كتب : مصطفى عصام
تونس كلفتنا الخروج من تصفيات أوليمبياد ميونخ 1972.. تصفيات كأس العالم 1974 بألمانيا.. النكبة الأكبر بتصفيات بيونيس أيرس – الأرجنتين مونديال 1978.. كأس الأمم الافريقية بغانا 1978.. تصفيات أوليمبياد سول 1988.
ترسخ لدينا عقدة الخسارة من تونس و الخروج من اللقاءات المصيرية صفر اليدين، الجميع يتذكر رباعية المنزه و كوارث خط الدفاع بقيادة مصطفى يونس و أحمد عبد الباقي.. أو الهدف الغالي لجمال الأمام في الشوط الإضافي بتصفيات سول في قلب القاهرة.
تخلل لقاءاتنا مع تونس طيلة فترة السبعينات و الثمانينات نتائج متواضعة في الانتصار المصري، اقصاء لنسور قرطاج فقط من أمم افريقيا 1984 بهدف علاء نبيل ذهابا و التعادل إيابا بالمنزه، فوز بهدف طارق سليمان في كأس العرب 1988.
فماذا طرأ على خريطة المواجهات.. يستعرض لكم FilGoal.com القصة الأتية.
الجوهري تحدث عام 1991 في سرد مذكراته لملاحق أخر ساعة الرياضية شهريا، بطل مصر الأول والأوحد وقتها، لا يجرؤ أحد على الهتاف لأي نجم بالملعب، الهتاف موحدا (جوهاااااااري... جوهاااااااري).
قصاصات غير قابلة للحرق.
بالبدلة الكحلي لا ينقصه سوى نظارة معدنية وعدة سنتيمترات ليواجه كاريزما دكتور رفعت إسماعيل بطل روايات ما وراء الطبيعة للدكتور أحمد خالد توفيق.
ملول.. عصبي.. حاد الذكاء.. يدخن كثيرا.
يتحدث الجوهري قائلا: "انطلاقتي الحقيقية بدأت مع الخبير الألماني ديتمار كرامر أحد صناع نهضة بايرن ميونخ وألمانيا الغربية عموما بكرة القدم، كرامر أشرف على الكرة المصرية في منتصف السبعينات".
"كنا نواجه مشاكل جمة في مواجهة فرق شمال إفريقيا بسبب لاعب الأرتكاز، مركز عانينا من ندرته في مصر وطرق اللعب وقتها لم تسعف وجوده بالملعب، تعلمت منه الكثير والكثير و دونت منه كُراس كامل أثناء مساعدته بتدريب اتحاد جدة".
"كنا لا نزال نتبع النظرية الإنجليزية القديمة kick and run، أكبر كم من المدافعين و المهاجمين مع تهميش نصف الملعب، الخبراء الفرنسيين و الإيطاليين غزوا شمال القارة، أنتجوا وحوشا تلعب في منتصف الملعب ليس لها أدنى أهمية سوى قطع الكرات ومراقبة صناع اللعب والمهاجمين، التدخل أحيانا بقسوة على القدمين، قبل أن نكتسح القارة في الثمانينات مؤخرا باختراع (ناندور كالوتشاي - مجدي عبد الغني).. (مايكل إيفرت- إسماعيل يوسف) في مواجهة وحوشا مثل ماكانكي بالكاميرون".
"كانت تلك نقطة قوة تحديدا التوانسة، اثنان في منتصف الملعب قادرين على شل حركة (الخطيب - حسن شحاتة - فاروق جعفر - مختار مختار)، توالت الهزائم التونسية حتى ترسخت عقدة، لم أنس هذه النظرية حتى مع تولي مهمة تدريب منتخب مصر و وقوعي في طريق انتهى بمواجهة الجزائر بعيدا عن نسور قرطاج".
"ينقصنا في مصر فقط الدراسة و المذاكرة، الأمور كانت تُجرى بصورة فهلوية، كادت الكرة المصرية تأخذ مسار نحو الانحطاط لولا تدخل عبده صالح الوحش ومايكل سميث خلفه، هنا بدأت خطة الأعداد لفريق قومي سليم يمكنه التأهل لكأس العالم".
(اعتزال الخطيب أفضل لاعب في مصر.. المجري يعلق حذاءه.. مشاكل مع طاهر أبو زيد)
"كل هذا مثل ضغطا فوق الضغوط الملقاة على حاملي، لم أعد أملك الخطيب و عماد سليمان، مطالبات عدة لعودتهما من الاعتزال الدولي ومعهما المجري مصطفى عبده.. طاهر أبو زيد إصابته بركبته أثرت على مستواه أضف إلى مشاكله.. بدأت في الاعتماد على عناصر خارج الأهلي والزمالك.. واجهت العديد من الانتقادات وطلب الرحيل حتى بعد أن وصلت للمرحلة النهائية و لم يتبق سوى عبور محاربي الصحراء".
وهنا نقطع الحديث ونتذكر مقولة رفعت إسماعيل الشهيرة: "أنا الشيخ الفاني الذي تشبه حياته ورقة في شجرة صفصاف إبّان الخريف. الكل ينتظرها كي تسقط، الكل يعرف يقينًا أنّها ستسقط، ناموس الحياة يقول إنها ستسقط، لكنها لم تسقط بعد!".
والتفسير الوحيد عندي هو أن أجلي لم يحِن بعد.
"مباراة الذهاب بقسطنطينة انهت بالتعادل سلبا، الجميع ظن أننا سنخرج بنتيجة كارثية منها، لم يبق على إتمام مهمة العبور - يوم السابع عشر من نوفمبر لعام تسعة وثمانين - سوى خطوات قليلة، تتطلب قبلها شحن المعنويات وإلقاء أحدهم درسًا لا ينساه".
يكمل الجوهري حديثه: "خروجنا من تصفيات سول 1988 في قلب القاهرة بهدف جمال الأمام لن ينسى، قررت أن أقيم معسكرا بتونس لمدة خمس أيام ( 2 حتى 8 نوفمبر)، خبرتي عسكريا كضابط سابق بالقوات المسلحة فرضت على السرية التامة على مهمتنا خوفا من جواسيس المنتخب الجزائري".
"وفي المقابل نجح حمادة إمام وحازم كرم في مهمتهم السرية بمراقبة كل تفصيلة لخطط كرمالي الشرسة في معسكر الجزائر بإيطاليا و نقل لي تفاصيل اللقاء الودي كاملا مع إيطاليا و الذي انتهى بفوز المضيفة بهدف".
"كل غريب في الفندق مشتبه به و ينبغي طرده مباشرة دون الاستماع لأعذاره و أحجيته، تونس قبل أن تلعب المباراة أعلم جيدا أنها ستواجهني بخطة هجومية لتجربتها من أجل تعويض هزيمتها أمام الكاميرون في التصفيات النهائية بهدفين دون رد، أما أنا فخطتي تقتضي الهجوم أيضا للفوز على الجزائر بهدفين على الأقل دون رد".
"وسط هذا التضارب الخططي أقيمت المباراة، كنت أعلم أنها ستنتهي بهزيمة قاسية لأحد الفريقين، فعمدت أن أوازن الدفاع بالهجوم، بالإضافة لعدم إذاعة المباراة خوفا من ردود الأفعال".
"واجهت الهجمات التونسية المكثفة في بداية الشوط الأول بالدفاع المحكم، سيناريو مضاد لفكري ولكنه قد يكون مفيدا من أجل تضليل عيون جواسيس الجزائر، لعبت على المرتدات، أنهيت الشوط الأول بهدف للكاس".
"فاجأت كل من في الملعب بالهجوم في الشوط الثاني، في علم كرة القدم لكي تفاجئ خصما ارتدي قمصانه (بمعنى أوضح العب بنفس خطة لعبه)، سجلت ثلاثا أخرى لجمال عبد الحميد وأحمد رمزي وطاهر أبو زيد".
"وقفت على خط المباراة مرعوبًا، أدخن السجائر بشراهة، اللاعبون انتابتهم غمرة الفرح وكذلك الدكة، لم يفهمني سوى سمير عدلي، فنقلت إليه إحساس المسؤولية، لم ننتصر على تونس من قبل برباعية، فما بالك على أرضها التي أذلتنا عليها من قبل و حرمتنا من وصول كأس العالم، و أنا على مشارف كأس العالم أيضا".
ا"لخبر نقل للإذاعة والشارع المصري فاستقبلوه بفرحة ولكن مشوبة بالحذر..!".
"حاصرت اللاعبين، اجتمعت بهم جميعا في أحد الغرف وكلي غضب وصياح، لا شئ سوى الصلاة ودعوة الله أن يحمينا ويصرف عنا شر الغرور، اللاعبون رأوا قائدهم جمال عبد الحميد يبكي و يتضرع، فالكل انساق خلفه، اطمأننت لخطتي بأنها على الطريق الصحيح، الشحن مثالي، وبعض الأغاني الوطنية بالأوتوبيس والطيارة ستفي بالغرض، الطريق لإيطاليا ممهد بعون الله".
على غرار رفعت إسماعيل، تبقى للجوهري بضعة غرور أراد أن يشبعه، أكمل الجوهري حديثه مدخنا السيجار بشراهة كالعادة.
"بالمناسبة، المسؤولون عن الكرة بتونس جمعوا كل المدربين بالدوري و المنتخبات الوطنية لديهم، لألقي لهم محاضرة عن أحدث طرقي في التكتيك الكروي، أشبع ذلك غروري وأحسست بردي لنكساتنا أمامهم، أخفيت هذا اللقاء عن اللاعبين كي لا يتسرب لنفوسهم غروري".
طالع كل تغطية FilGoal.com وتقارير كأس العالم من هنا