في 1 أبريل 1998، امتلأ ملعب سانتياجو برنابيو عن بكرة أبيه.. الرجال الذين حضروا لمساندة الفريق الملكي في تلك الأمسية لم يكونوا قد شاهدوا فريقهم بطلا لدوري أبطال أوروبا من قبل.
بتلك الليلة استقبل ريال مدريد نظيره بروسيا دورتموند بذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، مواجهة ستصير كلاسيكية بعد عقد ونصف مع كثرة تكرارها، لكنها أبدا لم تحمل مقدارا من التوتر كالذي شهدته تلك المباراة في اليوم الأول من أبريل.
وفي زمن حصلت فيه روابط الألتراس على حرية كاملة بالدخول كاملة العتاد والعدد إلى المدرج، كان السياج هو الوسيلة الأمنية الوحيدة للحد من المقذوفات التي ترسلها الجماهير الغاضبة صوب لاعبي الفريق المنافس.
فوز ريال مدريد الأخير بدوري أبطال أوروبا حينها يعود إلى عام 1966، ووصولهم الأخير إلى المباراة النهائي تحقق عام 1981.
أجيال متعاقبة من الشبان المتيمين بريال مدريد اكتفوا بسماع روايات آبائهم عن أمجاد جيل الخمسينيات والستينيات، لكنهم لم يحظوا بفرصة رؤية الفريق الأكثر تتويجا بالبطولة يرفع الكأس ذات الأذنين.
جماهير ريال مدريد عرفت أن تلك المباراة ستكون الأخيرة لفريقها على سانتياجو برنابيو في تلك النسخة، ولم تدخر مشاعرها التي عبرت عنها بكل الوسائل الممكنة، وعندما وصل الحماس إلى أقساه لحظات قبل دلوف اللاعبين إلى أرضية الملعب، قامت جماهير الدرجة الثالثة بتسلق السياج المربوط بالمرمى.. فانهار المرمى.
تحطم المرمى ودخلت المباراة إلى نفق مظلم، فالعاملون بالملعب حاولوا إصلاح المرمى بكافة الوسائل الممكنة دون نجاح يذكر، والمشكلة كانت في عدم وجود مرمى احتياطي بملعب سانتياجو برنابيو يومها، مما يخالف تعليمات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
خيم الصمت والهلع على كل المنتمين إلى ريال مدريد في محيط الملعب، وبدأت إدارة الفريق الألماني في ممارسة الضغط على الحكم الهولندي ماريو فان دير إندي.
إلغاء المباراة كان سيعني اعتبار دورتموند فائزا بشكل افتراضي بنتيجة 3-0، وهي نتيجة سيصعب على ريال مدريد تداركها في مباراة الإياب بألمانيا، مما يعني ضياع الحلم المدريدي عمليا.
وسط تسليم بالأمر الواقع أمام مشكلة لا يمكن حلها، ظهر أجوستين هيريرين، نائب مدير الملعب..
هيريرين ابن الثالثة والستين والذي عمل في النادي لسنوات طوال، فكر في الذهاب إلى المدينة الرياضية القديمة المتواجدة على بعد 2 كيلومتر فقط من الملعب، وإحضار مرمى على وجه السرعة والعودة به إلى الملعب.
توجه هيريرين بفكرته العبقرية إلى ميجيل أنخيل جونزاليز حارس مرمى ريال مدريد في السبعينات والثمانينات، والذي كان يشغل منصب مدير المدينة الرياضية في ذلك الوقت، وعلى الفور هرع كلاهما صوب المدينة الرياضية، وعندما وصلا، تواصلت المشكلات.
المدينة الرياضية مغلقة الأبواب في هذا الوقت من الليل، وعلى ما يبدو فقد ترك رجال الأمان مراكزهم لمشاهدة المباراة المصيرية، هيريرين ابن الـ63 عاما قرر بشجاعة كبيرة أن يتسلق سور المدينة الرياضية وهبط من الجانب الآخر ليفتح الأبواب، حتى أن بنطاله شُق أثناء تلك العملية.
هنا تبادرت مشكلة كبيرة لثنائي الإنقاذ المدريدي، فالشاحنة التي حضرا فيها إلى المدينة الرياضية صغيرة ولن تتسع للمرمى، من أين لهما بشاحنة متاحة في وقت قصير؟
كانديدو جوميز هو البطل الثالث للرواية، قائد شاحنة أنهى يومه وذهب لتناول العشاء في أحد المطاعم القريبة من المدينة الرياضية وترك شاحنته بالخارج، وعلى الفور بحث هيريرين وميجيل أنخيل عن صاحب الشاحنة ولم يجدا مشكلة في إقناعه بالقيام بالمهمة البطولية، لأنه مشجع لريال مدريد بالفعل.
عاد ثلاثتهم إلى المدينة الرياضية، توجهوا إلى الغرفة التي يتواجد بها المرمى، ولم يجدا المفتاح الخاص بباب الغرفة.
لا وقت للبحث، كانديدو خيّر استعمال القوة، وأحضر شاحنته واستعملها في كسر باب الغرفة، وقاموا بتحميل المرمى على الشاحنة.
طلب هيريرين من دورية شرطة أن تفتح الطريق للشاحنة التي سارت بسرعة جنونية خلف سيارة الشرطة متخطية الإشارات الحمراء لأجل الإبقاء على الحلم المدريدي المهدد بالفناء.
في الوقت عينه بملعب المباراة، وصلت الضغوطات الألمانية إلى درجة غير مسبوقة، وإداريو ريال مدريد استهلكوا كافة حججهم لإهدار الوقت، الحكم نظر إلى ساعته ووجد أن لا داع للتأجيل لأكثر من ذلك.
الجماهير المذنبة انتظرت صافرة الحكم الهولندي في أي لحظة قريبة، عندما رأوا مرمى محمولا على الأكتاف يدخل إلى أرض الملعب.
انفجر ملعب سانتياجو برنابيو برؤية المرمى، كان الأمر بمثابة تسجيل هدف قبل أن تنطلق المباراة حتى.
انطلقت المباراة بحماس جماهيري مضاعف بعد أن حُبست أنفاسهم ولاحقتهم الأزمات القلبية وهم يرون فريقهم يخسر دون أن يلعب.
سجل فرناندو مورينتس هدف التقدم لريال مدريد بعد 25 دقيقة، قبل أن ينطلق الفرنسي كريستيان كاريمبو في الشوط الثاني بالدقيقة 67 ويسدد بقوة في المرمى الذي ثُبتت أركانه جيدا مع تمركز قوات الأمن من خلفه.. سجل كاريمبو في المرمى الأشهر بتاريخ ريال مدريد، وضمن أسبقية مهمة لريال مدريد بهدفين نظيفين قبل الإياب الذي انتهى سلبيا وأعلن عن تأهل ريال مدريد إلى النهائي الأول منذ 17 عاما.
في أمستردام بعد 6 أسابيع سجل بريدراج مياتوفيتش بشباك أنجلو بيروتزي حارس يوفنتوس، وأهدى اللقب الأول لريال مدريد في دوري أبطال أوروبا منذ 32 سنة، اللقب الذي ما كان ليتحقق لولا شجاعة أجوستين هيريرين.
إدارة ريال مدريد قامت بتكريم السائق كانديدو جوميز، فأرسل له الرئيس لورنز سانز جواب شكر مصحوبا بمجموعة هدايا وكرة المباراة موقعة من اللاعبين بالإضافة إلى مبلغ مالي تعبيرا عن العرفان.
أما أجوستين هيريرين، فتم ترقيته بالعام التالي ليكون مديرا لملعب سانتياجو برنابيو، المنصب الذي يشغله حتى اللحظة.