الرجل الذي صنع "الغول".. الانتصار على طريقة حسام البدري
الإثنين، 12 مارس 2018 - 22:47
كتب : فادي أشرف
تهرب ابتسامة نادرة من وجه حسام البدري حينما يسمع العدد القليل من الجمهور في المدرجات يهتف بإسمه. علامة انتصار في معركة لم يخضها متعمدا.
علاقة البدري بقطاعات من جمهور الأهلي قد تكون الأكثر تشابكا وغرابة في تاريخ مدربي الفريق الذين زاد عددهم عن الـ40 قليلا. ذكريات الولايتين الأولى والثانية بانتصاراتها وانكساراتها مازالت في ذاكرة قطاع عريض من الجمهور.
ولكن البدري في الولاية الثالثة مختلف. يحقق الانتصارات تواليا. حصد الدوري الموسم الماضي دون هزيمة وحصد كأس مصر والسوبر، ولكنه خسر دوري أبطال إفريقيا. أضاف دوري الموسم الحالي إلى قائمة بطولاته لتقل النبرة التي اشتكى منها كثيرا. "آراء السوشيال ميديا" كما وصفها تسبب له ضيقا يشكو منها بين الآن والآخر ولكن في الموسم الحالي هبطت نغمة تلك الانتقادات كثيرا. نتيجة طبيعية لـ"الغول" الذي خلقه البدري.
الرهان على الوقت ضد "الغول"
"الأهلي توحش وأصبح غولا، لا يوجد أي شيء يهدئ من لاعبيه طوال المباراة سوى صافرة النهاية فقط وعدا ذلك فهم يعملون دائما لآخر ثانية من المباراة". مختار مختار مدرب الإنتاج الحربي، أحد المدربين القلائل الذين عانى البدري للفوز عليهم هذا الموسم يتحدث عن الغول الذي خلقه البدري بعد سنوات من التخبط الكروي.
رغم التصريحات المتكررة بقوة الأهلي من قبل المدربين المنافسين، يجب ألا ننسى أن البدري تسلم الفريق في وضع أسوأ كثيرا من الوضع الحالي.
تولى البدري مسؤولية الأهلي في وقت صعب. خسر الفريق الدوري لأول مرة منذ سنوات طويلة في 2015 تحت قيادة خوان كارلوس جاريدو. أتى بعده جوزيه بيسيرو، تحسن في النتائج دون رضا حقيقي من الجمهور. بعد بيسيرو الذي رحل إلى بورتو أتى مارتن يول بوعد استعادة السيطرة المحلية، وهو ما حدث. لكن في إفريقيا وكأس مصر حلت الكارثة التي عصفت بمشروع يول في الأهلي، ومعه ثقة قطاع عريض من الجمهور في "اللاعبين الكبار".
رحل يول وأتى البدري بمهمة تشديد السلطة المحلية على أمل الانطلاق منها إلى استعادة السيطرة الإفريقية. نجح في الأولى بامتياز ودون هزيمة.
متسلحا بأسلحة لم يخترها، انطلق البدري في محاولة لاستعادة السيطرة الحمراء على إفريقيا ولكن الوداد المغربي كان له بالمرصاد بعد أن قدم الأهلي بطولة لا تنسى أعلن فيها رادس ملعبا تاريخيا له ولقن النجم الساحلي درسا سداسيا في برج العرب.
من هنا، كانت بداية جديدة للأهلي مع حسام البدري.
يمكن فصل مشوار البدري مع الأهلي إلى مرحلتين، ما قبل مباراتي الوداد وما بعدهما.
"الأهلي هو الفريق الوحيد في مصر الذي لو استسلمت له سيكسرك"، عماد سليمان، المدرب الوحيد الذي تفوق على البدري هذا الموسم.
في العقد الماضي كان يفوز الأهلي بالدوري. في هذا الموسم فاز الفريق بالدوري أيضا لكن بأداء رائع وسيطرة تامة، لدرجة أن تتويجه بالدوري كان أمرا واقعا منذ حصوله على الصدارة وإنهاءه لمبارياته المؤجلة محطما في طريقه الكثير من الأرقام القياسية واحدا يلو الآخر.
غول كما قال مختار مختار. يسجل بمعدل 2.3 هدفا في المباراة الواحدة في الدوري وفرصة تسجيل هدف في مرماه لا تتعدى نصف هدف في المباراة الواحدة. الخروج مهزوما أمام البدري هو الاحتمالية الأكبر في كل مباراة.
أحد الفرق القليلة التي لم تتعرض للخسارة أمام الأهلي في الدور الثاني من الدوري هذا الموسم كان وادي دجلة ومدربه طارق العشري، بعد صمود دفاعي رهيب أمام الطوفان الأحمر.
يقول العشري لـFilGoal.com: "الأهلي أفضل الفرق التي تتحرك دون كرة. لا يمكن أن تفتح صفوفك أمامه. يجب أن تغلق صفوفك بشكل صحيح وأن تعرف متى تهاجم".
وعندما سألنا العشري عن ثغرات الأهلي قال: "عندما واجهت الأهلي لعبت على الوقت. مع تأخر الأهلي في التسجيل يتوتر ويتعجل التسجيل لذا عليك أن تضربه قبل أن يضربك".
أصبحت مباريات الأهلي ممتعة في المتابعة. أداء سريع وقوي للغاية هجوميا وصلب للغاية دفاعيا رغم ظروف صعبة ضربت الخط الخلفي معظم أوقات الموسم.
ولكن رغم ذلك لا يمكن أن تنسى الكثير من الظروف التي أحاطت بالفريق هذا الموسم ولكن الرجل الذي صنع الغول كان سببا رئيسيا في ألا يشعر الجمهور بذلك.
المرور من مأزق أنشيلوتي وزيدان
بعيدا عن العمل التكتيكي، ظهر عمل البدري "الشخص" كثيرا هذا الموسم مع عمل البدري "المدرب".
خواص البدري الشخصية منحته الانتصار في أكثر من معركة بعيدة عن معركة الفوز في مباريات الدوري.
مع زين الدين زيدان وقبله كارلو أنشيلوتي، حصد ريال مدريد كل شيء في موسم ولكن الموسم التالي كان كارثيا.
نجح البدري في المرور من المأزق التي تضرب كل فريق يحقق كل البطولات في موسم، السقوط الكارثي في الموسم التالي.
ريال مدريد ليس المثال الوحيد، فقدان الحافز والصراع من أجل الأماكن الأساسية سقط بفرق كثيرة ولكن البدري نجح باقتدار في المرور من تلك الأزمة.
"هنا حدث خطأ، أن الجميع اعتقد أن المباراة انتهت وأننا حققنا الفوز لذا يجب الحديث عن السلبيات في المباراة التي حدثت من جانبنا قبل الحديث عن الإيجابيات". هذا التصريح من البدري أتى بعد الفوز على المقاولون العرب 5-2 واقتراب الأهلي بشدة من حصد الدوري. رغم تألق فريقه وتقديمه لعرض هجومي كاسح للمرة الثانية في 4 أيام ضد منافس قوي رفض البدري النظر للإيجابيات واختار التركيز على السلبيات لخلق حافز أكبر للفريق.
ليس ذلك فقط، عمل البدري كثيرا على تجهيز من يرفض وصفهم بـ"البدلاء" لوضع من يرفض وصفهم بـ"الأساسيين" تحت ضغط مستمر.
يتحدث إسلام محارب صفقة الأهلي الصيفية الذي لم يبدأ أي مباراة من أصل 18 في الدوري المصري، ورغم ذلك سجل 4 أهداف قائلا: "أكثر ما تعلمته من البدري هو اللعب بإيجابية على المرمى بشكل مستمر وأيضا القيام بالدور الدفاعي والتحرك بشكل جيد داخل الملعب". تصريح محارب يدل أولا على عمل البدري كثيرا مع اللاعب الذي لا يعد أساسيا، بل يعد ضاغطا على كل اللاعبين الذين يشاركون بشكل أساسي مع الفريق.
لم تكن تلك الأزمة الوحيدة التي نجح البدري في الطيران بالفريق فوقها هذا الموسم.
أزمات صغرى مر بها البدري بنجاح مثل تصميمه على وليد أزارو في ظل هجوم ضار عليه بسبب إهدار الفرص السهلة إلى أن أصبح هدافا للدوري، أو الهجوم عليه بسبب عدم إشراك بعض اللاعبين مثل صالح جمعة وأحمد الشيخ وعماد متعب أو قيادة الفريق في وقت يتفاوض معظم نجومه على تجديد تعاقدهم، كلها أمور استطاع البدري المرور منها بنجاح ولكنه مع ذلك حمى الفريق من تداول السلطة الذي حدث في قمة هرم الأهلي.
أزمة تغيير العهود
تغيير شامل في الأهلي في مطلع ديسمبر - وسط الموسم المحلي - بفوز محمود الخطيب ومجلسه كله على حساب مجلس محمود طاهر الذي أعاد البدري لولاية ثالثة.
العلاقة بين الخطيب والبدري حسبما يتوقع الكثيرين متوترة إثر رحيل البدري إلى ليبيا في ولايته الثانية. مع تداول السلطة حدث هبوط في مستوى ونتائج الأهلي ليتعرض البدري لهجوم ضار بدوره.
ما بين اتهام البدري بفقدان السيطرة على أداء الفريق إلى الإدعاء المتطرف بتعمده إحراج المجلس الجديد لأسباب مادية بدت سفينة الأهلي خارج سيطرة البدري قليلا ولكنه استطاع استعادة السيطرة على السفينة بشكل رائع.
ديسمبر سيء على الأهلي كرويا داواه البدري بأفضل طريقة، فوز ثلاثي على الزمالك في يناير وبطولة سوبر غالية ضد المصري في الإمارات وبالفوز نجح البدري في أن يضم الجميع إلى صفه.
"لم يتم تقييمي من الخطيب.. بطولاتي تتحدث عن نفسها، فأنا أكثر مدرب مصري حصل على بطولات". قبل هذا الموسم ربما وجد هذا التصريح هجوما ضاريا من قطاع كبير من جمهور الأهلي واصفا البدري بالغرور والعند، ولكن يمر التصريح مرور الكرام لأن البدري بالفعل حصد بطولات باستحقاق، وبالفعل أكثر مدرب مصري حصل على الدوري.
طال التغيير كل قطاع في الأهلي تقريبا إلا جهاز الكرة مع المجلس الجديد. حافظ البدري على وظيفته ومسيرته وولاية ثالثة ناجحة صنع فيها وحش كاسر على الملعب أجبر به الجميع على عدم التساؤل حول قراراته لأن في النهاية، يثبت البدري صحة وجهة نظره.
وعلى عكس المتوقع، حصل البدري الذي لا يبتسم كثيرا على حب لاعبيه حسب تصريحات معظمهم. يقول جونيور أجاي ووليد أزارو إنه سبب انضمامهما لمنتخبي بلادهما، حتى هؤلاء اللاعبين المعروف عنهم أنهم الذين لا يتمتعوا بعلاقة حب مع المدرب يعملون باحترافية من أجله والدليل نتائج الفريق.
رويدا رويدا فاز البدري - بطريقته - في معظم معاركه داخل وخارج الملعب. بداية من حصد الدوري وكسب الجماهير واللاعبين إلى صفه، مرورا بحماية الفريق من متلازمة الموسم التالي للنجاح وتغيير الإدارات على أمل إنهاء المرحلة بالفوز بدوري أبطال إفريقيا والعودة إلى كأس العالم للأندية، الجائزة الكبرى كما يصفها البدري.
"لن أغادر الأهلي مهما كانت المغريات أو العروض".
هكذا يشدد البدري الذي لم يخف من الاعتراف بتلقيه جزء إضافي على راتبه من محمود طاهر لإنهاء الشائعات. البدري الذي صار في عين مانويل جوزيه "أفضل مدرب لدى الأهلي" والذي حصل على إشادة الخطيب ورضا معظم جماهير الفريق، يستمر مازجا بين قدراته كمدرب وخواصه كشخص في قيادة الأهلي إلى ما يبدو وأنه مستقبل مشرق.
شكر خاص للزميل حامد وجدي
اقرأ أيضا:
الـ ★ ★ ★ ★.. الدوري أهلاوي للمرة الـ40
الرسالة الأولى من البدري لجماهير الاهلي عبر في الجول بعد التتويج بالدوري
النجمة الرابعة - حكاية النجوم على قميص الأهلي.. متى بدأت وأطول مدة غياب
تغيير في الصدارة.. قائمة أكثر 15 لاعبا حصدوا الدوري مع الأهلي