في المونديال - أن تلعب مثل بوشكاش.. لاعب ربما أتى من المستقبل
الخميس، 24 مايو 2018 - 16:05
كتب : لؤي هشام
كثيرون مروا من فوق البساط الأخضر، وكثيرون أبدعوا وتألقوا ليبقوا في الذاكرة، وكثيرون حضروا في تلك اللحظات التي صُنع فيها المجد ليأخذوا حيزا من المشهد، ولكن قليلين هم من ظلوا خالدين عابرين لكل ذلك في جميع الأزمنة.
هؤلاء الخالدون لم يصنعهم إنجاز عابر أو لقطة لا تُنسى حملت الكثير من المعاني وقتها، وإنما صنعتهم الموهبة الكبيرة والتفرد في أسلوب اللعب، وإلى جوار ذلك كانت شخصيتهم دائما حاضرة ليُضرب بهم المثل عبر العصور بما قدموه وحققوه على ذلك العشب الأخضر.
"أن تلعب مثل.." سلسلة يقدمها FilGoal.com مع قدوم المونديال تخليدا لهؤلاء المختلفين في الأرض الذين كان تفردهم ورؤيتهم المختلفة على أرض الملعب سببا في إعجازهم، ومحاولةً لوضعك في الصورة من الداخل بأعينهم وأعين من عرفوهم.
طالع أيضا.. (أن تلعب مثل بيليه.. جينجا البرازيل المتكامل)
طالع أيضا.. (أن تلعب مثل مارادونا.. "أسوأ أبولو وأفضل ديونيسوس")
طالع أيضا.. (أن تلعب مثل جارينشا.. "عندما يدخل الملعب كان يحوله إلى ساحة في سيرك")
فرينتس بورشيلد بايرو.. بوشكاش
في الثاني من أبريل عام 1927 ولد فرينتس في بودابست بالمجر، ولاحقا بعد عدة سنوات قليلة ستمضي سيشهد العالم أجمع على الموهبة الأبرز التي حطمت كبرياء الإنجليز وصنعت أسطورة كروية نادرة وملفتة بالنسبة لزمنها.
مسيرته الكروية بدأت عام 1943 مع فريق الطفولة بودابست هونفيد، ولكن البداية الحقيقة والتوهج الذي صنع سمعته الكبيرة كانت تحديدا بعدها بـ9 سنوات.
بوشكاش تحول من نجم موهوب إلى بطل قومي في أولمبياد 1952 التي توج المجريون بها ليعلنوا أنفسهم "الفريق الأفضل في العالم"، وبطولة فرينتس تواصلت عند مواجهة إنجلترا في العام التالي فيما عٌرف بانتصار القرن بنتيجة 6-3.
الهدف الثالث الذي سجله بوشكاش كان من مهارة رائعة للغاية، الكرة تمر تجاهه يتسلمها بيسراه.. ينطلق بيلي رايت مدافع إنجلترا وينزلق على الأرض لاستخلاص الكرة ولكن بوشكاش يسحب الكرة للخلف بكل هدوء (سبعة) تاركا المدافع الإنجليزي في وضع حرج.
وبعدها أرسل تسديدة قوية في الزاوية القريبة من الحارس الذي فشل من التصدي لها.. كان هذا الهدف قبل 65 عاما ولكن روعته جعلت الجميع يتذكره حتى الآن.
"عدد قليل جدا من اللاعبين قادر على فعل هذا، أو بالأحرى محاولة فعل ذلك بالأساس" هكذا يتحدث زميله يولا جروسيتش وهو حارس المرمى في تلك المباراة.
بعدها بستة أشهر كان الانتصار المدوي على إنجلترا يتكرر مجددا وهذه المرة بسباعية في مباراة أقيمت على الملعب الذي تحول لاحقا لاسم "فرينتس بوشكاش"، وقد كان نصيبه هدفين في اللقاء مثل المباراة السابقة.
يحكي ميكلاس فيبر صديق بوشكاش في الطفولة عن موهبة الفتى الصغير التي ظهرت مبكرا للعيان، ويؤكد أن سرعته الكبيرة كانت أحد أسباب تألقه.
ويقول فيبر: "بالرغم من أنه كان طفلا إلا أنه كان قادرا على فعل أي شيء بالكرة، كان يسبق الجميع في مساحة 10 أمتار".
ويتحدث السير بوبي روبسون عن سبب تفرد بوشكاش كلاعب كرة قدم "السبب هو أننا لم نر لاعبا من قبل يلعب بهذا الأسلوب أو بهذه الطريقة في هذا التوقيت".
كان بوشكاش يتمتع بسرعة كبيرة وخفة أكبر في الحركة رغم وزنه الزائد نسبيا، تصرفاته وقرارته بالكرة كانت خلاقة في ذلك التوقيت، ومراوغاته ومهاراته كانت مبتكرة بالنسبة إلى زمانه.. ببساطة ربما فرينتس أتى من المستقبل.
يشرح رفيق الملاعب ناندور هيديكوتي كيف كان بوشكاش مختلفا عن جميع أقرانه، ويقول: "كان يملك حاسة سابعة في كرة القدم، إذ كان هناك ألف حل أمامك ففرينتس سوف يختار رقم 1001".
طالع كل تغطية FilGoal.com وتقارير كأس العالم من هنا
القدرة على التعامل مع الكرة في موقف واحد ضد واحد والتحركات النموذجية بجانب السرعة في الاختراق كلها من العوامل التي ساعدته، ولكن أضف إلى ذلك تسديداته الصاروخية التي لا تصد ولا ترد.
يوضح المهاجم الفرنسي ريموند كوبا زميله في ريال مدريد "بوشكاش كان يرعب الحراس من مسافة 30 إلى 35 مترا، لم يكن يسدد بقوة كبيرة فقط ولكن بإحكام كذلك، كنت أعتقد أنه عبقري".
منافسه في برشلونة بذلك التوقيت المهاجم الإسباني لويس سواريز أكد على حديث كوبا وأشار "كان يملك قدرة على التسديد عظيمة، كانت سرعة اتخاذ القرار مذهلة، وفوق ذلك كله كان مهاريا ومتفجرا.. كان يلعب بهدوء واستمتاع".
المجر توجهت إلى مونديال 54 كالمرشح المفضل للتتويج باللقب تحت قيادة بوشكاش. هدفاه في كوريا الشمالية وهدف آخر في ألمانيا الغربية قادا بلاده للتأهل إلى الدور التالي ومن ثم المرور من البرازيل وأوروجواي.
والأهداف أظهرت قدرته على استخدام القدم اليمنى كذلك بعدما سجل بها عدد من الأهداف. إذا لم يكن يعتمد على يسراه فقط والتي كان يتم انتقاده على عدم استخدامها.
الركلة القوية التي وجهها المدافع الألماني فيرنر ليبريش إلى كاحل بوشكاش أبعدته عن المشاركة في مباراتي البرازيل وأوروجواي ما قبل اللقاء النهائي.
ولكن في المواجهة النهائية في لقاء مكرر أمام ألمانيا الغربية، وما حدث لاحقا بعد ذلك عرفه الكل باسم "معجزة بيرن" إذ انتصر الألمان بثلاثة أهداف مقابل هدفين ليخسر المجريون لأول مرة منذ 4 سنوات خاضوا خلالها 31 مباراة.
وكالعادة طالما كان حاضرا فإن فرينتس يجب أن يترك بصمته بعدما سجل هدفا عقب مرور 6 دقائق فقط رغم عدم اكتمال لياقته البدنية والتي بدت واضحة في اللقاء.
قبل النهاية بدقيقتين فقط انطلق من الجهة اليسرى بعد تلقي تمريرة طولية، وانطلق إلى داخل منطقة الجزاء مسددا كرة قوية يسارية معتادة سكنت الشباك، ولكن الحكم رفع راية التسلل.
تألقه في تلك البطولة جعله يحصل على جائزة اللاعب الأفضل في البطولة.
جيمي هايل محلل هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي وصف أدائه في تلك النسخة من المونديال قائلا: "كانتا سيطرته ومهارته على الكرة مذهلتين، كان بإمكانه التمرير لمسافة طويلة وبدقة كبيرة، في النهاية كان قادرا على تسجيل الأهداف كذلك".
أما السير تومي فيني أسطورة إنجلترا ونادي بريستون نورث إند فأشاد بالمجري "كان قصيرا وممتلئ الجسد ولكنه امتلك قدم يسرى مذهلة، كان حاسما أمام المرمى بطريقة عبقرية، سأضعه في قائمة الأعظم عبر التاريخ".
قائد الفرقة السريعة كما اشتهر كان يتمتع برؤية مذهلة بطبيعة الحال مكنته من القيام بما اعتاد على أن يبرع فيه، وربما لا يوجد وصف أفضل مما قاله زميله الظهير المجري جينو بوزانسكي.
"إذا امتلك لاعب جيد للكرة فيجب أن يمتلك الرؤية لاختيار ما بين 3 حلول أمامه.. بوشكاش كان قادر على إيجاد 5 حلول".
في النهاية الكل أجمع على أن أسلوب لعب وبوشاكش ومهاراته كانت سابقة لعصره. وجوناثان ويلسون مؤلف كتاب (وراء الستار: كرة القدم في أوروبا الشرقية) اعتبره اللاعب الأعظم عبر تاريخ أوروبا إلى جوار يوان كرويف.
"إذا قلت المجر فإنك تعني بوشكاش".. جريجوري كارباتي البطل الأولمبي.
اقرأ أيضا:
وثائقي صلاح - "أكبر مهاراته البدء من الخلف.. إنه مثل بيكام في إنجلترا"
قصص المونديال المنسية - جريمة في خيخون
المكسيك.. نحو إرث جديد تضيفه أمة الألوان لتاريخ كرة القدم