كتب : إسلام مجدي
"لطالما احتوت كرة القدم على الأضواء والنور وأيضا الظلال والظلام، في أمريكا الجنوبية ستجد الإثنين دائما، خاصة حينما تأتي بطولة كأس العالم حينها ستجد الكثير من الأسرار". لويس جالفان مدافع أرجنتيني.
في عام 1928 تمكن جول ريميه أخيرا من إقناع زملائه في الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بتطبيق فكرة كأس العالم، لكنه لم يتخيل أبدا أنها ستصبح أهم بطولة في التاريخ، وهدفه كان واضحا "توحيد الأمم" لكن هل هذا ما حدث فعلا؟
نعلم الكثير من الأجزاء عن قصة كأس العالم 1930 تلك التي فازت بها أوروجواي الدولة المنظمة، لكن هناك جزء لم يحكى بعد، كيف حدث ذلك الإنجاز وكيف فازت أوروجواي بتنظيم البطولة؟
اقرأ أيضا.. (أسرار المونديال - أبناء زائير "اللقطاء")
نجحت أوروجواي في الحصول على استقلالها من بريطانيا عام 1830، بعد أن قضت القرن الـ19 تحاول إنهاء العنف وآثار الاحتلال استمرت مرحلة إعادة البناء والطابع اللاتيني في الدولة حتى أتى عام 1927 ذلك العام الذي شهد ثورة في عالم البناء. وتم توكيل مهمة بناء صرح رياضي ضخم أشبه بحلبات المصارعة اليونانية إلى خوان أنطونيو سكاسو، ليعكس مجد القرن بالنسبة لأوروجواي وهو الاستقلال.
لم يكن في الحسبان أبدا أن أوروجواي ستكون محط أنظار العالم أجمع، المشروع بالكامل كان من أجل الدولة فقط. حتى أتى شهر مايو 1929.
في شهر مايو من ذلك العام، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يقدم بطولة عالمية، وأن يحصل على 10% من عائد البطولة، في حين أن الدولة المستضيفة ستتحمل النفقات والخسائر والمخاطرة وكل شيء. بعد ذلك الإعلان كانت هناك دولا مثل هولندا وإيطاليا انسحبوا من محاولة استضافتها لأنهم أرادوا الحصول لا الدفع، ولم يتواجد سوى أوروجواي فقط الدولة الوحيدة التي قبلت أن تفعل ذلك بسعادة كبيرة، خاصة وأنها ستدفع أيضا من أجل سفر الدول المشاركة وتعوضهم.
كأس العالم 1930 وفكرة تنظيمها في عام 1929 جاءت بعد الثلاثاء الأسود أو ما عرف بانهيار سوق الأسهم في وول ستريت، كان ذلك بعد انهيار سابق بـ5 أيام فقط في شهر أكتوبر، وهي أول خطوة للأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينيات والتي عرفت فيما بعد بالكساد الكبير.
خوان كامبيستيجي رئيس أوروجواي في ذلك الوقت كان ملما بالأزمة المالية وضمن لكل المشاركين عوائد مالية حتى قبل عصر التلفاز والبث.
إنجلترا وأيرلندا الشمالية وإسكتلندا وويلز (بريطانيا) استقالوا جميعا من الفيفا في ذلك الوقت ولم يشاركوا، وحتى شهر نوفبمر من عام 1929 لم تشارك أي دولة أوروبية في كأس العالم.
انتظرت كأس العالم حتى بداية عام 1930 لتتسارع الأجواء، قبل البطولة بـ6 أشهر انضمت 4 منتخبات أوروبية وقام جيشا من العمال ببناء استاد سعته 90 ألف مشجع.
استاد سينتيناريو كان أول ملعب في العالم يبنى من الخرسانة والحديد وهو من 4 طبقات للجماهير ووقتها شبه بـ"الوردة العملاقة".
"كل الأوروجوانيين كانوا فخورين بما يمثله ذلك الملعب، لقد كان يشبهنا ويتحدث عنا بمظهره فقط". دانييل بلوم مشجع حضر لكأس العالم 1930.
في ذلك الوقت أوروجواي كانت فخورة للغاية بتحقيق ذهبية أولمبياد 1924 و1928، والمنتخب كان واثقا من قدراته دائما، خاصة مع تألق فريق بينارول في تلك الفترة.
في ذلك الوقت لم يكن منتخب البرازيل قد بدأ فجر انتصاراته بعد، بل كان هناك عداوة أكثر عنفا ويفصلها نهر ريو دي لا بلاتا، الذي شهد بعد ذلك معركة ريفر بليت الشهيرة خلال العرب العالمية الثانية. العداوة كانت بين أوروجواي والأرجنتين.
لطالما كان يتم استبعاد منتخب أوروجواي من الترشح للتتويج بأي لقب في تلك الحقبة، وانعكس ذلك على أسماء المدن، مثلا في الأرجنتين بيونس آيرس تعني الهواء الجيد وريو تعني المدينة الجميلة أما مونتفيديو تعني التل السادس من الشرق وبكل تأكيد لا معنى حقيقي لذلك.
أبحرت السفينة الإيطالية الشهيرة "الكونت الأخضر" إلى مونتفيديو عبر نهر الريفيرا في فرنسا، وحملت على متنها جول ريميه رئيس الفيفا وممثلي فرنسا بجانب 4 منتخبات أوروبية استعدت للمشاركة في البطولة الجديدة المسماة بكأس العالم وهم مع فرنسا منتخبات رومانيا وبلجيكا ويوغوسلافيا، ومعهم كأس جول ريميه والتي عرفت قبل بـ"إلهة النصر"، الرحلة كانت ستستمر لأسبوعين.
اقرأ أيضا.. (أسرار المونديال – جثة رونالدو التي عادت للحياة لتشعل فتيل أزمة القرن)
تحدث المهاجم الروماني كونستانتين ستانكيو عن تلك الرحلة قائلا :"لقد كانت تجربة العمر للجميع، كانت هناك روحا رائعة بين كل المنتخبات المسافرة، على الرغم من ذلك عدد كبير منا عانى من دوار البحر، أتذكر أن منتخب فرنسا كان الأفضل على صعيد اللياقة البدنية، حتى أن بعضا من لاعبي منتخبنا شاركوهم التدريبات البدنية لكي يتأكدوا من الحفاظ على معدلات لياقتهم البدنية بشكل جيد، كنا نرى دائما جول ريميه، وتحدث بانتظام إلى مدربينا".
"كان شخصا يمتلك كاريزما رائعة، مدربنا أخبرنا أن جول ريميه كان محبطا لأن عددا كبيرا من المنتخبات الأوروبية قررت عدم السفر".
"كان يعتقد أن كأس العالم يمكنها أن تكون قوة كبيرة لجعلنا أفضل، وبدوري خسرت أقارب في الحربين العالميتين أتفق كليا مع جول ريميه وفلسفته، كرة القدم يجب أن تكسر حواجز السياسة والثقافة لكن للأسف لم تكن تلك هي الحالة دائما".
رحب شعب أوروجواي بشدة بالسفينة القادمة على الميناء، وتم السماح للطلبة بالرحيل لاستقبال اللاعبين، جول ريميه كان يتقدم البعثات الأوروبية للمنتخبات ومن كانوا على متن السفينة.
حتى اللحظات الأولى من بداية البطولة كانت هناك آمال عريضة من أوروجواي وريميه بأن يعيد الألمان والإيطاليون والإنجليز التفكير في أمر عدم المشاركة والقدوم، لكن ذلك لم يحدث.
الألمان والإيطاليون غابوا بسبب الكساد الاقتصادي، أما الاتحاد الإنجليزي فكان يعترض على رفض الفيفا لتعريف مصطلح كرة قدم الهواة ورفض السفر.
في حين أن شعب أوروجواي كانت له فكرة واحدة قائمة قالها بعض المشجعين :"الأوروبيون لم يمتلكوا الجرأة ليأتوا إلى هنا، لا يمتلكون روحا قتالية، فقط الرجل اللاتيني لديه الشجاعة لذلك". لكن ذلك لم يكن حقيقيا، لأنه كان هناك عددا كبيرا من المهاجرين الأوروبيين تواجدوا هناك في آخر 50 عاما خلال تلك الحقبة ما يعني أن الدماء اختلطت والشجاعة ليست حكرا على أحد.
لكن بطريقة ما كان ذلك صحيحا، كأس العالم 1930 لم تكن معركة للأوروبيين، بل معركة خالصة بين طرفين تقاتلا طوال تلك الفترة الماضية، الأرجنتين وأوروجواي.
كلاهما كان عدوا للآخر وكان يتمنى فناء الآخر، يفصلهما "ريفر بليت" فقط، الأرجنتين كانت لها اليد العليا فيما يخص عدد السكان والمساحة الكبيرة، لكن في العشرينيات أوروجواي لطالما أزعجت الأرجنتين كثيرا، إذ أنهم تمت تسميتهم في ذلك الوقت بأسياد النهر.
إنجلترا قدمت لعبة كرة القدم إلى أمريكا الجنوبية في القرن الـ19، وفي المقابل قررت القارة بإضافة النكهة اللاتينية، المراوغات واللعب بالكعب والتسديدات الجميلة، وهيمنت مباريات الأرجنتين ضد أوروجواي على أمريكا الجنوبية، خاصة في أول بطولة رسمية لأمريكا الجنوبية والتي أقيمت في مونتفيديو عام 1917، قبل أن تبدأ نيران الحرب في الازدهار وتلتهم أي إمكانية للتفاهم عام 1924 حينما حصدت أوروجواي الميدالية الذهبية لأولمبياد باريس. وقتها إنجازات الأرجنتين الأكبر كانت بطولات كوبا أمريكا برصيد بطولة وحيدة.
وقتها قامت اللجنة الأولمبية بإنتاج وشاح يحمل أعلام الدول المشاركة لكنهم وبطريقة ما أخطأوا ولم يضعوا علم أوروجواي، فقط نسوا ذلك، لتنتقم أوروجواي على طريقتها بالفوز بنتيجة 3-0 ضد سويسرا. ووقتها قدمت نفسها على أنها قوة جديدة في عالم كرة القدم وقادمة بقوة، ووصف أسلوب لعبهم بكرة جميلة وأنيقة وسريعة وقوية.
قررت الأرجنتين تحدي أوروجواي في مباراتين ذهاب وإياب، في مونتفيديو تعادل المنتخبان بنتيجة 1-1، لكن في لقاء الإياب كان هناك اعتراضا كبيرا على عدم وجود تذاكر للأوروجوانيين والجماهير شعرت بإحباط كبير واقتحموا الملعب وتم إعادة المباراة مرة أخرى ولم تستكمل بسبب حالة من الفوضى ومظاهرات بجانب إشعال النيران في السيارات.
وبعد إعادة المباراة لتصبح ثالث مباراة بينهم نظريا، كانت أول مرة يتم وضع سياج حول الملعب لإبعاد الجماهير عن اللاعبين والحكام وخسر منتخب أوروجواي بنتيجة 2-1 وتم إلقاء عدد كبير من الحصى على لاعبي أوروجواي وتعرض بعضهم للإصابة وقرر الضيوف الرد ليتحول الأمر إلى معركة. وفي اليوم التالي استعدت أوروجواي للعودة عبر ريفير بليت ألقى الجميع الفحم على بعضهم البعض.
وفي أولمبياد 1928 في أمستردام، تواجه منتخب أوروجواي مع نظيره الأرجنتيني في النهائي، أما هولندا وبلجيكا فكلاهما تقدم بشكوى بسبب "صعوبة التكتيك الجنوب أمريكي".
تجمعت الجماهير في بيونيس آيرس حول متاجر الراديو والحانات التي تمتلك مكبرات صوت من أجل المباراة وفي ذلك الوقت لم يكن هناك معلقي راديو متمرسين بعد، فقط كان هناك رجل يصف المعلومات التي يتلقاها والأخبار.
وعلموا وقتها التالي :"أوروجواي 2 الأرجنتين 1، أورسي جناح راقصي التانجو قدم مباراة رائعة ولم يكن من المفترض أن نخسر، لكننا خسرنا في نهاية المطاف". ساد الحزن والصمت في الأرجنتين.
على الجانب الآخر في مونتفيديو كانت هناك الكثير من الضوضاء والألوان والاحتفالات، حتى أتت كأس العالم 1930 فرصة للانتقام أو لاستمرار الهيمنة.
رحلة الأرجنتين كانت قصيرة عبر النهر من أجل نهائيات كأس العالم.
كتبت صحيفة "إل جرافيكو" :"أبطال العالم وصلوا إلى مونتفيديو".
وتحدث أوندينو فييرا مدرب منتخب أوروجواي السابق :"ذلك العنوان في تلك الصحيفة كان بمثابة إعلان الحرب، وبالفعل نهائيات كأس العالم 1930 تحولت إلى حرب كبيرة".
في ذلك الوقت لم تكن الأرجنتين جميلة، الجيش هو من يترأسها والنظام كان ديكتاتوريا للغاية وعانت من انهيار شديد في صادرات القهوة واللحم خاصتها، وكانت هناك العديد من الفوضى وانتشار للقوى الاشتراكية.
الحكومة الأرجنتينية نظرت إلى منتخبها في ذلك الوقت ليكون خلاصها من كل تلك الفوضى، وذلك عبر النجاح في كأس العالم.
كان هناك اعتقادا سائدا في ذلك الوقت: الناس ينسون مشاكلهم حينما تلعب مباريات كرة القدم، حتى وإن كان ذلك إلهاء مؤقتا، كرة القدم كانت الحديث الوحيد في الأرجنتين خاصة وأن أوروجواي هي خصمها المحتمل في النهائي.
خلال كأس العالم كانت صحيفة "إل جرافيكو" قد باعت ما يقرب من 100 نسخة طيلة أيام البطولة، خاصة وأنها كانت تصف منتخبها بأنه متفرد وخاص من نوعه.
وكتب الصحفي الأرجنتيني وقتها لورينزو بوروكوتو :"كرة القدم التي يقدمها الأرجنتينيون وأيضا أوروجواي، إنهم يلعبون بجمال أكثر وفن أكثر، مهارات ومرواغات لم نر لها مثيلا".
"كرة القدم في الأرجنتين عام 1930 كانت هوسا شعبيا مثل إنجلترا".
وقبل يوم من بداية كأس العالم 1930 كتبت صحيفة "إل جرافيكو" :"أي نسخة من ملوك ريفير بليت ستكون أفضل؟ النسخة الواثقة للأرجنتين، أم نسخة أوروجواي المسروقة؟".
تسربت أقاويل وقتها أن منتخب أوروجواي قد قرأ تلك الصحيفة وما كتبته عن المنتخب، وأصابهم ذلك بسخط شديد، لأنهم كانوا أبطال الأولمبياد مرتين ومضيفين كأس العالم ولم يبد الأمر منطقيا، الكل كان يقلل من قدرة أوروجواي. لكن أمرا واحدا كان أكيدا. تم إعلان الحرب بين الطرفين.
أشهر لاعب في أوروجواي كان لياندرو أندرادي الظهير الأيمن الأسمر البشرة والذي قدم بطولة رائعة في أولمبياد 1928، ثم يأتي هيكتور كاسترو المهاجم الرائع الذي خسر ذراعه اليمنى في حادثة منشار كهربائي حينما كان في الـ13 من عمره وهيكتور سكاروني.
كل لاعبي أوروجواي قبل كأس العالم كانوا يتدربون في كل أنحاء مدينة مونتفيديو، واختاروا الصباح الباكر من أجل التدرب في وسط المدينة حتى تراهم الجماهير.
بالنسبة للأرجنتين كان لويس مونتي هو الأشهر وكان خليطا غريبا من المهارة مع العنف والقوة.
"مونتي مثل كل ما هو جميل وقبيح في كرة القدم في الأرجنتين، لم يكن مثل مارادونا أو كيمبيس، كان واقعيا ويمرر ببراعة لكنه كان عنيفا ويكسر أنوف وأقدام اللاعبين". لورينزو بوروكوتو.
أول مباراة في تاريخ كأس العالم أقيمت الساعة الثالثة مساء يوم 13 يوليو 1930، كان هناك حالة من الحيرة، تساقط الجليد ليلة المباراة ولم يكن الاستاد قد تم تجهيزه بالكامل بعد، المباراة الافتتاحية كانت بين المكسيك وفرنسا، أمام 4444 متفرج وفاز فرنسا بنتيجة 4-1. كانت المجموعة تضم أيضا تشيلي والأرجنتين.
المباراة التالية لفرنسا كانت ضد الأرجنتين، وفي الدقيقة 81 تحصل لويس مونتي على ركلة حرة مباشرة وجن جنون الجماهير الأرجنتينية بعد أن سكنت الكرة الشباك، الكثيرين من أوروجواي شجعوا فرنسا لكنهم خسروا. واقتحم بعضهم الملعب وأيضا اشتبك بعض من لاعبي فرنسا مع الحكم البرازيلي ألميدا ريجو، تم استئناف المباراة بعد تهدئة الأجواء وانتهت بنتيجة 1-0 لصالح الأرجنتين.
بعد المباراة قامت جماهير أوروجواي بإمطار حافلة لاعبي الأرجنتين بالحجارة وهدد الاتحاد الأرجنتيني بالانسحاب من البطولة قائلا :"ما حدث قد يؤثر على علاقتنا الأخوية بدولة أوروجواي". قبل أن يقوم عددا من الصحفيين الأوروجوانيين بإقناع الأرجنتين بالعدول عن هذا القرار.
تصدرت الأرجنتين مجموعتها بعد الفوز على تشيلي والمكسيك والمجموعات الأخرى صعد منها منتخبات يوغوسلافيا وأوروجواي وأمريكا.
الأرجنتين كان عليها تخطي أمريكا في النهائي، ذلك المنتخب الذي وصف بأنه أقوى من امتلك قوة بدنية في عالم كرة القدم في ذلك الوقت، وقبل المباراة كان هناك نوعا من الثقة في ذلك المعسكر.
قال جاك كول مدرب المنتخب الأمريكي :"نحن لسنا مهتمين بمواجهة الأرجنتين، لكننا مهتمون أكثر وقلقون حول النهائي ومن سنواجهه".
الأرجنتين لعبت المباراة بقوة بدنية كبيرة وركض جاك كول نحو الحكم البلجيكي لانجونيس من أجل أن يلاحظ ما يحدث لكن هناك زجاجة ارتطمت به ليسقط مغشيا عليه، في تلك المواجهة خسرت أمريكا بنتيجة 6-1.
أوروجواي على الجانب الآخر كان عليها مواجهة بيرو ورومانيا وفازت بالمباراتين قبل أن تواجه يوغوسلافيا في نصف النهائي. ونجحوا في الفوز بنتيجة 6-1 بدورهم.
معركة "ريفير بليت" هكذا وصفت المباراة النهائية والتي كان موعدها 30 يوليو 1930.
سواء في الأرجنتين أو أوروجواي تم إغلاق الشركات والمكاتب، شركة جنرال موتورز الشهيرة في بيونيس آيرس أغلقت أبوابها وأعلنت أن اليوم هو إجازة مدفوعة الأجر للعمال، لم يهم الجميع كيفية الحصول على التذاكر لكن طريقة الوصول إلى مدينة مونتفيديو الأموال كانت العنصر الحيوي، إن كنت تمتلك المال فستصل إلى قارب يجعلك تعبر للمباراة ومن وصلوا لمشاهدتها فعلا كانوا من أبناء الطبقة المتوسطة.
بمجرد وصول الأرجنتين إلى النهائي أكثر من 15 ألف شخص قرروا عبور النهر إلى مونتفيديو، على الجانب الآخر الأوروجوانيين كانوا متحمسين للغاية للمباراة وعلموا بمن هم قادمين واستعدوا جيدا للمعركة.
في يوم المباراة كان هناك أكثر من 150 ألف شخص خارج استاد سينتيناريو من أجل اللقاء و65 ألف منهم تركوا بالخارج وأجبروا على عقاب سيء بسماع أصوات هؤلاء الذين نجحوا في الدخول لكنهم لن يروا أي شيء.
لويس مونتي تحدث بعد ذلك عن كواليس تلك الليلة قائلا :"كانت ليلة مرعبة لكل المنتخب، تلقيت تهديدات بالموت لي ولعائلتي من الأرجنتينين إن خسرنا ومن الأوروجوانيين إن فزنا، وقررت الانسحاب من المباراة".
قرر مونتي عدم لعب المباراة خوفا على عائلته وهربا من بطش الجماهير من الناحيتين ضده، إلا أن مسؤولي المنتخب والدولة منعوه ووعدوه بالحماية.
الكثير من عناصر الشرطة والجيش تواجدوا من أجل التأمين خشية من أي أزمات سياسية أو وفيات، خاصة بعد وصول العديد من الأخبار التي تقول إن هناك قناصة موجودة لاغتيال أهم اللاعبين في الأرجنتين وأوروجواي الكثير من التوتر ساد الأجواء.
حتى الحكم البلجيكي جيان لانجينوس أصر على الحصول على حماية خاصة له ولعائلته وممر آمن بعد نهاية المباراة، حتى أن الحكومة الأوروجوانية قررت وضع حماية تامة على ميناء مونتفيديو مع رحيل قوة عسكرية رفقة المنتخب الأرجنتيني عقب المباراة بساعة.
قال لورينزو بوروكوتو الصحفي الأرجنتيني "مونتي لم يكن في حالته خلال المباراة، ربما السبب كانت التهديدات، لطالما كانت هناك شكوك حول تورط المافيا الإيطالية في هذا الأمر بسبب المراهنات، لكن لم تكن تلك طريقة أوروجواي أبدا".
"أرادت إيطاليا أن تدفع مونتي للرحيل عن الأرجنتين لكي يتجه إليها، فيما بعد ظهرت تقارير تقول إن يوفنتوس مهتم للغاية بضمه واستخدم معارفه في أمريكا الجنوبية لإقناعه بالانضمام وقد نجح الأمر".
"بين شوطي المباراة اعترف مونتي لزملائه أنه لا يرغب بأن يكون شهيدا بسبب كرة القدم".
قبل بداية المباراة كان هناك صراعا بسبب الكرة التي ستلعب بها، الأوروجوانيون أرادوا استخدام كرة أكبر، بل وتوقعوا أن يتم اللعب بكرتهم الخاصة.
بعد إجراء قرعة بالعملة لعب الأرجنتينيون بكرتهم الخاصة وتم الاتفاق مع الحكم على أن يلعب الأوروجوانيون بكرتهم في الشوط الثاني.
المباراة بدأت بداية قوية للغاية، بعد 12 دقيقة تقدم باولو دورادو لأوروجواي، وبعد 8 دقائق تعادلت الأرجنتين، ثم بعد تمريرة من مونتي وصلت إلى ستابيل ليكون الهدف الثاني وبدا وكأنه متسلل وبعد عدد من الاعتراضات سواء من الجماهير أو نسازي قائد أوروجواي انتهى الشوط الأول بنتيجة 2-1 للأرجنتين.
الجماهير تبادلت السباب والصافرات والأمر كان أشبه بثورة كبيرة.
خوسيه ديلا توري لاعب الوسط الأرجنتيني قال للاعبين :"هذه الجماهير في الخارج ستقتلنا إن لم نفز".
ألبيرتو سوبيتشي مدرب أوروجواي قال للاعبيه :"عودوا إلى المباراة وإلا سنموت جميعا، أمامكم شوط لفعل ذلك".
في الشوط الثاني انفجر منتخب أوروجواي، وانقلبت النتيجة لتصبح 4-2، وبدلا من أن تحتفل الجماهير اتجهت للشجار.
جماهير أوروجواي ذهبت للشجار ضد الأرجنتينين خاصة وأنهم علموا أن جماهير الأرجنتين حاولت الحصول على أسلحة في الميناء.
بمجرد عزف النشيد الوطني وتسليم الجائزة لأوروجواي هدأت الأوضاع قليلا لقد أصبح الأمر واقعا، وعاشت مونتفيديو بسعادة كبيرة في ذلك الوقت.
في بيونيس آيرس كانت الجماهير متجمعة لتسمع المباراة في مذياع كبير في ميدان المدينة، كانت هناك العديد من المطالبات للجماهير بالتجمع وإحضار علم الدولة للاحتفال بالفوز، ظلت الاحتفالات قائمة حتى نهاية الشوط الأول مع الكثير من السباب لأوروجواي.
تحولت الأمور إلى حزن كبير، قررت الجماهير الاتجاه إلى الحانات وشرب الكثير من الخمور، ثم نمى شعورا بالرغبة في الانتقام لذا اتجهوا نحو سفارة أوروجواي وألقوا الكثير من الحجارة عليها، وجاءت الشرطة لتخبرهم أن "ينضجوا ويعودوا إلى منازلهم". اليوم التالي كان كجنازة كبيرة في بيونيس آيرس، وبعد أيام قليلة قطع الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم العلاقات الدبلوماسية مع أوروجواي، ولم يتواجه المنتخبان في الملعب لمدة عامين.
صحيفة "لا بريسنا" الأرجنتينية كتبت :"لاعبون كالنساء". والصحف الأخرى اتهمت أوروجواي بأنهم رشوا الحكم وبدلوا الكرة بآخرى، وتجاهلوا الحديث عن اتفاق اللعب بكرتين.
8 لاعبين أرجنتينيين تم استبعادهم ولم يمثلوا المنتخب مرة أخرى، أما مونتي فقرر الرحيل إلى إيطاليا ولعب ليوفنتوس، أما في مونتفيديو، فانهار كل شيء سريعا، تولى الجيش القيادة في 1933 وانتهى أي تفاؤل في الدولة مما حدث بعد الاستقلال.
وإنجاز كأس العالم تم نسيانه، ولم تنافس أوروجواي أو تمتلك منتخبا قويا لفترة لا بأس بها، وفي الحالتين لم تتمكن أي من دولتي ريفير بليت من الوقوف في وجه المنتخب الجديد الذي هيمن على العالم فيما بعد. البرازيل.
*المصادر: كتاب الجانب المظلم من كأس العالم - صحيفتا تيليجراف وإل جرافيكو - وثائقي لمجلة فور فور تو - كتاب 8 كؤوس كأس عالم - الصحفي الأرجنتيني علي رشيد جارسيا.