كتب : إسلام مجدي
بعض اللاعبين حينما يمتلكون الكرة تشعر وكأنهم يرسمون لوحات فنية طيلة الوقت، ليست مجرد تمريرات أو تسديدات قوية، إنها لوحات فنية طيلة الـ90 دقيقة تجلس لتشاهد وتعرف أنه ساحر يصنع النجوم وبالطبع هو أحدهم.
بالنظر لأندريس إنيستا نجم برشلونة وهو يمتلك الكرة، تجد أنك أمام لاعب ليس سريعا بما يكفي أو قوي بدنيا، لكنه واحد من أذكى اللاعبين في القرن الـ21، إنه يمتلك قدرة فنية جعلته يرسم في كل مباراة لوحة.
لا يمكنك أن تذكر إنيستا بدون أن تتذكر معه زميله في خط وسط برشلونة شابي هيرنانديز، الرسام كان يهيمن على خصومه واحدا تلو الأخر بفضل رؤيته الممتازة للملعب، وطريقته في التمرير.
صحيفة "جارديان" البريطانية ذات مرة قالت:"إن كانت لعبة كرة القدم جميلة، فأكبر مثال حي دال على هذا القول هو إنيستا".
إنيستا تعلم سحر كرة القدم في لامسيا ببرشلونة وصرح قائلا حول ذلك :"كان التعلم غريبا، استقبل الكرة مرر، ثم قل مررها لي مرة أخرى، واستقبله ومرر وهكذا".
بعد ذلك كان بيب جوارديولا لاعبا في برشلونة، وأخبر شابي قائلا:"أنت ستجعلني أتقاعد، وذلك الفتى الصغير إنيستا؟ سيجعلنا نتقاعد جميعا".
قرر لويس فان جال مدرب برشلونة في بداية الألفية الحديثة أن يصعد الفتى الواعد أندريس إنيستا لفريقه الأول وفي ذلك الوقت كان في الـ18 من عمره، ظهر لأول مرة في دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا ضد كلوب براج.
الفتى الواعد كان لازال صغيرا للغاية على تلك المسؤولية لكنه قرر أن يشق طريقه سواء مع الفريق الأول أو برشلونة ب، وتأثيره كان ضعيفا مع الفريق الأول، لكن الجميع توقع له أنه سينجح مع العملاق الكتالوني.
بعد أعوام قليلة كان إنيستا قد نضج فعليا، وفي موسم 2004-2005 بدا الأمر واضحا، فرانك ريكارد جعله رجله في وسط الملعب، وشارك في 37 مباراة بالدوري ومعظمها كان كبديل لكنه ساهم في تتويج برشلونة بلقب الدوري المحلي الأول منذ 1999.
تلقى شابي إصابة قوية، جعلت إنيستا قادرا على المشاركة أكثر واللعب في دور بطولي في الموسم الذي تلاه، وساهم في حفاظ برشلونة على اللقب.
الصحافة الإسبانية في ذلك الوقت قالت إن شراكة إنيستا وشابي مطلوبة، أو إن أحدهما قد يشارك على حساب الأخر والفريق سيخسر أحد الموهبتين.
وأتى الموعد بنهائي دوري أبطال أوروبا في باريس، وسط ضغط صحفي بإشراك الثنائي، قرر ريكارد إشراك كل من إدميلسون وديكو ومارك فان بوميل، وذلك ليحاول الوقوف ضد قوة أرسنال البدنية.
أصيب إدميلسون وشارك إنيستا كبديل بين شوطي المباراة، وساهم في تحركات كثيرة نتج عنها تعادل هام للغاية سجله صامويل إيتو، وفيما بعد فاز برشلونة بنتيجة 2-1 وتوج بطلا لأوروبا وبدأ بعدها العملاق الكتالوني فترة هيمن من خلالها على الكرة الأوروبية.
رحل ريكارد بعدما فشل في موسم 2007-2008، ليخلفه بيب جوارديولا ويبدأ عهدا من لعب تيكي تاكا والسيطرة الحتمية على أوروبا.
أسلوب التمريرات القصيرة واللعب المعتمد على الاستحواذ، فلسفة انبهر بها العالم مع العملاق الكتالوني، بدا الأمر واضحا في موسم 2008-2009 أن تلك فرصة إنيستا وبرشلونة ليثبتوا أن كتالونيا عملاقا في كرة القدم وليست مجرد نشوة في بدايات الألفية.
أول موسم لجوارديولا ظل محفورا في تاريخ كرة القدم سواء لبرشلونة أو للمدرب أو اللاعبين، تقارير صحفية تشير لسقوط الفريق بعد رحيل رونالدينيو، عوضا عن ذلك ظهر ليونيل ميسي.
لكن بجانب ميسي كان هناك إنيستا، لا يمكن أبدا أن نقلل من جودته في خط وسط البلوجرانا، غاب خلال موسم بيب الأول لشهرين في الفترة بين نوفمبر ويناير من ذلك الموسم للإصابة، لكن ذلك لم يمنعه من العودة وتأدية دورا حيويا في تتويج برشلونة بلقبي الدوري والكأس المحليين، لكن لقطته الأفضل كانت هدفه ضد تشيلسي في دوري الأبطال.
لم يكن إنيستا من نوعية لاعبي الوسط الذين يسجلون الأهداف الكثيرة، تسلم الكرة من ميسي على حافة منطقة الجزاء، حدد هدفه وسدد الكرة في شباك تشيلسي قاد بها برشلونة لنهائي دوري أبطال أوروبا.
في النهائي عاد إنيستا للعب دوره كصانع ألعاب متميز في كتيبة البلوجرانا وصنع هدف صامويل إيتو الأول في فوز برشلونة بنتيجة 2-0 ضد مانشستر يونايتد، والموسم التالي كان أكثر من رائع بالنسبة له، بدأ العالم يلاحظ وجود رسام في برشلونة يمرر ويصنع الكثير من الأهداف، الصحافة في ذلك الوقت قالت إن يمتلك قلما رصاصا يرسم به تمريراته.
وفاز إنيستا بلقب أفضل لاعب إسباني في الدوري خلال ذلك الموسم وأيضا أفضل صانع ألعاب.
هيمن برشلونة محليا وأوروبيا مع جوارديولا توج بلقبي دوري أخرين وكأس ملك وأيضا بطولة دوري أبطال أوروبا وكأسي عالم للأندية، ظل إنيستا ثابتا في تلك الفترة الذهبية، وكان أحد أفضل الركائز، وعالميا؟ أصبح اسمه وسط أفضل صناع اللعب في التاريخ.
وإن كان ليونيل ميسي قد حصل على كل الثناء، فلن ينكر أحد أن إنيستا كان لده دورا كبيرا وضخما في نجاح برشلونة خلال تلك الفترة، ومن دون دوره في صناعة اللاعب لما وصل فريقه لما هو عليه حاليا، حتى إن ليونيل ميسي تحدث عن ذلك.
قال ميسي:"حينما وصلت لبرشلونة كنت أسمع الكثيرين يتحدثون عن أندريس، لم أقابله في لامسيا، كنت أذهب لأتناول الطعام، ونادرا ما كنا نتقابل، هناك فارق 3 أعوام أو أكثر بيننا، بعد ذلك كنت أراه في التدريبات، ودائما كان هو نفس الشخص كلاعب أو شخص".
وأضاف "دائما تصورته والكرة بين قدميه هكذا كنت أراه دائما، إنه يفعل كل شيء بطريقة جيدة وببساطة، في بعض الأحيان قد يبدو وكأنه لا يقوم بأي شيء، لكن في الحقيقة إنه يفعل كل شيء، أي شيء مختلف مع أندريس، أصعب شيء في كرة القدم هي أن تجعل كل شيء يبدو سهلا، أندريس يفعل هذا من دون جهد".
واستطرد "لديه تواصلا مع الكرة أكثر مني، إنه شخص يبدأ الحركة ويحرك معه كل شيء، أعلم أن ما يفعله صعب جدا، إنه يلعب بطريقة مختلفة، تطور مع الوقت ومع المدربين المختلفين، ربما بإمكانك القول إنني أنا وهو نلعب بنفس الطريقة نوعا ما كما كنا نلعب في الشوارع".
وأردف:"حينما تكون طفلا تلعب في الشارع تلك الأمور تفيدك فيما بعد، أندريس وأنا متشابهان ونستخدم جسدنا كثيرا لتجنب الخصم، لديه شيئا يذهلني دوما، هناك لحظة تعتقد أن بإمكانك اللحاق به، حينما تعتقد أنك ستحصل على الكرة منه، لا يمكنك، إنه ليس سريعا لكن يمتلك تلك القدر بأن يبعدك عنه وعن الكرة وتأتيت من أسلوبه".
قد يظل اختيار أكثر لاعب أثر في نجاح برشلونة محل جدال، لكن تأثير إنيستا سيظل موجودا وسيظهر كم كان كبيرا حينما يعلن اعتزاله أو رحيله عن النادي الكتالوني، أيهما أقرب.
نجاحات إسبانيا كمنتخب في الفترة من 2008 إلى 2012 كانت الأعظم في تاريخ أي منتخب، فتى مدينة البسيطة القريبة من مدريد لمع في سماء نجوم اللاروخا في تلك الفترة وسطر أيضا اسمه كأحد أبرز المساهمين.
نجاح إنيستا مع منتخب إسبانيا بدأ ببطولة يورو 2008، ساهم مع منتخب الشباب عامي 2001 و2002 حينما كان لاعبا لفئات تحت 21، وترك بصمته مع الكبار أيضا.
في بطولة اليورو تلك اختير ضمن فريق البطولة، وأيضا كان صاحب التمريرة الحاسمة التي نتج عنها تتويج إسبانيا بأول لقب كبير منذ عام 1964 وبدأ حقبة الهيمنة على العالم للاروخا.
دخل منتخب إسبانيا بطولة كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا كأحد المرشحين للتويج بالبطولة، في تلك الفترة كان إنيستا يعاني بسبب بعض الإصابات التي كادت أن تخرب حلمه في الانضمام لكتيبة فيسنتي ديل بوسكي التي ستنافس في البطولة.
إضافة إلى ما سبق كانت هناك لحظة موجة بخسارة صديق الطفولة دانييل خاركيلاعب إسبانيول في أغسطس 2009 في عمر الـ26.
إنيستا بدا محطما للغاية وظهر التأثر عليه من خلال العديد من الأخبار التي تناقلتها صحف "سبورت" و"ماركا" الإسبانيتين، حول شعوره بالإحباط وإمكانية تأثر مستواه بما يحدث.
كان لدى إنيستا فرصة لتكريم صديقه خلال بطولة كأس العالم 2010 بعدما سجل هدف الفوز بالبطولة، واحد من أعظم إنجازات إسبانيا على مر التاريخ والرسام كان حاضرا.
ثم وصل المنتخب الإسباني لقمة الهيمنة حينما توج بطلا لبطولة يورو 2012 على حساب إيطاليا، ولعب إنيستا دورا هاما في تلك البطولة أيضا واختير كأفضل لاعب فيها بفضل موهبته الفذة التي ساندت فريقه على الاحتفاظ بالكرة وأمده بالتمريرات الحاسمة.
فيما بعد سقط منتخب إسبانيا في بطولة كأس العالم 2014، لكن إنيستا ظل واقفا، ساهم في إنجاز جديد لبرشلونة وحقق بطولة دوري أبطال أوروبا مرة أخرى.
سيتذكر عشاق كرة القدم دوما ما فعلته إسبانيا وبرشلونة، وطريقة اللعب التي كانت كالظاهرة في تلك الفترة من تاريخ اللعبة، حظ إنيستا العاثر أنه طيلة الوقت كان في ظل ميسي معجبه، لكن ذلك لم يمنعه يوما من تقديم ما يبرع فيه طيلة الوقت، لقد سجل أهم هدف في تاريخ برشلونة الحديث والذي ساهم في التتويج بالثلاثية الأولى، ثم أهم هدف في تاريخ إسبانيا، وهذا لا يفعله سوى الأساطير، في 129 مباراة مع منتخب إسبانيا سجل 13 هدفا فقط، ومع برشلونة في 670 مباراة سجل 56 هدفا وصنع 141 أخرين.