الأمر كله يتمحور حول برلين. لم يتمكن يوما من العيش بعيدا عنها، لا يمكنه أن يتركها، مهما صال وجال يعود، الأمر ذاته ينطبق على ألمانيا، إنه يرى أنه ينتمي إليها أكثر من كرواتيا.
"الأمر لا يتمحور حول قاعدة اللاعبين الأجانب في الفريق الواحد، أو الإعلانات، بل حول الرياضة التي نحبها جميعا ونرغب في أن تظل كما هي، لن أحتفظ بشيء كما هو".
"لا أعلم لكنني لا يمكنني صناعة العجائب، لدي الكثير من الأفكار والأحلام فقط وأسعى لتطبيقها".
كانت تلك كلمات نيكو كوفاتيش في وقت سابق، خلال تلك الحقبة كان يتولى تدريب فريق إينتراخت فرانكفورت، ذلك الذي صنعه معه ثورة في كل شيء.
كوفاتش ولد عام 1971 لعائلة من البوسنة والهرسك وتواجد في برلين الغربية. عائلته كانت قد هاجرت للتو من جمهورية يوغوسلافيا، واستقرت في برلين، وقتها كان لدى نيكو شقيق هو روبرت ولاعب سابق متميز ومدرب حاليا.
"لم يكن لدي ما أؤمن به حقا سوى ديني، لم أجد حلما أو أي شيء، فقط الإنجيل، حتى وجدت كرة القدم كذلك، كنت طفلا صغيرا لا يعي شيئا بعد".
"كنت في الـ10 من عمري حينما اكتشفت متعة كرة القدم الحقيقية، لم أكن أرغب في التوقف من حينها".
بدأت مسيرته الكروية مع فريق رابيد ويدينج وفي عام 1989 حينما كان في الـ19 من عمره لوحظت قدراته في كونه محور ارتكاز متميز يقرأ المباراة، لم يكن أسطوريا لكنه كان ضمن فئة اللاعبين الجيدين، ذلك الذي يمتلك سلوكا هادئا جيدا وإن فقد أعصابه سيسأل الجميع مليون سؤلا عن: لماذا فقد نيكو أعصابه بهذا الشكل؟ لماذا فعلت هذا وأنت دائما هادئ؟ كان يكره تلك الأسئلة كثيرا. لأنه دائما ما يرى أن "كافة اللاعبين أصدقائه" وأن أي حالة غضب ما هي إلا نتاج سلوك طفولي من اللاعبين.
استمر في فئات الناشئين حتى انضم عام 1989 إلى هيرتا زيلندورف وهناك ظل حتى عام 1991، قبل أن يرتبط اسمه مجددا ببرلين، في ذلك الوقت انضم إلى هيرتا الذي كان ينافس في دوري الدرجة الثانية ولعب له حتى 1996 لم يكن مجرد لاعبا عاديا هناك، بل طور شخصية القائد وأصبح يعرف جيدا طريقة اللعب في الدوري الألماني حتى وإن لم يكن الدرجة الأولى.
"انظروا إلى تلك الفترة في هيرتا كانت مهمة للغاية لي، وقتها علمت جيدا كيف أقود خط الوسط بل وأيضا جعلت منتخب كرواتيا يفكر جديا في ضمي إلى صفوفه".
وقتها كان ميروسلاف بلازيفيتش هو مدرب كرواتيا، وكان يراه طفلا لكنه كان مؤمنا بقدراته وأحبه كثيرا.
في عام 2014 أجرى بلازيفيتش حوارا قال فيه :"بذكر عام 1998 لا يمكنني تجاهل نيكو، لقد أصيب وكنت مستعدا لاصطحابه معي، إنه قائد بالفطرة ويعي جيدا خطورة مركزه كان لديه وعي لكنه كان طفلا كذلك".
"شارك معي في مباريات التصفيات، لكن إصابته حالت دون ضمه معنا".
كوفاتش كان مرتبطا للغاية بمنتخب كرواتيا لكن حظه العاثر جعل اسمه لا يتقرن بجيل 98 الشهير وما قدموه في تلك البطولة، ليرحل بعد عام إلى هامبورج ويستمر حتى 2001 قبل انضمامه إلى بايرن ميونيخ.
للأسف مسيرته كانت قد اقتربت من النهاية، كان قد اقترب من الـ30 من عمره ولم يتمكن من التواجد بصفة أساسية مع الفريق، ليشارك في 34 مباراة فقط ولكنه عرف طريق الألقاب للمرة الأولى في حياته خلال تلك الحقبة حينما توج بلقب كأس الانتركونتيننتال والدوري الألماني وكأس ألمانيا.
مجددا عاد إلى هيرتا برلين، ليلعب 3 أعوام قبل أن تأتي أهم خطوة في فترته كمدرب وليس لاعب كرة قدم، وهي انضمامه إلى فريق ريد بول سالزبورغ.
جيوفاني تراباتوني كان مدربا لسالزبورغ حينما كان نيوك لاعبا، ووقتها قال عنه :"نيكو سيغدو مدربا متميزا".
فيما وصف في النمسا بـ"موتسارت". ربما لأن فولفجانج موتسارت كان قد ولد في فيينا بدوره. في ريد بول بدأ الكرواتي فصلا جديدا من قصته لكن هذه المرة في عالم التدريب.
تم تعيينه كمدرب للفريق الرديف الذي ينافس في دوري الدرجة الثانية النمساوي، تلك الفترة الحيوية تعلم خلالها نيكو كيف ينقل أفكاره في كرة القدم للاعبين وأيضا اتخذ قراه بشأن المستقبل.
"في تلك الفترة عملت مع لاعبين شباب وصغار يحبون كرة القدم وكانوا بحاجة لتعليماتي طيلة الوقت، حتى أنني كنت مرعوبا للغاية".
"سألت نفسي، هل هذا ما أريده حقا؟ هل سأصبح مدربا هل سأرشد هؤلاء لكي يصبحوا نجوما؟".
"كلاعب اعتقدت أنني رأيت كل شيء، لكن كمدرب رأيت نفسي صغيرا وصاحب خبرة كبيرة، لكنني أعتقد أن بإمكاني نقل ذلك للاعبين".
"في البداية اعتقد أن الأمر كان مختلفا، كلاعب أن تفكر في نفسك فقط، لكن كمدرب عليك أن تفكر في 22 أو 25 لاعبا، لكنني أعتقد أن الخبرة التي كانت لدي كلاعب كانت هامة للغاية، بالنسبة لي كمدرب كانت لدي أفضلية طفيفة وهي معرفة كيف يفكر اللاعبين".
"أحب مهنة التدريب كثيرا، عملت لفترة قليلة لنرى ما سيحدث وإلى أين سأصل".
عمل مع لاعبين صغار للغاية واستمر كذلك حتى عام 2011 حينما قرر سالزبورغ إقالة هوب ستيفنس وتعيين ريكاردو مونيز والذي كان يعمل كمنسق لأكاديمية الشباب. مونيز كان يعمل مع مارتن يول كمساعد مدرب في توتنام وكان الكشاف الذي ضم روبن فان بيرسي لفاينورد، وأراد بعينه الخبيرة أن يصعد كوفاتش ويدرب معه الفريق الأول.
الثنائي وقع على عقد لمدة عامين، لكن بعد موسم وحيد رحل كلاهما بعد الفوز بلقب الدوري والكأس، استقال مونيز بسبب سوء تفاهم مع إدارة النادي وخرج وقال ذلك للإعلام علانية.
بالنسبة لكوفاتش الذي كان هادئا وبعيدا عن الصراع بدا الأمر كفرص حقيقية لكي يصبح المدرب، لكن إدارة النادي قررت تعيين روجر شميدت الذي كان مدربا لفريق بادربورن في تلك الفترة، ليرحل نيكو غاضبا بعد أن فقد فرصته.
الفرصة لم تطرق باب نيكو في ذلك الحين لكنه لم يستسلم لما حدث، ربما عاش حالة إحباط كبيرة للغاية، لكن الحياة أخفت له فرصا أفضل.
دافور شوكر يعد صديقا مقربا من نيكو وكان في عام 2013 رئيسا للاتحاد الكرواتي، ليقرر في شهر يناير أن يستدعيه ليتولى تدريب المنتخب تحت 21 عاما. في ذلك الوقت كان المنتخب يحاول التأهل لبطولة يورو تحت 21 عاما. ليقبل نيكو المهمة ويعمل شقيقه روبرت ليبدأ حسب وصفه "مغامرة جديدة بأفضل طريقة ممكنة".
5 مباريات حقق فيها العلامة الكاملة وسجل منتخبه 17 هدفا ولم يستقبل أهداف، وكان المنتخب في ذلك الوقت مكونا من لاعبين مثل مارسيلو بروزوفيتش وأنتي ريبيتش وسيم فارساليكو.
"أعرف كل لاعب منهم، وكأس العالم بطولة مختلفة يجب أن نظهر فيها بشكل قوي".
منتخب كرواتيا للشباب شارك في كأس العالم تحت 20 عاما ووقع ضمن مجموعة ضمت أوروجواي وأوزبكستان ونيوزيلندا. وضم لاعبين مثل ماركو ليفايا وماركو بياتسا وأنتي ريبيتش. تصدر مجموعته بسهولة بعد حصده لـ7 نقاط وتعادل وحيد جاء ضد أوزبكستان، لكنه سريعا ما غادر البطولة بعد الخسارة من تشيلي في دور الـ16.
كرواتيا كانت في مأزق وعلى حافة الابتعاد عن كأس العالم 2014 وهنا نتحدث عن المنتخب الأول.
ليخرج تراباتوني مقترحا :"قبل أي شيء أرغب في أن أرشح نيكو كوفاتش للمهمة، إنه تحد كبير له، لكنه مدرب صغير في السن ونجح كقائد لأعوام أثق به كثيرا وبقدرته على تحمل المسؤولية".
"نيكو لا يخاف من أي شيء، إنه يحب عمله، ولا أخشى عليه شيئا عملت معه وأعرفه جيدا، لقد كان حاضرا في الملعب ولا أراه يهاب أي شيء، يجب أن يعمل كما كان كلاعب إنه لا يمكن كسره ويحب التعلم والتجربة دوما".
كان عليه مواجهة أيسلندا لحجز تذكرة التأهل، كانت تلك بداية حقبة من عامين لكوفاتش ومعه حقق المنتخب نتائج جيدة وتأهل إلى كأس العالم لكنه ودع المسابقة من دور المجموعات، وحقق نتائج جيدة في تصفيات يورو 2016، لكنه لم يكن قادرا على التعامل مع بعض الأشياء خارج الملعب، مثل العلاقة مع الاتحاد الكرواتي لكرة القدم وزدرافكو ماميتش رئيس نادي دينامو زاجرب، وتدريب مجموعة كاملة من النجوم، الأمر الذي أصبح أشبه بحرب كبيرة ضده من كل الجوانب. ليأتي القرار أخيرا بإقالة الأخوين كوفاتش.
مغامرة أخرى طرقت الأبواب، الآن ريد بول سالزبورغ يرغب في الحصول على خدمات مدربه، لكنه لم يرض بذلك، لم يرغب في العودة للوراء، بل العودة إلى موطنه، لذا قرر قبول مهمة تدريب إينتراخت فرانكفورت والذي كان يدربه قبله أرمين فيه.
كانت المهمة شبه مستحيلة، على الأخوين كوفاتش أن ينقذا الفريق من الهبوط مع تبقي 10 مباريات، المدرب الجديد تسلم مهمة تدريب فريق على حافة الانهيار.
نجح كوفاتش في عملية الإنقاذ ليبتعد عن شتوتجارت الذي هبط بـ3 نقاط فقط.
"الآن المهمة أصبحت أصعب وأصعب لنا".
نقطة التحول الأبرز كان الفوز ضد ماينتس في موسمه الأول، بنتيجة 2-1 ليفوز بعد ذلك على دارمشتات وبوروسيا دورتموند.
فريق النسور كان يواجه خصمه بخطة حسب طريقة لعب الأخير وأيضا حسب الحالة البدنية، وغير مراكز عدد من اللاعبين المهمين مثل ماكوتو هاسيبي وماركو روس، واعتمد على فريق لم يكن موهوبا لكنه قادرا على استغلال نقاط ضعف الخصوم.
حينما تمكن فرانكفورت من الفوز ضد نوبرنبرج واستمر إينتراخت في الدوري، بكى لاعبو الفريق بعد فشلهم في التأهل للبوندسليجا، ليقوم نيكو بتهدئتهم جميعا، وقام الاتحاد الألماني لكرة القدم بمنحه جائزة اللعب النظيف.
"علينا أن نحرص على أن القيم التي تعلمناها من آبائنا وأجدادنا ستنقل إلى من معنا وتعيش فينا، أنا أحمل الفكر والقيم الألمانية والنظام والالتزام وتنظيم الموهبة، عقليتي ألمانية متزنة وحتى إن لم أكن مرتبطا بالطريقة الكرواتية في العمل والمشاعر".
في الموسم التالي 2016-2017 قرر نيكو نقل تجربته لكي تكون تنظيمية بالكامل للفريق، بجانب برونو هوبنر المدير العام وفريدي بوبيتش المدير الرياضي قرر "المنقذ" كما لقبه الأخير ويلقبه فريق فرانكفورت بناء جيل جديد وفريق قوي بأقل ميزانية ممكنة. تم بيع لاعبين مهمين مثل كارلوس زامبرانو المدافع البيروفي إلى روبن كازان وضم جوييرمو فاريلا من مانشستر يونايتد ومايكل هيكتور من تشيلسي وأنتي ريبتش، بجانب عمر ماسكاريل وخيسوس فاييخو. الصفقات الجديدة انضمت للاعبين مثل أليكساندر ميير ودافيد أبراهام وماركوس فابيان وهاسيبي وهارديكي. كوفاتش عمل كثيرا معهم حسب وصفه على تنظيم الفريق باستعمال طريقة لعب مرنة وتحديدا 3 طرق، 3-5-2 و4-2-3-1 و4-5-1. وعمله الأهم كان قوة الدفاع.
"المنقذ" ساعد هاسيبي كثيرا وطوره ليلعب كـ ليبرو، ربما لم يكن إينتراخت فرانكفورت يلعب كرة ممتعة لكنه كان يقاتل على كرة وينتشر في الملعب بقوة، وذلك بفضل العمل البدني الذي يرسخه كوفاتش أيضا، كان يلعب بطريقة مباشرة أكثر.
ذلك الموسم نجح في الوصول إلى المركز الـ11 برصيد 42 نقطة، وذلك يرجع إلى منتصف الموسم حينما ظهرت نقاط الضعف لكن ذلك لم يجعله ينزل إلى مراكز الهبوط.
"كرة القدم منطقة كبيرة وواسعة للغاية، الفلسفة هي اللعب بطريقة متطورة في اتجاه واحد وبطبيعة الحال يجب أن تتبع ذلك إن أردت الوصول إلى القمة، هناك خطوات لكن عليك أن تلعب بشكل مباشر وحسب إمكانيات فريقك".
"إن لعبنا بنفس النظام الذي ألعب به حاليا منذ 15 عاما لم تكن لدينا أي فرصة، لكن حاليا نحن نقاتل، ربما الأمر مشابه لبرشلونة، لكننا لا نمتلك نفس جودة لاعبين مثل ميسي وإنييستا، مشكلتنا ليست فنيا لكنها كانت في التحضير البدني".
"أؤمن أن أفضل طريقة للعب تبدأ من الإعداد البدني الكامل الذي يجعل فريقك قادرا على تحويل شكله في الملعب أكثر من مرة وأن يصبح معادلة صعبة لأي خصم، المباريات الكبيرة مثلا تحسمها الدقائق الأخيرة، يجب أن نكون في أفضل شكل بدني إن أردنا الفوز بكل شيء".
"لا تفهمونني بشكل خاطئ، لكننا كمدافعين ومحاور ارتكاز كنا ننظر للمباريات قديما كلاعبين بمنظور مختلف، كان علينا أن ننظم كل شيء، حنيما تتقدم الكرة فعملي كان من المهم جدا أن أرى ما سيحدث وأتوقعه وأنقذ الموقف، الآن كمدرب يجب أن أهاجم وأدافع وأتوقع، ربما كنت لاعبا جيدا لكن كان أهم شيء بالنسبة لي هو الفريق وليس أنا أو أرقامي".
"أنا أغير طريقة لعبي كثيرا، إن كنا متوقعين للغاية فهذا يعني أننا نلعب بشكل فردي ونعتمد على موهبة أو اثنين، لكن إن لعبنا بفريق كامل فلن يكون لخصمنا فرصة، أغير طريقتي وهذا لا يعني أنني متوقع".
قد لا يعلب بطريقة تمرير جميلة ويقول "لن أركن الباص ما حييت فكرة القدم لم تلعب هكذا يوما". ويقول أيضا :"قد تصلح طريقتي بعد 10 أو 15 عاما"، لكنه مدرب موهوب والآن لديه فرصة لإثبات ذلك مع بايرن ميونيخ.