منذ 20 عاما كان مفهوم لاعب "بوكس تو بوكس" يتركز حول لاعب قوي جدا بدنيا لديه دور محدد يمتلك القدرة على الركض ذهابا وإيابا لدعم المدافعين والمهاجمين، تطور الأمر كثيرا مع بداية الألفية وظهر عدد كبير من اللاعبين الذين ساهموا في ذلك.
في مصر لدينا لاعب أجاد ذلك الدور وكان يتقنه بنسبة كبيرة، كان يترك مساحة لصانع الألعاب المتأخر وكذلك لصانع اللعب المتقدم لكي يقوم بدوره، لكنه يقوم بالدور الأهم في الاستحواذ على الكرة.
هناك أمثلة كبيرة لذلك الدور في الكرة العالمية مثل الثنائي تشابي هيرنانديز وأندريس إنيستا، وفي مصر لدينا حسام غالي.
قال بدر رجب مدرب قطاع الناشئين السابق في الأهلي :"هل تعلمون أن مدربا بدون ذكر أسماء في قطاع الناشئين بالأهلي قال لحسام غالي أنت لا تصلح للعب هنا".
وواصل "وقتها كان قرار المدرب مبنيا على حقيقة أن غالي عانى من وزن زائد نوعا ما، من على الباب أنقذ محمد رمضان اللاعب، وأعاد حسام غالي للنادي من جديد".
وأكمل "وقتها أخذ حسام غالي من يديه وذهب به إلى محمد أبو العلا أخصائي اللياقة البدنية حتى يضبط وزنه، بعدها بات حسام غالي الذي نعرفه".
غالي من نوعية اللاعبين المفضلين للأندية التي تحب الاستحواذ على الكرة، إنه لا يشتتها نهائيا.
قال غالي :"لا أحب تشتيت الكرة نهائيا، أحب تسليم الكرة من قدم لقدم، اللعب على الأرض دائما هو الأفضل بالنسبة لي".
يعد غالي بهذه الأفكار والطريقة لاعبا مثاليا لأي مدرب يرغب في تطبيق فكر "تيكي تاكا" وتحديدا بيب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي الحالي.
يقول أندريس إنييستا :"قبل أن أستقبل الكرة أنظر حولي لأر أي لاعب بإمكاني منحها له، يجب أن ترى ما حولك، ولا أحب أبدا تشتيت الكرة، يجب أن تضع نفسك في مساحة كافية لتمرر الكرة، وحينما تحصل على الكرة لا تراوغ أبدا ولا تذهب بها ناحية الخصم أخر ما تفكر به هو المراوغة، هكذا أحرك فريقي للأمام".
حسام غالي ظهر فعليا مع بدايات الألفية الحديثة، لاعب وسط عصري "بوكس تو بوكس" متكامل لديه قوة بدنية وسرعة وتركيز بجانب قدرة فنية عالية بإمكانه المراوغة والتمرير ببراعة. وليس فقط قطع الكرة وتسليمها أو الركض طوال المباراة كان أكثر من ذلك.
نتذكر جيدا كيف تلاعب غالي بسيزار حارس ريال مدريد ليمنح كرة ممتازة إلى صنداي الذي يسجل هدف الفوز ضد النادي الملكي، كان في الـ21 من عمره.
لم يواجه غالي سوى مشكلة وحيدة تسببت في عدد من الانتقادات، الثبات على المستوى.
لكنها حالة تحدث لعدد كبير من الموهوبين، وهي متلازمة غريبة للغاية لديهم.
قال بول كامبل صحفي "جارديان" في وقت سابق :"أرييل أورتيجا كان مراوغا بارعا وهدافا وحتى أنه أطلق عليه لقب مارادونا الجديد، لكن أورتيجا لم يكن كذلك، لم يفتقر قط للموهبة لكنه لم يكن حاضرا بقوة خلال اللحظات الأهم في مسيرته".
صرح غالي صاحب الـ36 عاما في وقت سابق :"بالنسبة لي كرة القدم تلعب على الأرض وليس للعب الكرات الطويلة".
حسام غالي أعلن التحدي مبكرا في مسيرته، تارة لإثبات ذاته في الفريق وأخرى لكي ينزل من وزنه قائلا :"حرصت على زيادة لياقتي وقوتي الجسدية". وتارة لإثبات فنياته وقدراته في وسط الملعب.
أبرز ما في شخصية حسام غالي حب القيادة دوما منذ ظهوره الأول وهو يفضل قيادة الجميع داخل وخارج الملعب، حينما سقط منتخب الشباب المصري بنتيجة 7-1 من الأرجنتين في كأس العالم طلب غالي الخروج من الملعب لكن شوقي غريب رفض وأوضح له أن ما تعتقد أنك فقدت التركيز خلاله سيراه الجميع هروبا من المسؤولية.
شخصية حسام غالي كانت مركبة للغاية، ويبرز ذلك في واقعة شهيرة بينه وبين محمد اليماني نجم منتخب الشباب السابق.
"قبل لقاء مصر أمام باراجواي على المركز الثالث والرابع في كأس العالم دخلت في مشادة مع اليماني".
"أثناء المران كان كل مجموعة من اللاعبين مقسمة على دوائر".
"ومن المفترض أن يدخل لاعب داخل الدائرة ويحاول خطف الكرة من تمريرات اللاعبين داخل حول الدائرة".
"وكنت أنا المسؤول عن الدائرة فطلبت من اليماني الدخول إلى الدائرة ومحاولة خطف الكرة".
"ورفض ذلك. أخبرته أكثر من مرة فرفض".
"فسددت الكرة بقوة خارج الملعب وقلت له (مفيش لعب)".
" شوقي غريب شاهد الواقعة. فجاء لنا واستفسر عما حدث".
"فأخبرته فقرر معاقبتي واخراجي خارج المران بالكامل".
"عقب المران عقد شوقي غريب محاضرة في غرف خلع الملابس".
"طلب مني الوقوف ثم قال لي أنت معاقب ولن تلعب أساسيا. موافق على العقوبة؟".
"فأجبت سريعا، نعم موافق".
غالي دائما ما يعيش في الملعب حالتين، الأولى حينما تقطع الكرة منه والثانية حينما يقاتل لاستعادتها ولحيوية دوره فالخطأ أحيانا يكون بهدف ما يجعله عرضة للانتقادات وأسهم الاتهامات طيلة الوقت.
مع تميز غالي وتألقه وجمال ما يقدمه كان يجب أن يحترف في أوروبا، وقد كان.
قال سام ألاردايس في وقت سابق :"تطور دور لاعب الوسط كثيرا، أصبح أمرا واجبا فيه أن يمتلك المهارات المطلوبة والقوة البدنية وأن يقدم الكثير في خط الوسط بدلا من قطع الكرة فقط، معظم الأندية حاليا تمتلك لاعب وسط خلاق، ذلك الذي يصنع الفرص ويفتح ثغرة في دفاعات الخصم وحتى يتصرف أحيانا كمهاجم إضافي حينما تحين الفرص".
وواصل "لاعب الوسط (بوكس تو بوكس) لديه القدرة على تغيير المباريات، هذا اللاعب قد يكون مزاجي للغاية عليك أن تتعامل معه بحرص".
أجاد حسام غالي دور لاعب الوسط المتكامل بجانب إمكانية اللعب في أكثر من مركز في الوسط.
يقول نجم الأهلي السابق :"مارتن يول أخبرني ذات مرة أنني سأشارك من البداية ضد مانشستر يونايتد كجناح أيمن، ومنذ ذلك الوقت وحجزت مكاني".
قال روي هودجسون عن جيمس ميلنر لاعب منتخب إنجلترا وليفربول في وقت سابق :"ميلنر مثال جيد للاعب الوسط الكلاسيكي ويعمل بكد من أجل المشاركة، تنوعه في المراكز جعله مفضلا للمدربين".
حسام غالي بإمكانه اللعب كجناح أيمن وفي أي مركز في خط الوسط بجانب مركز الليبرو.
لكن مجددا شخصية غالي تسببت في انحراف مسيرته بعيدا عن توتنام وما كان قد كان، لكن في شتى الأحوال وما قدمه غالي من كرة جعلنا نرى ملمحا للاعب لا نرى مثله كثيرا في خط الوسط، لاعب متكامل مهاري يقطع الكرة ويصنع ويسجل أحيانا، لا يشتت ويحب الاستحواذ. يرغب في أن يكون مديرا فنيا ويحب دراسة كل خطوة، قد تكون شخصيته عنيفة للغاية في القيادة لكنه كان يرى أن تلك هي طريقته.
على الرغم من كل ذلك لم يكن تاريخه قويا مع منتخب مصر مسيرته الدولية لم تتخط 74 مباراة، وجاءت مشاركته الحقيقية مع الفراعنة في كأس أمم 2010 حينما توج بطلا للبطولة ولم يتواجد على مقاعد البدلاء سوى في دور المجموعات ضد موزمبيق.
ما يجعله فريدا من نوعه هو قدرته على الاستحواذ وعدم رغبته في تشتيت الكرة وموهبته الفذة في اللعب في أكثر من مركز، بجانب كل ذلك كانت شخصيته التي لم تبال كثيرا سوى بالقيادة، كان يرغب دوما في التوجيه وعصبيا للغاية ما دفعه للوقوع في بعض المشاكل التي أثرت على مسيرته.
واليوم أعلن عن اعتزاله قائلا :"أنا قادر على مواصلة اللعب، لكنني أرغب في إراحة رأسي وبالي". ذلك مع الكثير من الدموع تلك كانت شخصية مايسترو خط الوسط الذي غير منظومة اللعب بشكل كبير في الأهلي، ومفهوم المركز في مصر.