كتب : إسلام مجدي
الصدفة قادته إلى مصير لم يكن يتوقعه أبدا، ذرف الدموع وهو يتحدث عن إنجازه، عن كثرة المشككين وعن امتنانه لأن فريقه لم يقله من منصبه حينما ساءت الأحوال لتتم مكافأة الطرفين بأفضل طريقة ممكنة.
كيكي سيتيان، اسم اعتدنا سماعه في الدوري الإسباني هذا الموسم، الرجل الذي هزم ريال مدريد ثم خرج ليقول :"ريال مدريد لديه نقاط ضعف، إنه ليس منيعا كما يظن البعض". الخسارة ضد بيتيس في سبتمبر الماضي في وقت كان ريال مدريد يعتبر وقتها فريقا خارقا كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، انهار موسم الملكي تماما وتذبذبت النتائج وظهرت نقاط الضعف.
يقولون :"أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا". في الـ59 من عمره وبعد أن كان لاعبا لراسينج سانتاندير وأتليتكو مدريد، وأعوام طويلة في عالم التدريب لما يقرب من 16 عاما في 2018 حصل أخيرا على فرصته لإثبات أنه "لم يحصل على وقت كاف".
"إنني شخص لا يحب البقاء في مكان واحد لفترة طويلة، أحب الشطرنج وبروس سبرينجتين، وأصر أن الشطرنج تحديدا يمكن تطبيقه في كرة القدم". كانت تلك كلماته في مقابلة أجراها في الماضي.
كان لاعبا متميزا للغاية مع راسينج سانتاندير، قال عنه مدربه السابق خوسيه ماريا ماجيرجي :"كان لاعبا رائعا للغاية، بإمكانه خلق الفرص طيلة الوقت، بعد ذلك ضمه خيسوس جيل رئيس أتليتكو مدريد". سيتيان كان مهاجما تحول إلى لاعب وسط ودمج بين قدراته الهجومية والدفاعية وطبق ذلك طيلة فترته.
تواجد سيتيان على مقاعد بدلاء إسبانيا في كأس العالم 1986، وطالما تحدث للصحف عن أنه لم يحصل قط على فرصة كافية للعب مع يوهان كرويف، ليقرر لعب الكرة الشاطئية مع منتخب إسبانيا.
بفضل مهاراته وبنيته الجسدية فضل لعب كرة الشواطئ، كان يهتم بمسيرته في الملاعب وواصل إثبات نفسه خاصة حينما عاد لسانتاندير في 92 واستمر حتى عام 1996 معه قبل أن يعتزل مع ليفانتي وهو في الـ38 من عمره ويتفرغ للكرة الشاطئية في عام 96.
غاب سيتيان عن عالم كرة القدم وتواجد على الشاطئ لـ5 أعوام، اتصل به خواكين ألونسو منظم مباريات الكرة الشاطئية في ذلك الوقت وقال له :"ألازلت ترغب في اللعب على الشاطئ؟". ليرد :"لا أعلم الكثير حول اللعبة فقط مثلت إسبانيا وأين سنلعب؟". ليرد :"في ميامي". لم يفكر للحظة حينما سمع بالمكان ووافق مباشرة.
"توقعت أننا سنلعب على أرض خشنة، لكنها لم تكن كذلك واعتدت على الملعب وزاد اهتمامي باللعب وتدربت ودرست اللعبة ودفعت نفسي لكي أفهم طبيعة اللعب على الرمال أكثر وأكثر".
"كانت أعواما سعيدة للغاية، حظينا بالكثير من المرح، كانت هناك أسماء كبيرة مثل إيميليو بوتراجينيو وميتشيل وخوليو ساليناس وخواكين وجورديو وغيرهم يلعبون معنا، كانت أوقاتا رائعة والعلاقة كانت ممتازة فيما بيننا".
الأمر بدأ صدفة مع سيتيان، لم يتوقع أحد أنه مع بداية الألفية سيدخل إلى عالم التدريب، فقط تم اقتراح اسمه وتم الاتصال به بطريقة لم يتوقعها شخصية وقال إن المكالمة جاءت صدفة ولم يكن مرشحا ولو ضمن قائمة طويلة حتى ضمت اسمه لكنه يعتز بالفرصة لتدريب النادي الذي أحبه منذ طفولته، راسينج سانتاندير.
"كرويف علمنا الكثير من الأِشياء، وكيف نصعب الأمور على خصومنا بطريقة رائعة للغاية، إنه شيء لطالما أردت تعلمه وتطبيقه منذ بداية لعبي لكرة القدم كطفل، مررت الكرة للأطفال وكنت أتحرك وأعلم أنهم سيمررونها مرة أخرى، وإن لم يمررها أحدهم مجددا فلا أمرر له بدوري مرة أخرى حتى انتهاء اللعب أو المباراة".
"لويس أراجونيس كذلك ترك بصمة كبيرة في مسيرتي عموما سواء كلاعب أو مدرب، بسبب الطاقة التي كان يمررها لنا وباكيتو كذلك لمعرفته باللعب والطريقة التي نجح في تمريرها لي".
لم تكن تجربته موفقة للغاية مع سانتاندير، رحل ليدرب بولي إيخيدو وأقيل بعد 4 أشهر فقط لأنه خسر 7 مباريات وقال :"النادي لم يفهم طريقتي في لعب كرة القدم". ثم غاب لـ3 أعوام بدون وظيفة وحاول تعلم أشياء جديدة.
في عام 2006 قرر منتخب غينيا الاستوائية تعيينه كمدرب، لكن ذلك لم يستمر سوى لـ10 أيام فقط ليدربه في مباراة واحدة فقط.
قال سيتيان ضاحكا :"قالوا لي سنتصل بك، حتى يومنا هذا أنتظر مكالمتهم، لم يكن أمرا مهما".
عاد إلى فريق سابق لعب لصفوفه في الماضي، كان نادي لوجرونيس، لم تتحسن أحواله أكثر ولم يدفع النادي راتبه لـ7 أشهر.
"لم أهتم سوى بتحقيق النتائج، لم أفكر في المال، أنا أعمل لنفسي كل ذلك سيضاف لاسمي لو نجحت، لكن من دون النجاح لن يكون لما أفعله معنى، سأرحل".
قرر سيتيان الرحيل لأنه عانى سواء ماديا أو بسبب النتائج بعدما صبر فترة طويلة، لكنه عاد لأرض الواقع أفكاره بحاجة لقالب جيد لا يمكنه أن يلعب بالأسلوب الذي يحبه وهو لا يمتلك العناصر التي تسمح له بتطبيق الأفكار.
"عدت إلى أرض الواقع، التدريب لن يكون أمرا سهلا لرجل لديه أكثر من مثل أعلى رائع مثلي، أحتاج أن يشعر اللاعبون والنادي أنني صديقهم، أنا شخص عاطفي للغاية، الناس ينتقدونني لأنني لا أقول ما هو متوقع مني كمدرب لكنني لا أحب القيام بالأمور بمثل هذه الطريقة".
اتجه لتدريب فريق لوجو، في الدرجة الثالثة الإسباني لمدة 6 أعوام، وقتها تمكن في تلك البيئة من تطوير أسلوبه في لعب كرة القدم، وعرف جيدا كيف يدخله بين عناصر الفريق دون أن تختل الموازين، ليقوده إلى التأهل للدرجة الثانية ليرى لأول مرة طريقته تنجح فعلا في إسبانيا ويتم الثناء عليه.
لأول مرة تصف الصحافة فريقا يدربه سيتيان بـ"فريق له هوية، إنه يسيطر على الخصم ويحبطه بطريقته الخاصة".
ليقول سيتيان مازحا في مؤتمر صحفي ردا على سؤال "هل توقعت أنك ستستمر هنا لأكثر من عام؟". "بدأت أشعر أنني أليكس فيرجسون".
لم يكن يقلد أي مدرب عرفه، لكن ما قدمه مع لوجو جعل لاس بالماس الصاعد حديثا للدوري الإسباني يلحظ أنه بحاجة إلي شخص مثله يجعله له اسمه وثقله في الدوري، خاصة بعدما عانى الفريق مع باكو هيريرا وكان في منطقة الهبوط.
أخيرا وصل سيتيان إلى وجهته التي لطالما أرادها، الدرجة الممتازة في إسبانيا، أضاع وقتا طويلا يحاول تطبيق فلسفته وإيجاد طريقة تسمح للاعبين باستيعابها، سرعان ما قلب الأوضاع مع بالماس، وقاده للمركز الـ11، وغير أسلوب وطريقة لعب الفريق من 3 مدافعين في الخلف إلى 4-2-3-1، ذلك النظام ساعده كثيرا خاصة مع تواجد لاعبين مثل فيسنتي جوميز وجوناثان فيرا وروكي ميزا.
في موسمه الثاني تغير الأمر وتحسن الفريق بضم خيسي وكيفين برينس بواتينج، ليقول سيتيان :"لست شخصا تقليديا يبحث عن الاستحواذ فقط، بإمكاني أن أستخدم الكرات الطولية أيضا، فلسفتي مرنة".
"سألعب دائما كرة قدم جيدة، لا أتفق مع المدرب الذي يتكيف على اللاعبين الذين لديه، أو آخر يغير طريقته بسبب الخصم، هناك وقت فكرت في الأمر، لكن ذلك كان بسبب أنني لم أفهم كرة القدم".
لم تتواصل الرحلة كثيرا، وفي مارس 2017 أعلن سيتيان أنه سيرحل عن تدريبه بنهاية الموسم بسبب خلافه مع الإدارة.
وفي مايو لم يدم بلا وظيفة، تولى تدريب ريال بيتيس، النصف الأخضر من إشبيلية، "احذروا مشاهدة بيتيس هذا الموسم إن كان قلبكم ضعيفا".
النادي سجل بعد 14 أسبوعا 52 هدفا، منها تعادلات بنتيجة 2-2 وانتصارات بنتيجة 5-0 وتعادل بنتيجة 4-4 وغيرها من النتائج الكبيرة. الفريق فاز في سانتياجو بيرنابيو على حساب ريال مدريد تلك الثقة التي ساعدت الفريق كثيرا وألهمته أنه على الطريق الصحيح.
تعثر الفريق، وتم التشكيك به، 5 مباريات بدون انتصارات، سيتيان كان يواجه الكثير من الانتقادات لكنه رفع سقف التوقعات.
"ما يحركني ما يدفعني دائما للأمام هو ذاته ما كان يدفعني وأنا طفل، الحلم والإيمان والتفكير، ما أشعر به من الكرة، نعم أنا أشعر بها، إنها متعتي".
"هناك من يأتون إلى عالم كرة القدم من أجل المال فقط، الآن على الأقل هناك تحكم مالي قد يحمي الأندية، لكن من السيء أن ترى فريقا لديه تاريخ من 100 عام ويقع في أيدي أشخاص لا يفهمون كرة القدم إنه شيء مخيف".
"كفريق كرة قدم أول ما ستحتاجه هو الفكرة، ما أرغب في فعله، كيف سألعب، إن حددت كل ذلك من البداية ورسخت فلسفتك، حينها ستجد الأشخاص يطورون الفكرة ويتشاركونها، إن كنت برشلونة ووقعت مع جوزيه مورينيو وهو مدرب كبير أنت تعلم أنك يجب أن تتغير، عليك أن تسأل نفسك هل هذا ما تريده فعلا؟ المشكلة أن أغلب الأندية لا تفعل ذلك ويتقيدون بالظروف".
الضغط كان كبيرا على سيتيان، الفريق الذي يقدم كرة قدم هجومية إن أنهى الموسم في وسط الجدول، فلن يتذكر أحد كم كان رائعا، عليه أن يفعل شيئا ما يخلد ذلك الموسم، ما أفضل من المقعد الأوروبي؟
بيتيس تمكن من العودة لطريقه وعاد للانتصارت ليحقق 18 انتصارا وتعادل 5 مباريات وخسر 12 مباراة، سجل 56 هدفا واستقبل 54، لكنه يلعب كرة رائعة للغاية استحقت مقعد الدوري الأوروبي.
سيتيان مدرب عنيد للغاية ولديه مقاييسه التي لا يتخلى عنها مطلقا قد يكلفه الأمر أحيانا لكن في النهاية إن حقق نجاحا فسيحسب له.
"كرة القدم هي ما يرضيني، حينما أتى لوكا مودريتش إلي وصافح يدي ومنحني قميصه ووقعه لي وقال لي إن فريقي يلعب كرة قدم جيدة، أو حينما قال لي زميل، فريقك يقدم كرة قدم رائعة، حينما يحدث ذلك فأنا أذهب للمنزل سعيدا. أخبرت سيميوني أنني لا أحب الطريقة التي يلعب بها أتليتكو مدريد".
سيتيان كان يعلم جيدا أن أسلوبه يعتمد بشكل كبير على جودة اللاعبين وبيتيس لم يكن الخيار المثالي لمثل تلك الفلسفة الهجومية، لكنه علم من أين يبدأ بعد أعوام من الخبرة، دمج حبه للشطرنج بلعبته المفضلة.
سيتيان واصل تحقيق أحلامه التي لم يصدق يوما أنها ستحدث، حتى أنه واجه جاري كاسباروف أسطورة الشطرنج في مباراة وصفها بأنها كانت مثل "ضد 30 لاعبا محترفا".
ويظل مبدأه ثابتا :"من يسيطر على رقعة الشطرنج أو الملعب يكون لديه أفضلية ممتازة للفوز بالمباراة، لكنني لست مهووسا بالسيطرة لكن بالأسلوب بالتحليل، بالقرارات، بكل الكواليس التي أدت للنتيجة، لأنه في النهاية تكون النتيجة مجرد حدث ختامي، يجب أن يكون الثناء على القدرة على اتخاذ القرارات في عالم كرة القدم وليس فقط النتائج".
"الكثيرون شككوا بي، لكن النادي لم يرتكب الغلطة ويقيلني". كانت تلك كلمات سيتيان باكيا بعدما قاد بيتيس للدوري الأوروبي.