نعم أرى أنه في كرة القدم هناك ثغرات طبيعية متواجدة في كل فريق من البداية وكأن الكرة خلقت بها مما يجعل المدير الفني يحاول التدخل دفاعيا لإغلاقها وتقليص أضرارها، حيث أنه كل فريق لديه مشكلتين حينما يمتلك الخصم للكرة (حالة التنظيم الدفاعي) تكمن الأولى في المساحات بين الخطوط (بين خطي الوسط والدفاع) والأخرى هي أنصاف المساحات (بين العمق والأطراف بشكل عام وفي خط الدفاع تكون بين الظهير وقلب الدفاع).
لذلك نرى جميع المدربين يتحدثون عن أهمية الدفاع بخطوط متقاربة compact ذلك يغلق تماما المساحات بين الخطوط أو إضافة ارتكاز دفاعي متأخر خلف خط الوسط وأمام خط الدفاع لشغل وتغطية تلك المساحات، أما أنصاف المساحات فهناك حلول عديدة منها تحرك الارتكاز المدافع بين الظهيروقلب الدفاع لإغلاقها أو عودة الجناح كظهير وبقاء الظهير في تلك المساحة بين الجناح وقلب الدفاع.
نعود للمواجهة الممتعة بين يوب هاينكس الخبير الألماني على رأس القيادة الفنية لبايرن ميونخ والذي استغل تماما هاتين الثغرتين في فريق ريال مدريد للسيطرة على المباراة وخلق العديد من الفرص وبالفعل كانت كفة فريقه الأرجح لولا الرعونة في الإنهاء وسوء اتخاذ القرارات في الثلث الهجومي من جميع لاعبي الفريق.
البداية زين الدين زيدان كان يفكر في الاستفادة من كريم بنزيمة بجوار كرستيانو رونالدو في الخط الهجومي ومع غياب إيسكو قرر الاعتماد على الـ4-4-2 بأجنحة صريحة لوكا مودريتش على اليمين وأسينسيو على اليسار وفي العمق ثنائي فقط كوفاسيتش وتوني كروس.
وبالتالي قرر إخراج كاسيميرو ليبرو وسط الملعب من تشكيلته وبالتالي أهدى بايرن المساحات بين الخطوط في عمق الملعب يفعلوا بها مايريدون.
كل الحالات التالية شكلت خطورة على مرمى ريال مدريد سواء بالتسديد من توليسو أو بتمريرات بينية في عمق الدفاع وكانت صناعتها من المساحات بين الخطوط.
أما المساحة الأخرى فهي الأهم والتي يرتكز عليها أسلوب هاينكس الهجومي وبالفعل جاء منها هدفي فريقه حيث ييتحرك لاعب من المساحة بين قلب الدفاع والظهير ليتم تمريرها له ويرسل العرضية، وكان أفضل استغلال لها كان عن طريق ثنائية ريبيري وألابا على الجانب الأيسر.
البداية هنا بتفوق عددي في تلك الجبهة واختراقها وإرسال العرضية.
دائما ستجد هاينكس يستغل أظهرته هجوميا بشكل مختلف، الجناح (ريبيري) يتمركز على الخط الجانبي والظهير(ألابا) يتوغل للعمق قليلا ثم ينطلق ويتحرك خلف ظهير الخصم (فاسكيز) الذي يخرج ليواجه ريبيري.
ولكن توغل ريبيري بالكرة للعمق وتغيرت وجهة اللعب للجانب الآخر حيث يتكرر الأمر نفسه، توماس مولر الجناح على الخط ويوزوا كيميش بالعمق ليرسل مولر العرضية مع تحرك كيميش في عمق الدفاع من نفس الثغرة ويحرز الهدف.
لاحظ في ظل تواجد مولر على الخط الجانبي يتوغل توليسو داخل منطقة الجزاء في انتظار العرضية وهو أمر معتاد وسجل عن طريقه في مرمى باريس سان جيرمان.
الأمر ليس وليد الصدفة ظهير داخل منطقة الجزاء ضمن أفكار هاينكس دائما، لاحظ هذه الحالة ألابا داخل المنطقة وخاميس رودريجيز هو من يحاول التحرك في أنصاف المساحات.
وهذه حالة أخرى توضح الفكرة تماما من البداية، ألابا في عمق الملعب ويشير لزميله بالتمرير لريبيري على الخط.
ثم ينطلق ألابا في المساحة ذاتها بعد خروج فاسكيز لمواجهة ريبيري.
وتلك حالة أخرى أيضا.
أما دفاعيا فكانت الفكرة الأبرز هي التكليفات بالتغطية في عمق الدفاع للاعب الارتكاز تياجو ألكانتارا وهو ماظهر في أكثر من حالة لإيقاف مرتدات ريال مدريد حيث يهاجم ظهيرا بايرن معا وبالتالي يتسع عمق الدفاع بتغطية نيكلاس زولي يمينا وماتس هوملز يسارا وتياجو بالعمق.
أما ريال مدريد ففي الهدف الأول أظهر الفريق أفكارا رائعة للغاية في كيفية خلق واستغلال المساحات على الأطراف وكذلك كيفية تفريغ أحد ثنائي الهجوم للتخلص من الرقابة.
نبدأ بالتنظيم الهجومي للفريق بشكله المعتاد تقدم الظهيرين أقصى أطراف الملعب وتحرك أسينسيو للعمق خلف رونالدو وبنزيما وتمركز الثنائي كروس وكوفاسيتش خلف الظهيرين من أجل التغطية خلفهما.
في بداية الهدف بنزيما تحرك جهة اليمين وبالتالي تقدم أسينسيو في عمق الهجوم.
ومع تبادل التمريرات وتغيير وجهة اللعب أكثر من مرة حتى أصبح أسينسيو على الجانب الأيسر يستدرج الظهير الأيمن كيميش لرقابته ويفرغ المساحات خلفه لمارسيلو، وفي الوقت ذاته كان بنزيما يتحرك في المساحة بين الخطوط ليتخلص من الرقابة تماما.
تحرك كيميش لمواجهة مارسيلو وبات زولي قلب الدفاع الأول مطالبا برقابة أسينسيو وهوملز مع رونالدو ويأتي من الخلف بنزيما دون رقابة أو ارتداد من لاعبي الوسط.
تحرك بنزيما بشكل عمودي مما أجبر الظهير الأيسر ألابا على التغطية بالعمق أكثر ثم غير بنزيما من اتجاهه وتحرك للخارج على القائم البعيد وأحرز الهدف دون تواجد من ألابا.
هذه الزاوية توضح التحرك بشكل أفضل.
الأمر الثاني الذي يحسب لزيدان بشكل رائع هو تلك الجملة المتفق عليها في إحدى الكرات الثابتة وكادت تسكن الشباك بالفعل.
بنزيما يتمركز في التسلل بالتالي لا يراقبه أحد ثم يتحرك بشكل نصف دائري للعودة من التسلل واستقبال التمريرة خلف الحائط ليواجهه أول مدافعي بايرن فيصبح رونالدو من خلفه أول اللاعبين في استقبال تمريرة بنزيما.
هي مباراة كبيرة للغاية قدمها يوب هاينكس ولكنه أخطأ بكل تأكيد في تفريغ وسط ملعبه بإخراج الثنائي توليسو ورودريجيز والاعتماد على الكرات الطولية فكان من الأفضل إخراج مولر وإشراك فاجنر ليس إلا.