مورينيو وسيكولوجية التعامل.. غضب ورغبة في السيطرة أم محاولة لتصحيح المسار

"أحد المدرسين في الجامعة أخبرني يوما أن المدرب الذي يعرف بشأن كرة القدم فقط ليس جيدا بما يكفي، جميع المدربين يعرفون عن كرة القدم ولكن ما يميز أحدهم عن الآخر هو معرفته بباقي المناطق. كان مدرسا في الفلسفة ورسالته وصلتني".

كتب : لؤي هشام

الثلاثاء، 20 مارس 2018 - 16:14
جوزيه مورينيو

"أحد المدرسين في الجامعة أخبرني يوما أن المدرب الذي يعرف بشأن كرة القدم فقط ليس جيدا بما يكفي، جميع المدربين يعرفون عن كرة القدم ولكن ما يميز أحدهم عن الآخر هو معرفته بباقي المناطق. كان مدرسا في الفلسفة ورسالته وصلتني".

تلك الرسالة كانت موجهة إلى جوزيه مورينيو في شبابه والبرتغالي أدرك المغزى جيدا بل وبرع فيه كذلك ليتحول ذلك الفتى الذي كان "مجرد نجل شخص ما مليء بالفخر" إلى أحد أعظم المدربين في تاريخ الساحرة المستديرة.

ولكن ما الذي يحدث في مانشستر يونايتد؟ هل تسبب غضبه من الأداء والنتائج في انفجاره؟ أم تلك مجرد حيلة أخرى لإخراج الأفضل من لاعبيه؟ حسنا قد يطول الحديث بشأن هذا الأمر.

بعد الخروج من إشبيلية بدوري أبطال أوروبا طالع الاستثنائي الجميع بمؤتمر ناري استمرت تصريحاته فيه لمدة 12 دقيقة، وفيه تحدث عن الإرث الكروي الذي تسلمه في يونايتد (طالع تفاصيل المؤتمر).

حاول البرتغالي شرح الأمور من زاويته وكعادته استعان بعدة وقائع صحيحة ولا تقبل الخلاف ولكنه بالتأكيد أجاد وضعها في سياق حديثه دون الالتفات لبعض الزوايا الأخرى من القصة.

تلك الزوايا التي أراد بمحض إرادته تجاهلها بحثا عن هدفه.. لفهم أكبر (إرث مورينيو وجوارديولا.. هل البرتغالى على صواب بأنه استلم تركة ضعيفة؟).

تصريحات نجح بها في تحويل المسار بها من انتقاد أسلوبه ونتائجه بعد الخروج من المسابقة إلى الحديث عن إن كان يحتاج مزيدا من الوقت أو جودة مختلفة أو عقلية مختلفة من لاعبيه.

ولمحاولة تفسير ما يحدث فإن علينا التطرق إلى الجانب النفسي وسيكولوجية البرتغالي في التعامل مع لاعبيه.

"كرة القدم بالنسبة لي هي علم بشري، والبشر فوق كل شيء آخر" هكذا يؤمن مورينيو ولكن في الآونة الأخيرة يبدو أن جانب العلاقات الشخصية مع لاعبيه قد اتخذ منحنى مختلف.

مع ريال مدريد رحل جوزيه تاركا عدة خلافات كبيرة مع لاعبيه، وفي الولاية الثانية بتشيلسي ترك الفريق بعدما صرح أنه تمت خيانته من لاعبيه، والآن في يونايتد يطلق رصاصاته وانتقاداته تجاه الجميع.

يتحدث ماركو ماتيرازي مدافع إنتر عن 5 عوامل تميز مورينيو عن أقرانه وهي القيادة والذكاء والتعاطف والمعرفة والخبرة. هل مازالت تلك العوامل في جعبة الاستثنائي؟

لفهم أكبر.. (هل انتقاد مورينيو للاعبي يونايتد يشير لانتهائه؟ التاريخ وماتيرازي قد يجيبان)

ولكن رغم الانتقادات الواضحة للاعبي الشياطين الحمر إلا أن البرتغالي ربما أراد أن يحمل رسالة مبطنة للاعبيه، تلك الرسالة قالها ولكن ربما لم يلتفت أحدا إليها.

يشرح مورينيو أن وضع الضغط على كاهل لاعبيه قد يكون الحل الأمثل لإخراج أفضل ما لديهم قائلا: "أظن أنهم لا يلعبون جيدا دون ضغط.. أعمل بجد خلال يومين في التدريبات وفي النهاية أرى ذلك؟".

ويتابع بعد مواجهة برايتون "رأيت انعدام شخصية وانعدام رغبة في اللعب وعندما يكون لديك 4 لاعبين من أصل 11 لاعبا لا يريدون اللعب فهذا يحبطني للغاية".

ولكن الأمر لم يتوقف عند تصريحات يريد بها استفزاز قدرات لاعبيه وإنما أيضا إشارة إلى الجميع بأنه لن يقبل بأي تخاذل أو تهاون وإلا سيكون رحيلهم هو المصير.

الوضع كذلك مع لوك شاو وكريس سمولينج وغيرهم ممن وضعوا تحت نار الانتقادات، والثنائي سابق الذكر لم تكن المرة الأولى التي يتعرضوا فيها لانتقاد علني من مدربهم.

التقارير خرجت علينا وأشارت إلى رغبة مدرب تشيلسي السابق في رحيل 10 لاعبين عن الفريق!! رقم ضخم بالتأكيد (طالع التفاصيل).

مورينيو قد يغفر أي شيء إلا رؤية لاعبيه لا تقاتل على أرض الملعب. "لم ينجح لاعبو يونايتد في اللعب بقتالية. عليهم تعلم ذلك" يواصل التشديد على ذلك.

يتحدث الأمريكي جيمس هاميلتون وهو عالم نفس رياضي عن سياسة مورينيو في الاعتماد على عدد معين من اللاعبين فقط وتأثيرها النفسي.

ويشرح أن ذلك يعطي هؤلاء اللاعبين شعورا بأنهم الناجون من مقصلة الاستبعاد، وذلك يعطيهم شعورا بالتقدير وأنه قد تم اختيارهم لسبب محدد.

سيكولوجية تعامل تؤتي ثمارها مع مورينيو الذي قال يوما: "لا أذهب للحرب إلا مع من أثق بهم" ولكنه يبدو أن عدد قليل نجح في الظفر بتلك الثقة في يونايتد.

يحاول البرتغالي أن يعطي للاعبيه نموذجا على ذلك، ولم يجد أفضل من روميلو لوكاكو ونيمانيا ماتيتش لكي يضرب به المثل.

الأول ورغم مروره بفترة من جفاف التسجيل إلا أن مورينيو دافع عنه وأكد أنه لا يمكن أن يطلب منه أفضل مما يقدمه، وقدم دليلا على ذلك بعودة البلجيكي للعب كمدافع أمام كريستال بالاس.

ولوكاكو رد "أنا جندي من جنود مورينيو"، أما ماتيتش فقال: "هو يريد دائما مجهودا أكبر من لاعبيه، من الصعب أن تحظى بمدرب مثله، إنه استثنائي".

يبدو أن ذلك المثال هو ما يريده مورينيو في فريقه، ويبدو أن الرسالة لم تصل إلى الجميع بعد.

يوضح مورينيو سابقا كيف يجبر لاعبيه على الاستماع لتعليماته، ويفسر "اللاعبون أصحاب المستوى المرتفع لا يتقبلون ما يتم إخبارهم به ببساطة بسبب سلطة الشخص الذي يخبرهم بذلك، وعليك أن تُظهر لهم ما هو صحيح".

ولكن هل ذلك يعني أن تلك الطرق في التعامل تناسب جميع اللاعبين؟ الإجابة ربما لا فما يناسب البعض قد لا يناسب البعض الآخر.

هناك بعض اللاعبين الذين بحاجة لانتقاد علني لإخراج ما في جعبتهم وهناك آخرون تؤتي هذه الطريقة رد فعل عكسي معهم فهم بحاجة لانتقاد في الخفاء على الأقل. نفسيات اللاعبين تختلف من لاعب لآخر وما قد يكون جيدا لأحدهم ليس بالضرورة جيدا لزميله.

هينريك مخيتاريان تعرض للانتقاد من قبل ولكن ذلك لم يغير من الأوضاع بل ساءت أكثر حتى اُستبعد من اللعب في فترة ما قبل رحيله إلى أرسنال.

وبول بوجبا لم يُظهر رضاه عن انتقادات مدربه حتى اتخذت الأوضاع مسارا مختلفا شهد استبعاده من عدة مباريات بالآونة الأخيرة.

يقول الروسي أليكس سميرتين لاعب تشيلسي الأسبق والذي عاصر مورينيو في ولايته الأولى: "جوزيه قوي على الصعيد النفسي للغاية، يشعر بكل لاعب في فريقه، ولو أحسست بالإرهاق فسوف يعطيك عطلة".

يعطي ويسلي شنايدر مثالا آخر أثناء فترته في إنتر "جميع المدربين الذين عملت معهم كانوا يتحدثون في التدريبات فقط، ولكنه عندما شهر بإرهاقي أرسلني إلى عطلة لثلاثة أيام، ذهبت إلى جزيرة إيبيزا وعندما عدت كنت مستعدا للقتال والموت من أجله".

وينضم إليهم ماتيرازي قائلا: "مورينيو يجيد قراءة شعور لاعبيه حتى وإن أخفوا ذلك، يستطيع الدخول إلى عقولهم".

شعور المدرب البرتغالي بلاعبيه كان جليا، ولكن تلك الأمثلة كانت من الماضي قبل أن تتخذ سلوكياته مسارا مختلفا بدءا من مهمته مع ريال مدريد.

فهل فقد مورينيو قدرته على الإحساس بلاعبيه بنفس القدر الذي كان في الماضي أم أنه لم يجد رد فعل إيجابي على كل ما يبذله ؟

وبعيدا عن مدى مناسبة أفكار البرتغالي لنادي بفلسفة يونايتد فإنه في النهاية يحظى بثقة الإدارة التي جددت تعاقده حتى نهاية 2020 واستمراره أمر لا شك فيه حتى الآن على الأقل لذا فإن توحيد الصفوف من الداخل سيكون الحل الوحيد.

وإعادة ترتيب الأوراق في الموسم المقبل سيكون بالتأكيد الأولوية للبرتغالي، الذي إما أن ينجح في مسعاه وإما أن يكون الرحيل مصيره ولكن بعد أن دخل في صراعات شتى.