كتب : لؤي هشام
مهرجانات وفلوكولورات شعبية تجوب الشوارع.. مظاهر الفرحة والاحتفال تعم الأرجاء.. ومشهد من التوحد بين كافة الأطياف خلف راية واحدة، فترة تشهد إعلاءً للقيم والشعارات الوطنية لتتصدر تلك الصور المبهجة المشهد في حياة هذه الشعوب.
ولكن خلف تلك الصورة الزاهية كانت هناك صورة أكثر واقعية وبالتالي أكثر قتامة، صورة حملت معاناتهم وآلامهم والثمن الذي دفعوه في سبيل رغبة أنظمتهم في تجميل الوجه وتصدير صورة بكل بساطة تحمل الكثير من التضليل.. ثمن لم يكن يوما باخسا.
"شعوب المونديال" سلسلة يقدمها FilGoal.com تهتم بالجانب الإنساني لحياة هذه الشعوب التي استضافت الحدث العالمي ودفعت ثمنا باهظا من المعاناة على كافة الأصعدة في سبيل إخفاء الحقيقة فقط ولا شيء غيرها.
شعوب المونديال - حين اختلطت صرخات الفرح والألم معا في عهد خونتا الأرجنتين
شعوب المونديال - البرازيل 1950.. حلم التحول إلى دولة عظيمة انتهى على كابوس الماراكانا
شعوب المونديال - فاشية موسوليني التي صنعت من معاناة الطليان مهمة وطنية وفخرا زائفا
من بلاد الحضارة الأزتيكية والتنوع اللاتيني
"أيها المكسيكيون عند الحرب.. امسكوا الصلب واللجام.. واجعلوا جوف الأرض يرتج بهدير المدافع.. أيها الوطن ليكن جبينك مكللا بأغصان الزيتون".. مقدمة النشيد الوطني المكسيكي.
كان حينها العديد من الطلبة يحتلون الشوارع، مطالبهم كانت المساواة الاجتماعية والتغيير السياسي.. الأمر كان يبدو وكأنها مظاهرة سوف تستمر لعدة ساعات بالشوارع ثم ينتهي الحال ولكن ما حدث بعد ذلك قلب الأوضاع رأسا على عقب وصنع واحدة من أبرز الأحداث السياسية في التاريخ المكسيكي الحديث.
طالع - مايكروفون المونديال - "يعتقدون أنها انتهت.. الآن انتهت"
نحن الآن في العام 1968 وتحديدا في الثاني من أكتوبر، وما حدث في شوارع العاصمة ميكسيكو سيتي كان قبل بداية الألعاب الأولمبية الصيفية بعشرة أيام فقط.. مجموعة من الطلبة تقرر الاعتراض على سياسة الرئيس دياز أورداز الاقتصادية والسياسية.
كانت تلك المظاهرة واحدة من المظاهرات الطلابية التي بدأت في شهر أغسطس واستمرت حتى ذلك التوقيت، والهتاف الشهير وقتها كان "لا نريد ألعاب أولمبية.. نريد ثورة". وما تم الاعتياد على حدوثه هو أن تدخل قوات الشرطة وتبدأ في تفرقة المتظاهرين بعنف لتنهي تلك التجمعات سريعا، ولكن في تلك الليلة تحديدا حدث ما لم يكن متوقعا على الإطلاق.
قوات الجيش تقرر التدخل بنفسها رفقة الشرطة وإطلاق الأعيرة النارية والدبابات يحضران لأول مرة في ساحة الثلاث حضارات (Plaza de las Tres Culturas)، عدد كبير من المتظاهرين يتساقط ما بين قتيلا وجريحا وحملة من الاعتقالات العشوائية والعنيفة تطال الجميع. ما يقرب من ألفي جندي حاصروا الميدان وقتها.
اقرأ أيضا.. (صدمات المونديال - ملوك الكرة يهبطون من عالمهم المثالي أمام غاسلي الصحون وسعاة البريد)
عُرفت تلك الواقعة باسم "مذبحة تلاتيلولكو" ونتائج ما حدث لم تتكشف للجميع سوى عام 2000 عندما اعترفت الدولة رسميا بما ارتبكته بحق هؤلاء الطلاب. ما يقرب من 300 قتيل، و645 حالة اختفاء إضافة إلى قتل 99 شخص خرج نطاق القانون و2,141 حالة تعذيب بحسب التقرير الرسمي.
ولكن ما حدث في ميدان تلاتيلولكو وقتها كان مقدمة لما سيعرف لاحقا بالحرب القذرة في المكسيك والتي ستشهد صراعا أشبه بحرب العصابات بين "الحزب الثوري المؤسسي" وهو الحزب الحاكم - المدعوم من قبل الولايات المتحدة - ومجموعات يسارية متطرفة من الطلاب التي ستلجأ لحمل السلاح وستستمر تلك الصراعات حتى نهاية الثمانينيات.
أدت هذه الحرب إلى تأذي الاقتصاد المكسيكي بطبيعة الحال، جنبا إلى جنب مع السياسات التي اتبعها الرئيس دياز أورداز والتي ساهمت في تراجع معدل النمو وارتفاع الدين الداخلي، ولكنها لم تكن مسرحا لذلك فقط بل فتحت الباب أمام مزيد من الانتهاكات والقمع.
اقرأ أيضا.. (قصص المونديال المنسية – رجل مطاطي لم يتوج بكأس العالم والفاشية في قفص الاتهام)
وكما أراد أودراز تجميل صورة نظامه باستضافة الأولمبياد والذي خلف خزائن دولته حينها 150 مليون دولار ليشعل الاحتجاجات الشعبية فقد واصل دياز السير على نفس المنوال وقرر أن تستضيف بلاده كأس العالم 1970 ليكلف خزائن الدولة المزيد من الأمول.
أورداز خلال المباراة الافتتاحية
استضافة البطولة فتح الباب أمام التركيز بشأن الانتهاكات التي اتبعها نظام أورديز، وشهادات عديدة عن التعذيب بحق العديد من الطلاب وكذلك النساء التي خرجت شهادات التحرش والاغتصاب الجماعي عنها إلى العلن.
وتكشف السيدة زازويتا في شهادتها المكتوبة - للجنة الدفاع السياسية التي تأسست لاحقا للكشف عن الانتهكات العديدة التي تسبب بها النظام خلال فترة الحرب القذرة - عن أنه جرى تعذيبها هي وزوجها وابنتها الصغيرة.
وتقول: "أخذوني إلى زوجي الذي كان عاريا وبدأوا في صدمه بالعديد من الشحنات الكهربية، ثم ألقوني على الأرض وتحرشوا بي أمامه".
وأضافت "كذلك عذبوا ابنتي تانيا صاحبة الـ14 عاما واستخدموا الكهرباء لأذيتها لجانب الأذى النفسي الذي تعرضت له برؤية والديها في هذه الوضعية.. أتذكر كم كانت تبكي وتصرخ قائلة (باباااا) وألمي بسبب عدم القدرة على مساعدتها".
وتذهب السيدة زازويتا بعد ذلك بعيدا حينما أكدت أنه أثناء التعذيب في الزنازين المختلفة كان يتواجد طبيب برفقة السجانين للتأكد من أن التعذيب لن يفوق الحد ويؤدي للوفاة.
اقرأ أيضا.. (في ظل أبطال المونديال – الحمام الزاجل الذي خلد تاريخ البرازيل في كأس العالم)
كانت تلك الشهادة واحدة من بين شهادات عديدة تم الكشف عنها مع مرور السنين. في النهاية، ورغم عدم الكشف عن تلك الروايات سوى في وقت لاحق إلا أن تلك الانتهاكات أثرت على صورة الحزب الثوري الذي كان على شفا الانتخابات الرئاسية عقب كأس العالم مباشرة.
وملعب أزتيكا التاريخي الذي استضاف مباراتي الافتتاح والنهائي في البطولة كان على بُعد 18 كيلومترا فقط من ميدان تلاتيلولكو الذي وقعت فيه المذبحة الشهيرة.
المكسيك تأهلت ثانية في مجموعتها خلف الاتحاد السوفييتي ولكن مشوارها لم يمتد طويلا إذ أقصيت على يد إيطاليا - التي وصلت للنهائي - بنتيجة 4-1.
اقرأ أيضا.. (فضائح تحكيمية في المونديال – انتقام بلاتر و6 كيلوجرامات من الهيروين)
الانتخابات الرئاسية كانت عقب انتهاء المونديال بـ15 يوما فقط، وربما استقبال البطولة كان محاولة أخيرة من قبل نظام أورداز والحزب الثوري لتجميل شكله وإجبار شعبه على نسيان ما حدث، والبطولة مرت مرور الكرام بلا أي احتجاجات أو مطالب شعبية.
ولكن عقب انتهاء البطولة مباشرة وبدء الانتخابات الرئاسية ورغم فوز الحزب الثوري المؤسسي بسهولة إلا أن المكسيكيين قرروا عدم اختيار أورداز، لينجح لويس إيشيفيريا - الذي كان وزير الداخلية في عهده - ويصبح رئيسا للبلاد بعد عدة أيام من انتهاء البطولة التي توج بلقبها المنتخب البرازيلي بقيادة بيليه.
كان من المتوقع أن يسير إيشيفيريا على نفس نهج الرئيس السابق ولكن الأول قرر تغيير سياسية البلاد الأيدلوجية إلى اليسار والحزب الثوري أصدر عدة برامج للرخاء الاجتماعي رغبة في تحسين الصورة التي اهتزت تحت حكم أورداز.
وتعيين القيادات الطلابية اليسارية في رئاسة الوزراء كانت إحدى الخطوات التي اتبعها إيشيفيريا لتهدئة المناخ العام بجانب تقليل عمر المصوتين في الانتخابات إلى 18 عاما، كما أطلق سراح العديد من المعتقلين في مذبحة تلاتيلولكو.
اقرأ أيضا.. (ضحايا المونديال - مدرب اليابان ينقلب على "الملك كازو")
واتبع سياسيات أكثر راديكالية فيما يخص توزيع الثروة والمساواة الاجتماعية كما اتبع سياسات معاداة للإمبريالية الأمريكية وكان ثاني رئيس لاتيني يزور فيدل كاسترو رئيس كوبا.
كان ذلك ضمن مجموعة من الخطوات التي ساهتمت في رفع معدل النمو بالبلد اللاتيني من 16 مليون بيزو عام 1970 إلى 428 بحلول 1980 كما أعادت الاهتمام بالصحة والتعليم ليبدأ حلم التغيير السياسي من قلب المونديال.
اقرأ أيضا.. (حكايات المونديال - رجل أنقذ كأس العالم من دمار الحرب العالمية الثانية)
اقرأ أيضا.. (أسرار المونديال – جثة رونالدو التي عادت للحياة لتشعل فتيل أزمة القرن)
اقرأ أيضا.. (حكايات المونديال المنسية - كارلوس كازيلي.. تحية لمن قال لا)
طالع أيضا:
الأهلي: رفضنا وساطة آل الشيخ لبقاء السعيد
المغرب.. أسود الأطلس في روسيا بذكريات "صلاح الدين يفتتح اسكتلندا"
أجاي يحصل على إجازة من الأهلي لحين تحديد موقفه من المونديال
ملف – ملخص ليلة حافلة في الزمالك.. فوز رائع وقرار مرتضى
ملف – كل تصريحات غالي.. عن البكاء في مران الأهلي وتمني عودة السعيد وتدريب تشيلسي