أشد المتشائمين من تجربة إيهاب جلال مع الزمالك لم يكن يتوقع ما حدث، بدلا من أن ينافس الأبيض على التأهل لدوري أبطال إفريقيا والكونفدرالية كما كان متوقعا من "أفضل مدرب في مصر" حسب الكثير من المتابعين الموسم الماضي، صار الفشل في التأهل للكونفدرالية نفسه مطروحا بعد أن ودع الزمالك نسختها الحالية من دور الـ32 على يد فريق إثيوبي مغمور، والتجربة على وشك النهاية.
ذلك "الفشل"، بالنظر للأهداف التي اتفق النادي مع جلال عليها، لم يكن مطروحا قبل بداية التجربة التي انتظر متابعو الكرة المصرية نتائجها على أحر من الجمر لأكثر من سبب، منها استشراف "جوهري" آخر يعبر حدود الانتماء. جلال أول مدرب مصري لا ينتمي للزمالك لعبا يدرب الأبيض منذ الجنرال الذي انتهت ولايته في 1994 بعد فترة ناجحة توج فيها بدوري الأبطال والسوبر على حساب الأهلي نفسه.
أحد الأسباب التي انتظر المتابعون نتائج تجربة جلال من أجلها هو مشاهدة ما سيحدث عندما تضع مدربا متميزا – مثلما تقول نتائجه مع مصر للمقاصة خصيصا – مع فريق قمة يريد استرجاع أمجاده. التجربة رومانسية عندما تنظر لها من تلك الزاوية، ولكن على أرض الواقع كانت مدمرة للطرفين.
لم يحصد إيهاب جلال سوى 62% من النقاط المتاحة في الدوري، خرج من الكونفدرالية في لقاء شابت إدارته الفنية له الكثير من علامات الاستفهام، أحلام الكرة الجميلة اندثرت أمام إحصائيات فشل الفريق في التسديد على مرمى المنافسين في آخر مباراتين سوى 3 مرات، كلهم جاءوا ضد الإسماعيلي فيما فشل الفريق في اختبار حارس مصر للمقاصة أحمد عادل عبد المنعم طوال المباراة.
كيف تحولت التجربة الرومانسية إلى مآساة؟
سيأخذ الزمالك وإيهاب جلال وقتا طويلا للتعافي من آثار التجربة التي بدأت منذ 6 يناير الماضي وتبدو أقرب للنهاية أكثر من أي وقت مضى.
هنا، نحاول البحث وراء أسباب فشل إيهاب جلال في الزمالك.
متلازمة الموسم الأول
أنجح تجارب جلال جاءت بعيدا عن دائرة الضوء في مصر للمقاصة، رويدا رويدا – بفضل جلال – دخل الفريق الفيومي إلى وسط دائرة الضوء في الدوري المصري كسفير للكرة الجميلة ومنافس حقيقي على البطولة.
ولكن بالنظر لتجربة جلال في مصر للمقاصة، نجد أنه وصل للمركز الرابع في الموسم الأول بفارق كبير عن ثنائي المقدمة في موسم 2014/2015 الزمالك والأهلي وصل إلى 15 نقطة مع الوصيف الأحمر و23 مع البطل الأبيض آنذاك.
في الموسم التالي، تراجع مصر للمقاصة كثيرا حتى المركز العاشر، ولكنه في الموسم الماضي أبهر الجميع بالوصول لوصافة الدوري بل وشكل تهديدا لزعامة الأهلي رغم خسارته للقب في النهاية بفارق 10 نقاط عن الأحمر.
احتاج جلال لـ3 مواسم في الفيوم ليصنع من فريقه قوة كروية لا يستهان بها. أمر مثل ذلك فقط يمكن إنجازه خارج حدود القاهرة.
ولكن مع الأهلي والزمالك يحتاج المدرب للنتائج السريعة، حبذا لو كانت مع أداء جميل ولكن الاهتمام الأول يظل بالنتائج والبطولات.
تامر النحاس وكيل المدرب والذي كشف من قبل أن جلال تولى مسؤولية الزمالك بعد 3 محاولات تفاوضية فاشلة من قبل الأبيض، لخص الأمر في تصريح واحد. "لو كنت رئيسا للزمالك لقبلت استقالة جلال، وإذا استمر الموسم المقبل سيحصد كل البطولات".
رغم الفارق في التشبيه، على مدار تاريخه التدريبي الطويل لم يحصد جوزيه مورينيو بطولة في موسمه الأول مع أي فريق سوى 3 مرات، بينما تأتي معظم نجاحاته في الموسم الثاني بعد أن يوطد أواصر سيطرته على كل ما له علاقة بالفريق.
طبيعة المنافسة وكون الزمالك قطب من قطبي الكرة المصرية قد تكون ظلمت جلال، من يعلم، ربما لو حصل على مزيد من الوقت لرآت تجربته النجاح مثلما حدث في مصر للمقاصة.
لكن هل يرفع ذلك اللوم بشكل تام من على جلال؟
عدم لوم جلال على فشل التجربة أمر صعب للغاية. تجربة لاعب الإسماعيلي والمصري السابق في تدريب الزمالك توافرت فيها ربما ما لم يتوفر لأي من سابقيه: ابتعاد تام من الإدارة عن فريق الكرة، صفقات طلبها جلال وحصل عليها، وقت أطول من معظم من خلفهم في تدريب الفريق.
منذ 4 فبراير الماضي، بدا وأن جلال وجد التوليفة السحرية للنجاح.
7 انتصارات متتالية في الدوري وضعت الزمالك على الطريق الصحيح، ولم يعكر الصفو سوى خسارة على ملعب سيء في إثيوبيا وفي كل الظروف كان يمكن تعويضها في مصر.
في أغلب الأوقات يكون الالتزام بالفريق الفائز – تشكيلا وطريقة لعب - هو الاختيار الأصوب بالنسبة لأي مدرب.
هذا الأمر لم يفعله جلال.
"أحب اللعب بطريقة 4-4-2 لكن ليس بشكلها الكلاسيكي"، هكذا قال جلال في حواره مع برنامج العين الثالثة في الموسم الماضي، قبل أن يضيف "يجب أن يكون للفريق أسلوب واضح ويفرضه على المنافسين، يمكن أن يتغير ذلك في بطولة إفريقيا مثلا حسب الطريقة التي يلعب بها المنافس لكن بشكل عام يجب أن يكون لك شكل ثابت يعرفه اللاعبون من فترة الإعداد".
لم يستقر جلال على رسم تكتيكي معين، ربما يكون الأسلوب واحد من حيث بناء اللعب من الخلف والتمرير الكثيف لانتظار الثغرة قبل ضرب مرمى الخصم.
بل بالعكس، حاول جلال أن يغير كثيرا من طباع لاعبي الزمالك الذين أتوا من أندية ذات عقلية أقل من أندية القمة، ومن منهم مستمر مع الزمالك لأعوام فدمر توالي المدربين مستواه.
يقول المدرب الهولندي المخضرم في تدريب الناشئين جيرارد مولينارز إن الإسهام الزائد عن الحد من المدرب خلال الحصص التدريبية أو المباريات، الأمر الذي يقتل قدرة اللاعبين على الابتكار ويحول المدرب إلى شخص يمسك بجهاز تحكم في اللاعبين، الأمر أشبه بالخطط التي تضعها في لعبة فيفا على بلايستيشن قبل أن تقوم بنفسك بالتحكم في اللاعبين الإلكترونيين.. ولكن على أرض الواقع.
في كتابه "بيب كونفيدينسيال"، يقول بيب جوارديولا: "أكره التمرير لأجل التمرير. عليك أن تمرر الكرة لهدف معين وهو الوصول لمرمى الخصم".
ضد الإسماعيلي - الفريق المنقوص من أهم عناصره وهو المهاجم الكولومبي دييجو كالديرون ومعه مدرب جديد - مرر الزمالك 549 تمريرة فيما مرر الدراويش 261 مرة فقط. النتيجة 3-1 للإسماعيلي.
أما ضد مصر للمقاصة فكانت تمريرات الزمالك أكثر بـ100 تمريرة تقريبا والنتيجة كانت هزيمة الأبيض أيضا.
هل تحول التمرير الكثيف – دون محاولة للابتكار أو الوصول إلى المرمى - إلى محاولة لإرضاء جلال على حساب اتجاه الفريق إلى المرمى؟ ربما، ولكن السؤال الأهم هو مدى جاهزية لاعبي الزمالك لتطبيق تلك الاستراتيجية.
ضد الأهلي، خسر جلال المباراة مبكرا بسبب تصميم أحمد الشناوي حارس مرمى الفريق وطارق حامد لاعب خط الوسط الخروج بالكرة على الأرض في ظل ضغط عال وشرس من عناصر الأهلي، والنتيجة هدف مبكر لفريق حسام البدري وضع الأبيض تحت الضغط.
المباراة الأولى في مشوار جلال، والتي لم يدرب الفريق قبلها سوى مرتين فقط، ليست بأي حال من الأحوال مقياس الحكم على تجربة جلال، ولكن البدري منح المدربين نموذج إجابة عن سؤال "كيف تهزم إيهاب جلال؟".
ضد الإسماعيلي خسر الزمالك الكرة 19 مرة في وسط ملعبه وتسبب ذلك بشكل مباشر في هدف الدراويش الثاني.
بين مواجهتي الأهلي والإسماعيلي 3 شهور تقريبا و15 مباراة. الأمر واضح للعيان، تحت الضغط لا يجيد فريق الزمالك الخروج بالكرة، ويخسرها في وسط ملعبه فيجعل مرماه مستباحا للتهديدات نظرا لفقدان الكرة في مكان قريب منه.
تصميم جلال على استراتيجية معينة، وإسهاماته الكثيرة والتغيير المستمر في شكل الفريق، أمر يقودنا إلى سبب آخر قد يقف خلف فشل جلال، اللاعبون.
رهانات خاسرة
الأرقام واضحة. لم يكافئ عماد فتحي مثلا جلال في 11 مباراة سوى بهدفين وصناعة هدف، ثالث أكثر لاعب ساهم بالأهداف في فترة جلال.
باسم مرسي في 7 مباريات سجل هدفين فقط. إحصائيات من تلك النوعية تطول ولكنها توضح أمرا هاما – رهان جلال على معظم اللاعبين كان خاسرا.
بين لاعبين شاركوا مع جلال كثيرا، وآخرين ابتعدوا تماما عن الصورة معه، والبعض الذي شارك أحيانا وابتعد أحيانا تختلف رؤية اللاعبين لجلال حسبما علم FilGoal.com .
بطبيعة الحال، اللاعبون الذين لا يشاركون لا يحبون تجربة المدرب أما النوعين الآخرين من اللاعبين فلديهم مشكلة أكبر.
قطاع كبير من اللاعبين يروا أن ما يطلبه جلال صعب التنفيذ بعد فترة كبيرة من تعاقب المدربين عليهم وأن التغييرات الكثيرة سواء في التشكيل أو الخطة لا تفيد الفريق.
ما قد يعد مشكلة أخرى، هو غياب العقلية اللازمة.
المعروف أن الأهلي والزمالك هما ناديا القمة في مصر، تربية اللاعب في مراحل الناشئين تكون من أجل حصد البطولات وهو أمر يؤثر في عقلية اللاعب.
في قائمة الزمالك لا يوجد سوى 5 لاعبين من إنتاج أكاديمية النادي، أما الأهلي فيضم 14 لاعبا من إنتاج أكاديميته في قائمته.
الأمر ينعكس بالضرورة على عدد اللاعبين الدوليين، ففي الوقت الذي يضم فيه الزمالك 5 لاعبين دوليين لمنتخبات مختلفة، يضم الأهلي 11 دوليا.
بعيدا عن فارق الجودة بين القائمتين، فإن فارق الخبرات وعقلية اللعب لفريق كبير تعمق الفوارق بين القائمتين وتوضح كيفية فشل رهان جلال على اللاعبين.
ما بعد التجربة
مع اقتراب رحيل جلال، ستتجه المتابعة لكيفية تعافي الزمالك من فترة صعبة ربما توقع الكثيرين أن تكون بداية العودة ولكنها تسببت في رجوع الفريق إلى الخلف.
كذلك، كيف سيصلح إيهاب جلال مسيرته التي ربما فقدت الكثير بعد تجربة الزمالك وأين ستكون المحطة التي يبدأ فيها من جديد.
هذا ما سنعرفه في المواسم المقبلة، أمر يستحق المتابعة.