كتب : عادل كُريّم
ربما كان مشهد يورجن كلوب وهو يبحث عن رجل ذو شعر طويل نسبياً ليتحدث إليه، أو يعانقه عقب كل هدف لليفربول، هو أحد المشاهد التي اعتادتها جماهير الريدز في مباريات الفريق منذ حضر الألماني ولكن عليها نسيانها الآن.
محبو كرة القدم رأوا هذا المشهد كثيراً من قبل في بروسيا دورتموند، والرجل الذي يقف خلف كلوب لم يتغير.. بقى "عقل كلوب" دوماً هو زيليكو بوفاتش.
لكن ليفربول أعلن اليوم الاثنين ابتعاد بوفاتش عن الفريق الأول لأسباب خاصة. ( تعرف على التفاصيل )
لنتعرف أكثر على بوفاتش الذي عمل مع كلوب لـ17 عاما قبل اليوم.
ولد زيليكو بوفاتش يوم 13 سبتمبر 1961 بمدينة أومارسكا في يوجوسلافيا السابقة (تقع بالبوسنة والهرسك حالياً). بدأ ممارسة كرة القدم كلاعب وسط مهاجم في فريق رودار ليوبيا عام 1985، قبل أن ينتقل بعدها بعام واحد لفريق بوراتش بانيا لوكا بدوري الدرجة الأولى اليوجوسلافي، ويحقق معه لقب كأس يوجوسلافيا عام 1988.
في عام 1991 انتقل بوفاتش لفريق الدرجة الثانية الألماني روت فايس إيرفورت، قبل أن ينضم في الموسم التالي إلى فريق ماينز ويقضى معه ثلاثة مواسم، وانتقل إلى نويكيرشن الذي اعتزل فيه عام 1998 وهو في السادسة والثلاثين.
"كان لاعب كرة قدم ممتعا".. أنسجار برينكمان (لاعب ماينز من 1993 - 1995)
بعد اعتزاله مباشرة عينه فريقه الأخير نويكيرشن مديراً فنياً لهً، وقاده في موسمه الأول لنهائي مسابقة كأس مقاطعة هيس، ثم حقق المركز الثاني في دوري الدرجة الرابعة الألماني في عام 2000.
في عام 2001 التحق بوفاتش بزميله السابق يورجن كلوب كمدرب مساعد له في ماينز، بعد أن سبق له اللعب جواره في صفوف الفريق نفسه لمدة ثلاث سنوات.
"حينما كنا نلعب أنا وكلوب في ماينز، كنا نعرف أننا سنصبح مدربين يوماً ما. وقتها وعدنا بعضنا البعض، من يتولى منا التدريب أولاً سيجلب الآخر ليعمل معه"..
كان يورجن كلوب قد اعتزل للتو وعينه ماينز مدرباً للفريق.. أول طلبات يورجن كان أن يأتي بوفاتش للعمل معه مدرباً مساعداً، وأيضاً تعيين بيتر كرافيتس محللاً للأداء.
"بوفاتش هو العقل.. كرافيتس هو العين.. وأنا القلب"..
موسم 2003-2004 قاد كلوب ومن خلفه بوفاتش ماينز للصعود من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى بالبوندسليجا للمرة الأولى في تاريخ النادي.. ثم نجح كلوب بمعاونة بوفاتش في قيادة ماينز للمشاركة في كأس الاتحاد الأوروبي موسم 2005-2006، للمرة الأولى والوحيدة في تاريخ النادي.
إلا أن الفريق هبط مجدداً للدرجة الثانية في نهاية الموسم التالي، ولم ينجح في الصعود ليودع كلوب وبوفاتش ماينز في صيف 2008 بعد سبعة مواسم كاملة.
في هذا الوقت كان بروسيا دورتموند قد أقال مدربه توماس دول، بعدما أنهى فريق فستفاليا الدوري في المركز الثالث عشر.. ليقرر دورتموند تعيين يورجن كلوب مدرباً له، ليبدأ رحلة جديدة مع بوفاتش.
دورتموند أنهى الدوري في المركز السادس في أول مواسم كلوب، ثم حل خامساً في الموسم التالي، قبل أن يفوز باللقب في موسم 2010-2011 للمرة الأولى منذ تسع سنوات. وبقيادة الثنائي كلوب - بوفاتش حافظ دورتموند على لقب الدوري في الموسم التالي 2011-2012، وأضاف إليه أيضاً لقب كأس ألمانيا ليجمع الثنائية المحلية للمرة الأولى في تاريخه.
كلوب اعترف أن بوفاتش كان له دور كبير في الطريقة التي اتبعها بروسيا دورتموند في هذه الفترة، والتي اعتمدت على اللعب بسرعة كبيرة، والضغط في كل مكان لاستعادة الكرة من الخصم في أسرع وقت.
مشوار دورتموند الرائع استمر في الموسم التالي حين أكمل الفريق مسيرته في دوري أبطال أوروبا 2013 حتى المباراة النهائية، قبل الخسارة بصعوبة من غريمه بايرن ميونيخ بهدف في الدقيقة الأخيرة من نهائي ويمبلي.
في سبتمبر 2013 تعرض كلوب للطرد في مباراة نابولي وبروسيا دورتموند بدوري أبطال أوروبا، ليتم إيقافه عن مباراة دورتموند التالية أمام مارسيليا في البطولة، ويتساءل البعض ماذا سيفعل الفريق في غياب كلوب.
"لن نشعر بأي فارق لأننا نمتلك بوفاتش، توأم كلوب.. كلاهما ينظر لكرة القدم بنفس الطريقة تماماً".. نوري شاهين، لاعب بروسيا دورتموند في هذا الوقت.
لكن رحيل عدد من نجوم الفريق مثل ماريو جوتزه (في الموسم التالي) وروبرت ليفاندوفسكي (في بداية موسم 2014- 2015) شهد تراجع مستوى دورتموند، الذي دخل بالفعل منطقة الهبوط في نهاية الدور الأول للدوري. لكن عدة انتصارات متتالية شهدت عودة الفريق ليحتل المركز السابع ويبلغ الدوري الأوروبي، مع إعلان يورجن كلوب الرحيل عن دورتموند في نهاية الموسم.
"في هذه اللحظة أعتقد أنني لست المدرب المثالي لهذا النادي الاستثنائي. أعتقد أن هذا هو القرار الصحيح. دورتموند يستحق مدرباً أفضل مني الآن".
كلوب قرر الخلود للراحة في الموسم التالي، وعاد بوفاتش إلى البوسنة. كان قد عُين مدرباً لمنتخب صرب البوسنة منذ أكتوبر 2013، وهو منتخب غير معترف به ولا يشارك في أي بطولة رسمية. ويتولى بوفاتش هذا المنصب حتى اليوم، ليقود الفريق في بعض المباريات الودية خلال فترات الراحة.
"كنت في البوسنة مع والدي، وكنت أعرف دائماً أن كلوب سيتصل بي إذا جاء عرض من نوع خاص.. حينما قرر الحصول على راحة كنت أدرك أنه ينتظر عرضاً مختلفاً، عرضاً عاطفياً لا يمكن رفضه.. حينما يكون هذا العرض من ليفربول لا تحتاج لأي وقت للتفكير. يجب أن تقول نعم"..
مع تعيينه مدرباً مساعداً لكلوب في ليفربول في أكتوبر 2015، وجد بوفاتش بعض الصعوبات في استخراج تصريح العمل.. لكن إصرار كلوب على وجوده معه جعل إدارة ليفربول تنهى كل الأمور بنجاح قبل بداية أول مباراة لكلوب مع الفريق.
كلوب اصطحب معه بوفاتش وكرافيتس، وانضم لهم الهولندي بيبين ليندرز الذي كان يعمل ضمن الجهاز الفني لليفربول كمدرب للتطوير. وسرعان ما ترك المدرب المساعد الجديد تأثيره على ليندرز.
"كلوب يطلق على بوفاتش إسم كتاب التدريب. أعتقد انه ليس مجرد كتاب وإنما كمبيوتر التدريب. ما يقوم به هذا الرجل أمر لا يصدق"..
ليندرز الذي سبق له العمل في PSV أيندهوفن الهولندي مع جوس هيدينك ورونالد كومان، وفي بورتو البرتغالي مع جيسوالدو فيريرا وأندريه فياش بواش، ثم في ليفربول مع رودجرز لم يخف إعجابه بما يقدمه كلوب ومساعداه..
"هذا الثلاثي مختلف عن أي طاقم تدريبي آخر.. الأمر أكبر من كرة القدم، تأثيرهم الشخصي لا يصدق".
بيتر كرافيتس محلل الأداء الذي يرافق كلوب وبوفاتش في كل مكان، أو "العين" كما يسميه كلوب، لم يخف سر ما يحدث بين الرجلين خلف الكواليس..
"في كل مران يكون بوفاتش هو صاحب الصورة كاملة.. إذا حدث خطأ في أي شيء بوفاتش هو من يتدخل ويصححه. هو الرجل الذي يعرف دائماً كيف تسير الأمور بالطريقة الصحيحة".
في الوقت الذي يتميز فيه كلوب بالعصبية والحماس الشديد، يبدو بوفاتش على الجانب الآخر هادئاً وأكثر تركيزاً.. الفلسفة الهجومية هي ما يجمعهما مع الاعتماد على السرعة في الارتداد والضغط السريع كلما فقدت الكرة.
كلوب وبوفاتش يجتمعان بصفة يومية. قبل وبعد كل مران، وقبل وبعد كل مباراة، يجلس "العقل" و"القلب" معاً ليضعا خطة الفريق ويناقشا ماذا حدث سواء بالمران أو المباراة.
"كلوب كان لاعباً مثلما هو مدرب الآن. شخصيته لم تختلف مطلقاً. دائماً ما يرغب في الفوز. لا يمكنك إلا أن تحبه كما هو. منذ اليوم الأول شعرت وأن هناك علاقة خفية تربطنا معاً.
"كل منا لديه ستة أعين.. أنا وهو وكرافيتس. لا يمكنك أن تقول أننا ثلاثة، نحن رجل واحد بستة أعين".
فلسفة بوفاتش قريبة من الرجل الذي ربط حياته التدريبية به. هو يحب الكرة الهجومية، ويؤمن بقدرات لاعبيه. يرى أن كل ما يحتاجه ليفربول الآن هو أن تبتعد الإصابات عن اللاعبين، وبعض الحظ.
"حتى حينما نتلقى أي خسارة يكون كلوب إيجابياً في اليوم التالي.. ليس 100% ولكن ربما بنسبة 99%. هو لا يدعي ذلك ولكن هذه هي شخصيته فعلاً. هو لا يجيد التمثيل على الإطلاق بالمناسبة، ما تراه في وجهه هو ما يشعر به".
وفي الوقت الذي تحلم فيه جماهير ليفربول بأن يقودها يورجن كلوب لمنصات التتويج من جديد، وتتمنى هذا الموسم التتويج بدوري الأبطال.. تنهار العلاقة الناجحة بين كلوب وبوفاتش قبل يومين من مواجهة روما الهامة في إياب نصف النهائي.
"بوفاتش هو أستاذ كل أنواع التدريب. أنا أتعلم منه في كل يوم".