كتب : عمر ناصف
عندما تم سؤال روبيرتو باجيو عن أفضل شيء في كرة القدم قال "إنها تعطي تجربة عاطفية فريدة للعديد من الأشخاص والشيء الأكثر تميزا أنه لا يمكنك التنبؤ بها".
بدأ باجيو مسيرته مع فيتشينزا في الدرجة الثالثة الإيطالية حيث تألق صاحب الـ16 عاما مع النادي الذي انضم إليه بعمر التاسعة وظل هناك حتى رحيله إلى فيورنتينا بمبلغ قياسي لشاب في سنه وهو 3 مليون دولار.
قبل خمسة أيام فقط من توقيع عقود انضمامه الرسمي للفيولا كان باجيو يواجه ريميني في الدوري وأثناء محاولته قطع إحدى الكرات من لاعب المنافس تعرض باجيو لقطع في الرباط الصليبي ومشكلة أخرى في صابونة الركبة.
قرر مسؤولو فيورنتينا استكمال الصفقة والتكفل بمصاريف العملية وفترة علاج اللاعب الذي لم يشارك معهم لتبدأ علاقة عاطفية قوية بين النادي والشاب الصغير.
عاد من الإصابة وبدأ في الاستعداد للمشاركة في المباريات فجاء الظهور الأول له مع الفريق في 17 سبتمبر 1986 في كأس الاتحاد الأوروبي، ومشاركته الأولى في الدوري كانت أمام سامبدوريا في الـ21 من نفس الشهر.
و28 سبتمبر كان تاريخ تعرضه لانتكاسة في ركبته ليبتعد مرة أخرى عن الملاعب وتتعرض ركبته لـ220 غرزة كاملة من أجل إعادة بناءها مرة أخرى.
غاب باجيو عن معظم ذاك الموسم بالطبع وخسر معها 12 كيلو جراما من وزنه وعودته جاءت في الأمتار الأخيرة وهدفه الأول بقميص فيورنتينا كان بركلة حرة مباشرة في مرمى بطل تلك النسخة نابولي، الهدف أنقذ فيورنتينا من الهبوط إلى الدرجة الثانية.
بدأ الإيطالي الشاب التألق مع ابتعاد الإصابات عنه وتحول إلى نجم الفريق الأول، وصفه ميجيل مونتوري أسطورة الفيولا السابقة قائلا "يمتلك أعصاب باردة أمام المرمى وكصانع ألعاب هو الأفضل وأكثر فاعلية من مارادونا".
بعيدا عن باجيو وقبل وصوله إلى فيورنتينا كان الفريق في 1982 ينافس على لقب الدوري الإيطالي والجولة الأخيرة كان جدول الترتيب يشير لتصدرهم بـ44 نقطة على قمة الجدول بالتساوي مع يوفنتوس، فيورنتينا ذهب لملاقاة كالياري الذي أحتاج لنقطة للهروب من الهبوط بينما يوفنتوس واجه كاتانزارو الذي ضمن البقاء.
هدف سجله فيورنتينا عن طريق فرانشيسكو جارزيني ولكن صافرة الحكم أعلنت خطأ لصالح حارس كالياري ليتم إلغاءه بينما يوفنتوس حصل على ركلة جزاء في الدقائق الأخيرة من مباراته سجلها ليام برادي ليهدي فريقه الثلاث نقاط ولقب الدوري.
رفع مشجعو فيورنتينا شعار "المركز الثاني أفضل من السرقة" لتبدأ منذ تلك اللحظة عداوة تاريخية بين جماهير فيورنتينا والسيدة العجوز، تفتخر جماهير فيورنتينا أن مدينتها لا تملك أي مجموعة تشجيعية ليوفنتوس على أرضها فأعلنوها "منطقة خالية من الأحادب".
في الثقافة الإيطالية الشخص "الأحدب" يجلب الحظ وهو ما يساعد يوفنتوس في الفوز بالبطولات، البعض الأخر يرى أن وصف مشجعي يوفنتوس بأنهم أشخاص حدب يرجع إلى أن ظهرهم مقوس للأسفل بسبب البطولات التي سرقوها وحملوها على ظهرهم.
بعد 8 أعوام من سرقة الدوري تقابل فيورنتينا مع يوفنتوس في نهائي كأس الاتحاد الأوروبي تغاضى الحكم عن دفعة قام بها بيرلويجي كاسييرجي في ظهر لاعب فيورنتينا سيلستي بين والنتيجة تشير إلى التعادل 1-1، انتهت المباراة بثلاثية للسيدة العجوز بعد ذلك.
خرج بين بعد اللقاء غاضبا وشوهد وهو يتجه لمدرب يوفنتوس دينو زوف في أحد لقاءات ما بعد المباراة الصحفية ليصرخ "سرقة"، حارس مرمى يوفنتوس ستيفانو تاكوني نصحه قائلا "من الأفضل لكم البحث عن الفوز على أرضية الملعب بدلا من الفوز بالحرب الكلامية".
انتهت مباراة العودة بالتعادل السلبي ورفع يوفنتوس لقب البطولة لكن صدمة مشجعي فيورنتينا لم تكن بسبب تلك الخسارة بل بسبب إشاعات أخرى خرجت في الصحافة تم تأكيد صحتها بعد تلك المباراة بأيام قليلة.
"روبيرتو باجيو سينتقل إلى يوفنتوس في صفقة قياسية كانت الأغلى في عالم كرة القدم حينها بـ17 مليون دولار" إعلان رسمي أشعل مدينة فلورينسا الهادئة.
شغب في كل مكان ولمدة ثلاث أيام كاملة كان الزجاج المتناثر على الأرض وزجاجات المولتوف المحترقة هي المنظر الطبيعي في شوارع المدينة اعتراضا على تلك الصفقة التي أبرمها رئيس النادي فلافيو بونتيلو لحاجته إلى المال لضمان استمرارية فريقه.
تعرض 50 شخصا لإصابات مختلفة وجلس بونتيلو في مقر الفريق بملعب أرتيمو فرانكي بشكل إجباري خوفا على حياته في حال خرج إلى الشارع للعودة إلى منزله وتم اعتقال ثلاثة أشخاص خلال تلك الأحداث التي وإن كانت قد هدأت في الشارع فلم تهدأ أبدا في قلوب مشجعي الفريق البنفسجي.
"لقد تم إجباري على تلك الصفقة" دافع باجيو عن نفسه مؤكدا بأنه تم دفعه لقبول الرحيل لفريق مدينة تورينو من قبل رئيس النادي لتنتهي مسيرة اللاعب معهم بعد خمسة مواسم سجل فيها 55 هدفا في 136 مباراة كان فيها النجم الأول للفريق الذي أنقذهم من الهبوط مرتين وأعادهم للنصف الأول من الجدول وقادهم لنهائي كأس الاتحاد الأوروبي.
انتظر الجميع عودة باجيو إلى أرتيمو فرانكي ليس كنجم له وإنما كعدو يحمل القميص رقم 10 الشهير في يوفنتوس والذي ورثه من ميشيل بلاتيني وجاء الموعد في السابع من أبريل 1991 ولقاء الإياب من ذاك الدوري.
تحدث جيانكارلو رينالدي أحد مشجعي فيورنتينا عن الأجواء قبل تلك المقابلة قائلا "لقد كان التوتر في كل مكان والأعصاب مشدودة فالمدينة لم تكن قد هدأت بعد من أثار تلك الصفقة والخوف من اندلاع أحداث شغب وعنف كان مسيطرا على الجميع".
أمنت الشرطة الإيطالية حافلة يوفنتوس ومقر إقامته منذ خروجه من مدينة تورينو وحتى وصول اللاعبين لأرضية الملعب، تعرض باجيو بكل تأكيد لكل أنواع الإهانات والسباب من جماهير فريقه السابق التي احتفلت بتقدم فريقها بهدف في الشوط الأول.
حصل يوفنتوس على ركلة جزاء في الشوط الثاني ليعم الصمت كل أرجاء الملعب، هل يتقدم متخصص ركلات الجزاء باجيو للتسديد!
لا باجيو يبتعد حتى لا يهز شباك فريقه السابق ولويجي دي أوجستيني يتقدم لتسديد الركلة التي نجح حارس الفيولا جيانماتيو مارجريني في التصدي لها ليضمن لفريقه الثلاث نقاط من المباراة.
أثناء خروج باجيو مستبدلا في الدقائق الأخيرة من المباراة شوهد يقوم برفع أحد الوشاحات التي تحمل شعار فيورنتينا ويلفها حول رقبته مشيرا للمدرج الذي يحتله مشجعي فيورنتينا للتعبير عن امتنانه لهم قبل التوجه مباشرة إلى داخل غرف الملابس لتأمينه من الجماهير الغاضبة.
لم تتعاطف جماهير فيورنتينا بذلك التصرف الذي أثار غضب مشجعي يوفنتوس والذي توجه 300 منهم إلى المقر التدريبي للسيدة العجوز بعد عودتهم من فلورينسا وذلك لمهاجمة نجم فريقهم على تصرفه ذاك.
خرج المدير الفني ليوفنتوس لويجي مافيردي للدفاع عن نجم فريقه فقال "على جماهير يوفنتوس أن تفتخر بما فعله باجيو بوشاح فيورنتينا أما عن ركلة الجزاء فلم يرفض اللاعب تسديدها لقد أتفقنا قبل المباراة على ذلك والسبب أن الحارس مارجريني قد واجه باجيو في أكثر من 800 ركلة جزاء خلال الفترة التي قضاها في فيورنتينا".
العداوة بين فيورنتينا ويوفنتوس لا تراها في مدينة تورينو فهي تظهر فقط في فلورينسا وهو ما جعل الكاتب أدام دجبي يذكر في كتابه - يوفنتوس تاريخ من الأبيض والأسود - "المباراة تشكل أهمية كبرى لجماهير فيورنتينا أما بالنسبة ليوفنتوس فالرغبة بالفوز لا تشكل أهمية كروية وإنما فقط حتى لا تفرح جماهير الخصم".
العديد من الانتقالات حدثت بين الطرفين بعد ذلك كان آخرها انتقال نجم فيورنتينا الشاب فريدريكو بيرنارديسكي إلى السيدة العجوز الصيف الماضي، والأمس كان تاريخ عودته لأول مرة إلى أرتيمو فرانكي بعد رحيله.
تم استقبال بيرنارديسكي بالهتافات المعادية بالطبع والجناح الإيطالي لم يتراجع عن ركلة حرة مباشرة في أحد البقاع السحرية حول منطقة الجزاء والتي يفضلها ليسكن الكرة الشباك بتسديدته.
أعاد بيرنارديسكي لذاكرة جماهير فريقه السابق فيورنتينا الأهداف التي كان يسجلها لهم بل وأعاد لهم ذكريات أهداف باجيو من الكرات الثابتة وصدمتهم لم تتوقف عند تلك النقطة فقط بل وجدت الجماهير بيرنارديسكي ينطلق محتفلا بهدف تقدم فريقه الجديد يوفنتوس في المباراة.
نعم سجل باجيو في مسيرته بعد ذلك 9 أهداف في مرمى فيورنتينا منهم 5 أهداف كانت في أرتيمو فرانكي أمام أعين مشجعي فريقه السابق ولكنه على الأقل أحترم غضبهم المشتعل في أولى المواجهات بعد عودته لهم.
لمشاهدة باقي حلقا فورزا كالشيو اضغط هنــــــــــا.