قصص المونديال المنسية - "شهيد دسمان" يصنع للكويت سمعة مونديالية زائفة
السبت، 19 مايو 2018 - 00:44
كتب : زكي السعيد
في 10 أكتوبر 1982، قبل انطلاق مباراة نيوزيلندا والكويت في أوكلاند بتصفيات كأس العالم 1982، رفع أصحاب الأرض لافتة مهينة لضيوفهم القادمين من الخليج، نصها: "الزموا جِمالكم".
اللافتة أثارت سخط الجانب الكويتي، والعقاب جاء قاسيا: انتصار متأخر في الثواني الأخيرة بهدفين مقابل هدف، وأسبقية مبكرة في تصفيات المونديال الإسباني.
المباراة كانت مثيرة للجدل وشهدت إلقاء مقذوف معدني على الحكم الإندونيسي هاردجواسيتو من قبل الجماهير النيوزلاندية، مما تسبب في إيقاف المباراة لتسع دقائق.
لاحقا بعد شهرين، خاضت الكويت مباراتها الأخيرة في التصفيات على ملعب القادسية.. أمام نيوزيلندا.
الكويت احتاجت نتيجة التعادل لأجل التأهل إلى كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها، فيما توجب على نيوزيلندا الفوز. قبل انطلاق المباراة، حرص الجانب الكويتي على عرض قطيع من الجمال على التراك الجانبي للملعب.
في مواجهة مثيرة، تقدمت نيوزيلندا بهدفين مقابل هدف حتى الدقيقة الأخيرة من المباراة، إلى أ، قرر سامي الحشاش رفع الأدرينالين في دماء الجماهير الكويتية، وسجل هدف التأهل الأغلى في تاريخ الكرة الكويتية رغم تكتل مدافعي الخصم على خط المرمى.
تأهل الكويت وإن كان عسيرا، إلا أنه منطقي، فالأزرق كان بطلا لـ5 من أصل أول 6 نسخ لكأس الخليج، وخسر نهائي كأس الأمم الآسيوية 1976 أمام إيران في قلب طهران، قبل أن يحصد اللقب القاري في أرض الكويت عام 1980.
الجيل الكويتي الذهبي ضم أسماء عملاقة على شاكلة: فيصل الدخيل، جاسم يعقوب، عبد العزيز العنبري، سعد الحوطي، أحمد الطرابلسي، ورغم وقوعهم في مجموعة صعبة بمونديال إسبانيا تضم إنجلترا، فرنسا، تشيكوسلوفاكيا، إلا أن المنتخب الأقوى في آسيا دون منازع كان مطالبا بعروض تمتلأ بالندية، خصوصا مع خبرتهم السابقة من المشاركة بدورة الألعاب الأوليمبية 1980 والتي وصلوا فيها للدور ربع النهائي.
في المباراة الأولى أمام تشيكوسلوفاكيا، تقدم أبطال يورو 1976 بهدف من ركلة جزاء سجلها أنطونين بانينكا.. نعم، هو بعينه، الحارس الطرابلسي تسمر في وسط المرمى حتى لا يقع في شرك سقط فيه الألماني سيب ماير قبل 6 سنوات، ولكن بانينكا سدد بطريقة طبيعية هذه المرة.
في الدقيقة 57 من عمر المباراة، أدرك فيصل الدخيل التعادل بتسديدة رائعة، لتخرج الكويت بأول نقطة مونديالية في تاريخها قبل مواجهة فرنسا وإنجلترا في الجولتين التاليتين.
حادثة الأمير فهد
في المباراة الثانية أمام فرنسا وقعت الواقعة..
الدقيقة 80 من عمر اللقاء، الفرنسيون متقدمون بثلاثة أهداف مقابل هدف، والكويت لا تُظهِر مؤشرات حقيقية لعودة مستحيلة في النتيجة رغم هدف عبد الله البلوشي بالدقيقة 75.. ميشيل بلاتيني يرسل كرة أمامية في عمق الدفاع الكويتي للمنطلق آلان جيريس.. لاعبو الكويت يتجمدون بعد سماعهم صافرة مجهولة المصدر، الحارس الطرابلسي في حالة تردد، وجيريس لم يفكر مرتين مطلقا تسديدة قوية في شباك الكويت.. وما حدث في الدقائق اللاحقة كان تاريخا.
لاعبو الكويت بدأوا في الاعتراض على الحكم السوفيتي ميروسلاف ستوبار الذي كان بإمكانه احتواء الموقف حتى لحظة ظهور فهد الأحمد في المشهد.
الأمير فهد الأحمد الجابر الصباح، نجل أمير الكويت وقتها، ورئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم، بالإضافة إلى عدة مناصب أخرى سابقة ولاحقة تجعله المسؤول الرياضي الأهم ربما في الدولة الخليجية.
فهد الأحمد أشار للاعبيه بالتجمع على الخط الجانبي للملعب فيما بدا وكأنه تحريض على الانسحاب من المباراة، قبل أن يقرر هبوط درجات سلم المدرج في لمح البصر واقتحام أرض الملعب ليتحاور بنفسه مع الحكم ستوبار.
وفي حدث تاريخي، تمكن الأحمد من دفع الحكم السوفيتي إلى إلغاء هدف فرنسا الرابع بسبب تلك الصافرة الزائفة التي صدرت من مدرجات ملعب خوسيه زوريا في بلد الوليد، بعد ما يقرب من 15 دقيقة مليئة بالشد والجذب.
ميشيل هيدالجو مدرب فرنسا انتابه الجنون، وتوجه بسخط عارم إلى حكم المباراة، إلا أنه فوجئ بقوات الأمن تشكّل أمامه ساترا حتى لا يحدث الأسوأ.
انتصر التدخل الحكومي الكويتي في تلك المباراة –ولكنه لن ينتصر بعد بضعة عقود وسيتسبب في تجميد النشاط الكروي الكويتي من قبل الاتحاد الدولي-، وعادت النتيجة لتكون تقدم فرنسا بثلاثة أهداف مقابل هدف الكويت الوحيد، إلا أن الفرنسيين حملوا الأمر في أنفسهم، وأصروا على تسجيل هذا الهدف الرابع، الأمر الذي تحقق بواسطة ماكسيم بوسيس قبل دقيقة على نهاية المباراة.
بعد اللقاء، قام الاتحاد الدولي لكرة القدم بإيقاف الحكم ستوبار لما تبقى من البطولة، وتغريم فهد الأحمد ما يعادل 8000 جنيه استرليني.
بعد أيام قليلة، خسرت الكويت بصعوبة أمام إنجلترا، وودعت المونديال.
الجانب الآخر من فهد.. والكويت
من غير المنصف أن تتمحور سيرة منتخب آسيوي خارق كجيل الكويت الذهبي في السبعينيات والثمانينيات حول تلك الحادثة المثيرة للجدل فحسب، كما أن حصر ذكر الأمير فهد في تلك الحادثة "الكروية" لن يكون دقيقا.
فالأمير فهد الأحمد هو عضو سابق في الجيش الكويتي، شارك في مقاومة منظمة التحرير الفلسطينية للكيان الصهيوني، كما تواجد في لواء اليرموك الذي أرسلته الكويت للحرب إلى جانب مصر في 1967.
في 2 أغسطس 1990، وفي الرابعة والأربعين من عُمره، قُتل فهد الأحمد أمام بوابة قصر دسمان الخاص بالعائلة الحاكمة الكويتية أثناء الغزو العراقي للكويت بعد أن استهدفه أحد القناصين، ويشتهر في الكويت بلقب "شهيد دسمان".
طغت الدراما والدماء على حياة وممات فهد الأحمد، وقدّم المنتخب الكويتي كرة قدم ذات جودة عالية تفوقت باكتساح على أي منافس آسيوي آخر.. إلا أن واقعة بلد الوليد 1982 ظلت العنوان الأبرز لشهيد دسمان والجيل الذهبي للأزرق.