"النادي أكثر من ذلك هناك أطقم فنية وعوامل كثيرة، لم نكن نستبدل الكثير من اللاعبين وكنا نفعل كل ما بوسعنا لكي يندمج اللاعبون الجدد، بالطبع لا يمكنك أن تغير المدربين طوال الوقت، والأهم أن عليك أن تتعامل كمؤسسة وليس كمجرد فريق 11 لاعبا يرغب في تحقيق هدف وحيد، هذا يتسبب في إحباط كبير لفريقك وتفقد بريقك سريعا". كانت تلك كلمات سير أليكس فيجرسون مدرب مانشستر يونايتد الأسطوري عن كيفية بناء فريق ناجح.
لم تكن هذه الكلمات بعيدة عن أرض الواقع، بل هي قريبة للغاية مما نعيشه في الدوري المصري، بعيدا عن المنافسة وما تراه الجماهير، هناك بعض الأشياء التي قد تبدو صغيرة للغاية لكن إن قمت بجمعها معا فسترى صورة أكبر.
ما جعل الأهلي في وضع مختلف عن بقية الأندية مثلا أنه لا يحب أن يعيش مشاكله ويقف أمامها طويلا، إما أن يحلها أو يؤجلها من أجل هدف أسمى.
لننظر إلى وضع الأهلي، ما الإمكانيات التي لديه؟ مادية من الممكن حل ذلك بعقود الرعاية مثلا وبعض الأشياء الأخرى لأندية مثل الزمالك والإسماعيلي، جودة اللاعبين؟ لا جدال أن مصر للمقاصة كان ينافس على الدوري بعدد من اللاعبين المتميزين والإسماعيلي فعل ذلك فقط بعض الأشياء القليلة التي احتاجوها ليكملوا السباق إلى الأمتار الأخيرة.
-----
إدارة الأهلي كانت تمنح دروسا فيما يخص التواصل مع اللاعبين والمدرب والتعامل مع فريق الكرة وحتى فيما يخص الصفقات لم تكن تشتري كل موسم فريقا جديدا، بل تواجد عدد من اللاعبين القدامى أصحاب الخبرات مع أبناء النادي ليخلقوا الحبكة المطلوبة وزرع عقيدة الفوز وخبرة المنافسة في الجدد.
الزمالك على النقيض كان يضم الكثير من اللاعبين ما يكفي فريقا كاملا، مع حالة كبيرة من عدم الاستقرار الفني تمثلت في تغيير أكبر عدد من المدربين في فترة 3 أو 4 أعوام.
الإسماعيلي ربما لم يمتلك ما يكفي من موارد، لكنه نجح يوما في الفوز من خلال مواهبه بالدوري، احتاج فقط أن يمنح مدربيه الثقة وأيضا السير على خطوات.
سموحة ربما اقترب كثيرا من القمة لكنه لم يلمسها في ظل حالة الارتباك الفني في تغيير المدربين بجانب طريقة التعامل مع اللاعبين.
-----
هناك أشياء لازمة في صناعة فريق يهمين على الكرة في دولة ما لحقبة معينة، لاعبون أصحاب كاريزما ومنافسة قوية وإرث من الفوز والألقاب ومدربين ناجحين وطريقة لعب محددة ومصادر مالية ثابتة. لكن لم نتساءل يوما كيف نفوز بالدوري؟ كيف نصنع ناديا ناجحا؟
إن أردنا ذلك علينا أن نتفهم أولا أن كل الناجحين كانوا مؤسسة ناجحة وليسوا مجرد نادي كرة قدم يدربه مدير فني جيد، يجب أن تمتلك منظومة تنتج لك مواهب شابة وأيضا بإمكانك الاستثمار والبيع منها ولا ضير في ذلك. في النهاية كرة القدم أصبحت استثمارا ويجب أن تخوضه الأندية في مصر عاجلا أم آجلا.
في وقتنا الحالي لم يعد نجاح الأندية مرهونا بكونها أندية تفوز فقط أو تحققا ألقابا، جامعة هارفرد حينما أجرت دراسات عن الأندية اتجهت ناحية الأعمال والاستثمارات وليس الألقاب نعم هي مهمة لكن لكي تضمن الاستمرار عليك أن تكون محترفا وذكيا.
-----
ما يمتلكه الأبطال دوما هو الهوية والقيم والمبادئ، تلك الأشياء قد تبدو لك بلا قيمة أو معنى أحيانا نعم؟ لكن لمن يرتدي قميص ذلك النادي فهو لا يدافع عن الحارس الذي يقف في مرماه فقط بل عن كل تلك الأشياء.
ما يسقطه البعض أن هناك أندية تغير في لاعبيها كل موسم، مثلا ما الذي يجعل فريقا قام بعدد من الاستثمارات وضم ما يقرب من 15 لاعبا وبيع 10 مثلا، هذا يعني أنك لم تخلق استقرارا في الفريق، بل ضممت عددا يحتاج لفهم الأسس والقوانين وهوية الفريق ويتعلم الأساسيات ومن ثم سينسجم وهذا يتطلب ما يوازي 20 أسبوعا مثلا؟ للأندية الصغيرة يتسبب ذلك في هبوطها خاصة وإن كانت جودة اللاعبين ليست كافية.
ليستر سيتي مثلا باع نجولو كانتي لكنه لم يعوضه بلاعب بقدرته وكان هو العامل الحاسم لنجاحه غير المعهود. أقيل المدرب وأصبح النادي يعاني.
------
استضافت جامعة هارفرد سير أليكس فيرجسون ليتحدث عن شروط نجاح الأندية.
إليكم كل ما قاله:
"عليك أن تبدأ بالمؤسسة أن تمنح النادي شكلا يجعل المشجع يرتبط به، النجاح أكبر من فكرة أنك تمتلك 22 لاعبا ممتازا سيفوزون لك بالمباريات".
"يجب أن تمنح لاعبيك شيئا ليقاتلوا من أجله، ليس فقط الركض خلف الكرة أو الفوز كل ليلة، القيم والمبادئ والشعار والنادي وليس فقط الدفاع عن المرمى، لذلك كان يمنح اللاعبون معي نسبة 200% من مستواهم حتى وإن كانت قدراتهم 50%".
"ربما لم تكن لتمتلك كتيبة بإمكانها الفوز بالدوري لكن إن منحتهم مقابل ما ينقصهم من مهارات بأفكار من هنا أنت على الطريق الصحيح".
"كنت أبحث عن لاعبين بعينهم هؤلاء الذين لا يعرفون معنى الخسارة بل ويتشاجرون مع من يفوز ضدهم، كنت أطالبهم دوما بالمستحيل ومع الأعوام صار ذلك هو الأمر الطبيعي واللاعبون لم يتقبلوا استسلام زملائهم، كنت وقتها أشعر بالراحة إنها فلسفة تضعها في اللاعبين".
"مخطئ من يظن أن هناك ناديا يمتلك وحده خطة النجاح، بإمكانك أن تعمل أنت كذلك على خطة تضعك على القمة، انظر للأندية المستقرة إداريا لابد وأن يطرق النجاح بابها لكن الأمر مسألة وقت وخطط وصبر".
"المدرب وحده لا يصنع النجاح، اللاعبون وحدهم لا يصنعون النجاح عليك أن تمتلك منظومة كاملة لا فريق بل مؤسسة، هل تمتلك الأندية كلها ذلك؟ لا هذا ما يقسمهم إلى ناجحين وآخرين يحاولون".
"كل شيء كنا نفعله كان يتمحور حول المعايير التي وضعناها كنادي كرة قدم وليس كفريق، في بناء اللاعبين وضمهم والتحضيرات والتحفيز والفنيات".
"على سبيل المثال لم يسمح أبدا أن نحظى بحصة تدريبات سيئة، ما تراه في التدريبات هو ذاته ما تراه في الملعب في كل تدريب كنا نهتم بالجودة، لم نسمح بقلة التركيز أو الحدة أو السرعة، جعل ذلك لاعبينا يتطوروا كل مدة ومن ينضم حديثا كان ينسجم بسرعة في الأجواء".
"عليك أن ترفع من توقعات لاعبيك دائما، نعم في الصحافة قد ترفع الضغط لكن معهم عليك أن تطالبهم بالفوز بكل شيء".
"كنت أقول للاعبي امنحوني شيئا أمنحكم اثنين".
خسارة التحكم كان معناها لدى فيرجسون سقوط الفريق، لا يمكنك أبدا أن تفقد التحكم في ناديك وهذا يعني أن عليك أن تدير الفريق بحنكة ولا تخصم منهم طيلة الوقت الشعور بالذنب أفضل من الخصم بكثير.
واصل المدرب الأسطوري :"بعض الأندية الإنجليزية غيرت مدربيها في مرات عديدة وخلق ذلك قوة للاعبين في غرفة الملابس".
هذه النقطة تحديدا وإن توفرت في بعض الأحيان في الأهلي مثلا لا تستمر طويلا، لكن في بعض الأندية الأخرى، تجد اللاعبون يتحكمون في كل شيء.
"هذا أمر خطير للغاية إن خسر المدرب التحكم فلن يستمر طويلا وبذلك ترفع الضغط عن اللاعبين فسوء الأداء من السهل أن يرتبط بالمدرب عن للاعبين، يجب أن تجعل لاعبيك يدركون حجم المسؤولية".
"حينما يؤثر لاعبا بصورة سلبية على الفريق عليك أن تتصرف بسرعة كبيرة".
"الإدارة لا يجب أن تتواصل مع اللاعبين بل المدرب، التواصل مهمته ولهذا أنت عينته، الملاحظة والقدرة على رؤية الأشياء الفنية تلك وظيفة المدرب وليس الإدارة لا يصح أبدا أن تظل طوال الوقت داخل الفريق هذا يخلق أجواء سلبية ستشتت الجميع".
"التدريبات لا تحضرها الإدارة سوى من بعيد لا دخل لها في أي شيء، رئيس النادي منوط بما يخص إدارة النادي ككل وليس فريقنا الكروي فقط وبالتالي المدربين المساعدين يراجعون الإيجابيات وأنا أقوم بدور آخر وللإدارة دورها الخاص".
من أخر كلمات فيرجسون يجب أن نلتقط هنا طرف الخيط، لا يمكنك أبدا أن تضع مثلا هدف الفوز بالدوري أمامك وتضعه نصب أعين 22 لاعبا ومدرب قبل أن تقيل ذلك المدرب بعد فشله في عدة مباريات ثم تهين اللاعبين وتخصم منهم ثم يخسرون اللقب ولا تقول إنك ستعود من أجله بل تبيع نصفهم وتضم غيرهم وبالتالي لا تمنحهم السياسة والقيم والمبادئ بل تبدأ دورة جديدة النادي فقط هو من سيظل عالقا بداخلها.
للتواصل مع الكاتب: