كتب : أحمد عبد اللطيف يوسف
"أنظر إلى ذلك" بنظرة متعجرفة وبنبرة عنصرية حثت امرأة بأحد البارات المحلية في ريو دي جانيرو طفلها على النظر إلى شيء يبدو للوهلة الأولى بأنه شيئا مذموما فاقد للآدمية.
بعدما أدارت المستديرة بجماهيرها ظهرها إليه اتجه للعمل الخاص الذي كان يعمل به قبيل احترافه لكرة القدم، فاقد الهوية لدى الجميع هو ليس أدمي كما نعتته نظراتهم وأفواههم، أسطورة تراجيدية صنعها حدث شهير عرف بما سمي "ماركانزو" في عام 1950، الحدث الذي لم يخلد يوما لثباته دون المضي قدما في تفاصيله.
طالع قصص أخرى منسية من المونديال
"هل رأيت هذا الرجل من قبل؟ ذلك من جعل البرازيل بأكملها تغرق في دموعها " شيء بداخل باربوسا ينظر إلى الصبي بأسى طفل لم يشاهد الحدث أدانه مع تعاقب الأجيال، لم ينس الشعب البرازيلي ذات يوما مواكير باربوسا بكسرة قلب "أقصى عقوبة في القانون البرازيلي هي السجن لمدة 30 عاما الأن وبعد 45 عاما الناس لم تغفر لي أعتقد أنني سأظل أدان للأبد".
ما قبل الجريمة
بعد ولادة متعسرة حول اختيار البلد المضيف إلى أن تقدمت البرازيل بعرض لاستضافة الحدث بشرط أن يقام عام 1950 بدلا من 1949 ومن ثم إقناع المنتخبات بالمشاركة بعد توقف دام لمدة 12 عاما بسبب الحرب العالمية الثانية حيث كان آخر نسخة أقيمت بفرنسا عام 1938 إلى أن وصل 13 منتخبا قسموا إلى 4 مجموعات كما اقتضى نظام البطولة لعدم وجود أدوار إقصائية واستبدل فقط في هذه النسخة أن يتواجه متصدر كل مجموعة من المجموعات الأربع في مجموعة نهائية، ولذلك فلم تكن هناك في الواقع مباراة نهائية.
في 1950 البرازيل أكثر من توج بلقب كأس العالم كانت تبحث عن أول ألقابها، فقط كان يكفيها التعادل أمام جارتها الأوروجواي للظفر باللقب بعد الفوز على كل من السويد وإسبانيا وإحراز 13 هدفا في المباراتين.
"لقد أوفيت بوعودي ببناء هذا الاستاد الآن القيام بواجبكم: الفوز لكأس العالم" في غرفه خلع الملابس قبل المباراة، عمدة ريو دي جانيرو أنجيلو منديس دي مورييس يعلن أن كافة الاستعدادات لموكب النصر للمنتخب البرازيلي قد انتهت.
وأصدرت المكاتب الحكومية مرسوما بيوم 16 يوليو أغلقت المحلات التجارية في جميع أنحاء ريو. وقد طبعت صحيفة "أو موندو" غلاف للاعبي المنتخب تحت عنوان: "هؤلاء هم أبطال العالم" وكان رئيس الفيفا جول ريميه والذي تحمل تنظيم الحدث من 1946 إلى 1970 قد أعد خطابا باللغة البرتغالية لمنح كأس العالم وقال إنه أهمل أي شيء باللغة الإسبانية.
وقد بني ماراكانا ليتحمل 155 ألف مشجعا، ولكن الملعب يحمل بين طياته ألواح من الخرسانة، مما سمح للمنظمين لبيع تذاكر خارج سعة الملعب وصل الحضور إلى ما يقرب من 200 ألف مشجع هو أكبر حشد من أي وقت مضي لمشاهدة لعبة كره القدم.
في 1945 كان باربوسا احتياطيا للحارس أوبردان كاتاني حارس بالميراس الحارس المثالي للمنتخب البرازيلي الذي لم يشغل هذا المقعد من قبله أحد من اللاعبين ذو البشرة السمراء ولكن قبل مباراة مع الأرجنتين أصيب أوبردان وأتيحت الفرصة إلى باربوسا وقد استقبل حارس المرمي ذو الأصول الإفريقية هدفين في النصف الأول قبل أن يستكمل أوبردان المباراة.
وأكدت مشاركة باربوسا ما يعتقد مدرب المنتخب أن اللاعب يمتلك من المرونة لا يمكن أبدا ان يكون مثلها البرازيلي.
ويعتقد فلافيو كوستا، وهو مدرب كل من المنتخب وفاسكو دا جاما، بشكل مختلف كوستا كان يفضل أن حارس المرمي غير تقليدي لذلك أعطى باربوسا فرصه أخرى، وأخذ فاسكو بطولة ريو في 1947، 1949 و1950.
في 1948، فاز فاسكو ببطولة الأندية القارية الأولي في العالم، مع محافظة باربوسا علي مستوى متميز على صعيد حراسة المرمى، وعندما افتتح كأس العالم في ريو دي جانيرو في 1950 فقط استقبل 4 أهداف قبل المباراة الأخيرة أمام أوروجواي.
جريمة في ماراكانا
أثناء عزف النشيد الوطني كان أحد لاعبي المنتخب المنافس يبلل نفسه، باربوسا لم يلاحظ ذلك، نظر إلى العلم البرازيلي في جوانب الماراكانا يصعد القطب وفكر مليا هل أحد يسبح في هذا المحيط يرى ما يراه أم هي رسالة خاصة له؟
طوال الشوط الأول من المباراة كان صاحب الـ29 عاما مثاليا ، لكن القلق سيطر على المدرجات، النتيجة تشير إلى التعادل السلبي عاد طلب العمدة إلى اللاعبين ليحملوا المسئولية كما لو أنهم لا يريدوا البطولة لأنفسهم.
في الدقيقة الثانية من الشوط الثاني أحرز فرياكا مهاجم السليساو الهدف الأول يسار الحارس ليضع البرازيل في المقدمة.
"هناك شخصين فقط بالإضافة لي أسكتوا الماراكانا فقط فرانك سيناترا والبابا يوحنا الثاني" لاعب الأوروجواي ألكيدس جيجيا.
لكن في الدقيقة 66 انطلق جناح الأوروجواي جيجيا وتخطى دفاع السيليساو ومرر الكرة للمهاجم ألبرتو شيافينو ليحرز هدف التعادل.
ساعة الماراكانا تشير إلى الدقيقة 79 انطلق جيجيا مجددا وسارع شيافينو إلى منطقة جزاء السيليساو أعتقد باربوسا أن الكرة ستمرر كما حدث في الهدف الأول وتقدم ليتفادى الكرة قبل المهاجم لكن جيجيا خادع الحارس وأرسلها مباشرة إلى المرمى ولم يستطع باربوسا بمرونته المعتادة أن يمنع مرور الكرة ورفاق جيجيا من ملامسة اللقب.
كبش فداء
في الأيام التي أعقبت المباراة، بحثت صحيفتا ريو وساو باولو عن كبش فداء وعنونت أو ستاديو دي سان باولو "باربوسا، الذي لعب بشكل جيد في أوقات أخرى فشل في الزود عن مرماه، أي حارس من الدرجة الثانية كان سينجح في ذلك".
بشكل سريع تبلور الرأي العام، ولكن باربوسا لم يكن يقرأ الصحف أو يستمع إلى الراديو. هو وزوجته كلوتيلدا، خيما في منزلهما لكن الأمر استلزم تحذيرا من زميل له للاستماع إلى الشائعات: "الناس كانوا يخططون لحرق منزلك يجب أن تغادر".
سرعان ما استقل باربوسا وزوجته القطار متجهين إيتاكوروكا غرب الساحل الأطلسي وأاشترى باربوسا نسخة من صحيفة دوس جورنال واختبأ خلفها طوال جلوسه، استمع باربوسا إلى رجلين يناقشان أسباب فقد المنتخب البرازيلي للقب كأس العالم الأول تساءل عن كيفية لعب الجناح جيجيا بكل تلك الأريحية والثاني.
"ماذا عن باربوسا؟ لعب مثل طفل صغير ومسئول عن كلا الهدفين، أتمنى قبل أي وقت مضى لقاء ذلك الأسمر، وأنا لا أعرف ما سأفعله به" استشاط باربوسا غضبا وقفز من مقعده موجها الحديث لكليهما "هل تبحثان عني؟".
بعد ذلك أوقف القطار بعد أن تسببت تلك المشكلة في إحداث قلق لجميع الركاب. لكن هذا كان نذير شؤم بغض النظر عن العدوانية التي واجهها، فلن يكون قادرا علي إخضاعهم كان هناك الكثير من النقاد، والغاضبين كانوا دائما ما يصبوا جام غضبهم على الحارس في صفحات النقد والأحداث الرياضية المختلفة حتى على حوائط ريو دي جانيرو.
في أثناء بحث الاتحاد البرازيلي لكرة القدم أسباب الإخفاق لعب باربوسا مباراة واحدة عام 1953 وانتهت بفوز المنتخب البرازيلي بهدفين للاشيء على المنتخب الإكوادوري بعدها عانى باربوسا من كسر في الساق في مباراة فاسكو. كانت مصادفة مريحة يقول الصحفي تيكسيرا هيزر" عام 1954 أعتقد الجميع أن باربوسا مثله كسلة قمامة لا أحد يريد التحدث عنه، الجميع في البرازيل ألقوا اللوم عليه في كارثة 1950".
باربوسا جاني أم مجني عليه؟
منذ إصابته اختفى باربوسا عن الأحداث حتى عام 1962 في مباراة لفريقه كامبو جراندي حينها كان في عامه الحادي والأربعون بينما كان يحاول التصدي لأحد التسديدات شعر بألم وأخرجه مدربه من الملعب للحفاظ عليه ووقف المشجعون يصفقوا له ولكنه كان ينظر إلى المدرجات كأنه يبحث عن صديق ليودعه، باربوسا اعتزل كرة القدم لكن في الحقيقة أنها اعتزلته منذ 12 عام في الماراكانا وأصبح الجميع يلقوا سهام النقد عليه "أنت الشخص الذي خذلنا جميعا".
البرازيل استطاعت الظفر بلقبي 1958و1962 بقيادة بيليه إلا أن عقل باربوسا دائما ما كان واقفا أمام 1950 وكانت تصويبة جيجيا دائما ما تعاد في مخيلته والكرة لم تقف أبدا من الدخول للشبكة كالرصاصة التي سكنت عقله للأبد.
عام 1963 لم يكن لدى باربوسا عملا بعد اعتزاله، كان منبوذا ولكنه ظهر في الماراكانا مجددا وانضم للعاملين هناك وعندما بنت المدينة حمام سباحة كان باربوسا معلما للأطفال وعند حضورة لأي مباراة بشكل ودي أو أي بطولة كان السؤال في ذهنه ماذا لو لم ينجح جيجيا في تسديد الكرة للمرمى؟
وكان من الممكن ان يكون باربوسا أول لاعب ذو أصول إفريقية بارز يفوز بكأس العالم للبرازيل ولكن الإنجاز حصل عليه بيليه.
كان لأخطاء باربوسا أثر معاكس "بعد 1950، فقد اللاعبون أصحاب البشرة السمراء الثقة بالنفس خشية من اللوم مثل باربوسا لخسائر الفرق" ظل غياب الحراس ذو البشرة السمراء عن المنتخب ذلك لمدة 56 عام حتى ظهر حارس ميلان والمنتخب البرازيلي السابق نيلسون ديدا عام 2006".
وفي أوائل التسعينات، سافر باربوسا صاحب السبعون عاما إلى جرانجا كواري وكان الفريق الوطني يستعد لكأس العالم 1994. وقد وصل باربوسا للقيام بزيارة للفريق، وهي ممارسه شائعة في بلد يختلط فيه اللاعبون السابقون بالنجوم الحالية بشكل روتيني ولكن عندما ظهر عند البوابة، قام حراس الأمن باتصال لاسلكي لرؤسائهم ولم يسمح لباربوسا بالدخول.
وقال الصحفي هيزر "لقد كان شكلا من أشكال الوحشية عندما التفت جانبا، قد مرت أكثر من 40 سنة علي خسارة اللقب أمام اوروجواي، ولكن مازال باربوسا منبوذا".
البعض يقول إنني فشلت إذا فشلت أم لا، من سيعيد الوقت الآن؟ لا أحد، جيجيا فكر بشكل خاطئ وتنتهى به الأمر لهدف، وأعتقدت الحق وكنت مخطئا.
هناك رجل وحيد قال إن باربوسا لم يكن مخطئا هو أوبردان كاتاني "الدفاع أخطأ ولكن اللوم كله تم إلقاؤه على باربوسا".
لم يكن هناك يوم واحد من حياتي لم أضطر إلى شرح نفسي. أنا وحدي لم أكن مسؤولا عن الهزيمة لكنني سأموت، وسيظل الناس يبحثون عن سبب عام 1950 كانت السبيل الوحيد لدخول التاريخ ولن أغادر ذلك التاريخ.
بعد مرور أسبوعا من عيد ميلاده الـ79 كانت أزمة قلبية سببا في مغادرته للعالم، ولكن إذا استمعت إلى الأشخاص المقربين له، فستجد أن قلبه انكسر وقد رحل بالفعل منذ 1950.
طالع كل تغطية FilGoal.com وتقارير كأس العالم من هنا