخبا.
وجاء الدور على مصر فاختارت المجلة محمد صلاح ليكون سببا ليجعل غير المشجعين المصريين يحبون الفراعنة "لأن محمد صلاح ساحر.. سواء كتفه جيد أم لا، صلاح سيلمع في روسيا".
عندما انتقل محمد صلاح الموسم الماضي من روما إلى ليفربول ظن كثيرون أنه سيبلي بلاء أفضل من الذي قدمه بقميص تشيلسي في سنة كاملة لكن لم يتوقع أحد أنه سيسجل رقما قياسيا يصل إلى 32 هدفا مع ليفربول.
ومع تألق صلاح في دوري أبطال أوروبا وضع نفسه أمام العالم ليجاور نجمين سيطرا على المجد الكروي.. ميسي ورونالدو.
وحتى إن كان هناك شكوك حول جاهزيته بنسبة 100% في روسيا بعد إصابته بجزع في أربطة الكتف، فلازلت بإمكانك أن تضع رهانك على أنه سيكون حاسما على أرض الملعب في مباريات مصر المصيرية.
الشخص الوحيد الذي لم يتفاجأ بما قدمه مو مع ليفربول.. هو صلاح نفسه.
"لطالما كنت واثقا ولدي رؤية وطموح بأن أصل لهذا المستوى، لست متفاجئا، سعيد بما قدمته. أحتاج إلى العمل لفعل ذلك مرارا وتكرارا، أعمل على نقاط ضعفي وأتطور طوال الوقت. أذهب للجيمانزيوم قبل وبعد التدريب.. إذا كنت تذكر، عدد أهداف هذا الموسم أكثر من الموسم الماضي والماضي أكثر من ذي قبل، كل عام أشعر بأنني أتطور وهذا هو أكثر شيء مهم بالنسبة لي".
--
عندما نشاهد صلاح يركض من الجناح نحو المرمى فإنك تشعر أنك تشاهد المباراة بسرعة x1.5 ورغم ذلك تستمع وتشاهد ما حوله يركض بالسرعة الطبيعية 1x وحتى عندما يقابلهم في منطقة الجزاء تجده لا يرحم بقدمه اليسرى. يسجل أو يصنع الفرص لزملائه.
وحينما يقرر صلاح التسديد فهو أمر أشبه بالحقن: متكرر وموثوق به ولا مفر من الألم.
وإذا أبقيت صلاح خارج منطقة الجزاء فسيستحضر قوة قدمه اليسرى ليحولها حيث يسكن الشيطان.. لا ترى المجلة الأمريكية خجلا في مقارنته بليونيل ميسي ودييجو مارادونا.
نيل أتكينسون الكاتب في مجلة (أنفيلد راب) والمذيع والمنتج السينمائي ويعتبر العمدة غير الرسمي لمدينة ليفربول لاحظ أن جمهور فريقه بدأ يحضر كل مباراة في ملعب أنفيلد ويظن أن الفريق متقدم بهدف قبل ركلة البداية.
ويرجع هذا إلى أن صلاح في أنفيلد كان مرعبا الموسم المنقضي، فقد سجل 19 هدفا من إجمالي 24 بدأها في معقل ليفربول.
"الطريقة الرئيسية التي أبهرنا بها هو كيفية هدوءه وثباته الذي تمتع به، عندما تصله الكرة يتصرف كما لو كان لديه كل الوقت في العالم.. هذا الهدوء الناضج هو أصعب شيء في كرة القدم". أتكينسون يتحدث.
وأضاف "هو يجعل حارس المرمى يظهر ضئيلا بينما المرمى يبدو ضخما، الشيء الذي أصبحت مهووسا به هو عدد المرات التي يصوب في حين لا يتحرك الحارس".
وتابع "صلاح يضع الكرة في المكان الذي يعلمه حارس المرمى ولكنه لا يقدر على التصدي لها وهذا رائع لمشاهدته".
الأهم
إذا سألت صلاح عن أفضل أهدافه هذا الموسم، قد يختار هدفه في إيفرتون أو توتنام.. لكن إذا سألته عن الأهم.. بلا شك سيكون الهدف القاتل في الوقت بدل الضائع ضد الكونجو في استاد برج العرب حيث ركلة الجزاء التي صعدت بمصر إلى كأس العالم لأول مرة منذ ولادة صلاح.
"الجميع ينظر إليك.. عليك أن تسجل، الكل يحتفل قبل أن تسجلها، لا مجال لإهدار هذه الفرصة لكني أعلم أنه لا يوجد شخص آخر يمكنه أن يصوبها". محمد صلاح يتحدث.
وأضاف "عندما تلعب إلى بلدك، هذا شعور مختلف.. لا أقول هذا بأنني لا أشعر بشيء عندما ألعب لليفربول يمكنك أن ترى شغفي، لكن عندما تحمل منتخب بلادك إلى كأس العالم فالشعور مختلف".
المصريون يعشقون محمد صلاح، لقد رسموا وجهه المبتسم على الجداريات ودخل في التصويت خلال العملية الانتخابية لرئاسة الجمهورية.
وذكرت المجلة الأمريكية في تقريرها عن صلاح أن التحديثات الخاصة بإصابته لم تأت من رئيس اتحاد الكرة.. بل من رئيس البلاد عبد الفتاح السيسي.
رغم أن صلاح قد يغيب عن مواجهة أوروجواي بعد إصابته في الكتف، لكن المصريين واثقون كمال الثقة في قدرته على حمل آمالهم في المباراتين التاليتين بكأس العالم.
ويقول صلاح: "عندما أذهب إلى مصر، أمكث في المنزل، لا أحب الخروج، لكن اليوم الذي تأهلنا فيه إلى كأس العالم كان الفندق مفتوحا حيث يمكن للجميع أن يدخل وكان هناك الكثير من الناس".
وأضاف "اضطررت إلى الركض من غرفة إلى أخرى والقفز من هنا إلى هناك، الناس أرادوا الاحتفال معنا".
ورغم كل هذا الضغط تعامل هداف منتخب مصر في التصفيات مع ركلة الجزاء الحاسمة بهدوء وعلى هذا يقول عمر جابر ظهير لوس أنجلوس: "لم أره يوما عصبيا".
--
صلاح بدأ نبوغه الدولي مع منتخب مصر في ولاية المدرب الأمريكي بوب برادلي بعد أن كان لاعبا للمنتخب تحت 20 عاما مع ضياء السيد المدرب العام للمنتخب الأول فيما مع برادلي.
وقال برادلي الذي يدرب لوس أنجلوس الآن في تصريحات للمجلة الأمريكية: "من اليوم الأول الذي حصلت فيه على صلاح، أدركت تماما كم كان مميزا".
"موهبة متفجرة، وسريع جدا ولازال نضرا ومتعطش للتطور وأراد تطوير إنهاء الهجمات، عندما تقوم بتعليمه شيئا تراه يطبقه في اليوم التالي دون أن يفكر فيه، صلاح لاعب استثنائي".
الإعجاب لازال متبادلا بين الطرفين.. فصلاح صرح "برادلي وضياء السيد مثل آبائي في كرة القدم".
وأضاف صلاح "برادلي ساعدني كثيرا داخل وخارج الملعب، والجميع يحبونه في مصر".
نقطة التحول
ويروي محمد صلاح عن اللحظة التي غيرت حياته.
وقال صلاح لـ (سبورتس إيلوستراتد): "عندما كنت أجل على مقاعد البدلاء طوال شهرين، قلت لوالدي لا أستطيع تحمل أربع ساعات كل يوم من أجل الجلوس على الدكة.. كنت أبكي".
وواصل "والدي قال لي أي شخص أصبح اسمه كبيرا جاء بعد مدة طويلة بعد أن واجه معاناة في البداية، هذا لن يكون سهلا فقط عليك أن تواصل التركيز وتدرب بقوة وواثق من أنك ستصبح عظيما".
"لازلت أتذكر هذه اللحظة، اصطحبني في سيارته في السادسة صباحا، وبعد فترة قليلة بدأت أشارك مرة أخرى وكل شيء سار على ما يرام".
ثنائي مؤثر
في مشوار صلاح قابل العديد من الشخصيات التي أثرت وساهمت فيما أصبح عليه الآن، ورصدت المجلة الأمريكية ثنائي من أمريكا الشمالية قابلهم النجم المصري في روما.
الثنائي المتخصص في الأداء البدني وهما الأمريكي إيد ليبي والكندي دارسي نورمان واللذان ساهما في تكوينه البدني القوي. لكن صلاح يشيد بمدربه لوتشيانو سباليتي المدير الفني السابق لروما.
وقال صلاح عنه: "هو لا يصدق، أحب سباليتي كرجل وصنع الفارق في حياتي، لأنه عمل معي كل يوم بعد التدريبات.. حتى لو كنا مرهقين، كان يقول لي (حسنا إذا كنت تريد القيام بشيء تعال واطلب مني ذلك)".
وأضاف "كل يوم كنت أذهب إليه وأطلب منه تطوير إنهاء الهجمات معه".
سباليتي كان دائما يطالب صلاح بتحسين لياقته البدنية وقوته في الجزء العلوي من جسده ليتحسن في حماية الكرة في المساحات الضيقة.
كل هذا يعني أن انفجار صلاح مع ليفربول لم يكن بين عشية ليلة وضحاها.. كان ورائه حلم وطموح وتدريب وجهد وتجاوز للإحباطات. حتى لو كانت البيئة المحيطة باللاعب في وجود يورجن كلوب قد ساعدته لكن "الملك المصري" تعامل معها بنجاح.
صلاح أضاف سرعة لطريقة وأسلوب كلوب والذي يعتمد على خلق فوضى وأخطاء لدفاعات المنافس مبكرا مع تحركات منضبطة من الثلاثي صلاح وفيرمينو وساديو ماني.
فيرمينو بصفة خاصة هو المهاجم المثالي لفريق ليفربول.
يقول عنه صلاح: "في بعض الأحيان يذهب فيرمينو للدفاع بدلا مني في موقعي، [يواصل ضاحكا] ليس البعض بل في الحقيقة في كثير من المرات".
وعن يورجن كلوب قال صلاح: "يعلم كيف يتعامل مع عقلية اللاعبين.. داخل المستطيل الأخضر يمكنك رؤية ذلك، هو يصنع الفارق لكل شخص".
محاربة الأسلاموفوبيا
دور صلاح لم يقتصر على الملعب فقط، المجلة الأمريكية سلطت الضوء على كيفية التحول الذي طرأ على الأفكار في إنجلترا بشأن الإسلام منذ قدوم النجم المصري.
جمهور ليفربول ألف أهازيج لهتف بها لمحمد صلاح دونا عن بقية زملائه تخص دينه الإسلامي الذي يفتخر اللاعب به بسجوده بعد كل هدف.. هذا شاهدناه يتكرر من لاعبين أصغر في إنجلترا مهما كانت خلفيتهم الدينية، تجدهم يسجدون بعد أهدافهم، صغارا كانوا أو كبارا.
"سبورتس إيلوستراتيد" قالت إن بريطانيا لم تجد أفضل من صلاح وسط محاولاتها لمحاربة تصاعد "الإسلاموفوبيا" أو الخوف من الإسلام.
في الوقت الراهن، يحاول صلاح أن يبقي الأمور بسيطة قدر الإمكان، وسيكون تحديه في روسيا هو نقل ما فعله مع ليفربول إلى الفراعنة.
المجموعة الأولى قابلة لتحقيق ذلك، فأوروجواي مليء بالمواهب ثم مواجهة أقل في المرتبة ضد روسيا وختاما أمام السعودية، لكن منتخب مصر يعتمد كليا على مصير صلاح.
وذكر التقرير أنه إذا كان صلاح غير قادر على اللعب بكامل طاقته، فهذا يمثل ضربة قاتلة لآمال مصر، لكن إن كان صلاح جاهزا بنسبة قريبة من 100%، فهذا يعني أنه يمكنها أن تتقدم في المجموعة التي وصفتها بـ(الأسهل في تاريخ كأس العالم) وربما تشكل جولة مثيرة في دور الـ16 أمام إسبانيا مع مدافعها سيرجيو راموس المتسبب في إصابة صلاح بحركة من المصارعة.
"سنعطي كل شيء لمنتخب بلادنا، سنحمي بعضنا البعض لأننا نحب بعضنا البعض وهذا سيساعدنا على الملعب، أنا واثق من قدرتنا على تقديم شيء استثنائي" صلاح يتحدث.
وأضاف "منتخب مصر يلعب بطريقة مختلفة عن ليفربول لكن كلاهما يجب علي أن أسجل".
طموحات صلاح ليست معقدة، فعندنا سُئل عما يريد أن ينظر إليه على أنه أفضل لاعب في العالم، أجاب: "إذا كنت ترى نفسك أنك كذلك، لا بأس.. أنا ألعب كرة القدم من أجل المتعة".
وأضاف "إذا لم تكن لديك رؤية لما تريد أن تفعله فمن الأفضل أن تبقى في المنزل".
وشدد "أريد أن أفوز بكل شيء في كرة القدم، أريد الفوز بدوري الأبطال والدوري الإنجليزي وإن كنت أستطيع، فالفوز بكأس العالم. سأكون سعيدا جدا".
مصر تفوز بكأس العالم؟ هذه مفاجأة لا يمكن أن تحدث في المستويات الكبرى لكرة القدم، أليس كذلك؟