كتب : أمير عبد الحليم
في رحلة البحث عن مثل أعلى، يستقر ديدييه دروجبا على القمة وحده بمسيرة لم يعرف لها الفشل طريقا.
اليوم نحتفل بعيد ميلاد الفيل الإيفواري الـ40 وهو الذي عرف طريق النجاح - حتى وإن تأخر - في كل مشوار سار فيه سواء داخل الملعب أو خارجه.
ومثل أي قصة مُلهمة كانت سنوات دروجبا الأولى في الحياة مليئة بالمعاناة، فبعدما أرسله والداه للعيش مع خاله المهاجم المغمور ميشيل جوبا في فرنسا في سن الخامسة أصبح بلا مأوى بعد 3 سنوات فقط ليعود إلى أبيدجان.
لم يجد دروجبا مكانا لممارسة اللعبة التي يعشقها سوى في الجراجات، ومع الظروف الصعبة التي كانت تعيش فيها عائلته أرسلوه مرة أخرى إلى خاله ثم لحق به والداه.
مع استقرار عائلته في فرنسا، حاول دروجبا الحصول على فرص اللعب مع فرق للناشئين ولكن الأزمة التي واجهته دائما هو أنه بدأ اللعب في سن كبير.
عانى دروجبا من إصابات ولم يتحمل جسده التدريبات، حتى وجد من يثق في موهبته أخيرا مارك وسترلوب مدرب لومانس الذي قال: "الأمر استغرق 4 سنوات ليصبح دروجبا قادرا على التدرب يوميا واللعب كل أسبوع".
وبسبب هذا، تأخر توقيع أول عقد احترافي في مسيرة دروجبا إلى سن الـ21 مع لومانس.
قضى دروجبا 4 سنوات مع لومانس لم يقدم الكثير خلالهم، ولكن البداية الحقيقية كانت مع جانجون الذي انتقل له مقابل 80 ألف يورو فقط وتركه بعد موسم ونصف في اتجاه مارسيليا مقابل 3 مليون و300 ألف يورو.
لم يندم مارسيليا على ما دفعه في المهاجم الإيفواري المغمور، ففي خلال موسم واحد سجل 19 هدفا في الدوري ليحصد جائزة أفضل لاعب في الموسم بالإضافة إلى 5 أهداف في دوري أبطال أوروبا و6 في كأس الاتحاد.
بنهاية موسم رائع مع مارسيليا، انتقل دروجبا إلى تشيلسي مقابل مبلغ قياسي 24 مليون جنيه إسترليني.
تاريخ تشيلسي
كان دروجبا ضمن 5 نجوم مثلوا نواة فريق قوي بناه جوزيه مورينيو في تشيلسي، وفي أول مواسم الاستثنائي مع البلوز ضم ريكاردو كارفاليو وباولو فيريرا وبتر تشك مع آريين روبن وكان الفيل الصفقة الأغلى بينهم.
التجربة الكبيرة الأولى لمورينيو في أوروبا بعد ملامسة المجد مع بورتو توافقت مع رغبة الروسي رومان أبراموفيتش الذي لم يدخر ليدخل بتشيلسي إلى مصاف الكبار.
لكن بداية دروجبا مع تشيلسي لم تكن بأفضل صورة، فالشاب المنتقل من مارسيليا عانى من إصابة في البطن أبعدته عن المباريات لشهرين.
فاز تشيلسي بالدوري لأول مرة منذ 50 عاما ليحقق مورينيو نجاحا ساحقا في أول مواسمه في إنجلترا ويجني أبراموفيتش ثمار ما دفعه، لكن لم يسجل دروجبا أكثر من 16 هدفا في كل البطولات.
"أعرف أنني كنت أستطيع أن أقدم أفضل مما ظهرت عليه، لكن عندما وصلت إلى تشيلسي كان علي أن أثبت أنني على قدر المبلغ الذي دفعه النادي لضمي والتوقعات بسببه".
"ضحيت بنفسي كثيرا من أجل الفريق وجاء ذلك على حساب الأرقام سنرى إذا أتى مهاجم يدافع مثلما كنت أفعل، كنت أعتقد أنني سأقضي وقتا أقل في الركض خلف الكرة".
ولم يختلف الحال في الموسم الثاني رغم البداية الرائعة بتسجيل هدفين في مباراة الدرع الخيرية. سجل دورجبا 16 هدفا فقط.
"أتفهم عدم سعادة الجماهير عندما لا أؤدي بشكل جيد، ولكن في أي وقت ألعب فيه أقدم كل ما لدي للفريق ولدي دائما احترام للقميص والنادي".
"الانفجار" لا يمكن البحث عن وصف أفضل من هذا لموسم دروجبا الثالث مع تشيلسي، والذي تحقق بالقميص رقم 11 بعدما رحل داميين داف إلى نيوكاسل وارتدى الفيل رقم 11 بدلا من 15.
خسر تشيلسي لقب الدوري لمانشستر يونايتد، ولكن دروجبا انفجر وسجل 33 هدفا في كل البطولات 20 منهم في الدوري لينهي الموسم هدافا للمسابقة.
وما قدمه دروجبا هذا الموسم جعله يجلس على عرش إفريقيا للمرة الأولى، بعدما اختير أفضل لاعب في القارة متفوقا على صامويل إيتو ومايكل إيسين.
التألق الذي كان يعيشه دروجبا اصطدم برحيل مورينيو عن تشيلسي مع بداية موسم 2007-2008، ليعلن رغبته في الرحيل بعد مدربه.
قال دروجبا وقتها: "طرد مورينيو صعب، أرغب في ترك تشيلسي فهناك شيء انكسر برحيله".
رغم البداية الصعبة، وصل تشيلسي إلى نهائي دوري أبطال أوروبا ولكنها ظلت مستعصية على بطل قصتنا الذي طُرد في الشوط الإضافي.
وخسر تشيلسي الدوري ودوري الأبطال في الأمتار الأخيرة، ولم يرحل دروجبا كما كان يريد.
فشل جديد في دوري الأبطال في الموسم التالي وخروج جدلي على يد برشلونة من نصف النهائي أتبعه إيقاف من الاتحاد الأوروبي لدروجبا بعدما وجه ألفاظ نابية للحكم.
أفضل مواسم دروجبا على مستوى الأرقام كان 2009-2010 عندما وجد الراحة مجددا مع كارلو أنشيلوتي.
سجل دروجبا 37 هدفا في 44 مباراة، وجمع بين ثنائية الدوري وكأس الاتحاد.
وبالطبع استحق دروجبا أن يكون الأفضل في إفريقيا للمرة الثانية في تاريخه بعد هذا الموسم.
حلم دروجبا الأكبر مع تشيلسي تحقق أخيرا في 2012 عندما قادهم أخيرا للتتويج بدوري الأبطال.
وكقصة فيلم من إنتاج هوليود، بدأ دروجبا صاحب الـ34 سنة الموسم بخسارة مركزه لفرناندو توريس ثم استعاده بسبب كم الفرص التي يهدرها الإسباني الأصغر سنا.
الأمور كانت سيئة في تشيلسي ولا تُبشر بأي خير وفشلت استنساخ مورينيو جديد مع أندري فيلاش-بواش الذي رحل في فبراير وتولى دي ماتيو المسؤولية بدلا منه.
وفي ملعب أليانز أرينا، سجل دروجبا هدفا في الدقيقة 88 تعادل به لتشيلسي مع بايرن ميونيخ في نهائي دوري الأبطال ثم سجل الركلة الأخيرة في ركلات الترجيح ليرفع ذات الأذنين أخيرا.
ومن على قمة أوروبا، أعلن دروجبا رحيله عن تشيلسي.
"عبرنا برشلونة رغم أننا كنا أقل قوة من فريق 2009. كرة القدم مضحكة، أتذكر أن فيلاش-بواش قال لي في نوفمبر إننا سنفوز بدوري الأبطال ووقتها ضحكت وقلت له أنت تحلم".
"أخيرا فزنا بدوري الأبطال والفضل للاعبين الكبار".
رحل دروجبا إلى شنجهاي شينوا ليكون من أول الأسماء الكبيرة التي طرقت باب الدوري الصيني، ولكن يبدو أن طموحهما لم يتوافقا ليبدأ رحلة جديدة مع جالاتاسراي.
قضى دروجبا موسما ونصف رائعين في تركيا، وحصل بعدها على فرصة جديدة للعمل مع مورينيو وفي مكانه المفضل تشيلسي.
ثم عاد دروجبا إلى تشيلسي في موسم 2014-2015 وقال: "كان قرارا سهلا، لا يمكن أن أفوت الفرصة للعمل مع مورينيو من جديد".
أضاف دروجبا لقبين للدوري وكأس الرابطة لسجل بطولاته مع تشيلسي، ليرحل عن القميص الأزرق بطلا تاريخيا.
تشيلسي يمتلك في تاريخه كله 6 بطولات حقق دروجبا 4 منهم.
التاريخ مع كوت ديفوار
"الحضري هو أصعب منافس واجهته في حياتي" .. حقق دروجبا كل شيء ممكن مع منتخب بلاده باستثناء التتويج بكأس الأمم الإفريقية والسبب عصام الحضري.
في 2006 وقف الحضري أمام ركلة ترجيح دروجبا في النهائي، وبعدها بعامين وقف الحارس المصري سدا أمام سيل تسديداته في نصف النهائي.
ومع غياب الحضري في 2012، وصل دروجبا بكوت ديفوار إلى النهائي ولكن من جديد أهدر ركلة جزاء ضد زامبيا ليخسر فرصة التتويج بكأس الأمم للأبد.
دروجبا هو الهداف التاريخي لمنتخب كوت ديفوار وأكثر لاعب ارتدى قميصه، وشارك معه في 3 بطولات كأس عالم.
لم تعرف كوت ديفوار الطريق إلى المونديال إلا بعدما ظهر دروجبا، فهو كان القائد المثالي لجيل ربما لن يتكرر في تاريخ الأفيال.
ولايزال البحث جاريا في كوت ديفوار عن خليفة يحمل إرثا يقصم الظهر.
القدوة خارج الملعب
قدم دروجبا الكثير لبلده داخل الملعب، ولكنه لم يتأخر يوما عن دوره المجتمعي مع كل الأزمات التي ضربتها بسبب الحرب الأهلية.
في 2005 بعد التأهل لكأس العالم لأول مرة في تاريخ كوت ديفوار، دعا دروجبا المقاتلين إلى ترك أسلحتهم بعد سنوات من الحرب الأهلية في البلاد ونجحت رسالته بالفعل في وقف القتال.
وبعد الفوز بجائزة أفضل لاعب في إفريقيا لأول مرة في 2006 ذهب دروجبا إلى الاحتفال بها في مدينة بواكي معقل المتمردين، كما لعب دورا في نقل مباراة لكوت ديفوار ضد مدغشقر إلى هناك وهي الخطوة التي ساهمت في عملية السلام.
لم يتوقف دروجبا وأنشئ مؤسسة خيرية باسمه لمساعدة البلدان الفقيرة في إفريقيا، وتبرع لبناء أكثر من مستشفى في كوت ديفوار.
كان دروجبا حاضرا لدعم أي لاعب من القارة يتألق في أوروبا وأخرهم المصري محمد صلاح الذي قال عنه: "يذكرني بنفسي عندما كنت مع كوت ديفوار في 2006".
هل هناك مثل أفضل من دروجبا؟