كتب : إسلام مجدي
الكرة اليونانية لم تكن يوما بأفضل حال سوى في الفترة من 2001 إلى 2014، حينما لمس أحفاد الإغريق قمة المجد بالتتويج بلقب يورو 2004 على حساب البرتغال في لشبونة. أمر لا يتكرر كثيرا.
الأزمات الاقتصادية وطرق صرف الأموال التي لم تعد تجلب الأجانب وحتى المواهب نفسها ترحل وتواجد ضرائب كبيرة على عقود اللاعبين تصل إلى 40% ساهمت في اندثار الكرة في عام وحيد تقريبا.
حتى كأس العالم 2014، منتخب اليونان امتلك هوية دفاعية قوية ودائما هناك تخوف منه.
تولى نيكوس خريستيديس تدريب اليونان لفترة قصيرة فقط مباراة واحدة حتى تعيين مدرب جديد. كان ذلك أوتو ريهاجل المدرب الألماني الذي كتب تاريخا لا ينسى على مدار 9 أعوام مع أحفاد الإغريق.
الجماهير اليونانية سرعان ما منحته لقبا فقط بعد 3 أعوام "الملك أوتو".
قال ريهاجل في وقت سابق :"كرة القدم باعتبارها لعبة، تدور حول التماسك الاجتماعي، البقاء على قيد الحياة هو قضية العطاء والتعاطي".
وسرعان ما بنى ريهاجل جيلا ينفذ مخططه للبقاء، الحارس المخضرم أنطونيوس نيكوبوليديس ثم خط دفاع امتزج بالشباب والخربة، ما بين أنجيلوس باسيناس وجيوركاس سيتاريديس ولاعبو الوسط مثل جيانيس جوماس وستيلوس جياناكوبولوس وكوستاس كاتسورانيس وأخيرا معجزة يورو 2004 أنجيلوس خريستياس.
في التصفيات واجه إسبانيا وخسر ثم أوكرانيا وخسر وأخيرا فاز ضد أرمينيا، سرعان ما تمالك اليونان نفسه في التصفيات وظهر جليا ما سيحدث. فاز ضد أيرلندا الشمالية مرتين وإسبانيا وأوكرانيا وأرمينيا. ولم يستقبل هدفا واحدا بدا وكأنه سيذهب إلى اليورو بخط دفاع يستحيل كسره، لم يستقبل سوى 4 أهداف فقط في مباراتين خلال عام 2002، لكن في التصفيات عام 2003 لم يستقبل أهدافا.
وقع المنتخب اليوناني في مجموعة ضمت البرتغال المضيف وإسبانيا وروسيا، فاز في أول مباراة ضد المضيف بنتيجة 2-1 وتعادل مع إسبانيا ثم خسر من روسيا.
لم يبد أبدا أن اليونان قادرة على الوصول بعيدا، خاصة وأن الخصم التالي في ربع النهائي كان فرنسا، لكنه فاز بنتيجة 1-0، وأنهى مغامرة التشيك الجميلة بالفوز في الوقت الإضافي بنتيجة 1-0 ثم فوز في النهائي ضد البرتغال مجددا بنفس النتيجة.
طوال البطولة لم يستقبل سوى 4 أهداف وسجل 7 أهداف. ونجح ريهاجل في الفوز بمعركة البقاء.
قبل ريهاجل لم يصل اليونان إلى كأس العالم منذ عام 1994، 16 عاما من الغياب أنهاها وتأهل إلى كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا لكنه ودعها من دور المجموعات.
قال ريهاجل :"الكرة اليونانية كتبت التاريخ، إنه أمر لا ينسى، توجد مفاجآت دائما، تذكروا كوريا الجنوبية التي فازت ضد إيطاليا في كأس العالم 1966 بإنجلترا، كانت تلك مفاجأة".
"إنه إنجاز غير اعتيادي للكرة اليونانية، خاصة على صعيد الكرة الأوروبية، الخصوم كانوا أفضل مننا فنيا، لكننا كنا نستغل فرصنا جيدا".
ريهاجل أسس مدرسة وهوية يونانية دفاعية قوية للغاية، ثم رحل ثم يتولى المهمة البرتغالي فيرناندو سانتوس الذي لم يرغب في التغيير كثيرا.
يقول ديميتريوس ميخالاكاكوس صحفي يوناني لـFilGoal.com "ما بين عام 2001 و2014 عشنا الكثير من الأشياء التي لم نكن حتى نتخيلها، مع أوتو ريهاجل وفيرناندو سانتوس، كلاهما جعل اليونان من أفضل المنتخبات في أوروبا".
وأضاف "بعد كأس العالم 2014 كان السقوط، لم نتأهل ليورو 2016 ثم بعد عامين لم نتأهل إلى كأس العالم وبدا الأمر غريبا بالنسبة لنا".
وواصل "مايكل سكيبه يسير في الاتجاه الصحيح حاليا وأثق كليا أنه سيستعيد الأمجاد".
وأكمل "حل مشاكلنا سهل، خط دفاعنا، نحن محظوظون لامتلاكنا مدافعين متميزين مثل كوستاس مانولاس وسوكراتيس باباستاثوبولوس وغيرهم، لطالما كان الدفاع سلاحنا الأفضل، سكيبه يعمل بكد حاليا ويمتلك تشكيلا جيدا من اللاعبين".
اليونان عشقت المدرسة التي جلبت لها النجاح، لكن لم يتمكن أحد من تحقيق نفس الإنجاز، كلاوديو رانييري لم يتمكن من التعايش مع إرث ريهاجل والمقارنة، الأمر ذاته مع كوستاس تساناس وسيرخيو ماركاريان، ليعود اليونانيون مرة أخرى للمدرسة الألمانية ومدرب جديد هو مايكل سكيبه.
لكن ذلك لم يكلل بالنجاح، لا في التأهل إلى يورو 2016 أو كأس العالم 2018، والانتقادات تشير إلى سوء الأداء والاختيارات بالنسبة للمدرب الألماني. والأهم ما يشاع حول التزام سكيبه بلاعبين يثق بهم على حساب لاعبين أفضل منهم.
بعد انتهاء فترة الجيل الذهبي تحول أسلوب لعب اليونان تماما والهوية التي بناها ريهاجل، وحاليا الفريق أصبح يهاجم أكثر بكثير ويضغط أكثر على عكس النسخ الماضي للمدرب الألماني ريهاجل أو سانتوس. هل الأمر بسبب قلة المواهب؟
وتحدث جيانيس بايراكتاريس صحفي يوناني بموقع "كونترا" لـFilGoal.com قائلا: "اليونان تمتلك لاعبين جيدين خاصة في خط الدفاع، لدينا باباستاثوبولوس ومانولاس وغيرهم ممن يلعبون في أعلى مستوى، المشكلة تكمن في غياب الهدافين لدينا، وأنت بحاجة لهم في المحافل الكبرى".
وتابع "سيكون من الصعب أن نفوز بلقب اليورو مرة أخرى، لكن من الممكن أن نعود إلى البطولة للقتال، لا يجب أن تقول مستحيل في كرة القدم".
وواصل "كوستاس فورتونيس هو مايسترو التشكيل، وبإمكانه أن يحرك الكرة أينما أراد ويمرر ويراوغ ويخلق الفرص، وإن كان كوستاس ميتروجلو في حالته سيكون لدينا خط هجوم متميز".
ديميتريس خيريسانثيس صحفي يوناني بموقع "سبورت 24" اليوناني قال لـFilGoal.com "التواجد في قمة أوروبا ليس أمرا سهلا لدولة صغيرة مثلنا، الأمر صعب جدا ويحدث مرة واحدة، هؤلاء اللاعبون الموهوبون اللذين تواجدوا في الماضي حافظوا على تواجد الفريق في القمة لمدة 8 أعوام، لكن الأمر ليس سهلا أن تظل هناك للأبد".
واستطرد "الكرة الأوروبية تنافسية للغاية ويوجد الكثير من المنتخبات التي تمتلك جودة كبيرة في البطولات الكبرى مثل كأس العالم واليورو، والأمر محدود بالنسبة لنا".
وأكمل "يجب أن نستمر في المحاولة ونحاول أن نجد جيلا جديدا من الموهوبين ونخطو خطوة كبيرة مرة أخرى".
وأتم "لدينا لاعبون بإمكانهم صنع الفارق مثل مانولاس وباباستاثبولوس وفورتونيس، وكريستودولوبولوس أيضا جيد جدا، أحب كذلك الشاب الصغير دونيس إنه موهوب للغاية ومبشر".
حينما يتواجه المنتخب المصري مع نظيره اليوناني يوم الثلاثاء فلن يكون الأمر أشبه بمباراة دفاعية، لم تعد الأمور كالسابق بعد مرور 14 عاما على إنجاز تاريخي، لن نرى نسخة "الملك الألماني" بل نسخة أخرى تطورت مع الزمن ولازالت تبحث عن طريق العودة إلى القمة.