كتب : لؤي هشام | الثلاثاء، 27 فبراير 2018 - 15:02
مقال رأي - فينجر في مخيلتي.. صورة مبارك وفقدان القدرة على المجازفة
في ذلك الممر المؤدي إلى ملعب المباراة وقف الفرنسي العجوز ينظر إلى غريمه في تلك المباراة بنظرات تحمل الكثير من القلق، نظرات حملت الكثير من التساؤلات داخل عقله.
ربما تساءل حول جدوى كل ذلك إن كان الجميع يعرف أنه من الصعب التغلب على خصمه أو مدى قدرة الزمن على تغيير الكثير من الأشياء.
ذاك التساؤل الذي يأتيه أحيانا حول كل ما مر به في تلك الرحلة التي تخطت العشرين عاما، أحيانا يرى أن البعض قد استخف بما حققه متحولين إلى مجموعة من نكراء للجميل وأحيانا يقول لنفسه "حسنا ربما حان الوقت للوداع". هكذا يخبره عقله ولكن قلبه يأبى أن يعترف بالحقيقة.
ربما تحمل تلك النظرة في الصورة بعضا مما انساب إلى ذهني سريعا بمجرد رؤية هذا المشهد حاملة ما يدور في مخيلتي من بعض الأفكار حول ذلك الرجل العجوز، قد لا تصف الحقيقة ولكنها مرتبطة بالصورة التي رسمتها حول أرسين فينجر في خيالي الذي اصطدم دوما بالواقع.
لطالما وجدت تشابها بين فينجر وحسني مبارك في الآونة الماضية، وتحديدا حين طالبته الجماهير بالرحيل قبل بداية الموسم ولكنه ظل متمسكا بذلك المقعد الذي شهد من خلاله العديد من اللحظات، بعضها لا يرغب في نسيانه والآخر قد يتمنى لو محته الذاكرة.
والحجة كانت بالتأكيد الحفاظ على استقرار النادي، ذاك الاستقرار الذي ضمن لـ20 عاما تواجدهم في دوري أبطال أوروبا، ويالسخرية القدر فقد فينجر في الموسم التالي مقعده الذي لطالما تفاخر به.
"قد لا تتذكرون هذه الأيام، ولكن قبلي كان هناك الكثير من ا لتخبط والفوضى التي أخشى أن تتكرر مع رحيلي مرة أخرى".
"نعيش معا أيامًا مؤلمة وأكثر ما يوجع قلوبنا، هو الخوف الذي انتاب الأغلبية وما ساورهم من انزعاج وقلق وهواجس حول ما سيأتي به الغد، إن أحداث الفترة الماضية تفرض علينا جميعا الاختيار ما بين الفوضى أو الاستقرار".
هذه الكلمات لم تخرج من أرسين فينجر خلال أحد المؤتمرات الصحفية ولكنها كانت جزءا من خطاب ألقاه مبارك قبل التنحي.
حقيقة أن فينجر جلب الاستقرار إلى المدفعجية لا يمكن نكرانها فبعدما رحل الاسكتلندي جورج جراهام عقب 9 سنوات من بقائه في المنصب مر النادي بمرحلة من التخبط والفوضى إذ مر على النادي 4 مدربين خلال أقل من عامين وأكثرهم مدة جلس عامًا واحدا فقط على الدكة.
حتى أتى البروفيسور الفرنسي من الدوري الياباني.
لم يكن أحدا يعرفه ولكنه تمكن من صناعة اسمه في تاريخ المسابقة بأحرف من ذهب، ولم يكن تحقيقه الإنجازات سببا وحيدا فقط لاستمراره حينها فقد صنع فلسفة خاصة بهذا النادي وأفكارا جديدة على إنجلترا خلال البدايات.
ولكن ما ساهم في استدعاء صورة مبارك أكثر في ذهني كان أيضا الانقسام الذي صنعه فينجر بين جماهير أرسنال قبل التجديد، بعضهم طالبه بالرحيل والبعض الآخر تمسك باستمرار المدرب الذي صنع إنجازات هذا النادي. صورة أشبه بخطاب مبارك العاطفي قبل موقعة الجمل
ربما هذا الاستدعاء للتشابه بين الشخصيتين ما هو إلا صورة لبعض مما يدور في مخيلتي من بنات أفكار، ولكن الصورة الأكثر اقترابا من الحقيقة كانت تختمر في ذهني مع مرور الوقت.
وتلك الصورة كانت أن فينجر بات رجلا فقد القدرة على المجازفة وهو ما ترتب عليه العديد من الأشياء أهمها أنه لم يعد قادرا على مسايرة الزمن خاصة وأن سرعة المتغيرات والمستجدات هي سمة هذا العصر.
أفكار كثيرة تظهر دائما، اهتمام كبير قد يصل لحد المبالغة بالتفاصيل، وأحداث دائما ما تطفو على السطح لفترة قصيرة قبل أن تتحول الاهتمامات إلى حدث مختلف وهكذا.
قدرة فينجر على مواكبة كل ذلك ستظل دائما موضع احترام حتى وإن لم يعد قادرا على اللحاق بالركب، فالأمر لا يبدو سهلا مع رجل في مثل عمره حافظ على إمكانية البقاء في الصورة الكبرى حتى وإن كان بجوار الإطار.
ومكمن الحديث هنا مرتبط بالتأكيد عن العقلية، تلك العقلية التي جعلته المنافس الأول في فترة من الفترات مع قائمة تطول من مخضرمي مدربي العالم ومنافس حالي مع قائمة أخرى من مدربين شباب يحملون أفكارا جديدة.
ولكن قدرته على المنافسة بقوة لم تعد كالسابق، وعقليته التي ساعدته على الاستمرار طويلا في المقدمة حتى بدون تتويجات كانت هي نفس العقلية التي جعلته يفقد القدرة شيئا فشيئا على الإحساس بالشغف في صورته الأولية.
نظرة شاب طموح يتمتع بالكثير من مقومات النجاح والطموح بالتأكيد ستختلف عن نظرة رجل عجوز، وقدرة الأخير على القتال والاستمرار لن تكون بنفس كفاءة من أمامه الكثير لكي يثبته في رحلته، هكذا أرى جزءا من الصورة ببساطة.
بالتأكيد لن يقدر فينجر على المواصلة كل هذه السنين بدون شغف حقيقي لكرة القدم، ولكن الوضع أشبه بالتحول من شغف باللعبة إلى شغف بما اعتاد القيام به كل هذه السنوات بشكل شبه اعتيادي.
فقدان القدرة المجازفة وتغير العقلية انعكس بشكل كبير على اختياراته الفنية وذلك ما يظهر في اختياره للاعبين مجتهدين يسعون لتنفيذ متطلبات الكرة الحديثة ومدربهم، فباته هذه السمة هي المتغلبة على الاختيارات من أصحاب الموهبة.
نظرة قصيرة على قائمة المدفعجية ستكفي لمعرفة أن هذا النادي لم يعد يملك سوى لاعبين أو ثلاث ممن قد تعتبرهم نجوم حقيقيين قادرين على الانتقال إلى كبار أوروبا أما الباقين فلا أظن أن اسما منهم قد يجد فرصة في مكان أكبر.
عقلية أرسنال بدأت في التغير مع مرور السنوات، وما لم يكن مقبولا قبل عدة أعوام بات شيئا عاديا هذه الأيام. هكذا يكون التغيير دوما إلى الأسوأ.
مشهد رحيل الجماهير بعد تلقي ثلاثة أهداف من مانشستر سيتي في نهائي كأس الرابطة لم يكن أمرا جديدا، بل ربما تحول هذا المشهد مع مرور الوقت إلى ما يشبه الإحساس باليأس وهو ما يعني فقد القدرة على الإيمان بإمكانية حدوث تغيير.. إحساس يعرفه جيدا مشجعي أرسنال وخاصة المصريين منهم :)
ذلك الإحساس الذي لا تشعر فيه بالألم مع هزيمة قاسية لفريقك وإنما تشعر وكأنه سيناريو اعتدت عليه في الأعوام الأخيرة، سيناريو أصابك بتبلد المشاعر مع مرور الوقت.
ولهذا ربما بكى ذلك الطفل الصغير، بكى لأنه لم يمر بعد بكل تلك الهزائم والانكسارات التي مر بها أجيال سبقته، بكى لأن صورة أرسنال ماتزال كبيرة في مخيلته ولأنه لم يعرف بعد أن فينجر فقد القدرة على المجازفة.
مقالات أخرى للكاتب
-
مقال رأي - فينجر في مخيلتي.. صورة مبارك وفقدان القدرة على المجازفة الثلاثاء، 27 فبراير 2018 - 15:02
-
مقال رأي - ما بين ميسي وكريستيانو.. أمور لا يدركها إلا العارفون الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017 - 17:51